تداعيات الانتخابات الروسية على خارطة التحالفات العالمية
تاريخ النشر: 15th, March 2024 GMT
على رقعة الشطرنج الكبرى للسياسة العالمية، تطور الموقف الاستراتيجي الروسي تحت رعاية الرئيس فلاديمير بوتين باعتباره حجر الزاوية في موازنة النفوذ المتوسع للقوى الغربية، وخاصة في مواجهة التهديدات من الكيانات الأمريكية والأوروبية، وأبرزها فرنسا وبولندا اللتان أشارتا وبكل وضوح إلى الرغبة في دعم الموقف العسكري الأوكراني المتراجع عبر إرسال قوات الناتو إلى أوكرانيا، وهي خطوة اعتبرها الكرملين تحديا مباشرا للسيادة الروسية ونطاق نفوذها.
كما تجب الإشارة إلى أن حرب الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل في غزة أعادت إلى أذهان الروس بأن إسرائيل هي جزء من كتلة المعسكر الغربي ولذلك هي تتلقى الدعم غير المشروط في ارتكاب هذه المجازر، ولا ينسى الروس سواء في الجانب الرسمي أو الشعبي حجم الدعم العسكري واللوجستي والمالي الذي قدمته إسرائيل إلى أوكرانيا، ولذلك فإن هذا المشهد المعقد وهذه الشبكة من التحالفات تسلط الضوء على أهمية القيادة الموحدة في روسيا في سبيل تطوير سياسة خارجية متوازنة في الشرق الأوسط وشرق أوروبا.
انتخابات بنكهة توحيد الصفوف بوجه الغرب
إن الإجماع بين الشعب الروسي بشأن ضرورة الرد المتماسك والقوي على المناورات الغربية أصبح واضحا. ويعكس هذا الوعي الجماعي الاعتراف بالتهديدات التي تلوح في الأفق الجيوسياسي لروسيا والإقرار بفترة ولاية بوتين، والتي اتسمت بالجهود الرامية إلى تحصين موقف روسيا العالمي ضد الطموحات الغربية. فالسنوات السابقة تحت قيادة بوتين لم تشهد موقف روسيا المرن والناجح ضد العقوبات والعزلة الدبلوماسية فحسب، بل شهدت أيضا توسعا استراتيجيا لنفوذها.
من خلال الانخراط بنشاط في مشهد الحرب الإسرائيلية على غزة كوسيط ومنتقد لسياسة الولايات المتحدة، تسعى روسيا إلى موازنة النفوذ الغربي وتأكيد مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، حيث أدان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة باعتبارها مخالفة للقانون الدولي، وحذر لافروف من أن تدمير غزة وتهجير سكانها من شأنه أن يخلق كارثة طويلة الأم
وفي خضم هذه الخلفية من التعقيدات السياسية والاصطفافات العسكرية، تكتسب الانتخابات الرئاسية الروسية المقبلة أهمية هائلة. ومع التوقعات بأن تبلغ نسبة إقبال الناخبين على التصويت 71 في المئة، فمن المتوقع أن تكون العملية الانتخابية انعكاسا لثقة الشعب الروسي في قيادته. ويقف فلاديمير بوتين كشخصية بارزة في هذا السباق الانتخابي، إلى جانب المرشحين من الحزب الشيوعي، وحزب الشعب الجديد، وحزب الديمقراطية الليبرالية، الذين يجسدون الطيف السياسي المتنوع في روسيا.
إن توقعات مركز أبحاث الرأي العام الروسي بفوز بوتين بالرئاسة بنسبة 82 في المئة من الأصوات تعكس مشاعر الاستمرارية والاستقرار التي يرغب فيها الناخبون في هذه الأوقات المضطربة. إن هذه النتيجة الانتخابية المتوقعة ليست مجرد احتمال إجرائي، بل هي رمز قوي لتأييد الناخبين الروس لموقف موحد ضد التعديات الغربية. وتؤكد المراقبة الدولية لهذه الانتخابات من قبل حوالي 200 مراقب دولي من مختلف أنحاء العالم على انفتاح الكرملين على الشفافية، بهدف إضفاء الشرعية على النتائج الانتخابية في مواجهة التدقيق الغربي.
إن التشابك بين الضرورات الاستراتيجية لروسيا والديناميكيات الانتخابية يقدم لنا سردا مقنعا لأمة تمر بمنعطف محوري. وبينما تستعد روسيا للانتخابات الرئاسية، يراقب المجتمع الدولي عن كثب، مدركا التداعيات الأوسع نطاقا المترتبة على فوز بوتين المتوقع، حيث تبشر النتائج المتوقعة باستمرار سياسة روسيا الخارجية الحازمة وموقفها الثابت في مواجهة الضغوط الغربية.
تراجع أم انهيار الشراكة مع إسرائيل؟
يشكل الدعم اللوجستي والعسكري والمالي الذي قدمته وتقدمه إسرائيل لأوكرانيا في سياق الصراع الدائر مع روسيا؛ نقطة خلاف مهمة بالنسبة للكرملين، ويُنظر إلى هذا الدعم على أنه توافق واضح مع المصالح الغربية، وتحديدا مصالح الولايات المتحدة، وبالتالي وضع إسرائيل داخل المعسكر الغربي.
قدمت إسرائيل لأوكرانيا نظام صاروخي للإنذار المبكر، والذي يهدف إلى تنبيه الأوكرانيين بشأن الصواريخ الروسية القادمة. هذا النظام تم وصله بالرادار العسكري الأوكراني وشبكة الدفاع الجوي، مما أتاح تنبيهات أسرع وأكثر تحديدا، كما قدمت إسرائيل مساعدات هامة لأوكرانيا في مجال الطائرات بدون طيار والدفاع السيبراني لتقويض الهجمات الروسية. وهي لم تتردد كذلك في تقديم الدعم اللوجستي للقوات العسكرية الأوكرانية، وخاصة تلك التي تتعلق بعمليات جمع المعلومات الاستخباراتية وتحديد المواقع وتقويض الهجمات العسكرية الروسية.
إن هذا الدور الإسرائيلي أقنع روسيا بضرورة إعادة تقييم دور إسرائيل ونفوذها في الشرق الأوسط وربما تقويضه. إن وجهة النظر السائدة اليوم في روسيا هي أن نتنياهو وزيلنسكي هما وجهان لعملة واحدة من حيث ارتكاب الجرائم والدعوة لاستمرار الحروب وتقويض المصالح الروسية.
ومن خلال الانخراط بنشاط في مشهد الحرب الإسرائيلية على غزة كوسيط ومنتقد لسياسة الولايات المتحدة، تسعى روسيا إلى موازنة النفوذ الغربي وتأكيد مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، حيث أدان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة باعتبارها مخالفة للقانون الدولي، وحذر لافروف من أن تدمير غزة وتهجير سكانها من شأنه أن يخلق كارثة طويلة الأمد. كما انتقدت روسيا بشدة تقويض الولايات المتحدة للجهود الدولية لوقف إطلاق النار في مجلس الأمن.
نحو تقليص الدور الأمريكي المخرّب في الشرق الأوسط
رسمت روسيا بدقة دورا مهما لنفسها في الشرق الأوسط، مع التركيز على تعزيز التعاون في مجالات التجارة الخارجية والنفط والغاز، ووضع نفسها استراتيجيا كقوة موازنة للنفوذ الأميركي في المنطقة. ومن المتوقع أن تعزز الفترة الرئاسية المقبلة هذه الاتجاهات، مع ما يترتب على ذلك من آثار كبيرة على الجغرافيا السياسية الإقليمية والعالمية.
كانت إحدى السمات المميزة للسياسة الخارجية الروسية منذ عقد من الزمن هي محاولتها موازنة النفوذ الأمريكي في جميع أنحاء العالم، وخاصة في الشرق الأوسط، ويتم تحقيق ذلك من خلال مزيج من الجهود الدبلوماسية والدعم العسكري للحلفاء والاتفاقيات الاقتصادية. ويبدو أنّ الدور الأمريكي المخرّب في الشرق الأوسط دفع اللاعبين الإقليميين الأقوياء مثل السعودية والإمارات وقطر والأردن ومصر إلى المطالبة بدور روسي أكبر
سعت روسيا بنشاط إلى تعزيز علاقاتها التجارية مع دول الشرق الأوسط، بما في ذلك إيران ودول الخليج. وغالبا ما يقوم أساس هذه العلاقات على التعاون في مجال الطاقة، حيث تعتبر الطاقة ركيزة أساسية لانخراط روسيا في الشرق الأوسط. ومع كون المنطقة غنية بموارد النفط والغاز، فقد انخرطت روسيا في ما يمكن وصفه بدبلوماسية الطاقة. وينطوي ذلك على الاستفادة من مواردها الهائلة من الطاقة وخبراتها في قطاع الطاقة لتشكيل تحالفات وتأمين الاتفاقيات الاقتصادية وتعزيز نفوذها الجيوسياسي وتوسيع الأسواق والشراكات مع الشرق الأوسط.
كانت إحدى السمات المميزة للسياسة الخارجية الروسية منذ عقد من الزمن هي محاولتها موازنة النفوذ الأمريكي في جميع أنحاء العالم، وخاصة في الشرق الأوسط، ويتم تحقيق ذلك من خلال مزيج من الجهود الدبلوماسية والدعم العسكري للحلفاء والاتفاقيات الاقتصادية. ويبدو أنّ الدور الأمريكي المخرّب في الشرق الأوسط دفع اللاعبين الإقليميين الأقوياء مثل السعودية والإمارات وقطر والأردن ومصر إلى المطالبة بدور روسي أكبر؛ على حساب الدور الأمريكي الأستغلالي في الشرق الأوسط.
ختاما، إن الانتخابات الرئاسية المقبلة في روسيا ليست مجرد شأن داخلي، بل هي حدث محوري له آثار بعيدة المدى على الجغرافيا السياسية العالمية. إن فوز بوتين المحتمل، يعني استمرار موقف روسيا الحازم في السياسة الخارجية، والذي يؤثر على كل شيء بدءا من الديناميكيات بين إسرائيل وغزة إلى الصراع الدائر في أوكرانيا إلى إعادة رسم خارطة النفوذ في الشرق الأوسط.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه بوتين الغربية روسيا الصراع روسيا بوتين الغرب اوكرانيا صراع مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة اقتصاد سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة الخارجیة الروسی فی الشرق الأوسط الدور الأمریکی فی روسیا من خلال
إقرأ أيضاً: