٢٦ سبتمبر نت:
2025-03-10@16:17:33 GMT

نص المحاضرة الرمضانية الرابعة لقائد الثورة

تاريخ النشر: 16th, March 2024 GMT

نص المحاضرة الرمضانية الرابعة لقائد الثورة

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.

أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:

السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

تحدثنا في سياق الكلام عن أهمية التقوى، وما تعنيه لنا في الدنيا، وأهميتها والحاجة إليها في الآخرة، على ضوء بعضٍ من الآيات القرآنية المباركة، ونماذج في تلك الآيات المباركة عن أحوال الناس يوم القيامة، وعن حال الإنسان، سواءً في المرحلة الأولى من يوم القيامة، التي هي النفخة الأولى، والصيحة الأولى، التي بها دمار العالم، وإعادة تشكيله وصياغته، وخراب السماوات والأرض، وإعادة تشكيلهما، {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ}[إبراهيم: من الآية48]؛ أو في النفخة الثانية والحشر للحساب، ومواقف الحساب على المستوى الشخصي، وعلى المستوى الجماعي، وحال الناس عندما يتم تسليمهم صحائف أعمالهم، وكتبهم، فعلى ضوء الآيات المباركة شرحنا البعض من تلك الحالات، وعن أهمية ما يعنيه لنا ذلك في هذه الدنيا؛ لكي نتذكر ونحن هنا في هذه الحياة والفرصة مواتية.

نواصل الحديث، مع أهمية أن نركز جميعاً على أخذ العظة والعبرة، وأن يدرك الإنسان أنه معنيٌ بكل ذلك، أنه هو شخصياً من هؤلاء الذين يتحدث عنهم القرآن الكريم بأن الله سيبعثهم يوم القيامة، وأنه سيحاسب ويسأل ويجازى؛ ولذلك يُحَذِّر الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" في القرآن الكريم من حالة الغفلة، التي إن استحكمت على الإنسان فلها تأثيرٌ خطير على الإنسان، لا يبالي تجاه أعماله، وأقواله، وتصرفاته، يتعامل باستهتار، ووفق هوى النفس والمزاج الشخصي، وهي حالة خطيرة جداً، يقول الله "جلَّ شأنه": {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ}[الأنبياء: 1-3]، ينبغي أن نحرص على أن نسمع هدى الله، أن نستمع بإصغاء، بتفهم؛ لكي نستفيد من ذلك.

تحدثنا عن مواقف القيامة، على ضوء الآيات المباركة، وموقف الحساب، ومن المواقف التي يتحدث عنها القرآن الكريم والأحوال في ساحة المحشر، ما يظهر على الإنسان إمَّا في حالة المبشرات والفلاح، وفي الحالة التي يتبين فيها فوزه ونجاته، أو في الحالة الأخرى: ما يظهر عليه عندما تظهر خيبته، وخسرانه، ويتجلى له سوء ما عمل، ويتضح مصيره، تظهر الدلائل التي تدل على مصيره، أنه هالكٌ وخاسر، وإلى جهنم والعياذ بالله، هذا يظهر على الإنسان حتى في وجهه.

يقول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" عن مقامات وأحوال يوم القيامة: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}[آل عمران: الآية106]، يعود هذا إلى ما عمله الإنسان من أعمال في هذه الدنيا، إن كان اتقى الله، واستجاب لله، وعمل الأعمال الصالحة، التي أمره الله بها في القرآن الكريم وفي هديه إلى رسله، وعمل الأعمال المشرِّفة التي يَبْيَض بها وجهه، تُشَرِّف الإنسان في هذه الدنيا، يَبْيَضُّ وجهه يوم القيامة؛ لأنه يوم القيامة يكون مسروراً، سعيداً، راضياً عن نفسه، وعن عمله، وعن مواقفه؛ فَيَبْيَض وجهه، مع السرور العظيم والفرح والاستبشار، ومع هذه العلامة التي يعطيها الله، كعلامة أيضاً للفوز، للفلاح.

والحالة الأخرى، التي كان الإنسان فيها مُفَرِّطاً في تقوى الله "جلَّ شأنه"، وقف في هذه الدنيا مواقف الخزي، المواقف السيئة، مواقف الارتداد عن مبادئ الإيمان وقيمه وأخلاقه، فهي حالة شنيعة، سيئة، مخزية في الدنيا، وتتجلى في يوم القيامة مع حزن الإنسان، وأسفه الشديد، وشعوره العميق بالخسارة الرهيبة، وندمه، ندمه الذي هو عذابٌ نفسيٌ رهيب، ومع العلامة التي يوسم بها، يَسْوَدُ وجهه بشكلٍ شديد جداً، اسوداداً شديداً رهيباً.

وتأتي هذه الآية المباركة في سياقٌ مهم: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}، تأتي في (سورة آل عمران) في سياق الآيات التي تحدثت عن خطر أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وعن عداوتهم الشديدة للإسلام والمسلمين، وعن طبيعة الصراع معهم، وعن سعيهم لإبعاد الأمة والارتداد بها عن الإيمان، وعن طريق الإيمان، {يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}، بطاعتهم تكون النتيجة هي تلك النتيجة: {إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}[آل عمران: من الآية100]، ويتجلى تأثير ذلك النشاط لأهل الكتاب، في تأثيرهم على الكثير من أبناء الأمة، في التراجع عن أمور مهمة من الدين، منها ما هو مواقف، منها ما هو توجيهات، منها ما هو التزامات أخلاقية؛ لأنهم يركزون على الجانب الإيماني في كل شيء: في المواقف، في الأخلاق، في القيم، يحاولون أن يمسخوا الأمة، وأن يرتدوا بها عن تعليمات الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[آل عمران: 106-107].

يقول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ليبيّن أيضاً هذه الحالة التي تظهر في وجوه الناس يوم القيامة، في وجوه من كسبوا السيئات، وانحرفوا عن نهج الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وفرَّطوا في تقوى الله "جلَّ شأنه": {وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ}[يونس: من الآية27]، يعيشون بدءاً من ساحة المحشر في حالة من الذلة، والهوان، والخزي، {وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا}[يونس: من الآية27]، هذا تعبير وتصوير عجيب لمدى اسوداد وجوههم يوم القيامة، حالة رهيبة جداً، {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[يونس: من الآية27].

في الفصل بين العباد يوم القيامة تبرز القضايا الكبيرة؛ لأن المشكلة لدى الكثير من الناس في الدنيا: أنهم ينظرون هم بمعيارهم الشخصي إلى القضايا، فقد يقف من قضية في غاية الخطورة، وفي غاية الأهمية، ويترتب عليها عقوبات ونتائج كبيرة جداً، يقف منها موقف المستهتر، المتهاون؛ لأنه نظر بمعياره هو الشخصي، ليس بمنظار القرآن الكريم، لم ينظر موقعها، وأهميتها، ومستواها في القرآن الكريم، بل كان له تقديره الشخصي، ونظرته الشخصية، التي هي مزاجية، وهذه مسألة خطيرة جداً على الإنسان؛ لأن القرآن هو كتاب هدى، والله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" يحاسبنا يوم القيامة بالمعيار الحق، بالميزان الصحيح على الأعمال، ليس وفق تقديراتنا المزاجية، الناقصة، القاصرة، التي تستند إلى الفهم الخاطئ، وإلى تقديرات منبعها هوى النفس، ونظرة الإنسان الشخصية.

ولهذا نجد- مثلاً- في قول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" تجاه خطورة اليهود على هذه الأمة، ومدى ما يترتب على التهاون في الصراع معهم، من نتائج خطيرة على الأمة في دينها ودنياها، يأتي الأمر فيما يتعلق بالتقوى تجاه هذا الأمر، في قوله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى": {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}[آل عمران: من الآية102]، (حَقَّ تُقَاتِهِ)، في هذا الموطن بالذات، وفي السياق بالذات أتى الأمر بالتقوى بأعلى مستويات التقوى، ولم يأتِ في القرآن الكريم في أي موطنٍ آخر أمر بهذه الصيغة أبداً؛ للأهمية الكبرى، وما يترتب على ذلك من نتائج.

نجد في القرآن الكريم أيضاً في قول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" عن الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعض، في مقام العمل، والاتِّباع، والالتزام: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ}[البقرة: من الآية85]، والعياذ بالله، قبول بعضٍ من تعليمات الله وتوجيهاته في كتابه، ورفض البعض الآخر؛ لأنه لم يتوافق مع هوى النفس ورغباتها، له عقوبته الشديدة: خزيٌ في الدنيا، في الآخرة أشد العذاب والعياذ بالله.

مما يبرز في مواقف الحساب يوم القيامة: تبرؤ المتبوعين في الباطل، وفي طريق الضلال، وفي الاتجاه الخاطئ، المنحرف عن نهج الله، وفي التفريط في تقوى الله، تبرؤهم من أتباعهم: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ}[البقرة: الآية166]، وهي حسرة شديدة عليهم؛ لأنهم في الدنيا اتبعوهم في الباطل، وقفوا معهم في مخالفة هدي الله وتعليماته، اختاروا أن يتجهوا معهم بعيداً عن نور الله، عن هدي الله، عن تعليمات الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، أيَّدوهم، نصروهم، أحبوهم، كانوا موالين لهم، وقفوا في صفهم، استفادوا منهم في مسألة أن يكونوا سنداً لهم، أن يتسلَّقوا من على أكتافهم، ليكونوا في مستوى مُعَيَّن من النفوذ، وغير ذلك؛ فتبرؤهم منهم يوم القيامة حسرات شديدة عليهم، {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ}، وهو مشهد رهيب جداً مشاهدة العذاب! {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ}، انتهت العلاقات ولم يبقَ لهم أي وسيلة للنجاة، {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}[البقرة: الآية167].

في مواقف الحساب يوم القيامة، المواقف المتعددة؛ لأن مواقف ومقامات يوم القيامة كثيرة في ساحة الحشر، من أبرز ما فيها هو: حالة الندم الشديد، الذي يُعَبِّر الإنسان عنه كثيراً في يوم القيامة، بدءاً من قوله: {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}[الفجر: من الآية24]، ما سَيُعَبِّر به الإنسان من تحسر وندم هو من ورائه حالة نفسية رهيبة جداً، حالة رهيبة للغاية، من الندم الشديد، والعذاب النفسي الشديد، والحسرة الشديدة؛ لأن الإنسان يرى أنه هو بنفسه أوصل نفسه إلى ما وصلت إليه من الخسارة، بعد أن أتاح الله له في الحياة الدنيا الفرصة الكافية، للعمل بما فيه نجاته، وفوزه، وفلاحه، وسلامته.

{يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ}، مما يعبِّر به الإنسان الخاسر عن حسرته، وعن ندمه الشديد، {وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ}[الزمر: من الآية56]، وهي الحالة الخطيرة لدى الكثير من الناس المستهترين، {لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}[الزمر: من الآية58]، يتمنى أن لو أمكن له الرجوع إلى هذه الدنيا، {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي}[الفرقان: 27-29]، الحالة خطيرة بالنسبة للإنسان، يظهر حسرته، ندمه، أسفه، وهكذا.

في مشاهد الحساب يوم القيامة، وبعد إنجاز مهمة الحساب الجماعي والفردي، تبدأ عملية الفرز؛ {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}، وليَمِيز أصحاب الجنة عن أصحاب النار، وهي البداية التي يفترق فيها المجتمع البشري فراقاً أبدياً، بعد أن عاشوا في الحياة الدنيا على كوكب الأرض جميعاً، عاشوا في مناطق، في بلدان، في مدن، في قرى، بشكلٍ مشترك، سيبدأ الافتراق الأبدي فيما بينهم من ساحة المحشر، بعد تمييزهم وفرزهم في ساحة الحساب، يقول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى": {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ}[يس: الآية59]، هذا العنوان لكل أهل جهنم، بكل أصنافهم وفئاتهم، يمتازوا في جهة لوحدهم، ويمتاز المؤمنون عنهم، {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}[الأنفال: من الآية37]، وهذا هو في بداية الترتيب للانتقال من ساحة الحساب.

من المشاهد الرهيبة جداً في ساحة الحشر: عندما تقترب مسألة الانتقال من ساحة الحشر؛ لينتقل أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار: هو المجيء بجهنم والعياذ بالله، مشهد رهيب للغاية! قال الله تعالى: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ}[الفجر: من الآية23]، ذلك العالم الرهيب، الذي سينتقل إليه كل الخاسرين، حالة رهيبة جداً، في المقابل: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ}[ق: الآية31].

في الترتيب لعمليات النقل إلى ذلك الموطن الجديد لكل جهة، الموطن الجديد لأهل الجنة هو الجنة، وأهل النار إلى النار والعياذ بالله، قبل الانتقال وبعد أن اجتمع كل الذين سينقلون إلى النار، اكتملت عملية الحساب بشكلٍ كامل، وتم جمعهم لوحدهم كل الذين سيتجهون إلى النار، وما قبل أن ينتقلوا هناك أيضاً موقف من المواقف، موقف هو سيءٌ جداً للإنسان، على الإنسان أن يفكر فيه؛ ليحذر ألَّا يكون من الذين يحضرون في ذلك الموقف.

في ذلك الموقف، وقد جمعوا بكلهم، يقوم الشيطان ليلقي كلمته فيهم، الشيطان الذي دعاهم إلى عذاب السعير، {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}[فاطر: من الآية6]، الشيطان الذي آثروا الاستجابة له، بدلاً من الاستجابة لتوجيهات الله، ونداءات الله، وتعليمات الله، التي فيها النجاة والفوز والفلاح، يلقي فيهم كلمة: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ}، اكتملت مسألة الحساب، عملية الحساب، امتاز أهل النار، حُكِم بِحُكْم الله فيهم وفي مصيرهم إلى جهنم والعياذ بالله، {إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ}[إبراهيم: من الآية22].

لاحظ ما أسوأ هذه الحالة! يفكر الإنسان في نفسه، ماذا لو كان- والعياذ بالله- ممن يتكلم معه الشيطان، ويسخر منه، ويشمت به، ويتبرأ منه، في ذلك الموقف الرهيب جداً، فهو نسي الله، ونسي توجيهات الله وتعليمات الله، واستجاب للشيطان، فتكون الحالة رهيبة جداً! {مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

من المواقف في ساحة القيامة عند الفرز، عند أن يمتاز أهل النار إلى النار، ويميز الله الخبيث من الطيب، وعند أن يتجه أهل الجنة في الاتجاه الذي ينتقلون منه إلى عالم الجنة، هناك موقفٌ أيضاً ملفتٌ جداً ومؤثِّر تحدث عنه القرآن الكريم، وهو: موقف المنافقين، الذين كانوا ينتمون إلى الإسلام، ويحسبون على الأمة، وعاشوا بين أبناء هذه الأمة كمحسوبين عليهم، فيوم القيامة لا يسمح لهم بالذهاب معهم، ويمنعون، يمنعون، وهي حالة رهيبة جداً! يقول الله عنها في القرآن الكريم: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13) يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}[الحديد: 13-15]، المنافقون كانت مشكلتهم: في ولائهم لأعداء الإسلام، في التربص، في الارتياب، في التخريب في الوضع الداخلي للأمة، في الغرور بالأماني، بدلاً من العمل الجاد، والاستجابة العملية لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".

ثم تأتي حالة التفرق- كما قلنا- للمجتمع البشري للأبد، {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ}[الروم: الآية14]، تتفرق الكثير حتى من الأسر، تفرق الكثير من الناس الذين كانت تجمعهم مواطن واحدة: قرية واحدة، مدينة واحدة، حي واحد يجتمعون في المناسبات وغيرها، لكن نتائج الأعمال فرَّقت بينهم في الاتجاهات بشكلٍ أبدي.

ثم تبدأ مرحلة الانتقال من ساحة الحشر، من كوكب الأرض، في تلك الحالة التي كان قد أعد فيها ليكون ساحةً جرداء، ليس فيها أي معالم للحياة؛ إنما كانت قد تحولت إلى ساحة، إلى صعيدٌ جُرُز من أجل الحساب عليها. تبدأ عملية الانتقال- والعياذ بالله- لأهل النار إلى النار، إجبارياً؛ لأنهم لا يرغبون في ذلك، بل يحاولون أن يمتنعوا، وأن يتمسكوا ويتشبثوا بالبقاء هناك في ساحة الحساب، هم يدركون الهول الرهيب، والخسران العظيم في انتقالهم إلى جهنم.

الوجهة إلى نار جهنم هي وجهةٌ بعيدةٌ عن الوجهة إلى الجنة؛ ولهذا يسميها الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" في القرآن الكريم بصراط الجحيم: {فَاهْدُوهُمْ} يخاطب الملائكة: دلوهم واذهبوا بهم، {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ}[الصافات: من الآية23]، والله أعلم، لا نستطيع أن نتخيل ما هي الوسائل التي سينقلون عليها إلى نار جهنم والعياذ بالله!

لكن ما قبل الانتقال هناك وقفة، يقول الله: {وَقِفُوهُمْ}؛ لأنهم سيتحركون بهم وهم أعداد هائلة جداً، بالمليارات من البشر، جموع كبيرة جداً من الأولين والآخرين؛ لأن القرآن يُبَيِّن أنَّ أغلبية البشر- للأسف الشديد- يخسرون، يهلكون؛ لانصرافهم عن نهج الله، وعدم استجابتهم لله، {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا}[يس: من الآية62]، الشيطان، الشيطان تمكن- باستجابة الناس له انجراراً وراء أهواء أنفسهم- من إضلال الكثير الكثير، {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24) مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ}[الصافات: 24-25]، على كثرتهم، وبجموعهم الهائلة جداً، والأفواج الضخمة جداً، هل يستطيعون أن يتعنتوا، أن يتمردوا، أن يمتنعوا، وأن يحموا أنفسهم من ذلك المصير الرهيب، إلى عذاب جهنم والعياذ بالله؟ لا يستطيعون أبداً، لا يستطيعون الامتناع، ولا يستطيعون حماية أنفسهم.

{مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (25) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ}[الصافات: 25-26]، الحالة حالة استسلام، ثم تنقلهم الملائكة (زبانية جهنم) رغماً عنهم، نقلاً إجبارياً، بعد أن يقيَّدوا بالقيود الرهيبة، بالقيود الشديدة، التي ستكون جزءاً من عذابهم، {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا}[الطور: الآية13]، يدفعون دفعاً، ويأخذون رغماً عنهم، {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ}[الرحمن: الآية41]، بالدفع والسحب رغماً عنهم.

يساقون إلى جهنم وهم في حالة رهيبة جداً من العطش الشديد، من حالة المنظر البشع، باسوداد وجوههم، وتغير ألوانهم، وحالتهم التي تعبِّر عن البؤس، وعن الشقاء والعياذ بالله، يساقون من دون تكريم بكل إهانة، كما تساق الحيوانات، {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا}[مريم: الآية86].

يساقون أفواجاً وزمراً، كما في الآية المباركة: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا}[الزمر: من الآية71]، أعداد هائلة جداً، تندهش الملائكة من خزنة جهنم عندما يصلون إلى أبواب جهنم، على كثرتهم الهائلة، أين كان هدى الله فيكم؟! كيف لم تهتدوا بهدى الله؟! الأمة الإسلامية، الهالكين منها، أين كان القرآن؟! أين كنتم تجاه آيات الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"؟! {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ}[الزمر: من الآية71]؛ لأن المشكلة عندهم هم، في ابتعادهم عن نهج الله، {قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ}[الزمر: الآية72].

من المواقف الرهيبة جداً: حينما يصلون إلى مشارف جهنم، حينما يقتربون من نار جهنم، بعد أن نقلوا إليها، هي من المواقف الرهيبة جداً، يزداد خوفهم الشديد، شعورهم العميق بالخسران، ندمهم، عذابهم النفسي، في تلك الحالة من الخوف الشديد، والقلق الشديد، يحاولون أن ينكروا من جديد ما قد ثبت عليهم حتى في صحائف أعمالهم، يحاولون أن ينكروه من جديد، الأعمال التي أوصلتهم إلى نار جهنم، وحينها ما الذي يحدث؟ يقول الله تعالى: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ}[فصلت: الآية19]؛ لأنهم أعداد هائلة جداً، {حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[فصلت: 20-21]، الإنسان حينها لا يبقى لديه أي مجال أبداً للإنكار، شهدت عليه حواسه، وجوارحه، وجلده، فلا يبقى لديه أي مجال أبداً للإنكار؛ إنما يعيش حالة الأسف، والغيظ، والكره لنفسه، والغضب من نفسه، والاستياء من نفسه، كيف فرَّط بنفسه إلى ذلك المستوى؟!

في تلك الحالة يتم تجهيزهم لإدخالهم إلى نار جهنم، بعد فتح أبوابها، {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ}[الحجر: الآية44]، وهي دركات، بمستويات تتناسب مع أعمالهم، مع جرائمهم، مع ذنوبهم في أنواع العذاب والعياذ بالله، يدخلون إلى جهنم رغماً عنهم بالإلقاء لهم إليها، إجبارياً، لا يدخلون برغبة، ودخولاً عادياً؛ إنما يلقى بهم، أفواج هائلة يلقى بهم بشكل جماعي، أفواج إلى نار جهنم رغماً عنهم، وهم في حالة ليس لديهم فيها- فيما بينهم- أي مستوى من التضامن، أو المواساة، أو التعاطف تجاه بعضهم البعض، بل كما قال الله عنهم: {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا}[الأعراف: من الآية38]، يقول عنهم أيضاً: {هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ}[ص: من الآية59]، الذين قد وصلوا إلى نار جهنم، ثم تأتي من بعدهم أفواج، فيقولون هكذا: {هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ}[ص: من الآية59]، ليس هناك ترحيب، ولا مواساة، ولا تضامن، ولا تعاطف... ولا أي شيء أبداً، {لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ (59) قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ}[ص: 59-60]، حتى من كانوا معهم في الدنيا في موقف الباطل، في الاتجاه المخالف لهدى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، لا يرحِّبون بهم، بل يعيشون فيما بينهم ذلك الجو من الخصام واللعن.

في نار جهنم، وعند الدخول إلى نار جهنم، يدخلون مقيدين، بقيود الله التي لا مثيل لها، من سخط الله وعذابه، {وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ}[الفجر: الآية26]، حالة رهيبة جداً، {خُذُوهُ}[الحاقة: من الآية30]، يخاطب الله الملائكة، {فَغُلُّوهُ}[الحاقة: من الآية30]، حالة رهيبة جداً، عندما يقيَّد الإنسان إلى رقبته!

عندما يدخلون إلى نار جهنم فهناك الملابس الجهنمية، ملابس رهيبة، جزءاً من عذابهم الشديد، {قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ}[الحج: من الآية19]، يُفَصَّل لهم ثياب، كل إنسان بمقاسه، لكنه ثوبٌ ناري، يبقى مشتغلاً فوق جسمه، يتعذَّب بحرارته، مع السرابيل أيضاً كما قال الله "جلَّ شأنه": {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ}[إبراهيم: من الآية50]، قَطِرَان يفرزه الجسم مع احتراقه من الثوب الناري، فيتحوَّل شكل الجسم ولونه إلى بشع، يكون المنظر فظيعاً جداً، منظر فظيع للغاية! بدلاً من أن يكون للإنسان ثوب جميل يتزين به، هو ثوبٌ ناري، يحترق به الجسم، ويفرز القطران، فالإنسان في تلك الحالة في منظر بشع للغاية، وهو يتعذَّب والعياذ بالله.

ثم حالة الظمأ الشديد، والجوع الشديد، الذي هو جزءٌ من عذابهم، ومن وقت ما كانوا في ساحة المحشر وهم يعانون من الجوع، يعانون من الظمأ الشديد، لم يقدَّم لهم شيءٌ في ساحة المحشر، لا من الطعام، ولا من الشراب، بل مُنِع عنهم، عندما كانوا ينادون المؤمنين: {أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ}[الأعراف: من الآية50]، امتنعوا، وأخبروهم أنَّ هذا ممنوعٌ عليهم، ومحرَّمٌ عليهم، فهم يَرِدون إلى جهنم- كما قال الله عنهم: {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا}[مريم: الآية86]- كالحيوانات التي تساق وهي ظامئة جداً.

في حالة من الظمأ الشديد جداً في نار جهنم، مع احتراقهم فيها، وشدة التهاب أجسامهم، يزداد الظمأ جداً جداً، يستغيثون، عند الاستغاثة ما الذي يقدم لهم؟ {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا}[الكهف: من الآية29]، وهم من شدة الظمأ، {يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ}[الكهف: من الآية29]، ليس ماءً نقياً، ولا صافياً، ولا صالحاً للشرب، {كَالْمُهْلِ}، مثل: حثالة الزيت، {يَشْوِي الْوُجُوهَ}[الكهف: من الآية29]، ذلك الماء الكدر جداً، غير النقي نهائياً، هو في شدة الحرارة، بمجرد أن يقترب منهم ليشربوه؛ يشوي وجوههم بحرارته، حرارة رهيبة جداً، يشتوي منها الوجه بمجرد اقتراب ذلك الماء الحار جداً من وجوههم ليشربوه، لكن من شدة الظمأ يشربون ذلك الماء؛ فتكون النتيجة: كما قال الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى": {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ}[محمد: من الآية15]، في تقريبه ليشربوه؛ يشوي وجوههم، وفي شربهم له؛ يُقطِّع أمعاءهم في داخلهم، فيكون عذاباً شديداً ومحرقاً لهم والعياذ بالله، ومع ذلك يشربون يشربون ولا يرتوون أبداً، تبقى حالة الظمأ، كلما شربوا ذلك الحميم، الذي يشوي الوجوه، ويقطِّع الأمعاء، ويحرق الإنسان في داخله؛ فلا يرتوون منه أبداً، {فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ}[الواقعة: الآية55]، الإبل التي تصاب بالهيام، مرض عطش، تشرب ولا ترتوي، حالة رهيبة جداً.

جزءٌ من شراباتهم في نار جهنم، وهي متنوعة: الصديد والعياذ بالله، على قبحه، على ما هو مكروهٌ في مذاقه، في رائحته، في تعفُّنه، في مذاقه البشع جداً... في كل شيء، {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ}[إبراهيم: 16-17]، حالات رهيبة جداً.

الطعام كذلك، هم يتعذَّبون بالجوع الشديد، ومن شدة جوعهم يأكلون الزقوم، يأكلون الزقوم الذي هو طعامٌ بشعٌ جداً في نار جهنم، جزءٌ من عذاب جهنم، بشعٌ للغاية في شكله، {طَلْعُهَا}- يقول عن شجرة الزقوم- {كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ}[الصافات: الآية65]، في مذاقه البشع للغاية، في حرارته الشديدة جداً، {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيم}[الدخان: 43-45]، الزقوم والضريع الذي قال الله عنه: {لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ}[الغاشية: الآية7].

ما يستنشقونه في نار جهنم بديلاً عن الأكسجين في هذه الدنيا، هو: السموم، الذي هو هواءٌ حارٌ جداً جداً، يدخل إلى الجسم، فيملأ الجسم في كل خليةٍ من خلايا الإنسان، بالحرارة الشديدة جداً، إلى درجة أنَّ أهل الجنة في الجنة يحمدون الله، ويشكرونه، ويشعرون بمنَّة الله عليهم أنهم سلموا من ذلك النوع من العذاب، يعني: لو لم يكن في جهنم إلَّا عذاب السموم، لكان وحده عذاباً رهيباً جداً جداً؛ ولهذا قال الله عنهم أنهم يقولون: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ}[الطور: الآية27].

أمَّا حال أهل النار، فالله يقول عنهم: {فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ}[الواقعة: الآية42]، كلما استنشقوه، وهم يستنشقون بصعوبة، {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ}[هود: من الآية106]، في حالة زفير وشهيق يستنشقون بصعوبة شديدة من سموم جهنم، ثم يخرجونه بصعوبة شديدة، فهي حالة من عذابهم الشديد، حتى مسألة التنفس في داخل نار جهنم والعياذ بالله.

الاغتسال في نار جهنم، يغتسلون بحميمٍ في منتهى الحرارة، {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ}[الحج: 19-20]، حالة رهيبة جداً!

السباحة ليست سباحة اختيارية، {إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ}[غافر: 71-72]، تسحب بهم الملائكة وهم بالسلاسل بين حميم نيران جهنم الشديدة جداً والعياذ بالله.

الآلام الشديدة، والعذاب النفسي والجسدي الرهيب جداً، الإنسان يبقى في منتهى الأوجاع والآلام، حالة رهيبة جداً! يتألم من كل شيء، كل مكان في جسده وهو يُحِسُّ فيه بعذابٍ وأوجاعٍ وآلامٍ شديدةٍ جداً، كان أي جزءٍ منها لو بقي موتٌ لمات منه؛ ولهذا يقول الله عنهم: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ}[الفجر: الآية25]، عذاب شديد جداً، {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ}[إبراهيم: من الآية17]، {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ}، {لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}، {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، {لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}، عذاب بكل ما تعنيه الكلمة، أوجاع شديدة للغاية، آلام شديدة جداً، لكن بمنتهى ما يمكن أن يتخيله الإنسان وأكثر من ذلك.

مع كل تلك العذابات، والأوجاع، والآلام، والأحوال الرهيبة جداً، لا ينفع الدعاء ولا ينفع التضرع، ولا ينفع البكاء، ولا ينفع الصراخ أبداً، {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا}[فاطر: من الآية37]، هم في حالة من الصراخ مع ما يتقلَّبون فيه من العذاب، ويتخبَّطون فيه من العذاب، ولا يستقر لهم حال، لا يستطيعون أن يجلسوا، وأن يستقروا بهدوء؛ من شدة الآلام والعذاب؛ فيدعون الله: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ}[فاطر: من الآية37]، أدركوا أنَّ الذي أوصلهم إلى ما وصلوا إليه هو تفريطهم في العمل الصالح، أيام كانوا في هذه الحياة الدنيا، يحتج الله عليهم: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا}[فاطر: من الآية37]، ليس هناك مجال أبداً للعودة.

يدعون الله وهم في تلك الحالة الرهيبة، في خشوعٍ لا مثيل له، في بكاءٍ شديد، قد احترقت وجههم، وانقشعت شفاههم، {وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ}[المؤمنون: من الآية104]، في حالة رهيبة جداً! يحترقون بنيرانها، في منتهى العذابات، والآلام، والأوجاع، {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ}[المؤمنون: الآية107]، يطلبون فرصة واحدة، عودة إلى هذه الحياة، وفرصة واحدة للعمل، {قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ}[المؤمنون: من الآية108]، يمنعون في الأخير حتى من الدعاء.

بعد أن ييأسوا من الخروج، يطلبون التخفيف، ولو ليومٍ واحد؛ لأن الحالة في نار جهنم- والعياذ بالله- حالة رهيبة جداً! ولا لحظة واحدة يخفف فيها العذاب على الإنسان، ولا لحظة واحدة تخف عنه الآلام والأوجاع الرهيبة والشديدة، هو في حالة ضغط نفسي رهيب جداً، يجتمع عليه كل أصناف العذاب النفسي: ضجر شديد جداً، حزن شديد جداً، غضب من نفسه، وممن أوصله إلى ذلك العذاب الشديد جداً، كل أنواع العذابات النفسي، والآلام التي يعانيها من العذاب، من الاحتراق الشديد جداً، والشعور بالورطة، وأنه فرَّط في نفسه، حالة رهيبة جداً جداً! فلا ذرة من الرحمة، ولا لحظة يُفرَج فيها العذاب عن الإنسان، ولا لحظة فرج أبداً، حالة رهيبة جداً والعياذ بالله!

حينها يطلبون تخفيف العذاب، {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ}[غافر: من الآية49]؛ لأنهم قد منعوا من الدعاء، {ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49) قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى}[غافر: 49-50]، أتت الرسل، أتى النذير، أتى الهدى، وصلت دعوة الله، لكن المشكلة عند الإنسان، {قَالُوا فَادْعُوا}[غافر: من الآية50]، يعني: نحن لا نستجيز أن ندعو لكم، يرفضون الدعاء لهم، أو التوسط لهم، {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ}[غافر: من الآية50].

يطلبون الموت، يطلبون الموت؛ ليتخلصوا مما هم فيه؛ بينما الكثير من الناس في هذه الدنيا فعل كل ما أوصله إلى نار جهنم، وفرَّط فيما فيه نجاته من نار جهنم؛ خوفاً من الموت، هناك يطلبون الموت، {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}[الزخرف: الآية77]، لا مجال أبداً، لا مجال حتى للموت الذي يتمنونه، كل محاولاتهم للخروج والهروب تبوء بالفشل، وتتحول إلى جزءٍ من عذابهم، الملائكة بأيديهم كما قال الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، معهم {وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ}[الحج: 21-22]، وهي رحلة رهيبة في نار جهنم، يحاولون أن يخرجوا من نار جهنم، فيضربون بمقامع الحديد، ويعذَّبون بعذاب الحريق والعياذ بالله!

هذه نماذج فقط مما قدَّمه القرآن، وفيه حديثٌ واسعٌ جداً عن أحوال الآخرة، عن مقامات الحساب، عن أحوال الإنسان في نار جهنم، هي من الإنذار الذي أنذر الله به عباده، وحذَّرهم، حذَّرهم في هذه الدنيا، ودلَّنا على ما فيه نجاتنا، على ما يقينا من ذلك العذاب؛ ولذلك هو حجةٌ لله على عباده، ولا حجة للإنسان يوم القيامة أبداً.

الله يخاطب الناس في المحشر، الإنس والجن أيضاً، والجن أيضاً وليس فقط الناس لوحدهم، {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا}[الأنعام: من الآية130]، يشهدون على أنفسهم أنَّ الله قد أتمَّ عليهم حجته، بل يقولون عن أنفسهم في نار جهنم: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ}[الملك: 10-11].

ولذلك من المهم لنا أن ندرك قيمة هذه الفرصة في هذه الحياة، وقيمة هذه الفرص التي وهبنا الله إيَّاها، مثل ما هو شهر رمضان ببركاته، بما يربينا على تقوى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، بما يعزز من علاقتنا بالقرآن الكريم، بهدى الله وتعليماته، أن نتَّجه في الواقع العملي؛ لأنه ما هناك شيءٌ لا من المخاوف يستحق من الإنسان أن يفرِّط في نجاته، وأن يخاف خوفاً يدخله إلى نار جهنم، خوفاً من الطغاة، خوفاً من المجرمين؛ فيخنع لهم، ويخالف توجيهات الله، وتعليمات الله، خوفاً على مصالح من هذه الدنيا الزائلة، أي مخاوف توصل الإنسان إلى نار جهنم فذلك حماقة رهيبة جداً، أو شهوات وأطماع وإغراءات، توصل الإنسان إلى نار جهنم، وينسى كل شيء، أمر رهيب جداً، حالة خطيرة جداً! فما بالك وهناك فيما رسمه الله لنا في هذه الحياة الدنيا، طريق الخير، والفلاح، والنجاح، والعزة، والكرامة، والحياة الطيِّبة، ثم في الآخرة الجنة بما فيها من النعيم العظيم.

يجب أن نلتفت جميعاً إلى تذكير الله لنا، ونداءاته التي تدعونا لأن نقي أنفسنا من ذلك العذاب الشديد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[التحريم: الآية6]، لا يمكن أن يتعاطفوا معك، ولا أن يشفقوا عليك، ولا أن يرحموك أبداً، {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.

من المهم أن يغتنم الإنسان فرصة الشهر المبارك، في التَّوَجُّه نحو الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" بالدعاء بالعتق من النار، بالسعي إلى أن تزداد صلة الإنسان بهدى الله، أن يقوي إيمانه بالله، أن يتَّجه عملياً وفق توجيهات الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".

نَسْألُ اللَّهَ "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّج عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.

وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

المصدر: ٢٦ سبتمبر نت

كلمات دلالية: أهل النار إلى النار فی القرآن الکریم الکثیر من الناس الحیاة الدنیا فی هذه الحیاة فی هذه الدنیا فی تلک الحالة توجیهات الله کما قال الله قال الله عنه على الإنسان یوم القیامة لا یستطیعون الإنسان فی من المواقف یقول الله الله عنهم مجال أبدا أهل الجنة فی الدنیا شدیدة جدا تقوى الله من العذاب س ب ح ان ه ج وه ه م ال م ج ر م ت ع ال ى آل عمران ولا لحظة ال ع ذ اب إلى جهنم فی حالة فی ساحة الذی هو أ ص ح اب من ساحة لا ینفع حالة من من عذاب بعد أن ما فیه من شدة وهم فی فی ذلک ر الله کل شیء الذی ی التی ی من ذلک

إقرأ أيضاً:

في محاضرته الرمضانية السابعة: قائد الثورة: نحن بحاجة دائمة إلى رعاية الله سبحانه وتعالى وبدونها ينتهي الإنسان

 

الثورة /

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
في سياق قصة نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، وصلنا بالأمس إلى قول الله تعالى: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا}[الأنعام:76]، و شرحنا عن الخطوة الأولى، التي قرر أن يبدأ بها مشواره في تبليغ الرسالة الإلهية، ودعوة قومه إلى الإيمان بالله، والتوحيد لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وشرحنا طبيعة الظروف المعقدة في مجتمعه، وكيف يتطلب الأمر إلى أن تكون الخطوة الأولى خطوةً حكيمةً متدرجةً، يصل من خلالها بقومه إلى فهم الحقيقة، واستيعاب المبدأ العظيم، الذي يُبنى عليه الاعتقاد بالألوهية، فيتضح لهم أن تلك الأصنام التي يعبدونها، وأن كل الكائنات والمخلوقات ليست جديرةً أبداً بأن يكون شيءٌ منها إلهاً يعبد، وأنه لا إله إلا الله، هو الإله الحق وحده «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، فاتَّجه اتِّجاهاً عملياً، في إطار خطوة عملية، في صورة البحث عن الحقيقة، بما يلفت به نظرهم إلى الحقيقة نفسها، اتَّجه باستعراضٍ تأملي، وواضحٌ في الآية المباركة أنه بدأ بهذا التسلسل، الذي هو أيضاً تسلسلٌ في درجات الكمال، بدأ في الاستعراض التأملي مع كوكب، ثم مع القمر، ثم مع الشمس.
هذا الاستعراض التأملي كان بمرأى ومسمعٍ من قومه، يعني: لم يكن في حالة انفراد لوحده؛ لأن المسألة بالنسبة له واضحة، يعني: ليس هناك التباس عليه في مسألة الكوكب والقمر والشمس، ليست المرة الأولى التي يشاهد فيها الكواكب، أو يشاهد فيها الشمس، أو يشاهد فيها القمر، له عمر قد أمضاه في حياته في الدنيا، وهو يشاهد هذه الأشياء، وأيضاً ليس خافياً عليه أنها تطلُع ثم تغرب في أوقاتها المعتادة، هذه مسألة واضحة بالنسبة له، ولكنَّ هذا الاستعراض التأملي هو- كما قلنا- خطوةٌ عمليةٌ ابتدأ بها مشواره مع قومه؛ للفت نظرهم إلى الحقيقة.
اختار دخول الليل، لمَّا دخل الليل وغطَّى بظلامه، رأى كوكباً، البعض يقولون: أنه كوكب الزهرة، فقال أمام قومه بمسمعٍ ومرأى منهم: {قَالَ هَذَا رَبِّي}[الأنعام:76]، بمعنى ماذا؟ أنه يلفت نظرهم إلى أن الكوكب بإضاءته وعلوه هو أرقى من مستوى ما عليه أصنامهم، التي يعبدونها، ويعتقدونها آلهة، ويعتقدون لها بالربوبية، فذلك الكوكب الذي هو عالٍ في السماء، ومزهر ومضيء، بجماله، وعلوه، وإضاءته، هو أكمل منها، هذا تَرقٍّ في مبدأ الكمال، أنه أكمل منها هي، وأعلى شأناً حتى في نظرة الناس إلى الظواهر الكونية.
ثم استكمل استعراضه متى؟ عندما غرب ذلك الكوكب، {فَلَمَّا أَفَلَ}[الأنعام:76]: غاب، غاب عن المشاهدة وغرب، {قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ}[الأنعام:76]، يعني: لا أرتضي أن يكون (ما يأفل) ما يغيب عني وينقطع عني ربّاً لي، لماذا؟ لأنه في طلوعه في وقت مُعَيَّن، وغيابه وغروبه في وقت مُعيَّن، هو مُسيَّر، هو مُدَبَّر، هو يخضع لمن يسيِّره، لمن يدبِّره، لمن يُحَرِّكه، لمن خلقه ونظَّم له مساره في حركته، فهو كسائر المخلوقات والكائنات التي خلقها الله، خاضعةً لتدبيره «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» وتسييره، هذا جانب.
ثم في حالة الانقطاع التام، هو يغيب عني، كيف يمكن أن يرعاني؟! لأن الإنسان في علاقته بالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» باعتبار الألوهية والربوبية، الله ربنا وإلهنا، هو يرعانا، لا ينقطع عنَّا في أي حالٍ من الأحوال، نحن بحاجة دائمة إلى رعايته الدائمة، فهو يرعانا، لا يخفى عليه شيءٌ من أحوالنا أبداً، في أي لحظة، في أي ظرف، في أي مكان، ولا تنقطع عنَّا رعايته، لو انقطعت لحظةً واحدة، لانتهى الإنسان، وانتهى كل شيءٍ يتعلق به، فهو يقول: [لا أرتضي ربّاً]، إذاً هو هنا ارتقى بهم نقلة مُعَيَّنة.
طبعـاً، يظهر أنهم لم يُستفزوا من هذه المسألة في بدايتها؛ لأنها لا تزال- في تصورهم هم- في إطار المبدأ العام، الذي هو مبدأ تعدد الآلهة، وهم في هذا يختلفون، يعني: كل فئات الشرك، وهي فئات مختلفة، متنوعة، تختلف فيما بينها اختلافاً كبيراً في اختيار آلهتها المزيفة، التي تعتقدها آلهة، وتشركها مع الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» في معتقدهم في الألوهية.
ولهذا على مستوى الفئات الاجتماعية، مثلاً: قبيلة، ما بين قبيلةٍ وأخرى:
• قبيلة معها صنم خاص بها، اتَّخذته شريكاً، واعتقدت بألوهيته، وتعبده، تتقرب إليه بالقرابين، تُبَخِّره، تُنظِّفه، تهتم به، صنعته هي، أو أحدٌ من النحاتين فيها، أو اشترته بمبلغ مالي مُعيَّن، أو تبرع به أحدٌ من وجهائها… أو ما شاكل.
• قبيلة أخرى لها صنم آخر، باسم آخر، له اسم آخر، شكل آخر، قد يكون مكوناً أحياناً من مادة مختلفة مصنوعٌ منها، وهكذا.
ففئات الشرك تختلف فيما بينها، في أصنامها، في أسمائهم، في الأنواع نفسها، البعض حتى على هذا المستوى، كانوا يعبدون كواكب، أو يعبدون الشمس، أو يعبدون القمر… أو غير ذلك.
فلذلك هو في البداية، عندما طرح هذا الطرح، وهو في هذا السياق الاستعراضي، لم يستفزهم، لم يكن من جانبهم ردة فعل: [لماذا ترك أصنامهم مثلاً؟ لماذا لا يعبد أصنامهم؟]؛ هو لم يكن يعبدها حتى منذ البداية.
واصل عمله الاستعراضي في محطة ثانية: {فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا}[الأنعام:77]، يعني: مع طلوع القمر، بنوره الذي يصل إلى الأرض أقوى من نور الكوكب، {قَالَ هَذَا رَبِّي}[الأنعام:77]، وهو هنا أيضاً- في هذا السياق- يتسلسل بهم إلى ما هو أكمل في مستوى ضوئه، ونوره، وجماله المرئي من الأرض، ومشاهد في الأرض، {فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ}[الأنعام:77]: لمَّا غرب القمر وغاب، طرح نفس الإشكالية: هذا مع ضوئه ونوره، وهو أكمل في مستوى ما يصل من ضوئه ونوره إلى الأرض من الكوكب، لكنه يغيب، يأفل، هو مُسيَّر، مُدَبَّر، فالأكمل منه من يُسيِّره، من يُدبِّره، من يتحكم فيه، من أوجده ونظَّم مسار حركته، في طلوعه، في غروبه… وغير ذلك، وهو يغيب عني وينقطع عني، كيف يمكن أن يتولاني برعايته، وهو يمكن أن يجهل بحالي كليةً؟! مع أنه لا يملك- أصلاً- لا القمر ولا الكوكب أي إدراك، أو شعور، أو معرفة… أو غير ذلك.
هذه الجملة المهمة: {قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ}[الأنعام:77]، هي تُبيِّن حقائق كثيرة، منها: أنه في هذا الاستعراض التأملي يلفت نظر قومه؛ لأنه يقول هذا أمام مرأىً ومسمعٍ منهم، يلفت نظرهم إلى أن المستند الحقيقي في معتقدات الإنسان، التي ينبغي أن يعتقد بها في دينه، هو الهداية الإلهية، الهداية من الله، {لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي}، (رَبِّي) من؟ يعني: الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وهم يعرفون بهذا؛ لأنهم كمشركين لم يكونوا ينكرون الله ووجود الله.
كل فئات الشرك، التي ذكر الله قصتها في القرآن الكريم، مع مختلف الرسل والأنبياء، الذين تحدث عنهم في القرآن الكريم، كانت تعترف بالله، بوجوده، بأنه خالِق السماوات والأرض، خالق الناس أجمعين، خالق كل المخلوقات؛ ولهـذا سُمِّي انحرافهم بالشرك، سُمِّي شركاً، لماذا؟ لأنهم مع إقرارهم بأن الله هو الخالق، هو الربّ، هو الإله، لكنهم أضافوا- هم من عند أنفسهم- باعتقادهم الباطل ما يسمّونه آلهةً، ويعتقدون أنها تشارك في الألوهية، وإن بمستوى محدود ومستوى هابط، أو أنَّها تُقَرِّبهم من الله زلفى، كما في آيةٍ أخرى… وغير ذلك.
فعندما يقول: {لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي}، هم يدركون أنه يتحدث عن الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، هو هنا يؤكِّد هذه الحقيقة المهمة التي يجب أن يستوعبها الناس جميعاً: نحن كبشر كلنا بحاجة إلى هداية الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، من دون هدى الله، فالإنسان لا يمكنه الاكتفاء بنفسه.
الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» وهب الإنسان مدارك مُعيَّنة، مستوىً من الإدراك، من الفهم؛ لكن هذا المستوى الذي وهبك الله لا يغنيك عن الله، لا يغنيك عن هدايته، مهما كانت عبقرية الإنسان، في قدراته الذهنية، ومستوى التفكير لديه، لا يمكنه إطلاقاً أن يستغني عن هداية الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وفق سنة الله في الهداية.
الله يأتينا بهديه عن طريق رسله وأنبيائه، ثم يمتد الهدى، وتمتد مسيرة الهدى، مع ورثة كتب الله، الهداة الذين يهدون الناس بهدى الله نفسه، امتداداً لمسيرة الأنبياء والرسل «صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِم»؛ ولـذلك فهذه المسألة مهمة جدًّا، بدون هداية الله، الإنسان سيضل، سيضل مهما كانت عبقريته، مهما كان مستواه الفكري والثقافي، مهما كان نضوجه الفكري والثقافي.
الأمم والأقوام التي أشركت بالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، ووصلت في انحطاطها الفكري، وتخلفها الثقافي، إلى درجة أن تصنع أصناماً وتتخذها آلهة، فيها مفكرون، فيها فلاسفة، اليونان هي من الأمم التي أشركت بالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وهي من أشهر البلدان بفلاسفتها، الفلاسفة الكبار يعني، الذين بقي لهم صيتهم ولا يزال في المجتمع الغربي، وهي بلد الديمقراطية من قبل آلاف السنين، ومع ذلك كانت في هذا المستوى من التخلُّف، والضلال، والتيه، والضياع، الإنسان يضيع، يضيع، لا يصيب الحقيقة، حتى في الحقائق الكبرى المهمة، عندما يبتعد عن هدى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».
إذاً لابدَّ، لابدَّ من الهداية الإلهية، أن يكون الإنسان مرتبطاً بالله، في الاهتداء بهديه، والالتجاء إليه في نفس الوقت، وطلب الهداية، علَّمنا الله أن نلتجئ اليه دائماً في صلاتنا في كل صلاة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}[الفاتحة:7]، ورسم لنا طريق الهداية: كيف هي سنته في هداية عباده.
ولـذلك مسألة التَّلَقِّي الفوضوي الذي حذَّرنا منه، الفوضوي: عندما يكون الإنسان يَتَلَقَّى في المعتقدات الدينية والأمور الدينية أي طرح أي أفكار، أي كلام، ممن هبّ ودبّ، يتأثر بأي أطروحات، يتلقى من أي قناة فضائية، من أي شخص، من أي موقع في الإنترنت، يتلقَّف أي شيء، المسألة خطيرة جدًّا، هذه مسألة دين، في الحديث النبوي الشريف: ((إِنَّ هَذَا العِلْمَ دِين))، يعني: علوم الدين الإسلامي، ((فَانْظُرُوا عَمَّن تَأخُذُونَ دِينَكُم))، ليست مسألة لعبة وعبث.
{لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ}[الأنعام:77]، وهو نبي الله إبراهيم، في قمة النضوج الفكري، في قمة النضوج الفكري، قال الله عنه: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ}[الأنبياء:51]، برشده، ووعيه، ونضجه، وفهمه، هو يقول: بدون هدايةٍ من ربي، يعني: من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، {لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ}، سأضل مع بقية الضالين، بما فيهم من فلاسفة، وقادة، ومفكرين، وشخصيات اجتماعية، ورموز اجتماعية… وغير ذلك، كلهم يَضِلُّون، يَضِلُّون ويتيهون.
{فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً}[الأنعام:78]، يعني: مع طلوعها، عمل هذا الاستعراض الأخير مع طلوع الشمس، {قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ}[الأنعام:78]، يعني: لا يزال أكبر في حجمه، وأقوى في ضوئه ونوره من القمر، وأيضاً من الكوكب، {فَلَمَّا أَفَلَتْ}، عند غروبها، {قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ}[الأنعام:78]، يعني: هي ليست تصلح لأن تكون رباً، ولا إلهاً؛ لأنها مُسَيَّرة، الذي يُسيِّرها هو الله، الذي خلقها، وجعل لها هذا النظام في حركتها في الشروق والغروب، وفي حركة الأرض حولها، هو من؟ هو الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»؛ فهي ليست جديرةً بذلك، مع أنها أعلى شأناً، وأكثر فائدةً من تلك الأصنام التي في معابدهم.
حينها، بعد هذا التسلسل في درجات الكمال، والذي يبيِّن أن كل المخلوقات ناقصة، مُسيَّرة، مُدبَّرة، خاضعة لتدبير الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، محتاجة إلى الله، محتاجة هي، هي تعتمد على تدبيره وقدرته في إدارتها وحركتها، وبدون ذلك تنتهي، أعلن هذا الإعلان الصريح، الكبير، المهم: {قَالَ يَا قَوْمِ}؛ لأنه عمل هذا العرض من بدايته عندهم، يذهب إليهم، ويعلن هذا الإعلان، ثم يعود إليهم كذلك للإعلان عند الغروب، (الطلوع، والغروب)، {يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[الأنعام:78-79]، فهو عندما أعلن هذا الإعلان، بعد أن وصل بهم في ذلك الاستعراض التأملي، كما قلنا: ليست المسألة أنه أول ما رأى هذه الظواهر: يرى شمساً، يرى قمراً، يرى كوكباً، يرى طلوعه، يرى غروبه، فيتعجب ويلفت نظره، لا، هو استعراض تأملي، سار في إطار عملية التأمل، وبصورة الباحث عن الحقيقة، بالشكل الذي يلفت نظرهم معه، ينتقل بهم في الذهن، في التركيز، إلى هذه المسألة في تسلسل درجات الكمال، إلى أن وصل إلى هذه النتيجة.
اختار نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، في إعلانه التوحيد لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وفي موقفه من الشرك، عبارة البراءة: {إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ}[الأنعام:78]، وهي عبارة مهمة جدًّا، هي تُبيِّن بكل وضوحٍ وجلاء موقفه الحاسم، الحازم، من الشرك نفسه؛ باعتباره- فعلاً- جريمةً كبيرةً جدًّا، وباطلاً عظيماً؛ لأن الشرك هو رأس الباطل، أساس الباطل، ويبنى عليه الضلال الكثير، والباطل الكثير، يبنى عليه الانصراف التام عن نهج الله، وعن رسالته، وعن تعليماته وشرائعه ودينه، فهو باطلٌ خطيرٌ جدًّا، لا يكفي أن يكون للإنسان منه مجرد وجهة نظر عادية، يعني يقول: [هذا خيار من سائر الخيارات، وطبيعي أنتوا استمروا على ما أنتوا عليه، لكن أنا بالنسبة لي أصبح لدي خيار آخر]، لا، لابدَّ من الموقف من الشرك نفسه، يعني: توحيد من جهة، وموقف من الشرك نفسه.
ولهـذا نجد في القرآن الكريم في الموقف من الطاغوت بشكلٍ عام، في قول الله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا}[البقرة:256]، نجد أنه قدَّم الكفر بالطاغوت أولاً، ثم بعد ذلك يقول: {وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ}، فمع التوجه نحو التوحيد لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، نبي الله إبراهيم كان موحداً من الأساس؛ لكنه هنا في سياق عمل مع قومه، لفت لنظرهم، سعي لهدايتهم؛ فلـذلك هو أعلن موقفه الحاسم من الشرك نفسه بالبراءة؛ باعتبار أن الشرك باطلٌ فظيعٌ، وجرمٌ كبيرٌ جدًّا، مع أنه يعتمد على الخرافات الباطلة، المنحطة بالإنسان عن إنسانيته، وهو أمرٌ سيءٌ جدًّا، لا يمكن المجاملة له، لا يمكن التعامل معه بمجاملة ومداهنة.
ولهذا نجد في حركة رسول الله «صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ»، أن الكفار في زمنه حاولوا أن يصلوا معه إلى اتفاق؛ من أجل المداهنة، {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ}[القلم:9]، ونزلت (سورة الكافرون): {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}[الكافرون:1-5]، يعني: موقف حاسم جدًّا، ومباين بشكلٍ تام؛ لأن الشرك، مع أنه إساءة كبيرة إلى الله، وإساءة من الإنسان إلى نفسه، الإنسان هو مملوكٌ لله بشكلٍ خالص، يعني: لا أحدٌ من الناس يملك فيك شيئاً، لا أحدٌ من كل المخلوقات يملك فيك شيئاً، أنت ملكٌ لله.
فالإنسان إذا اعتبر نفسه عبداً لآخرين أيضاً مع الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، هو ينحط حتى بقيمته الإنسانية، بقيمته الإنسانية؛ ولـذلك هو يسيء إلى نفسه، ولكنه- في نفس الوقت- يتنكر لحق الله فيه، أنت تريد أن تجعل من نفسك لغيرك ملكاً لآخرين، لكائنات أخرى، لجهات أخرى، هذا باطل؛ لأن الحق كله هو لله فيك، يعني: أنت مِلكٌ خالص لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، لا تملك أن تجعل جزءاً منك عبداً لغيره، أو أن تُشرِك معه غيره في أن يكون رباً لك، وإلهاً لك، فهو باطلٌ محض، الشرك باطلٌ خالص، لكن يبنى عليه باطل كبير، تبنى عليه مسيرة الحياة، تبنى عليه مناهج، توجهات، مواقف، سلوكيات، تصرفات، اتِّجاهات؛ كلها ظلم، إجرام، فساد، طغيان… غير ذلك.
الأمور الواضحة في مسألة الشمس، والقمر، والنجم، وهي أمور لا خفاء فيها، ولكن- كما قلنا- كان الاستعراض في سياق التأمل؛ للفت النظر تجاه هذه الحقيقة: أنها كلها (الشمس، القمر، الكوكب) ليست في إطار أن يُعتقد بألوهيتها، وأنها ستنفع الإنسان في مسيرة حياته، تدفع عنه الضُّر، تجلب له الخير، تعمل له أشياء في هدايته، تقدِّم له أشياء في الرعاية له، لا، لديها دور محدد لا تستطيع أن تتجاوزه، هذا الدور هو الذي حدده الله لها، صنعها وخلقها وأوجدها في إطار أن تؤديه، لا تستطيع أن تتجاوزه أبداً، في إطار حركة مُعَيَّنة.
في هذا السياق نفسه: عندما أعلن التوحيد لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وبيَّن أن كل المعبودات ليست في مستوى كمال الألوهية، لا تملك شيئاً للإنسان، لا تضر، ولا تنفع، عبارة البراءة بنفسها هي صيغة تحدٍّ لتلك المعبودات، يعني: لو كانت- فعلاً- تضر أو تنفع، لاتخذت هي موقفاً منه، لكان لها موقفٌ منه، هو يُعبِّر عن ثقته، بأنها لا تضر، ولا تنفع، وليس لها أي تأثير أبداً، فهو أعلن موقفاً حاسماً، قوياً، في ظروف صعبة للغاية، يعني: لامس في هذه المسألة أكبر مسألة حساسة عندهم، عليها حظر شديد، قضية خطيرة جدًّا، العقوبة عليها شديدة، الإطباق رسمياً وشعبياً عليها- يعني- من النافذين، كما شرحنا كثيراً في المحاضرات الماضية.
يقول: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[الأنعام:79]، {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ} يعني: اتَّجهت بالعبادة للذي فطر السماوات والأرض، لا أعبد أحداً من المعبودات الأخرى أبداً، أي آلهة مزيفة أخرى، لا أعبد إلا الله الذي {فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا}، فيعبر عن أنه أخلص وجهه بالعبادة لله وحده دون غيره، هذا التعبير عن اتِّجاهه بالعبادة، وهذا بمفهومها الشامل، العبادة بمفهومها الشامل، يعني:
• على مستوى الاعتقاد بأن الله وحده هو الإله، ولا إله إلا هو.
• وعلى مستوى الشعائر الدينية التي يؤديها الإنسان، من مثل: الدعاء، الصلاة… غير ذلك من العبادات.
• أيضاً العبادة في امتدادها إلى سلوكيات الإنسان، إلى أعماله، إلى مواقفه، إلى ولاءاته، إلى عداواته، إلى توجهه الشامل.
نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ» اتَّجه هذا الاتِّجاه: العبادة بمفهومها الشامل لله وحده «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».
هو عندما اختار هذا التعبير: {لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}[الأنعام:79]؛ لأن الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» هو الجدير وحده بالعبادة، ما سواه مخلوقٌ له، مملوكٌ له، مفطورٌ منه، هو الذي فطر السماوات والأرض: أنشأ السماوات والأرض، ابتدع السماوات والأرض، وأوجد هذا العالم بكل ما فيه من موجودات، وكائنات، ومخلوقات، كلها خالقها الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، ومالكها الله «جَلَّ شَأنُهُ»، فعندما قال: {لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}[الأنعام:79]، هو يلفت نظرهم أنه وحده الجدير بالألوهية، وحده الإله الحق؛ لأنه الخالق لكل ذلك، فهو من له الكمال المطلق، من هو {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}: لا يعجزه شيء، {بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}: لا يجهل شيئاً، ولا يخفى عليه شيء، وهكذا بقية الأسماء الحسنى لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، التي تعبِّر عن كماله المطلق، وليس ذلك إلا له وحده، غيره مخلوق، لا يمتلك شيئاً ذاتياً؛ إنما وهبه الله ما وهبه، وفي مستوى محدود ومُعيَّن، ومقدار محدود، فهو يلفت نظرهم إلى هذا.
من جانبٍ آخر، هم يعون هذه الحقيقة، يعني: لو لم يكن- مثلاً- في البداية قال لهم: لله، قال: {لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}[الأنعام:79]، هم يُقِرُّون أن الله هو الذي فطر السماوات الأرض، يعرفون هذه الحقيقة، لكن كان هناك منع من الطاغية المجرم، الذي وصل به طغيانه إلى مستوى ادِّعاء الربوبية لنفسه، الذي هو ملك على تلك المملكة البابلية، بعضهم يقولون: أن اسمه النمرود بعضهم بـ(الدال)، وبعضهم بـ(الذال)، بعضهم يذكرون له أسماء أخرى، ومع اختلاف اللغات، فهو قد منع تماماً أن يكون هناك عبادة لله، أو حديث عن الله، أو ذكر لاسم الله، بحسب لغتهم طبعاً، ربما كانت لغتهم السريانية أو غيرها، لكن مثل فرعون، هو وفرعون كلاهما كان منع في عصره أن ينطق أحدٌ ينطق باسم الله، أو يذكره، أو يدعو إليه، هناك حظر وعقوبات، هذه المسألة فيها مراعاة لهم هم، يعني: بالنسبة لموقف نبي الله إبراهيم هو جريء، شجاع، قوي، صريح، واضح، وسيأتي ما هو أكثر صراحةً ووضوحاً على الفور، يعني: ما بعد أن قال لهم هذا الكلام، لكن فيه مراعاة لهم هم، بحيث لا يشكِّل هذا عائقاً عن استجابتهم، أو مشكلةً بالنسبة لهم، مع خوفهم في البداية بشكل كبير، لكن هم يدركون أنه يقصد الله بكلامه هذا، وأن الله هو الذي فطر السماوات والأرض.
{حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[الأنعام:79]، هذه المفردة (حَنِيفاً) تكررت في مثل هذا المقام، في الحديث عن نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ» في عِدَّة آيات، في عِدَّة سور في القرآن الكريم، وعادةً ما يَعبُر المفسرون في الكلام عنها عبوراً سريعاً، أو يُقَزِّم البعض معناها ومفهومها، مع أن لها مفهوماً مهماً، وتكررت في القرآن الكريم، تكررت مع الحديث عن نبي الله إبراهيم، وإسلامه، وإيمانه، وتوجهه إلى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» بالعبادة، وأتت في مواطن أخرى أيضاً، فيما يدعونا الله إليه، وفيما حكى لنا عمَّا كان غيرنا من الأمم السابقة مأموراً به، فهذا العنوان (حَنِيفاً) هو يُعبِّر عن الاتِّجاه في العبادة لله وحده، بثباتٍ، وإخلاصٍ، وخضوعٍ وخشوعٍ، ومحبةٍ لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».
المفردات أحياناً هي عنوان تحمل مفهوماً واسعاً، له دلالات مهمة، وهي عنوان يُعبِّر عن ذلك المفهوم، البعض- مثلاً- قد يَقْصُر مفهوم (حَنِيفاً) ومدلول هذه العبارة على الإخلاص لله، أو الميل- كما يقولون- للدين الإلهي وحده دون انحرافٍ عنه، أو الاتِّجاه المستمر… أو هكذا، لكنه عنوان مهم، لمفهومٍ عظيم، مدلوله واسع، وهو يجمع كل هذه الاعتبارات: الاتِّجاه المستمر بثبات، بإخلاص، بخشوع وخضوع لله تعالى، بمحبةٍ لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وهذه مسألة مهمة في الاتِّجاه الإيماني: أن يكون اتِّجاه الإنسان خالصاً لله، أن يكون اتِّجاهاً بثبات، لا يتراجع، لا يميل، أن يكون بخضوع لله، بانقيادٍ لأمر الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».
ولاحظنا أيضاً فيما تقدم لنا مما وصف الله به نبيه إبراهيم في قوله تعالى: {قَانِتًا لِلَّهِ}[النحل:120]، إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ» هو نموذج عظيم في الخضوع لله، في التسليم لأمر الله، في الطاعة والانقياد التام لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، هذه مسألة مهمة، هي درس لكل مؤمن: كيف تكون في توجهك الإيماني، متجهاً باستجابةٍ لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، بخضوع وانقياد تام، بدون عناء، بدون عناء.
نجد أيضاً من العبارات التي تُعبِّر عن هذا المدلول في القرآن الكريم: الإخبات إلى الله، {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ}[الحج:34]، ويتحدث عن مواصفاتهم في القرآن، الذين أخبتوا إلى ربهم، الإخبات: هو يُعبِّر عن هذا الإذعان لأمر الله، هذا التسليم لله، هذه الطاعة، هذا الانقياد، هذا الخضوع لأمر الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» برغبة، بمحبة، بخشوع لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».
البعض من الناس- مثلاً- في اتِّجاه الإيمان، اتجاهاً معقداً، مُتعباً، مرهقاً، لا يكاد يستجيب لأمرٍ مُعيَّن من أهم أمور دينه، أو للالتزام بشيءٍ من أوامر الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، إلا بعناءٍ شديد جدًّا، فلديه الكثير من العوائق النفسية، العوائق النفسية، يحتاج إلى تعب في إقناعه، تعب في تشجيعه، ربما يصرفه عن الموضوع أي صارف، أبسط مسألة.
ويمكن أن نكمل الحديث حول هذا العنوان في المحاضرة القادمة إن شاء الله، وعن بقية القصة.
أَسْألُ اللَّهَ «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

مقالات مشابهة

  • المحاضرة الرمضانية التاسعة للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي (نص + فيديو)
  • (نص + فيديو) المحاضرة الرمضانية التاسعة للسيد القائد 1446هـ
  • نص المحاضرة الرمضانية التاسعة للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 1446هـ
  • مرايا الوحي: المحاضرة الرمضانية (9) للسيد القائد 1446
  • (نص) المحاضرة الرمضانية الـ8 للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي
  • (نص + فيديو) المحاضرة الرمضانية الثامنة للسيد القائد 1446هـ
  • نص المحاضرة الرمضانية الثامنة للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 1446هـ
  • مرايا الوحي: المحاضرة الرمضانية (8) للسيد القائد 1446
  • في محاضرته الرمضانية السابعة: قائد الثورة: نحن بحاجة دائمة إلى رعاية الله سبحانه وتعالى وبدونها ينتهي الإنسان
  • نص المحاضرة الرمضانية السابعة للسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي 1446هـ