تأملات رمضانية بين العقل والهوى
تاريخ النشر: 15th, March 2024 GMT
إن شهر رمضان يقودنى دائماً إلى أمرين، زيادة جرعة التفرغ للعبادة وقراءة القرآن الكريم، والعودة إلى قراءة بعض كتب التراث التى تتماس مع الفلسفة والفلاسفة، ولقد بدأت رمضان هذا العام بقراءة كتاب أبوالحسن الماوردى المتوفى عام 450 هـ «أدب الدنيا والدين»، ويعد هذا الكتاب واحداً من أهم ما كتب الماوردى الذى كان فيما يبدو قليل الإنتاج حيث إن ما بقى لنا منها اثنا عشر كتاباً منها الدينية ومنها اللغوية والأدبية وأهمها بالنسبة للمتخصصين فى الفلسفة الكتب السياسية والاجتماعية وخاصة كتابه الأشهر «الأحكام السلطانية» الذى احتوى على رؤيته الشاملة للأسس التى تقوم عليها الدولة ونظامها السياسى والإدارى.
وقد لفت انتباهى أنه بدأ كتابه الذى بين أيدينا بما قاله فى التمييز بين العقل والهوى والطريف أنه أعلن موقفه من البداية، حيث جاء حديثه تحت عنوان «فى فضل العقل وذم الهوى» حيث اعتبر أن العقل أس الفضائل وينبوع الآداب ومناط التكليف، ورغم أنه عدد أنواعاً كثيرة للعقل ومنها ما أطلق عليه العقل الغريزى، الا أنه هاجم الغريزة باعتبارها أصل الشرور وبداية الهوى بينما اعتبر الخير والدين من موجبات العقل واستشهد بأبيات تنسب للإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه يقول فيها:
إن المكارم أخلاق مطهرة فالعقل أولها والدين ثانيها
والعلم ثالثها والحلم رابعها والجود خامسها والعرف ساديها
والسؤال هنا، لماذا مدح الماوردى العقل وذم الهوى؟ والإجابة التى جاءت على لسانه تقول «أما الهوى فهو عن الخير صاد وللعقل مضاد لأنه ينتج من الأخلاق قبائحها ويظهر من الأفعال فضائحها ويجعل ستر المروءة مهلوكاً ومدخل الشر مسلوكاً»! وقد عدد الكثير من الأقوال التى بنى عليها رؤيته تلك منها قول ابن عباس رضى الله عنه «الهوى إله يعبد من دون الله» المؤيد من وجهة نظر صاحبه بالآية الكريمة «أفرأيت من اتخذ إلهه هواه» وقيل إنه روى عن النبى (صلى الله عليه وسلم) قوله «طاعة الشهوة داء وعصيانها دواء» كما روى عن على بن أبى طالب قوله «أخاف عليكم اثنين: اتباع الهوى وطول الأمل، فإن اتباع الهوى يصد عن الحق وطول الأمل ينسى الآخرة».
ولدى البلغاء العرب: إنما سمى الهوى هوى لأنه يهوى بصاحبه، وقد قال أعرابى «أن الهوى هوان»! وقال آخر «إن الهوان هو الهوى قلب اسمه.. فإذا هويت فقد لقيت هوانا»، وقال ثالث «من أطاع هواه أعطى عدوه منتهاه»!
وقد ربط الماوردى بين الهوى والشهوة رغم تمييزه بينهما بقوله: هناك فرق بين الهوى والشهوة مع اجتماعهما فى العلة والمعلول واتفاقهما فى الدلالة والمدلول، وهو أن الهوى مختص بالآراء والاعتقادات والشهوة مختصة بنيل المستلذات، فصارت الشهوة من نتائج الهوى، وهى أخص والهوى أصل وهو أعم!
والطريف أن الماوردى ختم حديثه عقب هذه التمييزات بالدعاء لنفسه قائلاً: نسأل الله أن يكفينا دواعى الهوى ويصرف عنا سبل الردى، ويجعل التوفيق لنا قائداً والعقل لنا مرشداً!!
والأكثر طرافة أنه ختم الكتاب كله قائلاً: فكن أيها العاقل مقبلاً على شأنك، راضياً عن زمانك، سلماً لأهل دهرك جارياً على عادة عصرك، منقاداً لمن قدمه الناس عليك.. واستشهد بقول الشاعر: إذا اجتمع الناس فى واحد.. وخالفهم فى الرضا واحد، فقد دل إجماعهم دونه.. على عقله أنه فاسد.
وثمة أسئلة محيرة هنا منها: لماذا شغل الماوردى نفسه وهو ليس رجل علم ومنطق بالتمييز بين العقل والهوى؟ ولماذا اعتبر الهوى مذموماً! أليس الهوى لون من ألوان العاطفة؟ ومن العاطفة ما هى عواطف سامية ترقق القلب وتهفو به نحو المحبوب، وقد يكون المقصود بالمحبوب هنا الله أو رسول الله؟! وهل كل الهوى غواية وشر أم فيه احتمال أن يكون نحو الخير والمحبة لكل الوجود والموجودات، وهذا من المحمودات التى تطلب من المؤمن الحق؟! هل الماوردى مع العقل أم ضده؟! واذا كان مع العقل فكيف يفقد الثقة فيه مطالباً صاحب العقل الراجح أن يكون راضياً عن وضعه وخاضعاً ومسلماً لأهل زمانه منقاداً لمرؤوسيه وعادات العوام؟! وإذا كان من مناصرى العقل فعلاً، فكيف يقر بفساده ويجعله فاسداً لمجرد أن صاحبه قد يخالف الإجماع وقد يكون إجماعاً على خطأ؟!
كل تلك أسئلة تلقى بظلالها على قارئ هذا النص للماوردى وربما كانت تلك هى الأسئلة التى حيرت معاصريه ودارسيه فلم يستطيعوا تصنيفه؛ هل كان معتزلياً أم لا؟ هل كان فقيهاً مقلداً أم مجتهداً؟! أفضل أن أترك الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها للمختصين والدارسين.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: نحو المستقبل شهر رمضان القران الكريم
إقرأ أيضاً:
في إطار البرنامج الرمضاني.. وزارة الشباب تقيم أمسية رمضانية لموظفيها والجهات التابعة
يمانيون/ صنعاء أقامت وزارة الشباب والرياضة، أمسية رمضانية لموظفيها والجهات التابعة، في إطار البرنامج الرمضاني.
وخلال الأمسية أكد وزير الشباب والرياضة الدكتور محمد المولَّد، أهمية إحياء الأمسيات الرمضانية، كمحطات تربوية تعبوية لدروس إيمانية نافعة.
وحث على اغتنام فضائل الشهر الكريم لتزكية النفوس وتطهيرها والتزود بهدى الله وتقواه، والتقرب إليه بالطاعات والأعمال الصالحة، وتعزيز الارتباط بالقرآن والجهاد، وترسيخ الهوية الإيمانية، لافتًا إلى الحرص على استثمار أوقات شهر رمضان بأعمال الخير والبر والإحسان والتكافل والترابط الأخوي بين أفراد المجتمع.
وشدَّد الوزير المولَّد، بحضور نائبه نبيه أبو شوصاء ووكيلي قطاعي الشباب عبدالله الرازحي والرياضة علي هضبان وعدد من وكلاء الوزارة والوكلاء المساعدين والمستشارين والمدير التنفيذي لصندوق رعاية النشء والشباب، على الاستفادة من المحاضرات الرمضانية للسيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، لما تتضمنه من قيم ودروس وموجهات وشواهد وحقائق واستنتاجات وتشخيص لواقع الأمة، ورؤى واضحة للمعالجات، وحلول لازمة للتصحيح.
وأشار إلى أن المحاضرات الرمضانية تستند لمفاهيم قرآنية تبيِّن حاجة الأمة لإصلاح مسارها، ونيل العزة والتمكين والرفعة والمجد، وعدم التفريط بدين الله وكتابه الكريم كأقوى سلاح للنجاة، مستعرضًا ظروف وتحديات المرحلة الاستثنائية التي تمر بها الأمة، وسعي الأعداء لتنفيذ أجندتهم ومخططاتهم التي تتطلب من الأمة إدراكها، والتزام أعلى درجات الثقة بالله ووعده لعباده بالنصر والتمكين، كأساس للفوز والتمكين في الدنيا والآخرة.
فيما أكد مدير مكتب الشباب والرياضة بأمانة العاصمة عبدالله عبيد في كلمة مكاتب الشباب، أهمية إحياء برامج شهر رمضان بالذكر والدعاء، والتقرب إلى الله بالطاعات والأعمال الصالحة والارتباط بالقرآن كمنهج عزة وثقافة حياة.
ودعا إلى يقظة شعوب الأمة والتصدي للمشاريع الاستعمارية واكتساب العزيمة والإرادة ومواجهة الأطماع والهجمات والانتهاكات، مشيرًا إلى أن انتكاسة الأمة وضعف المسلمين وحالة الذل في واقع الأمة العربية والإسلامية، ناتج عن تبعية وتطبيع الأنظمة العميلة وتعاونها لإرضاء قوى الشر والاستكبار، وإتاحة عوامل السيطرة لتلك القوى الاستعمارية لاستعباد الشعوب واستغلال مقدراتها.
تخللت الأمسية عرض فيلم وثائقي بعنوان “رمضان عبادة وعمل”، وقصيدة للشاعر محمد الجنيد والاستماع إلى محاضرة قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي.
حضر الأمسية عدد من قيادات وكوادر وزارة الشباب، وصندوق رعاية النشء والشباب، والجهات التابعة، وشباب ورياضيو الأندية والاتحادات الرياضية والهيئات الشبابية.