بوابة الوفد:
2024-10-05@16:05:52 GMT

تأملات رمضانية بين العقل والهوى

تاريخ النشر: 15th, March 2024 GMT

إن شهر رمضان يقودنى دائماً إلى أمرين، زيادة جرعة التفرغ للعبادة وقراءة القرآن الكريم، والعودة إلى قراءة بعض كتب التراث التى تتماس مع الفلسفة والفلاسفة، ولقد بدأت رمضان هذا العام بقراءة كتاب أبوالحسن الماوردى المتوفى عام 450 هـ «أدب الدنيا والدين»، ويعد هذا الكتاب واحداً من أهم ما كتب الماوردى الذى كان فيما يبدو قليل الإنتاج حيث إن ما بقى لنا منها اثنا عشر كتاباً منها الدينية ومنها اللغوية والأدبية وأهمها بالنسبة للمتخصصين فى الفلسفة الكتب السياسية والاجتماعية وخاصة كتابه الأشهر «الأحكام السلطانية» الذى احتوى على رؤيته الشاملة للأسس التى تقوم عليها الدولة ونظامها السياسى والإدارى.

.إلخ.
وقد لفت انتباهى أنه بدأ كتابه الذى بين أيدينا بما قاله فى التمييز بين العقل والهوى والطريف أنه أعلن موقفه من البداية، حيث جاء حديثه تحت عنوان «فى فضل العقل وذم الهوى» حيث اعتبر أن العقل أس الفضائل وينبوع الآداب ومناط التكليف، ورغم أنه عدد أنواعاً كثيرة للعقل ومنها ما أطلق عليه العقل الغريزى، الا أنه هاجم الغريزة باعتبارها أصل الشرور وبداية الهوى بينما اعتبر الخير والدين من موجبات العقل واستشهد بأبيات تنسب للإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه يقول فيها: 
إن المكارم أخلاق مطهرة فالعقل أولها والدين ثانيها 
والعلم ثالثها والحلم رابعها والجود خامسها والعرف ساديها
والسؤال هنا، لماذا مدح الماوردى العقل وذم الهوى؟ والإجابة التى جاءت على لسانه تقول «أما الهوى فهو عن الخير صاد وللعقل مضاد لأنه ينتج من الأخلاق قبائحها ويظهر من الأفعال فضائحها ويجعل ستر المروءة مهلوكاً ومدخل الشر مسلوكاً»! وقد عدد الكثير من الأقوال التى بنى عليها رؤيته تلك منها قول ابن عباس رضى الله عنه «الهوى إله يعبد من دون الله» المؤيد من وجهة نظر صاحبه بالآية الكريمة «أفرأيت من اتخذ إلهه هواه» وقيل إنه روى عن النبى (صلى الله عليه وسلم) قوله «طاعة الشهوة داء وعصيانها دواء» كما روى عن على بن أبى طالب قوله «أخاف عليكم اثنين: اتباع الهوى وطول الأمل، فإن اتباع الهوى يصد عن الحق وطول الأمل ينسى الآخرة».
ولدى البلغاء العرب: إنما سمى الهوى هوى لأنه يهوى بصاحبه، وقد قال أعرابى «أن الهوى هوان»! وقال آخر «إن الهوان هو الهوى قلب اسمه.. فإذا هويت فقد لقيت هوانا»، وقال ثالث «من أطاع هواه أعطى عدوه منتهاه»!
وقد ربط الماوردى بين الهوى والشهوة رغم تمييزه بينهما بقوله: هناك فرق بين الهوى والشهوة مع اجتماعهما فى العلة والمعلول واتفاقهما فى الدلالة والمدلول، وهو أن الهوى مختص بالآراء والاعتقادات والشهوة مختصة بنيل المستلذات، فصارت الشهوة من نتائج الهوى، وهى أخص والهوى أصل وهو أعم! 
والطريف أن الماوردى ختم حديثه عقب هذه التمييزات بالدعاء لنفسه قائلاً: نسأل الله أن يكفينا دواعى الهوى ويصرف عنا سبل الردى، ويجعل التوفيق لنا قائداً والعقل لنا مرشداً!! 
والأكثر طرافة أنه ختم الكتاب كله قائلاً: فكن أيها العاقل مقبلاً على شأنك، راضياً عن زمانك، سلماً لأهل دهرك جارياً على عادة عصرك، منقاداً لمن قدمه الناس عليك.. واستشهد بقول الشاعر: إذا اجتمع الناس فى واحد.. وخالفهم فى الرضا واحد، فقد دل إجماعهم دونه.. على عقله أنه فاسد.
وثمة أسئلة محيرة هنا منها: لماذا شغل الماوردى نفسه وهو ليس رجل علم ومنطق بالتمييز بين العقل والهوى؟ ولماذا اعتبر الهوى مذموماً! أليس الهوى لون من ألوان العاطفة؟ ومن العاطفة ما هى عواطف سامية ترقق القلب وتهفو به نحو المحبوب، وقد يكون المقصود بالمحبوب هنا الله أو رسول الله؟! وهل كل الهوى غواية وشر أم فيه احتمال أن يكون نحو الخير والمحبة لكل الوجود والموجودات، وهذا من المحمودات التى تطلب من المؤمن الحق؟! هل الماوردى مع العقل أم ضده؟! واذا كان مع العقل فكيف يفقد الثقة فيه مطالباً صاحب العقل الراجح أن يكون راضياً عن وضعه وخاضعاً ومسلماً لأهل زمانه منقاداً لمرؤوسيه وعادات العوام؟! وإذا كان من مناصرى العقل فعلاً، فكيف يقر بفساده ويجعله فاسداً لمجرد أن صاحبه قد يخالف الإجماع وقد يكون إجماعاً على خطأ؟! 
كل تلك أسئلة تلقى بظلالها على قارئ هذا النص للماوردى وربما كانت تلك هى الأسئلة التى حيرت معاصريه ودارسيه فلم يستطيعوا تصنيفه؛ هل كان معتزلياً أم لا؟ هل كان فقيهاً مقلداً أم مجتهداً؟! أفضل أن أترك الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها للمختصين والدارسين.
 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: نحو المستقبل شهر رمضان القران الكريم

إقرأ أيضاً:

الوحدة 8200

يواجه الأمين العام الجديد لحزب الله اختبارات صعبة وضعتها الظروف غير المتوقعة – باغتيال حسن نصر الله، وبالتالى توليه المسئولية لقيادة الحزب- فى مواجهة إسرائيل التى حققت إنجازات «مخابراتية» متتالية على مدار السنة تقريبًا واختتمتها بمقتل رؤوس ولاعبين كبار بـ حزب الله، وعلى رأسهم حسن نصر الله، فى واحدة من أعقد العمليات ووصف البعض ما حدث بتغيير فى موازين القوى بالمنطقة.

مشاكل عدة تواجه الأمين العام القادم وأبرزها استعادة الثقة بالنفس له ولعناصر الحزب بعد الضربات غير المسبوقة، والأصعب كيفية مواجهة اختراقات الحزب- امتدادًا لضرب كل ما يعرف بـ«محور المقاومة»-، والذى «يعشش» فيه العملاء الموالون لإسرائيل الذين قدموا لها معلومات «ثمينة»، ورغم الفشل الإسرائيلى الاستخباراتى فى توقع طوفان الأقصى إلّا أنّ حدث السابع من أكتوبر الماضى يكشف محورين مهمين بعد أن نفضت إسرائيل غبار الانكسار والضعف واهتزاز صورتها أمام العالم، «جيشًا ومخابرات»، لتنتفض مخابراتيًا.

المحور الأول، من الخطأ التوقف عند القول بأن إسرائيل اُستفزت مخابراتيا ونهضت من حالة الاسترخاء بعد الحدث الجلل الذى أصابها فى السابع من أكتوبر،- قد تكون نشطت مخابراتيًا- لكن قاعدة البيانات التى جمعتها عن حزب الله متدفقة منذ 2006 بعد انسحابها أمام ضربات الحزب فى الجنوب اللبنانى وكانت تضيف كل عام رصيدًا جديدا باعتبار أن الحزب شوكة موجعة لها وسيكون أكثر إيلامًا مع مرور الوقت والبحث دومًا عن يوم التخلص منه.

المحور الثانى، أنه رغم توافر البيانات والمعلومات تبقى هناك نقاط قوة وضعف لها اعتمادًا على الضلع الثانى المهم المتمثل فى العنصر البشرى على الأرض «العميل» الناقل للمعلومة الحاسمة فى الزمان والمكان المناسبين وكخطوة نهائية بعد تجميع البيانات ورصدها.

وتُعد الوحدة 8200 وراء نجاح العمليات الاستخبارية الإسرائيلية فى لبنان وإيران وسوريا، وهى توازى وكالة الأمن القومى الأمريكية، بعمل مكثف لاختراق حزب الله، بالتجسس على وسائل الاتصال، ومراقبة انتشاره جغرافيًا بالأقمار الاصطناعية والمسيّرات، وتحليل أى تغيير على الأرض لرصد مخازن الأسلحة، وإرسال فرق تجسس نخبوية وراء الحدود، فى عمل متواصل استعدادا للمواجهة.

بالتوازى مع الدور الكبير لـ الولايات المتحدة الأمريكية والغرب وتزويدها بكل المعلومات التى تحتاجها من خلال الأقمار الصناعية خاصة المنشآت العسكرية والنووية داخل إيران.

والوحدة 8200 ممنوع على العرب الانضمام لها مثل الجيش والأمن السيبرانى خاصة وغيرها من مناطق حساسة.

وتقوم الاستخبارات الإسرائيلية بجمع المعلومات، وتحديثها دائما، عن العناصر الموهوبة فى مجالات التقنية من الشباب والفتيات الإسرائيليين فى مرحلة الثانوية، واختيار المرشحين للانضمام للوحدة بعد اختبارات سنوية ونصف سنوية، «بدنية ومعلوماتية» فى اللغات والعلوم والبرمجة والتفكير الإبداعى وسرعة البديهة.

ويمنح برنامج جامعة «بن جوريون»، جنوب إسرائيل، المتميزين من الشباب الدراسة 3 سنوات تؤهلهم للخدمة بالوحدة 8200، فـ8200 بمثابة وحدة نخبة تضم مجندين ومستثمرين ومخترعين ومبتكرين، وإعداد مجموعة من الصبية والشباب لغزو العالم، دون أى حدود، تنتهى بمليارات الدولارات يضخها هؤلاء الشباب فى الاقتصاد الإسرائيلى، وبشركات تقنية تضع إسرائيل بوصفها واجهة جديدة لعالم شعاره «التكنولوجيا أولا.. وهو الفرق بين إسرائيل ومحيطها «لشرق أوسطى»!

 

مقالات مشابهة

  • بهاء سلطان يطرح الأغنية الدعائية لـ فيلم الهوى سلطان
  • بهاء سلطان ينتهي من تسجيل أغنية فيلم «الهوى سلطان» استعدادا لطرحه
  • حرب أكتوبر.. «نَصْرٌ اللَّهِ الْمُبِينُ»
  • الشاطر حسن
  • أمين «البحوث الإسلامية»: الإلحاد خطر يهدد العالم ومن عورات الفكر الإنساني
  • شيخ العقل: لتجاوب جميع الأطراف السياسية المعنية مع مبادرة لقاء عين التينة
  • تأملات قرآنية
  • تأملات في التفاصيل القديمة
  • الوحدة 8200
  • صراع العقل والعاطفة