عبدالرحمن مراد
وفق ما هو مقروء في سياق التاريخ وفي تفاصيل أحداثه ندرك أن اليمن لا يمكن أن تقبل خائنا ساعد محتلا على احتلالها وتدميرها، ومهما كانت التسوية السياسية التي ستكون في قابل الزمن إلا أن حقائق التاريخ القريب والبعيد تقول باستحالة بقاء الخائن على ترابها، فضلا عن قدرته على التفاعل السياسي مع الاستحقاقات السياسية، فالذين يقتاتون سحت البيع والخيانة يدركون هذه الحقائق، ولذلك شاع في نفوسهم وصفاتهم الطمع والنهب والفساد، وقد بدأت المؤسسات المالية الدولية تتحدث عن فسادهم، وعدم قدرتهم على إدارة المؤسسة المالية، وتتحدث عن خطأ إجراء نقل البنك إلى عدن.
مشكلة اليمن منذ بدء نشأة الدولة الحديثة في مطلع القرن الماضي أنها تنفق جل الموازنة العامة على مفردات القوة وإدارة الصراع ولم تفكر يوماً في أهمية البحث العلمي في التخفيف من حدة الصراع وقدرته على إحداث عمليات الانتقال، فالتعبيرات السياسية المتعددة التي وصلت إلى سدة الحكم تستغرق ذاتها في صراعها مع الآخر وفق حالات انفعالية، وهي بذلك تستسلم بكل إرادتها لقانون التاريخ وتفسح له المجال كي يكرر نفسه وأحداثه ووقائعه إلى درجة تعطيل حركة المجتمع في التحديث والانتقال، فالحرب والصراعات والنزاعات تعمل على يقظة الهويات التاريخية بكل تشوهاتها ونتوءاتها التي لا تتناغم مع روح العصر الذي نعيش، لذلك فكل الحروب التي حدثت بعد عام 1990م، لم تترك إلا مجتمعاً مختلفاً، وثقافة تقليدية، واقتصاداً راكداً، حتى تلك التحولات التي ظننا أنها تحولات، لم تكن تحولات بنيوية عميقة، فقد تركت وراءها مجتمعاً مغترباً وثقافة مستلبة، وشخصية منقسمة على نفسها، ونحن اليوم نقف على أطلال النتائج التي أفرزتها تلك المقدمات الخاطئة، إذ إن ثمة خصوصية يمنية يجب أن تجد تعبيرا عنها في شكل وبنية الدولة القادمة حتى تمتد بصيغة تفاعلية مع الماضي لتبدع الحاضر والمستقبل، فالشعور بالقيمة الثقافية والحضارية هو الامتلاء الذي يبحث عن الأجد والأروع ويحض على الابتكار والإبداع ويعمق من قيمة الانتماء للفرد والجماعة ويوثق من عُرى الآصرة الوطنية ويعزز من قيمة يمنية اليمن .
لقد كشف لنا العدوان وصمودنا أنه من الغباء أن نتعلل بالقول ” هذا واقعنا “، فليس الواقع تربة الأرض التي نتحرك عليها، وإنما هو صيرورة دائمة ومتحركة، والواقع يمكننا تغييره بمجرد تغيير نفوسنا إلى الأفضل، وحين نتبنى واقعا جديدا لا بد من تبني أفكار جديدة تصنع واقعا أفضل ليسهل اقتلاع الواقع الأول جزءا فجزءا وإبداله بجديد جزءا فجزءا، وهذا هو حال اليمن في ظل القيادة الشابة الجديدة والمتجددة للقائد العلم السيد عبدالملك.
فعظماء الرجال على مر حقب التاريخ يبذلون التضحية لوجه التضحية لا لوجه الوصولية وشراء الهتافات الجماهيرية، فالأنبياء عليهم السلام لاقوا أشد أنواع العقوق على يد الجماهير المغرر بها، لكنهم كانوا يجهدون في خدمة الجماهير وإن كابدوا عقوقها، فالجماهير في الغالب الأعم لا تدري من يقودها إلى الهدى أو من يوجهها إلى الضلال وقد تدرك بعد وقت قصير أو طويل من كان يستهدف نفعها ومن كان يبغي نفع نفسه من خلال استغلالها بالتغرير بها كما هو حاصل اليوم في عدن وبقية المحافظات الجنوبية.
إن حركة الجماهير حركات مباركة – كما يُقال – لكن قد يقبحها في نظر الناس أو يجملها سوء القيادة أو حسنها، لأن كل قائد يستغل ما في نفوس الجماهير من حرمان وكبت فيفجر طاقتها ويدمر بها كما يفعل المجلس الانتقالي في عدن اليوم، وهنا يمكننا أن نعقد مقارنة في جزئية بسيطة – وإن كنا لا نرى وجها للمقارنة بين صنعاء وعدن في كل التجليات – فقادة صنعاء ينتصرون بالجماهير لخدمة الجماهير والنفع العام، وقادة العملاء في المجلس الانتقالي بعدن يستغلون غضب الجماهير ويجعلونها طريقا ينتعلونه للوصول إلى غاياتهم ثم يتركونه عند أول شعور طاغ بالتمكين والسيطرة.
وعلينا أن ندرك أن نضال الجماهير يجب ألا يضيع هدرا، فما سقطت جماجمهم إلا لتعلو راية الشعب وتنتصر الإرادة الوطنية الحرة وعلى مثل ذلك تدل حركة الواقع وتجاذباته ودلت عليه خطابات السيد عبد الملك قائد الثورة، ودلت عليه مفاوضات مسقط التي تتمثل في موقف وفدنا الوطني المفاوض منها حين حاول المفاوض الأمريكي والمفاوض الأممي الانتقاص من القيمة والسيادة والحرية والكرامة.
ومن الحكمة الوقوف أمام الظواهر التي نشأت خلال السنين الخوالي ودراستها وبيان أسبابها حتى لا تصبح تقليدا وحتى نُحدث انحرافا في مسارها أملا في استقرار اليمن وعدم تكرار تيار الذين يختانون الله والوطن فوراءنا الكثير من التجارب التي يمكننا دراستها حتى نتجاوزها لنبني يمنا يتوازى وحجم التضحيات التي حدثت خلال زمن العدوان الغاشم.
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
الاحتفاء بالآداب والفنون دليل على التقدم الحضاري
كانت الآداب والفنون على مر التاريخ جزءا من التطور الطبيعي للإنسان وفكره، ودليلا على تفرده من بين مخلوقات الله الأخرى على هذه الأرض. وتعزز الفنون والآداب التي أنتجها الإنسان عبر القرون هُويته وتعزز وحدته وتقدمه، وتكشف عن تصورات الإنسان وتأملاته في هذا الكون ورؤيته للمستقبل عبر الأدب الاستشرافي.. والفنون والآداب وكل النتاج الفكري الإنساني هي التي تشكل وعي الإنسان وهذا أحد أهم شروط التقدم الإنساني فكرا وخلقا. والثقافة بكل مفرداتها كانت على الدوام الركيزة الأساسية للهوية المجتمعية، تجسد القيم والتقاليد، وتعكس خبرات المجتمعات وتساهم في التعبير عن الروح الثقافية والحفاظ عليها، ومن خلال الشعر والسرد ومجمل الفنون البصرية تنقل المجتمعات تراثها عبر الأجيال. والأمم والشعوب التي تحتفي بالمبدعين وتكرم المثقفين هي أمة واعية ومدركة لأهمية النتاج الذي يبدعه هؤلاء المبدعون والمفكرون.. وهذا الاحتفاء وإن كان فرديا في الكثير من الأحوال إلا أنه احتفاء بالمنجز الفكري والأدبي والإبداعي كافة، واعتراف بدوره ومكانته. وعندما أعلنت جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب نتائج دورتها الجديدة اليوم كانت تؤكد اهتمام الدولة في عُمان بالمنجز الثقافي والفكري وبالعقول التي أنتجته وأبدعته. وعُمان عبر التاريخ كانت تحتفي بمبدعيها ومفكريها وشعرائها ولذلك ازدهر الأدب والفكر وأنتج الشعراء ملاحم شعرية ستبقى خالدة تنتقل من جيل إلى جيل، وكذلك أنتج المبدعون مدونات في كل صنوف المعرفة العلمية وفي العلوم الإنسانية في أوقات لم تكن فيه مطابع وكانت الكتب تُخط وتُنسخ باليد ومن يعود إلى دار الوثائق العمانية وغيرها من المؤسسات المعنية بحفظ المخطوطات والوثائق سيقف على المنجز الإنساني في عُمان ويعرف أن ذلك ما كان ليزدهر لولا أن الدولة العمانية والقيادة السياسية فيها كانت داعمة لهذا الإبداع والعطاء الفكري الكبير. والآداب بكل أنواعها وتجلياتها دليل قوة المجتمعات وقدرتها على التأمل والتفكير، وهي بعد ذلك أداة من أدوات غسل الروح الإنسانية وتطهيرها من العناء اليومي وفق تعبير بابلو بيكاسو الذي قال إن «الفن يغسل عن الروح غبار الحياة اليومية». وجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب واحدة من أهم الجوائز في العالم العربي ليس في قيمتها المادية فقط ولكن أيضا في مكانتها المعنوية لأنها مرتبطة باسم السلطان قابوس وبعُمان التي تلبس الجائزة ذلك البعد الحضاري والتاريخي المستمد من حضارتها وتاريخها العريق.وهذه مناسبة للتأكيد على أهمية الجوائز في دعم الثقافة والمثقفين والأدباء والمفكرين لبذل الكثير من العطاء من أجل أن تبقى مشاعل النور متقدة تضيء للإنسان مسارات المستقبل. |