الخطوة الأولى فى الألف ميل الأولى
تاريخ النشر: 15th, March 2024 GMT
كان اللقاء الأول مع الزعيم ياسرعرفات فى القاهرة حين أجريت معه حواراً لمجلة الشباب التى كانت تصدرها آنذاك أمانة الإعلام بالاتحاد الاشتراكى، بعد نحو عامين من رحيل الرئيس جمال عبدالناصر. وكان اللقاء الثانى معه حين اجتمع مع وفد الأحزاب المصرية على هامش انعقاد الدورة السابعة عشرة للمجلس الوطنى الفلسطينى فى الجزائر.
فى كل تلك اللقاءات بدا «أبوعمار» شخصاً شديد التواضع، لا تبدو على حياته وممارساته أى مظهر من مظاهر الرفاهية أو علامات الترف، بخلاف بعض من كانوا حوله ومن هم غيره، من قادة الفصائل المؤيدة أو المعارضة له. وكان الهاجس الكبير الذى يؤرقه مع كل حديث، هو كيف تظل منظمة التحرير الفلسطينية هى الناطق الوحيد باسم القضية الفلسطينية، وألا يؤثرتعدد فصائلها والخلافات السياسية والأيديولوجية بين قادتها على التوحد خلف تلك الحقيقة، لكى تحتفظ المنظمة بقرارها المستقل بقدر الإمكان، وكيف تنجو قيادته للمنظمة من ضغوط الأنظمة العربية، المناصرة له بشروطها والمعادية له بلا أفق للتوقف عن العداء، حتى لو أطاح ذلك بمصالح القضية الفلسطينية، وأسهم فى تهميشها.
ظن نظاما البعث فى كل من العراق وسوريا أنهما قد باتا مؤهلين لقيادة المنطقة العربية، بعد أن غاب الزعيم جمال عبدالناصر عن مشهدها. ولم تكن القضية الفلسطينية، سوى ألعوبة وأداة من أدوات الصراع الأخرى بين البعثين للوصول إلى ذلك الهدف، الذى مر بالتصفية الجسدية لقادة المقاومة ممن يحسبهم كل طرف بالعمل لحساب الطرف الآخر، أو بحجب المساعدات المالية التى كانت تمنح لمنظمة التحرير، لكى يحصر القرار الفلسطينى بين سياسات بغداد ودمشق وطرابلس القذافى فى أحيان أخرى. لكن ذلك هدف لم يتحقق فحسب، بل أضاع البلدين كذلك، بالاحتلال والصراع على السلطة عبر أنظمة المحاصصة الطائفية للمواقع السياسية والحروب الأهلية التى ما أن تتوقف، حتى تعاود الاشتعال من جديد، ليصبح مصير البلدين مرهوناً بقوى خارجية إقليمية ودولية لأجل غير منظور!
وفى الحوار الذى أجرته صحيفة الشرق الأوسط ونشرته على ثلاث حلقات الأسبوع الماضى مع «ياسر عبدربه» أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والمستشار السابق لياسر عرفات ما يعزز ما سبق. ووفقاً لشهادة عبدربه، فإن صدام حسين رفض رجاء «أبوعمار» بالانسحاب من الكويت تجنباً لنكبة عراقية بعد الفلسطينية، ورد الرجاء بأنه غزا الكويت لتحرير القدس، فانتهى الأمر باحتلال العراق. وكشف عن كارثة عربية شائعة كفيلة بهدم دول وإسقاط أنظمة تتجلى فى نفاق المسئولين المحيطين بصدام الذين يؤيدون دون مناقشة كل قراراته فى حضوره، ولا يتروعون عن نقدها فى غيابه. وفى نفس السياق فإن حافظ الأسد يغتال كمال جنبلاط، وربما سار ممثلوه فى جنازته، لكنه يستمتع بسؤال عرفات عمن هم قتلته. ومعمر القذافى يوظف أبونضال لاغتيال الرجل الثانى فى حركة فتح صلاح خلف «أبوإياد» لأنه لا يحبه، ولم يكن يبدى إعجاباً بشخصية القذافى، فضلاً عن أنه الساعد الأيمن لعرفات، الذى كانت شعبيته الكاسحة فى العالم العربى، تثير غيرة الزعيم الليبى. لعب واستهانة بمصير القضية الفلسطينية لتصفية حسابات صغيرة والتنفيس عن عقد مكبوتة والتماهى مع أوهام، لا يبشر الواقع العربى والدولى بها قيد أنملة. لكن أهم ما انطوى عليه حوار «عبد ربه» هو أن عدم الإلمام الكافى بالتعقيدات التى تحيط بالقضية الفلسطينية، وربما بالعقيدة الصهيونية، وبينها الاستخفاف بقضية الاستيطان من أجل تركيز السلطة السياسية والنفوذ السياسى، قد سهلت التنازلات أمام الطرف الإسرائيلى لتكريس تلك السلطة، وضعيت فرصاً كان يمكن البناء عليها لصالح التسوية السلمية سواء أثناء سلطة ياسر عرفات أو من خلفوه فى السلطة الوطنية الفلسطينية.
لكن يبقى من المؤكد ما صرح به «ياسر عبد ربه» أن حركة المقاومة الفلسطينية حماس، ما كان لها أن تقدم على ما جرى فى السابع من أكتوبر بشكل منفرد، لو أنها كانت جزءاً من منظمة التحرير الفلسطينية غير المنقسمة، والمهمشة بسبب أخطاء للسلطة الوطنية وللفصائل المتمردة عليها. وهو ما يحتاج من حماس إلى مراجعة حقيقية لجدوى انقسامها عن السلطة ومنظمة التحرير، كما بات عليها أن تبدأ التعامل بواقعية مع الحقائق السياسية الدولية والعربية الراهنة، وأن يكون التضامن الشعبى العالمى مع القضية الفلسطنية هو المدخل لخطوة طال غيابها نحو وحدة الصف الوطنى الفلسطينى بكل فصائله بما فيها حماس والجهاد، وإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية ككمثل وحيد للشعب الفلسطينى. فتلك هى الخطوة الأولى فى الألف ميل الأولى نحو نيل حقوق الشعب الفلسطينى.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: حقوق الشعب الفلسطيني القضية الفلسطينية القوات الفلسطينية على فكرة أمينة النقاش رحيل الرئيس جمال عبدالناصر التحریر الفلسطینیة القضیة الفلسطینیة
إقرأ أيضاً:
«الجارديان»: «ترامب» يهدد آمال «غزة» فى إعادة الإعمار
سلطت صحيفة الجارديان البريطانية الضوء أمس على الأسباب التى تضيع الآمال الفلسطينية فى التخلص من آثار الحرب المدمرة التى لحقت بهم، وذكرت افتتاحية الصحيفة عدة أسباب من شأنها ضياع ذلك الحلم فى إعادة الإعمار، وأضافت: يعود الفلسطينيون إلى الشمال – لكن رغبة الرئيس الأمريكى فى «تطهير» القطاع، على الرغم من عدم واقعيتها، تثير قلقًا عميقًا.
وتابعت: «يعود الفلسطينيون إلى ديارهم فى شمال غزة، على الرغم من أن القليل من منازلهم ما زالت قائمة. لقد دمرت المستشفيات والمدارس والبنية الأساسية الأخرى. بالنسبة للبعض، كانت هناك لقاءات حزينة؛ بينما يبحث آخرون عن جثث أحبائهم. إنهم يبحثون عن الأمل وسط أنقاض حياتهم السابقة. ولكن هناك تهديدات جديدة تلوح فى الأفق. فإسرائيل والأمم المتحدة فى مواجهة بشأن مستقبل وكالة الأونروا، وكالة الإغاثة للفلسطينيين. ومن المقرر أن يدخل قانون إسرائيلى ينهى كل أشكال التعاون مع الوكالة حيز التنفيذ اليوم ــ فى الوقت الذى تتدفق فيه المساعدات التى تشتد الحاجة إليها أخيراً على غزة. ويقول خبراء المساعدات إن أى كيان آخر لا يملك القدرة على توفير الدعم الطويل الأجل اللازم للسكان.
ولفتت إلى القضية الثانية المتعلقة باستمرار وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى. قائله «فالانتقال إلى المرحلة الثانية ـ والتى من المفترض أن تنسحب فيها إسرائيل بالكامل، وأن تنزع حماس سلاحها ـ سوف يكون أكثر صعوبة».
وفى الوقت نفسه هناك مخاوف بشأن الهجوم الإسرائيلى على جنين فى الضفة الغربية المحتلة، والذى وصفه المسئولون الإسرائيليون بأنه تحول فى أهداف الحرب. وفى لبنان، أطلقت القوات الإسرائيلية النار على 26 شخصًا احتجاجًا على استمرار وجودها وقد تم تمديد الموعد النهائى لانسحابها بموجب اتفاق وقف إطلاق النار حتى الثامن عشر من فبراير.
ولكن التهديد الجديد هو اقتراح ترامب برغبته فى «تطهير هذا الشيء بأكمله»، مع مغادرة مليون ونصف المليون فلسطينى غزة مؤقتًا أو على المدى الطويل، ربما إلى الأردن أو مصر. ونظرًا لتاريخهم من النزوح القسرى، ليس لدى الفلسطينيين أى سبب للاعتقاد بأنهم سيعودون على الإطلاق. ويبدو هذا وكأنه نكبة أخرى.
وأضافت: طرح الرئيس الأمريكى الفكرة مرة أخرى، وورد أن إندونيسيا كانت وجهة بديلة وهذا أكثر من مجرد فكرة عابرة. فقد أبدى قلقه على الفلسطينيين، قائلًا إنهم قد يعيشون فى مكان أكثر أمانًا وراحة. لقد أوضحوا رعبهم بوضوح. ولا يغير تغليف الهدايا من حقيقة أن الإزالة القسرية ستكون جريمة حرب.
وأكدت الجارديان أن هذه التعليقات البغيضة هى موسيقى فى آذان أقصى اليمين الإسرائيلى. وربما تكون مقصودة فى المقام الأول لمساعدة بنيامين نتنياهو على إبقاء شركائه فى الائتلاف على متن الطائرة. فقد رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي- الذى من المقرر أن يلتقى ترامب فى الأسبوع المقبل - خطط «اليوم التالي» فى غزة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى سعيه إلى تأجيل مثل هذا اليوم. وإن طرد الفلسطينيين من الشمال سيكون أكثر صعوبة الآن بعد عودة مئات الآلاف. ولا تريد مصر والأردن استقبالهم لأسباب سياسية وأمنية. وقد أوضح لاعبون أقوياء آخرون معارضتهم - ولا يزال ترامب يأمل فى تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية فى إطار صفقة إقليمية أوسع. ومع ذلك، قد تأمل إدارته أن يؤدى الضغط الكافى على المساعدات إلى تحويل أصغر داخل المنطقة، أو ربما تحويل أكبر فى مكان آخر.
وأشارت الصحيفة إلى أنه لا يحتاج اقتراح ترامب إلى أن يكون قابلًا للتطبيق ليكون ضارًا. فهو يعزز اليمين المتطرف فى إسرائيل- الذى حفزه بالفعل إلغاء العقوبات الأمريكية على المستوطنين العنيفين فى الضفة الغربية - ويزيد من نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين. يبدو أن ترامب ينظر إليهم باعتبارهم عقبة أمام تطوير العقارات وصفقته الكبرى التى ناقشها منذ فترة طويلة، وليس بشرًا لهم الحق فى إبداء رأيهم فى حياتهم. غالبًا ما بدا التزام الولايات المتحدة بحل الدولتين نظريًا إلى حد كبير. لكنه لا يزال مهمًا. ولا يزال الفلسطينيون بحاجة إلى مستقبل طويل الأجل فى دولة خاصة.