هل يمكن أن نجد عملاً تليفزيونياً مصرياً متكامل الأركان؟

تساؤل يطرح نفسه دائماً، وأمنية نريد تحقيقها فى 50% من الأعمال على الأقل، ومع التطور الحادث فى الصناعة ككل، لم نجد تطوراً بالشكل المطلوب فى السيناريو إلا مع أسماء قليلة، وزاد على ذلك عدم فهم بعض المخرجين للدراما واهتمامهم فقط بالصورة.

ومع تحمسى لعدد كبير من الأعمال التليفزيونية هذا الموسم، ورغم توقعى لتميز «مسار إجبارى» لأنه من إخراج نادين خان، لكنى فعلياً منبهر بكل تفصيلة فى المسلسل، بداية من التتر حتى الممثلين المساعدين الذين قدموا مشهداً واحداً.

لا يمكن أن نصدر أحكاماً نقدية من خلال مشاهدة 3 حلقات فقط، ولكن يمكن أن نستمتع ببداية مسلسل جاذبة، لم تخل من إبهار، لم يكن بأكشن ومطاردات ودرونز، ولكن بحرفية ورشة كتابة، عملت جيداً على بناء شخصيات من لحم ودم، تشبهنا جميعاً، وأداء مخرجة قرأت جيداً عملها، وتعبت بقدر كبير فى تقديم العمل.

يخرج المسلسل من دائرة العادى، كتب له المعالجة الدرامية باهر دويدار، وسيناريو وحوار أمين جمال ومحمد محرز ومينا بباوى، وكان واضحاً من البداية أن العمل به معالجة درامية بكل مشهد وتراتبيته فى الحلقات، ولم يستغرق سوى دقائق قليلة للتعريف بالشخصيات، وخرج من أول فخ تقع فيه معظم المسلسلات التى تقدم تعريفاً للشخصيات حتى الحلقتين السابعة أو الثامنة.

التعريف السريع بالشخصيات جعلنا ندخل كمشاهدين معهم فى الحدث مباشرة، رغم أن المشهد الأول كان بعيداً تماماً عن الشخصيتين الرئيسيتين فى العمل، ولم ننتظر طويلاً حتى نكتشف علاقتهما بذلك الحدث.

قدمت المخرجة نادين خان تفاصيل شخصية على وحسين من خلال حركة كاميرا قريبة تلازم عصام عمر وأحمد داش، ولم تسع لأى استعراض عضلات، ولم أجد كاميرا ثابتة إلا فى لقطات قليلة جداً، اللقطات القريبة وتوظيفها الجيد، وحركة الكاميرا مع الشخصيات، هى ما جعلنا كمشاهدين أطرافاً داخل الحدث، وشركاء فى التعاطف مع على وحسين، وهو ما يحسب لمدير التصوير عمر حسام الذى اختار ألواناً دافئة فى معظم اللقطات، لم نجد إعتاماً كما فى بعض الأعمال الجديدة التى تستهلك قدرة إبصارنا، تلك الألوان تمتلك القدرة على التأثير فى نفسية المشاهد، لكونها منشطة وفعالة، ترتبط بدلالات عديدة منها الحيوية، القوة، الدافع، التوتر، وكلها أظنها مقصودة من المخرجة وصانع الصورة.

الظهور الأول لشخصية الأب خارجاً مترنحاً من جامع الكيخيا فى ميدان الأوبرا، مستكملاً ترنحه فى المشى وصولاً إلى دار القضاء العالى، جعل المشاهد الذى يعرف وسط القاهرة يعى جيداً أن المخرجة لم تستسهل حتى فى التفاصيل البسيطة جداً.

وتعمدت المخرجة أن تقدم مشهداً هو الأفضل لدخول الأخين «على وحسين» المستشفى معاً، ومعرفتهما بحقيقة والدهما، حتى مشهد خروجهما وتباعدهما واقترابهما فى المشى يوضح مدى تركيز المخرجة فى كل التفاصيل، حيث ساعدها وجود فريق مونتاج تعامل برهافة فى القطع وجعلك كمشاهد وكأنك تسير معهما فى الممر بين غرف المرضى، وهو النهج الذى سار به تتابع اللقطات فى الحلقات الثلاث الأولى.

الموسيقى التصويرية لأمير خلف تم استخدامها بشكل بسيط جداً مع مقاطع من أغنية التتر التى غناها طارق الشيخ بمشاركة فريق مسار إجبارى، فى تعبير عن الاختلاف بين شخصيتى البطلين: «حسين» الذى تربى فى بيئة شعبية و«على» الذى عاش فى طبقة متوسطة أرقى اجتماعياً قليلاً من أخيه غير الشقيق، وذلك أيضاً ضمن التفاصيل الدقيقة التى ركزت عليها المخرجة.

أما الأزياء التى اختارتها ريم العدل فقد كانت مناسبة تماماً للشخصيات، وخاصة الاختلاف بين بيئتى الشخصيتين الرئيسيتين، وكذلك اختيارات الديكور لعمرو صالح أسهمت فى توضيح ذلك الفرق.

أما فى اختيار الممثلين فهى واحدة من أهم مميزات المخرجة نادين خان، فأى مخرج سيقدم صابرين فى دور السيدة الشعبية وبسمة فى شخصية سيدة الطبقة الوسطى، لكنها عكست التوقع، وأظنها قامت بعدة بروفات مع جميع الممثلين حتى استطاعوا أن يكونوا بهذا المستوى من الأداء.

نهاية.. مسلسل «مسار إجبارى» عمل «فخم» يملك الكثير من مقومات النجاح، سببه الأول السيناريو الجيد، ومخرجة تملك خلفية ثقافية وقدراً كبيراً من الوعى يجعلها تقدم عملاً به قدر كبير من التميز وسط زحام رمضان.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الأعمال التليفزيونية مسار إجبارى

إقرأ أيضاً:

التفكير بالتمنى وسكرة ينى

عادل محجوب على

adelmhjoubali49@gmail.com

• التفكير بالتمني ويسمى التفكير الرغائبى والذى يستند على الرغبة فى الشىء و تكوين الاعتقاد واتخاذ القرارات المبنية على ما يتمنى الفرد من رغبات عوضًا عن التفكير العقلاني الواقعى .
• ويسود فى أوقات الإنفلات ، والعمل على تعبئة رأى عام وفق أمزجة أفراد أو جماعات ، كما يحدث الآن بالسودان , ليكون إنتظار جودو بمحطات الوهم المصنوعة .
التى تضخ بناء على تطلعاتها الأمنية المرغوبة والتى تشبه حشاش بى دقنو. المعروفة بإرثنا السودانى وتدعى حدوثها وتنشرها و تبنى عليها قرارات وآمال وتصبح لها قوة عندما تدغدغ تطلعات بسطاء الناس .
•وطريقة البث ولغة التواصل التى كبر أوجها وعظم أثرها عبر الوسائط هي أكثر من مجرد وسيلة للتعبير عن التفكير، بل هى موجه رئيسي لتشكيل أفكار و إنفعالات الناس .
• ومن أسباب ما يحيق بوطنناالمنكوب سهولة الإستلاب العاطفى عبرها ، نسبة لسيادة الجهل وضعف إستخدام العقل ، لذا تجد بالسودان جل من يقودون الشعب و يتسيدون الحكم والسياسية و الوسائط أناس يمكن أن يخبرك عقلك إذا أبعدته عن غباش العاطفة الذى يصنعون، إدراك تفاهة الكثير من ما يقولون و هزال ما يفعلون .
• ولأجل الخروج من هذا الدرك السحيق ، الذى رمى فيه الوطن تهور بعض بنيه و إنفعالات و تفاعلات مواطنيه ، يقتضى الأمر الثورة على الجهل الذى يعمق الكثير من سلبيات التفكير العاطفى عامة ،والتفكير بالتمنى خاصة ، وذلك بتش عين الظلام بضوء الوعى فى كل انحاء الوطن .
• يقول سيدنا على كرم الله وجهه (لو أن كل جاهل سكت ما حدثت في الإسلام فتنة) • ويقول رضى الله عنه ( لا غنى كالعقل، ولا فقر كالجهل،ولا ميراث كالأدب كل إناء يضيق بما جعل فيه إلا وعاء العلم فإنه يتسع) • ومن هنا يجب أن ندرك أن العلم المقصود ليس الشهادات الأكاديمية بل هو مدى إتساع المدارك العقلية وخروجها من قوقعة الجهل .
• ويجب علينا جميعا لأجل الخروج من حال السودان الراهن ،السعى الجاد لبث أسباب سيادة التفكير العقلاني لأجل التغيير ، لأن ما يعيقنا هو تركيبتنا البنيوية وما يعتريها من جهل وما يتبعه من هياج عاطفى وخمول عقلى يسهل للانتهازيين و الدجالين قيادته .
• ولهذا الأمر نصيب كبير فى تفشى خطاب الكراهية والأقصاء وعدم الوصول لنقاط إلتقاء بين فرقاء الوطن .
• وبالنظر لكبر دوامات التفكير بالتمنى وما أحدثته من مآلات بالحرب اللعينة الدائرة الآن ، وتسبب ماتم بناء عليها من إتخاذ قرارات خاصة وعامة فى ضياع أنفس وأموال وحصاد عمر يمكن كتابته بمجلدات حزينة بتفاصيلها المهينة .
•ويمكن أن تكشف لنا جولة واحدة حول سرديات الوسائط منذ اليوم الأول لإندلاع الحرب اللعينة عن المدى السحيق الذى غرقت فيه احلام ظلوط التى لم تفيق ،رغم عتامة و قتامة ما حدث خلال أكثر من عام بالطريق .
• وما أكثر العبر وأقل الإعتبار فدولة ١٩٥٦ المزعومة لم تكن فى يوم من الايام أسوأ من نظام الفصل العنصرى فى جنوب افريقيا .
• لكن سيادة دوافع الحكمة والعقل هناك على متاهات خطابات العاطفة والكراهية والجهل حسمت الأمر لصالح الوطنية الحقة والتسامح النبيل ، الذى يقوده العظماء و يدعمه الوعى .
•يقول نيلسون مانديلا(عند خروجي من السجن أدركت أنه إن لم أترك كراهيتي خلفي فإنني سأظل سجيناً.ويقول لا يوجد بلد يمكن أن يتطور حقا ما لم يتم تثقيف مواطنيه) •و البلابسة لم يقوموا بروس بل هم حصاد تجهيل متعمد ،وعيون عن ضوء الحقيقة أصابها رمد ، وبذر هياج تمنى عاطفى ممتد منذ أمريكيا روسيا قد دنى عذابها على إن لا قيتها ضرابها حتى بل بل غيرو مافى حل .
• فمأساة سكرة ينى هذه لم يطفى أوارها رؤية إزلال رئيسهم على القنوات الفضائية يتوسل كبير الشيوعية العالمية لحمايته .
• و لازالت تقذف كعلف للجهل بوسائط السوء التى تتحدث بإحتفاء عن إرسال دب فقه ضرورات المرحلة لبناء شراكة استراتيجية مع الدب الروسى وشركاؤه بحلف متوهم مهره موانى وذهب وطن.
• فالتموت الاستراتيجية كمدا ، ويقرر بشأن أخطر قضايا الوطن رغبات أفراد و هيجان لا يفاتية و مقطوعيات رزق اليوم باليوم لتنتشى أحلام الوسائط بدق الطائرات الروسية الجديدة لمعاقل الجنجويد والأسلحة الموجة بالليزر المجلوبة تكمل النظافة المطلوبة .
• ويبكى الواقع دما بمدن وقرى الجزيرة ودارفور ويتمدد بالفولة وسنجه والدندر ويفرز مآسى مذلة لا تحصى ولا تعد بطرق الهروب من جحيم الإقتحام ، ودول اللجوء وكراكير النزوح .
• ووجوه الدعة والترف من بنى جلدتنا تطل من لندن و اسطنبول والدوحة والقاهرة وغيرها من مدن تنوم على مخدات الطرب لتنفخ نيران الحرب بالقنوات الفضائية وتزيد التفكير بالتمنى إشتعالا تحدثنا عن كرامة وطن ،ولا تقول أن الحرب مرغت أنفها فى التراب وعن عزة ولا تقول انها أهدرت بفيافى النزوح ودول اللجوء و متاهات الإغتراب ، وعن عدم وجود انتهاكات وسرقات جنحويدية يراها الناس تمشى بالطرقات تحت إرهاب الدوشكات .
• وكل عقل فطير أو تطلع حقير يدعى أن من يقول لا الحرب عميل , كأغرب تجليات لى عنق الحقيقة ،و هبالة معايير الحكم التى قذفت بالوطن فى غياهب الجب .
أخرج من جوف الحلم الأخرق
فالوطن بحلمك حتما يغرق
فى لجة هول الفعل الأحمق
أدخل مدخل , صدق القول الحق
قبل حدوث الشرخ الأعمق  

مقالات مشابهة

  • النائب علاء عابد يكتب: تغيير سياسات وليس حكومات الإنسان أساس بناء الجمهورية الجديدة  
  • محمد علي رشوان يكتب: أساس النجاح.. على اللاعبين أن يدركوا أهمية المشاركة والسير على البرنامج التدريبي وتقليل الفسح والتنزه
  • الفصل فى دعوى عدم دستورية رسوم التوثيق والشهر للعقارات..غدا
  • فكر جديد
  • خانه الجميع (1)
  • مساء اليوم.. صابرين في ضيافة «الراديو بيضحك»
  • التفكير بالتمنى وسكرة ينى
  • تعرف على تفاصيل حفل مسار إجباري في ساقية الصاوي
  • اليوم.. صابرين ضيفة فاطمة مصطفى في برنامج "الراديو بيضحك"
  • عادل حمودة يكتب: في صحة أحمد زكي