بوابة الوفد:
2024-10-01@23:18:45 GMT

لماذا نسلم عقولنا للسلف حتى لو كان صالحا؟

تاريخ النشر: 15th, March 2024 GMT

يبدو مُصطلح السلف، مُستحسنًا فى العقلية الجمعية لدى معظم المجتمعات العربية، إذ يُشير إلى السابقين الأوائل، الذين نظُن أنهم الأفهم والأعلم والأحكم، ثم بالضرورة الأصلح، ذلك لأنهم أقرب زمنا لعهد النبى محمد عليه الصلاة والسلام.
وهكذا لم يكن غريبا أن تُقرن كلمة «السلف» لدينا بـ»الصالح» عند الإشارة إلى أولئك الأولى بالاتباع، ولم يكن غريبا أن يندمج مفهوم السلفية بالاستمساك بالدين فى زماننا، وهو ما دفع العامة إلى إطلاقه على كل شخص مُتدين حتى لو كان تدينه تدينا شكلانيا فقط.


فى النصف الثانى من القرن الواحد والعشرين، ومع إرهاصات ما يُدعى بـ»الصحوة الإسلامية»، اتسعت مدلولات الكلمة، وكُتبت كُتب ودراسات، ونشأت جماعات، وأسست جمعيات، بل وقامت أحزاب تحت اسم السلفية، لتتكرر إشكالية استدعاء الماضى، ودمجه مع الحاضر، وتسليم عقول الناس لرجل ما ربما يكون صالحا وطيبا بمفهوم زمنه الذى قد يمتد لأكثر من ألف عام مضى ليقول لنا، وهو ميت ما ينبغى فعله وما لا ينبغى فعله وفقًا لما فهمه من الدين.
وكأن الدين، ذلك المعتقد الواضح، والمباشر المُرسخ للوحدانية، والمُعزز لتلك القيم الأخلاقية العظيمة، فهو فى حقيقة الأمر لغز مُحير، وسر مُعجز لا يستقيم فهمه إلا برده للمفسرين الأوائل، والفهقاء القدامى، وعلماء الدين فى القرون الأولى، الذين مع كل تقديرنا لهم لا يحملون أى قدسية حقيقية.
واللافت فى هذا الصدد أن الاتباع الصامت للبشر تلو البشر فى تصوراتهم وتفسيراتهم للدين دون تشغيل للعقل الآنى، كان أحد مآخذ القرآن الكريم على أولئك الذين لا يتفكرون ولا يتدبرون من المشركين وعباد الأصنام لسبب وحيد هو أنهم كانوا يرفعون دائمًا فى وجه التساؤل المنطقى العقلانى بعبادة الأوثان، عبارة وحيدة تقول إنهم وجدوا آباءهم لها عابدين.
فما الفارق إذن بين هذه الفلسفة المُبررة لعبادة الأوثان، وبين قيامنا الآن برد الأمور جميعها إلى السلف وقبول فهمهم بزمانهم، وحُكمهم وفق بيئاتهم، وتصور أنها هى الدين فى ذاتها؟
أولسنا مُطالبين بعدم قبول الموروث كما هو، وتشغيل العقول فيه والحكم على كل أمر وفقًا لما نفهمه بزماننا، لا بزمان السلف حتى لو كان صالحًا؟
إنه من المؤسف أن نقرأ الآن، ونحن فى الألفية الثالثة رأى الإمام مالك فى كذا، ورأى الإمام أبى حنيفة فى كذا، وما قاله ابن تيمية عن أمر ما، وما قرره ابن حزم، وما أفتى به ابن القيم الجوزية أو ما حكم به ابن عبدالوهاب، رغم أن المكان الطبيعى والمنطقى لكل هذا التراث هو المتحف فقط. ولاشك أننا عندما نقول ذلك لا نزدرى أو نُهين أو نسب أولئك الفقهاء السالفين أو نتهمهم بأى شيء، معاذ الله، وإنما نحن نرفض بكل هدوء الخضوع لفهمهم الذى تشكل وفق معطيات زمانهم، ونرفض تجميد العقل الذى صار آفة «المسلم الحزين فى القرن العشرين» بتعبير المفكر الراحل حسين أحمد أمين.
ويبقى السؤال المُلح: ما الضرر فى استنباط فهم جديد، عصرى، مواكب، ومُعاصر لعوالم تتشكل من جديد ومجتمعات تنشأ وتتطور، وآفاق تكبر، ومفاهيم تختلف؟ 
إذن ما المانع أن ينفتح باب الاجتهاد فى الدين مرة أخرى بعد إغلاقه بقرار سلطوى بشرى سياسى صدر فى القرن الخامس الهجرى على يد الخليفة القادر بالله، تحت زعم مغلوط بإغلاق باب الفرقة والانقسام؟
إن أحد أخطر ما نواجهه من إرهاب، وعنف، وتعصب، وذكورية، وجمود فكرى، ونفور من العلوم التجريبية، وقعود عن التطور، وابتعاد عن التعددية، وخضوع للظلم والبطش مرده فى النهاية مجموعة من مقولات وأفكار وفتاوى وأحكام قدمها علماء الدين باعتبارها هى الدين، وفى الحقيقة لم تكن سوى فهمهم هُم للدين بمعايير زمانهم ومعارفهم وبيئاتهم.
وهؤلاء القروسطيون مازالوا يحكموننا من قبورهم، لا لشيء سوى لأننا نؤمن أن الإيمان يعنى التسليم بكل ما يصل إلينا دون تمحيص أو تفكير، وكأن العقول التى منحنا الله إياها ممنوعة عن التفكر والتدبر، ومجبولة على السمع والطاعة للسلف.
إن كل حديث مستغرب، وكل جديد يتصوره العقل الجامد بدعة، وضلالة، وعلينا أن نتذكر جيدا ما فعله علماء المسلمين عندما سئلوا عن حكم الطباعة فحرموها لأن ماكينة الحبر قد تضرب خلال الطباعة آيات القرآن، وحرموا القهوة لأنهم تصوروا أنها لم تكن موجودة لدى السلف الصالح.
وإذا كانت هجمة الحداثة قد دفعت مفكرين عظاما مثل الإمام محمد عبده إلى الدعوة بشكل علنى إلى الإصلاح الدينى للتوفيق بين التطور الإنسانى الجارى وبين عقائد الإسلام وأوامره، فإن المُحزن فى الأمر أن مصطلح «الإصلاح الديني» خفت وانزوى تحت زحف الإسلام السياسى، والخطاب السلفى المستعاد، واضطرت المؤسسات الرسمية إلى تبديله بمصطلح سطحى خاوٍ هو «تجديد الخطاب الديني». 
ويقينا، فإننا لا نحتاج إلى تجديد للخطاب الدينى، وإنما إصلاح للدين نفسه، وهو لا يكون إلا بعصرنة فهمه واستيعابه بما أضافته الحداثة من إنجازات إلى البشرية.
إن العالم الآن ينظر إلى القادم، الغد، المستقبل، ويُفكر بما هو تالٍ ومتوقع، ويبحث فى فرضيات لم تأت بعد، ويعيد حساباته كلها بمنطق مهم هو منفعة البشر. 
وحسبنا أن نستعير هاهنا مقولة ابن سينا الشهيرة التى يقول فيها مادحا المستحدث والجديد وغير المألوف: «فمَن قرع سمعه خلاف ما عهده، فلا يبادرنا بالإنكار، فذلك طيش. فرُب شنعٌ حق، ومألوف محمود كاذب، والحق حق فى نفسه، لا لقول الناس له. وإذا تساوت الأذهان والهمم، فمتأخر كل صنعة خير من متقدمها».
والله أعلم
[email protected]
 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: والله أعلم مصطفى عبيد

إقرأ أيضاً:

كل أسبوع.. لماذا الطلاق بيد الرجل؟

لا تزعجني كثيرا الدعوات التي تظهر بين الحين والآخر لسن قوانين تتنافى مع قواعد الشريعة الإسلامية، ليقيني أن الأزهر الشريف يقف حجر عثرة أمام إقرار مثل هذه القوانين. وآخر هذه الدعوات المنافية لما استقرت عليه أحكام الشريعة، هي الدعوة لسن تشريع يبيح للزوجة أن تقول لزوجها: "أنت طالق" وبذلك يقع الطلاق من باب المساواة بين الرجل والمرأة!!.

هذه الدعوة تفضح جهل صاحبها بفلسفة التشريع الإسلامي، ومن شأنها إذا تمت ـ لا سمح الله ـ أن تضاعف حالات الطلاق أضعافا مضاعفة. وتكون سببا فى زيادة تفسخ الأسرة، فى الوقت الذى تسعى فيه الدولة لتقليل عدد حالات الطلاق.

وقد جعل الله الطلاق في الإسلام بيد الزوج لعدة أسباب، منها وأهمها: أن الرجل هو صاحب القوامة على الأسرة، فهو المسؤول عن توفير الرعاية المادية والحماية لزوجته وأبنائه. والقوامة ليست تفضيلًا، بل مسؤولية كبيرة، ومن هذا المنطلق، فإن الطلاق بيد الزوج يعكس هذه المسؤولية الكبيرة، حيث يجب عليه التفكير مليا قبل اتخاذ قرار يؤثر على الأسرة كلها.

أضف لما سبق أن التركيب النفسي والعاطفي للرجل يجعله أكثر روية في اتخاذ القرارات الكبيرة، مثل الطلاق. ويعتبر الرجل أقل تعرضا للتقلبات العاطفية التي قد تؤدي إلى قرارات متهورة، وبالتالي وضع الله هذه المسؤولية في يده لتجنب الانفعالات السريعة التي قد تؤدي إلى نتائج سلبية على الأسرة، ويعد ذلك وسيلة لضمان الاستقرار الأسري، حيث أنه لا يتم اللجوء إلى الطلاق إلا بعد تفكير عميق. فإذا كان الطلاق سهلا ومتاحا لكلا الطرفين دون قيود، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة حالات الطلاق.

وبالرغم من أن الطلاق بيد الزوج، إلا أن الشريعة الإسلامية تضع ضوابط صارمة لضمان حقوق الزوجة. على سبيل المثال: عند الطلاق، يجب على الزوج توفير نفقات العدة للمرأة، وكذلك أي حقوق مالية أخرى متعلقة بالزواج. كما منعت الشريعة الإسلامية على الزوج التعدي على حقوق المرأة أو إساءة استخدام حق الطلاق بشكل تعسفي. مع التحذير من التعجل في استخدامه. ففي الحديث النبوي الشريف، يقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق" (رواه أبوداود). وهذا يعني أن الطلاق مشروع لكنه مكروه عند الله إذا تم دون أسباب قوية تبرر إنهاء العلاقة الزوجية. والشريعة الإسلامية تحث على التروي والصبر، وتقديم المشورة وإيجاد الحلول قبل اللجوء إلى الطلاق.

وعلى الرغم من أن الطلاق بيد الزوج في الأصل، إلا أن الإسلام أتاح للمرأة حق طلب الطلاق في حالات معينة، فيمكن للمرأة طلب الخلع، وهو طلاق تطلبه المرأة مقابل تعويض مادي تقدمه للزوج. وفي حالات أخرى، إذا كان الزوج يتعمد الإساءة أو يهمل واجباته الزوجية، يمكن للمرأة أن تطلب الطلاق للضرر عبر القضاء.

وإليك عزيزى القارئ شواهد من القرآن الكريم توضح مسؤولية الرجل في اتخاذ قرار الطلاق: قوله تعالى: "يَـٰٓأَيُّهَا النبى إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا۟ ٱلْعِدَّةَ.. " (الآية 1 ـ سورة الطلاق) في هذه الآية، الله تعالى يخاطب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويوجه المؤمنين حول كيفية الطلاق، موضحًا أن الطلاق يكون بيد الرجل وفيه ضوابط تتعلق بالعدة.

وقوله تعالى: "فَإِن طَلَّقَهَا فَلَاتَحِلُّ لَهُۥ مِنۢ بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًۭا غَيْرَهُ" (الآية 230 ـ سورة البقرة)، وفيها إشارة إلى حكم الطلاق إذا وقع ثلاث مرات وتبين أن الطلاق هو قرار الرجل، وأنه إذا طلقها ثلاثًا لا تحل له إلا بعد أن تتزوج غيره.

أخيرا أهمس في أذن أصحاب الدعوات الجاهلة: أرجوكم، تعلموا قبل أن تتكلموا، وكفاكم جرأة على الدين وشريعته الغراء. واعلموا أن الله المشرع الحكيم يمهل ولا يهمل.

اقرأ أيضاًكيفية استخراج وثيقة الزواج «أون لاين»

لا أمانع الزواج من شخص على غير ديني.. هيدي كرم تثير الجدل بتصريحات صادمة (فيديو)

مقالات مشابهة

  • إسرائيل تعلن اغتيال قائد مجموعة موالية لحزب الله في بيروت
  • كل أسبوع.. لماذا الطلاق بيد الرجل؟
  • لماذا يكون عمر الذباب قصيراً
  • الإفتاء توضح العلاج النهائي للحسد والعين
  • النيابة تستمع لأقوال مؤمن زكريا في واقعة السحر بمقابر الإمام الشافعي
  • «حفيد الوز عوام».. نجوم يواصلون مسيرة أجداهم الفنية
  • ضبط مخالف لارتكابه مخالفة رعي بمحمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية
  • السيد حسن شهيدًا على طريق القدس
  • طلب عراقي بنقل جثمان نصر الله الى كربلاء ودفنه بمرقد الإمام الحسين (ع)
  • تركيا.. رجل يضرب إمام مسجد بكرسي أثناء الصلاة