محمد  العيساوي

نظمت كلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال يوم الاثنين 24 يوليوز 2023، حدثًا علميامميزا ألا وهو قراءة وتقديم كتاب للأستاذ سعيد بنيس بعنوان “من التعدد إلى التعددية: محاولة لفهم رهانات السياسة اللغوية بالمغرب”. ترأس الجلسة الأستاذ الدكتور محسن ادالي، وضمت السادة الأساتذة الدكتور رضوان ماضي والدكتور ادريس جبري والدكتور لكبير الحسني، الذين أسهموا بفاعلية في النقاش والتحليل.

تناول الأستاذ رضوان ماضي محاور الكتاب وتحليلها، واعتمد في نقاشه على المقاربة الجغرافية للمسألة اللغوية، حيث أشار إلى أن اللغة ترتبط بشكل عضوي بالمجال الجغرافي وتعبر عن مفاهيم جغرافية متنوعة، مثل مفهوم التراب. ولافتًا إلى أهمية التعددية اللغوية في المناطق المغربية المختلفة، حيث تتسم كل جهة بخصوصيتها اللغوية المميزة على مستوى التضاريس، سواء الجبلية أو السهلية.

ومن خلال قراءة الأستاذ ماضي لخاتمة الكتاب، ألقى الضوء على مشروع فكري متعلق بالحداثة بالصيغة المغربية. وأوضح الأستاذ ماضي أن الأستاذ بنيس وضع شرط الترابية كمقوم أساسي لهذه الحداثة، مطرحًا العديد من التساؤلات المرتبطة بمفاهيم مثل القوى الناعمة، والتمكين الهوياتي، والشعور المواطناتي، ودور الفاعل السياسي في الهندسة اللغوية

في معرض مداخلة الأستاذ جبري أشار إلى إن المدخل و منطلق لقراءة هذا الكتاب هو تحليل الخطاب و دور المحلل في الوقوف و اكتشاف المسكوت عنه في هذا الخطاب .حيث أشار الأستاذ جبري إلى انه يصعب تناول هذا الكتاب دون الوقوف على كتابه تمغرابيت، لفهم محاولة الأستاذ بنيس لتأسيس و إعادة بناء نظري لمشروع تَمَغْرِبِيتْ في سياق دستور 2011 و الذي تمتد جذوره في عمق التاريخ حيث تتكامل فيه القوى الناعمة و الصلبة، و حيث استند الأستاذ بنيس على وقائع من الحياة العامة. و المستجد يضيف الأستاذ جبري هو العولمة و الرقمنة التي بدأت في قلب المفاهيم حيث تحول ما كان يسمى بالمثقف العضوي الى الخبير و المناضل إلى المحتج. فدستور 2011 يرد الأستاذ جبري يقر بلغتين رسميتين و يستعمل كلمة “و تظل اللغة العربية ….و اللغة الأمازيغية أيضا” خلق نوعا من عدم الوضوح وهو ما قد يساهم في خلق نوعا من الفوضى اللغوية و التي تعطي نوعا من الشرعية للغة الأجنبية و اكتساحها.

و في معرض مداخلة الأستاذ الحسني تناول مدخلين مدخل لغوي تناول من خلاله مجموعة من المفاهيم كالازدواجية اللغوية والثنائية اللغوية والمزج اللغوي و أخيرا التناوب اللغوي. و أوضح أن الوضعية اللغوية بالمغرب يجب أن ينظر إليه من زاوية التنوع، و هذا الأخير خلق نقاشا حول هل المتداول هو المرسم. والمدخل الآخر الذي طرح من خلاله الأستاذ الحسني ثنائية المنطلق الأيديولوجي والمنطلق العلمي وهل هناك تقاطعات بينهما وكيف يمكن الفصل بينهما مشيرا في ذلك إلى بعض المفارقات وتناقضات في السوق اللغوية التي تحتاج إلى نقاش علمي رصين وهادئ كالتعبير على مضاميننا ومشاعرنا باللغة الأجنبية وخلص الأستاذ الحسني إلى أن المسالة اللغوية يجب تناولها ليس من زاوية الصراع والمنافسة ولكن من منظور الغنى.

وإن هذا الكتاب يشكل أرضية لتفعيل السياسة اللغوية بالمغرب ويفتح الباب أمام التمكين اللغوي للعربية والأمازيغية وسرد تجربة عمان وقطر والإمارات العربية المتحدة كما ألح الأستاذ على دور الترجمة في هذا التمكين مستعرضا تجربة المامون واعتبر ذلك ليس من باب الضعف والوهن ولكن من باب مسايرة الركب الحضاري.

وبعد تذكير رئيس الجلسة لمضمون المداخلات أعطى الكلمة للأستاذ بنيس وبعد كلمة شكر للأساتذة وللحضور تناول الأستاذ بنيس الكلمة بالتذكير بالعديد من المفاهيم المرتبطة بالعولمة أو ما يصطلح عليه “العولمحلية” ، وتناول كذلك مفهوم الازدواجية والثنائية اللغويتين مع توضيح الفرق بينهما مستعرضا أن الحالة المغربية تصب في الثنائية اللغوية وليس في الازدواجية اللغوية. كما أشار الأستاذ بنيس إلى أننا انتقلنا من مواطنة واقعي إلى مواطن افتراضي وما يرافق ذلك من إشكالات متشعبة ومتعددة أفضت إلى بروز سوق لغوية ديجيتالية وأنماط خطابية وتفاعلية جديدة وجب التعامل معها من خلال رؤية سياسية تروم تدبير النزوعات اللغوية و التفاوض حول الرهانات المستقبلية.

 

 

 

كلمات دلالية سعيد بنيس من التعدد إلى التعددية .. محاولة لفهم رهانات السياسة اللغوية بالمغرب

المصدر: اليوم 24

إقرأ أيضاً:

العودة إلى السياسة الواقعية الأمريكية

ترجمة: بدر بن خميس الظفري

تثير السياسة الخارجية التي ينتهجها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب حيرة كثيرين وتساؤلات لا تهدأ. فما بين تقليص نفوذ الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، والتلويح بضم كندا إلى الولايات المتحدة باعتبارها الولاية الحادية والخمسين، والتعامل الفج مع أوكرانيا، يبدو المشهد وكأن الولايات المتحدة تنحرف عن مسارها التقليدي في قيادة النظام العالمي. ثمة من يفسر هذه التوجهات بنزعة ترامب الشخصية نحو الجشع أو افتتانه بالحكام المستبدين، وربما تحمل هذه النظريات قدرا من الصحة، لكنها تظل غير كافية لفهم الصورة الكاملة. فبالنسبة لترامب، المسألة لا تتعلق بثروات الدول ولا بأيديولوجياتها، وإنما بحجم قوتها. إذ يؤمن بأن السيطرة للأقوياء، وأن الولاء يجب أن يُمنح لهم، فيما لا يستحق الضعفاء سوى التجاهل أو الابتزاز. إنها ببساطة واقعية صلبة تعود جذورها إلى أزمنة سحيقة.

ليس في ذلك دفاع عن سياسات ترامب، فالكثير من ممارساته على الساحة الدولية، كما على المستوى الداخلي، تتسم بالخشونة والسطحية وقصر النظر. ومع ذلك، يبدو أن إدارته قد أدركت بوضوح أن النظام الليبرالي العالمي الذي ظلت الولايات المتحدة ترعاه لعقود طويلة، كان قائماً بالأساس على تفوقها العسكري، وأن الشعب الأمريكي لم يعد مستعداً لدفع كلفته. وهذه في جوهرها نظرة واقعية، وإن جاءت في صورتها البدائية التي وصفها الباحث ستيفن والت يوماً بأنها «واقعية نياندرتالية»، لكنها تظل مع ذلك قراءة واقعية للعالم.

ينظر الواقعيون إلى العالم باعتباره ساحة صراع فوضوية لا مكان فيها للأوهام الأخلاقية. فالأمن، في هذا التصور، لا يتحقق عبر نشر الديمقراطية أو ترسيخ القوانين الدولية، بل في امتلاك ما يكفي من القوة لردع الخصوم، مع تجنب الاصطدام المباشر بالقوى الكبرى. من هذا المنطلق، يسعى ترامب لتفادي أي مواجهة مع روسيا، ولو كان الثمن التخلي عن أوكرانيا ومعاناتها.

يعود أصل هذا النمط من التفكير إلى الحرب البيلوبونيسية في القرن الخامس قبل الميلاد، عندما فرضت أثينا حصاراً على جزيرة ميلوس، مطالبة سكانها بالخضوع وإعلان الولاء، وإلا تعرضوا للقتل والاستعباد. وحين اعترض سكان ميلوس محتجين بأن أثينا لا تملك الحق في فعل ذلك، جاءهم الجواب صريحاً وواضحا: «الأقوياء يفعلون ما يستطيعون، والضعفاء يعانون ما لا بد لهم من معاناته»، كما نقل عنهم المؤرخ ثوسيديديس.

لو قُدر لي أن أعيش تلك اللحظة، لربما اخترت الخضوع على أمل مقاومة لاحقة أكثر جدوى. لكن قادة ميلوس آثروا القتال حتى النهاية، وكانت المحصلة أن قتل الرجال، واستُعبدت النساء والأطفال، واستولت أثينا على الجزيرة. وهنا يبقى السؤال معلقاً: هل كانوا أبطالاً يدافعون عن شرفهم، أم حمقى أغرتهم شعارات لا تصمد أمام منطق القوة؟ من يراهم أبطالاً ينتمي إلى المدرسة الليبرالية الدولية التي تؤمن بأن الأمن والسلام يعتمدان على عدالة الحكومات واحترام القوانين. أما من يراهم حمقى، فهو أقرب إلى الواقعية السياسية التي تحتكم إلى موازين القوى وحدها.

وفي لقاء جمع ترامب مؤخراً بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بدا الرئيس الأمريكي وكأنه يستعيد الموقف الأثيني نفسه، إذ قال لزيلينسكي بوضوح: «أنتم لا تملكون أية أوراق حاليا». لم يكن يشير إلى قيم أو مبادئ، بل إلى موقع أوكرانيا الضعيف في لعبة الأمم.

لطالما افتقرت الواقعية إلى حضور قوي في أروقة السياسة الخارجية الأمريكية، التي ظلت لعقود ساحة صراع بين المحافظين الجدد، الذين سعوا لفرض الديمقراطية بقوة السلاح، والليبراليين الذين فضلوا نشرها عبر أدوات ناعمة، من بينها برامج دعم المجتمع المدني التي تمولها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. وفي خضم هذا الصراع، همش العديد من المفكرين الواقعيين، ممن حاولوا مراراً تحذير الإدارات الأمريكية من مغبة التورط في مغامرات عسكرية مكلفة. هانز مورغنثاو حذر إدارة جونسون من توسيع حرب فيتنام فأقصي عام 1965. جورج كينان عارض توسع الناتو في التسعينيات، محذراً من استفزاز روسيا، فلم يسمعه أحد. برنت سكوكروفت حاول ثني جورج بوش الابن عن غزو العراق دون جدوى.

إلا أن السنوات الأخيرة شهدت عودة لافتة للمدرسة الواقعية في واشنطن. برزت مراكز أبحاث تتبنى هذا التوجه، مثل معهد كوينسي لفن الحُكم المسؤول، وأولويات الدفاع، ومركز تحليل الاستراتيجية الكبرى بمؤسسة راند. وظهر على الساحة عدد من المسؤولين الذين يُنظر إليهم باعتبارهم واقعيين، من بينهم نائب الرئيس جيه دي فانس، ووزير الخارجية ماركو روبيو، ومديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد. بل إن أبرز المفكرين الواقعيين المعاصرين، إلبريدج كولبي، مرشح لمنصب وكيل وزارة الدفاع للسياسات في إدارة ترامب المقبلة. ولعل السيناتور الجمهوري عن ولاية ميزوري إريك شميت لخّص هذا التحول بقوله: «ندخل عصراً جديداً من الواقعية الأمريكية».

وراء هذا التحول شعور متزايد بالخطر. فحين كانت الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة، لم تكن بحاجة لحسابات معقدة تأخذ في الاعتبار مصالح روسيا في أوكرانيا أو الصين في تايوان. أما اليوم فإن المعادلة تغيرت، روسيا والصين تمتلكان أسلحة متطورة تفوق سرعة الصوت، في حين لم تطور الولايات المتحدة حتى الآن وسائل فعالة للتصدي لها. وتملك الصين القدرة على تعطيل الأقمار الصناعية الأمريكية، مما يعني تهديد أنظمة حيوية تعتمد عليها القوات المسلحة والاقتصاد الأمريكي. والأسوأ أن القدرات الصناعية اللازمة لخوض حرب كبرى باتت متركزة في الصين نفسها، نتيجة السياسات الليبرالية التي حوّلتها إلى مصنع العالم.

ورغم ذلك، ما زالت الولايات المتحدة تملك من التحالفات والقدرات ما يضعها في موقع تفوق إذا أحسنت توظيفه. لكن المزاج الشعبي الأمريكي تغير كثيراً. فبعد تجارب العراق وأفغانستان، لم يعد الأمريكيون مستعدين لخوض الحروب من أجل شعارات نبيلة.

يبقى أن نعرف نوع الواقعية التي سيتبناها ترامب. فهناك الواقعيون الهجوميون الذين يرون المواجهة مع الصين أمراً محتوماً. وهناك الواقعيون الدفاعيون الذين ينصحون بتجنب استفزاز القوى الأضعف ودفعها إلى التسلح. ترامب، كالعادة، لا ينتمي بوضوح لأي من المدرستين. يقول ستيفن والت إنه «لا يوجد واقعي حقيقي يهدد بضم كندا أو غزة أو غرينلاند»، ومع ذلك، يفعل ترامب ذلك وأكثر.

ورغم اعتماد ترامب على منطق القوة والتخلي عن الضعفاء، فإن تهديداته لجيرانه وحروبه التجارية قد تكلف بلاده ما كلفته مغامرات النظام الليبرالي السابق. وكما قال راجان مينون، أستاذ العلوم السياسية في كلية سيتي بنيويورك: «من ينتظر من ترامب سياسة خارجية واقعية متزنة سيصاب بخيبة أمل كبيرة».

وفي لقائه مع ترامب، حاول زيلينسكي تحذيره قائلاً: «ربما لا تشعرون بالخطر الآن، لكنكم ستشعرون به لاحقا». فرد ترامب بحدة: «أنت لا تعرف ذلك. لا تخبرنا بما سنشعر به».

في النهاية، يعتقد ترامب أن الولايات المتحدة تظل قوة لا يجرؤ أحد على تحديها، وأن أوكرانيا ليست سوى ورقة يمكن التضحية بها. لكن دروس التاريخ تقول غير ذلك. فحتى أثينا، بعد أن أمعنت في إذلال ميلوس، دفعت الثمن لاحقاً بخسارة الحرب وتفكك تحالفاتها. ليتأكد مجدداً أن الأفكار والقيم النبيلة، رغم ضعفها الظاهر، قد تكون أقوى مما يظن الواقعيون.

فرح ستوكمان عضو هيئة التحرير في نيويورك تايمز ومؤلفة كتاب «صُنع في أمريكا: ماذا يحدث للناس عندما تختفي الوظائف».

** خدمة نيويورك تايمز

مقالات مشابهة

  • هل ثواب قراءة القرآن من الهاتف أقل من المصحف الورقي؟.. الإفتاء تجيب
  • العودة إلى السياسة الواقعية الأمريكية
  • اكتشاف بروتين قد يكون مفتاحا لفهم سر نشأة اللغة المنطوقة
  • الحرب ستشتعل في الضعين؛ قراءة في المشهد القادم!
  • أستاذة مقارنة الأديان بجامعة الزقازيق لـ "البوابة نيوز": الحضارة الإسلامية قدمت نموذجًا مبكرًا لاحترام التعددية الثقافية.. ورمضان فرصة للتقارب والتسامح
  • النساء لن تدخل الجحيم.. إصدار جديد بهيئة الكتاب لـ سليمان العطار
  • مجلس المالكي يعول على 7 رهانات لإنجاح "المدرسة الجديدة"
  • الرؤية الروسية للفكر الاجتماعي والاشتراكية في أدب دوستويفسكي.. قراءة في كتاب
  • هل يشترط ختم القرآن في رمضان؟.. تعليق الفقهاء
  • «عقلان وثقافتان».. أحدث إصدارات هيئة الكتاب لـ سليمان العطار