يمن مونيتور:
2025-04-17@21:46:37 GMT

الإبحار مع جمال أنعم

تاريخ النشر: 15th, March 2024 GMT

الإبحار مع جمال أنعم

الكتابة عن الأديب جمال أنعم تستدعي بدرجة رئيسة الوقوف على ما يمثله من قيم وما يمتلك من قدرات وملكات، تجعله يحتل مكانة سامية في مصاف الكتاب الكبار- الذين يجعلون للكتابة لوناً وروحاً تحلق في فضاء من السمو يكون خليقاً بها وتصير جديرة به.

منذ أكثر من 20 سنة كنت وغيري كثيرون – على امتداد اليمن الحبيب- ننتظر مقالة الأستاذ جمال في الصفحة الأخيرة من أسبوعية الصحوة، وكنا نرى فيه وفي مقاله ما لا نراه في غيره، رغم وجود عشرات الكتاب الذين يحظون بالتقدير والمتابعة، كانت كلمات جمال ذات وقع خاص، مثل حبات العقد لا تُرى إلا مجتمعة بالطريقة التي جمعها، ومنظومة بالترتيب الذي اختاره.

كان جمال يكتب في السياسة محلقاً في فضاءات الأدب، يناهض الظلم والفساد بعنفوان شاب وحكمة مجرّب، وقد كان- ولا يزال- لكتابته الأثيرة وقعها الخاص، ولا أخفيكم أن فكرة الكتابة عن جمال وأدبه ظل بالنسبة لي مشروعاً مؤجلاً بفعل عوامل كثيرة، حتى عادت الفكرة مجدداً مع رؤيته يطل – للعام الثاني على التوالي- في برنامج (إبحار) الذي تبثه فضائية يمن شباب، وفي إطلالته الجديدة – كما هو في كتاباته، يمتلك القدرة على التأثير بما للكمة من سحر وما للمعنى من قيمة، وما إن يبدأ في الإبحار حتى يجد الملتقي نفسه جزءاً أصيلاً في رحلة تتجاوز بدقائقها المعدودات أفياء بعيدة.

وباعتقادي أن أروع ما يتقنه الأديب جمال هو القدرة على الجمع بين ما تكتنزه ذاته من ذخائر الفكر والتاريخ والدين والأدب ثم بلورتها في قوالب خاصة، قدّها من يقين روحه المتقدة نوراً، وفاضت بها كأسه المترعة فكراً ناضجاً وأدباً سامياً يتجلى في روعة ما يكتب وما يقول.

إن في كتابات جمال إبحارٌ متواصل في فضاءات واسعة، يتتبع الينابيع بحثاً عن الروح والجذور، عن الامتداد والاعتداد، عن الكلمة والمعنى، في الرحلة بُعد صوفي لا يتغيا الوصول إلى نقطة محددة، بقدر ما يرى في السفر غاية بذاتها، ومن ثم فلا مناص من البدء في السفر والذهاب مع الريح، إلى حيث تسكن الروح.

ينطلق الكاتب/ المفكر حين يصوغ فرائده، من كون موضوع الروح موضوع ذو شجون، يستدعي حضوراً خالصاً، وطاقة حية قادرة على امتلاك النفس والإرادة في موكب الجمال والجلال، جمال الأدب وجلال الفكر، وفي كتابته تتجلى الفكرة الأصيلة في قالب جميل وجديد من الإبداع، حيث يستند على اطلاع واسع في كثير من مجالات المعرفة الإنسانية، كما يستمد من شاعريته العذبة التي تنساب ندية بين السطور.

يحلق الكاتب الكبير جمال أنعم بجناحي فكره وأدبه، ثقافته وإبداعه، جودة ما يقرأ وروعة ما يكتب، لتسري في إبداعه روحٌ آسرةٌ تملك قلب المتلقي وتأسر روحه فتسير مبحرةً في الدرب ذاته بحثاً عن ذاتها، وتجدّ – متعبةً- في طلب الراحة، كما يقول الشاعر البردوني:

ورحتَ من سفرٍ مضنٍ إلى سفرٍ

أضنى، لأن طريقَ الراحةِ التعبُ.

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: كتابات يمن مونيتور

إقرأ أيضاً:

هيثم صديق يكتب.. هاشم صديق وتلك النيمة

هاشم صديق وتلك النيمة …… عندما كان( هاشم صديق)  صغيرا وغريرا كان مفتونا بجيفارا وجومو ونزار كما قال في اجترار وكنت مع صديق العمر (عاطف مكاوي)   مفتونان بهاشم صديق زيادة على مافتن به. وكان قريب له وقريب منه إسمه (بكري عبد الجليل) من اولاد الموردة صديق صدوق لنا ولا يزال حفظه الله وهو إبن اخ للفنان (إبراهيم عبد الجليل) كروان السودان واحد افذاذ الغناء في السودان قلنا لبكري لابد ان نزور هاشم صديق  فضرب لنا موعدا في رمضان والالفية تؤشر بالوداع ونحن طلاب جامعات  ان افطروا معي في الموردة وبعدها نزور  شاعرنا طرقنا الباب ففتح لنا بجلباب بيت وجاء بمساند لكراسي حوش جوار نيمة يجلها في قصائده وجاءنا بالشاي  و مازحنا كيف تصادقون شابا  لا يحب البنات و(بابكر محمد احمد عبد الجليل) حكايا  وغرائب يحتاج لمعاجم  لشاب لم ار قاري نهم مثله ابدا  ولا حافظ كهو كان بكري يقول إنه لن يتزوج  لان البنات العندنا يلدن (اطفالا لا ابطالا ) اجلسنا شاعرنا الكبير مستبقيا ريثما يستقبل ضيوفا  وكان المشاهير يتوافدون كان جرس إسمي مثل جرس إسمه فلفت ذلك نظره وقال لي إن له ولد إسمه (هيثم) ايضا وكنت انذاك احمل قصة قصيرة قد نشرت لي في( الوان) مدرسة الصحافةالسودانية الاكثر إنتاجا للمبدعين  احملها كبطاقة الهوية احببت بها على (بنات العرب)  قبطيات  امتنانا لاستاذنا (نبيل غالي جرس) الذي نشر إسمي مع قصتي باحتفاء كبير ولا يزال يفعل ذلك حتى بعد ان صرت صحافيا محترفا وعملت معه في (اليوم التالي) بعد (الوان) يهاتفني عن مقال اليوم ولماذا تاخر  ناعتا لي بالاستاذ في ادب  تفرد به حياه الغمام خرجنا من بيت هاشم  اقدامنا ثابتات في الارض والجبهة بتبوس السماء كما يقول ودارت دورة الايام  وتوقفت له يوما وقد رأيته في الطريق يحمل اوراقا واوصلته لمنزله وتواصلت بيننا صلة متقطعة وقد ارسل لي رسالة يوما ما مع احد الاصدقاء وكنت اكتب صفحات استعين بشعره او ابتدر بابيات مقالي اليومي في (الصدى) رياضيا  او في (اليوم التالي)  وغيرها سياسيا  او في صحيفة( فنون) مع الحبيب (هيثم كابو) رسالته كانت ان منعت الجميع عن نشر اشعاري دون موافقتي ولكني اسمح لك  مع طرفة متجددة ان هيثم صديق تشبه هاشم صديق وقد يظن ظان ان الكاتب واحد  وقد ضحك يوما _يقول_ لان احدهم من هلالاب السوق الكبير قال له يوم هزيمة للمريخ ماذا ستكتب غدا وقد ظنه اياي وهو اختلاط اسعدني جدا وكان عامل البوفيه في صحيفة الصدى لاكثر من خمسة عشر عاما يناديني بهاشم صديق والجنوبي (توفيق) صاحب اليد الطاعمة والهلالي الطاعم يخلط الخل بالزيت مضت ايام ولم ارثي هاشم صديق وقد تفرق الاحباب وجفت الانخاب  وجفلت (القرينتية) عن النيل لكن هاشم لم يكن فقدا خاصا  لقوم لم يدخروا لعام ونصف دمعا ولا دما فاحتلبوا له الدمع من شاة المدخور  لفرح قادم مات (هاشم صديق) في مكان نظيف وقد ودع بما يليق فصورته على ظهر (كارو) كانت مفجعة كان يعرف كيف يصبح مطر وكيف يصبح حريق وكيف ينسف متاريس الطريق في (دراما ٩٠) كنت اقف _نقف_تلميذا نبيها ومنتبها امام تحليله الشيق للدراما  تتبعه للقطة، نقده للمخرج، واقتباسات الرواية افتتنت بهاشم صديق باكرا مع شعراء اليسار  وخلطت ذلك بحبي لهاشم الرفاعي  شهيد فلسطين وصاحب قصيدة (ليلة الاعدام) الشهيرة وكان الرفاق يعجبون من (مخلاتي) التي فيها إبريق الوضوء وقن الشراب فاحار في الجواب  ولا ازال  رائدي (إبن عربي ) (ادين بدين الحب انى توجهت ركائبه فالحب ديني وإيماني) وقد دفعني حبي (للتلاقيط) هذه ان اتمنى في طفولتي ان امتلك عجلة مثل احدهم في( السوق العربي) تحوي (دبابيسا )و(ضفارات )و(امشاط) و(خلال) و(علاقات مفاتيح)  ثم تحول هذا إلى ان اسميت عمودي السياسي الثابت ب(هتش) والرياضي ب (من هنا وهناك ) ثم كتبت في (راي الشعب) (مناديل وقناديل)  وفي المساء (فكرة ريق) وفي (الوان) النجوم لامع بريقا  وصفحات منوعة جعلت الدكتور مزمل ابوالقاسم فيما بعد يطلب مني  في اليوم التالي ان اكون مثلما كنت في الوان وهو صائد لأليء لا يجارى وتتبعي للنجوم لم يجعلني ابدا اغفل (سهيلا ) وهو هاشم صديق  الذي علمني الاعتداد بالنفس يوم ارسلها بالكبرياء (: اسمى هاشم امى امنةابويا ميت وكان خدرجى ومرة صاحب قهوة في ركن الوزارة بيتنا طين واقع مشرم ولما حال الطين يحنن نشقى شان يلقى الزبالة ). فتبعه ابناء الفقراء والطبقة الوسطى فاصبح دليل الاغلبية خلع عنه عباءة الحزب جهرة ومزق صك الغفران في وجه الكهنة وصار (عكاف)  بطل نبتة حبيبتي قبل ان يكتبها وهاشم عاش حتى (ثمانينيته المجيدة) متمردا  ابدا  لم يجد الهدوء في غيابه والحضور  وكانت (بانت) ملاذه الاثير يحن إليها في صقيع الغرب وفي بيته يسمع إسمها في صوت نسيم المروحة (ياعبدو روق) صنعت (ربيع طه) ربما  لكنها كانت هتافه لنفسه  ان هدي حبة  ولكن هيهات هو نصير حتى (فرس النهر)  وهو عدو الاصدقاء إذا ما رأهم اغتنوا ، والشعراء يصفهم  عجيب اخر هو (عبد القادر الكتيابي) (وهل الفقراء إلا نحن والطير نصوغ لقمحة لحنا ويأكل لحمنا الغير) لكن لحم هاشم كان مرا كان ضد (باركوها) على الدوام ضد التنكر ب(باروكة) الزيف على (صلع )الواقع قال( لا )مثل اسبارتيكوس في وجه من قالوا (نعم) فاخرج قانون (حق الشاعر) منع بعض اغنيات ولكنه وهب( عوض جبريل )وصحبه بضع جنيهات تساهم في ظروف السيل والهدم والفيضان ورقة الحال اعطى (إبراهيم الرشيد) قبل موته ان يكتب إسمه ويذاع بالقانون مع اغنياته الكبار من لدن( يا زمن وقف شوية) و(لو عاوز تسيبنا) و(سليم الذوق) و(عقد الجواهر )وغيرها وقد كنت قريبا منه في سنواته الاخيرة يتكي على الذكريات ويتلمس الطريق وقد خفت بصره  ويلقى على الابواب جارحة الردود، (هاشم صديق) كان (ماركوني) الشعراء الذي حين اظلمت الغابة اخرج قلبه المشتعل حتى تجاوزها والاصحاب لقد قال (مصطفى سند) في اخر ايامه انه لن ينشد الشعر مجانا  ليخرج من ليلة شعرية إلى البرد في منتصف الليل وقد ركب الناس فارهاتهم  ، لكن هاشم كان اصلب عودا واقوى شكيمة وهو يقول لا (لو زندها احتمل الندى لكسوت زندك ما تشاء ثوبا من العشب الطري بابرتين من العبير وخيط ماء) حتى لا ينال هذا المصطفى فتاتا و(الصفقة وين) و(بي ورا )تنال الذهب هذه قسمة ضيزى لم يترك هاشم (الملحمة) فقط  ولم يمجد القرشي وهو يمز زيتونا في( قعدة ) فقد حطم إله عجوة اليسار واكل حتى النوى ولم يهادن اليمين مد لسانه للرسميين من لجان إجازة النصوص وهم يرفضون (اضحكي ) فاطلقها قطارا في وجوههم (ضحكك شرح قلب السماء هز وتر الامكنة رطب الصحراء ولمس عصب الجبل) فجاءته الاجازة من الجمهور والمتلقي  وهو يقول بالاشارة (العاجبو عاجبو والما عاجبو يحلق حواجبو) وهاشم حاجب الشعر السوداني الاغبش  لا تعلو عليه عين كانت يا جنا إلياذة واوديسا خالدة  اكبر فيها امه وجده والاب والحبيبة  وخلد حتى (بوخة الخميس) حين يشرب الليل (عطر الطلح) بلا فجاجة ولا لجاجة ولا تجريح ومع ذلك كان هاشما جراحا متوتر الاعصاب يمرر مشرطه بدون تخدير في مكان الالم كان صوفيا فوق ذلك يكمن ذلك في قصائده وفي إبتسامته الحزينة دوما وكان واضحا  ولعل  مما اراد ان يوصيه لاولاده عند موته قد حققه له هذا الوضع العصيب فقد غادر (البكري) و(احمد شرفي) و(حمد النيل) ودفن بعيدا  وهو الذي خاف كما قال  ان يقف على قبره (على مهدي) بعمامته الخضراء ليخطب في الناس ؟؛ وهو لا يرضى ذلك فجعلها  وصية لاولاده مكتوبة في صحف الخرطوم  التي لم تسلم منه يوم هجاها بان بعضها في (إنتظار الفجر يطلع ليطالع الناس شيئا من تفاهة) فهو لايحب القشور ولا البخور ولا تدهشه اللافتات الضرار (تلقي مكتوب ترزي احلام العرايس وجوة فستان مرمي واحد) مات هاشم بعيدا بنبوة( نزار قباني) إلا العصافير التي تحترف الحرية فهي تموت خارج الاوطان هاشم صديق

مقالات مشابهة

  • خاشانوف يبلغ ربع نهائي برشلونة للتنس ويضرب موعدًا مع دافيدوفيتش فوكينا
  • فين الروح .. شوبير يهاجم بيسيرو عقب وداع الزمالك لكأس عاصمة مصر
  • نصائح للتعامل مع رهاب الطيران
  • التليفزيون المصري يسجل حلقات جديدة من برنامج "حديث الروح بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية"
  • رئيس أساقفة الكنيسة الأسقفية: كل قوة نمتلكها بعيدًا عن الله زائلة
  • التليفزيون المصري يسجل حلقات جديدة من برنامج حديث الروح
  • دي ميستورا يُخبر مجلس الأمن بالدعم الأمريكي والفرنسي لمغربية الصحراء ويصفه بالتطور اللافت
  • هيثم صديق يكتب.. هاشم صديق وتلك النيمة
  • رأي.. عمر حرقوص يكتب: وداعاً قصة الحرة
  • زينة الكنائس القبطية في أسبوع الآلام.. طقوس تتجاوز الشكل إلى الروح