تونس / يسرى ونّاس / الأناضول عامان مرّا على إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد، إجراءات استثنائية في 25 يوليو/ تموز 2021، بدأت بحل مجلس القضاء والبرلمان وإصدار تشريعات رئاسية، وإقالة رئيس الحكومة. إجراءات حملت منتصف 2022 دستورا جديدا للبلاد تم اعتماده بعد استفتاء شعبي، واستهلت سنة 2023 بانتخابات تشريعية جاءت ببرلمان جديد.

سنتان شهدتا أحداثا متتالية، وتميزت بعلاقات متصدعة بين السلطة والمعارضة، وبمحاكمات لعدد من النشطاء والصحفيين ورجال الأعمال. بالمقابل، أعلن الرئيس سعيد الذي بدأ في 2019 فترة رئاسية تستمر 5 سنوات، أن إجراءاته الاستثنائية “ضرورية وقانونية” لإنقاذ الدولة “من انهيار شامل”. وقال مرارا إنه يتعقب كل من “يتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي”، وأنه لن يتسامح مع كل من ينهب قوت التونسيين، ويختلق الأزمات في البلاد، ويحاول إسقاط الدولة. وتتباين المواقف بين من يذهب إلى التأكيد بأن سعيد “نجح إلى حد ما” في كسب ثقة جزء هام من الشعب، وفي تطبيق خريطة طريق وضعها منذ عامين، بينما يرى آخرون أنه فرض مسارا “يحد من الحريات ويعزز صلاحياته بما يحصنه أمام المساءلة البرلمانية”. ** أزمة مركبة في حديث للأناضول، قال المحلل السياسي التونسي صغير الحيدري، إن “سعيّد نجح في فرض سياسة الأمر الواقع، من خلال مسار مثير للجدل عبر محطات، على غرار استفتاء الدستور، والانتخابات البرلمانية”. وأوضح أن “ما تحقق لم يكن في مستوى آمال التونسيين، على الأقل اقتصاديا واجتماعيا، إذ بقي سعيد رهين خطاب المؤامرات والغرف المظلمة، دون تقديم حلول ناجعة أو انفراجة بسيطة” على حد تعبيره. واعتبر أن “الأزمة التي تمر بها البلاد مركبة ومعقدة ولكنها ليست حصيلة هاتين السنتين أو حتى العشرية الماضية، بل تعود أيضا لعدة عوامل خارجية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالوضع الاقتصادي وما خلفته الحرب الروسية الأوكرانية”. وأضاف أن “البلاد تمر على المستوى السياسي بمرحلة دقيقة تعيدها إلى مربع ما قبل ثورة 2011، من خلال محاكمات لسياسيين وصحفيين، وخاصة مع فرض إجراءات تحد من الحريات وعلى رأسها المرسوم 54 الذي أحال الكثير من النشطاء على المحاكمات والتوقيفات”. وفي سبتمبر/ أيلول 2022، أصدر سعيد المرسوم 54 المتعلق بجرائم الاتصال وأنظمة المعلومات، الذي يفرض عقوبات على مروجي الإشاعات والأخبار الكاذبة، في خطوة أثارت قلقا لدى الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان. ** مسار سياسي وأشار الحيدري، إلى أن البلاد تمر اليوم “بانزلاق خطير وانغلاق سياسي واضح، خاصة مع عملية تصفية المعارضة عبر المحاكمات والتوقيفات، إذ يوجد نحو 20 سياسيا بارزا وراء القضبان”، وفق ما قال. وتابع: “لم يعد هناك سوى رمزين فقط للمعارضة خارج السجن، وهما نجيب الشابي رئيس جبهة الخلاص الوطني، وعبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر، وكلاهما عاجز عن تحريك الشارع في ظل الوضع الراهن”. وأكمل الحيدري: “شهدنا خلال السنتين الأخيرتين غياب هيئة انتخابات نزيهة وشفافة في تعاملها مع الاستحقاقات الانتخابية، وهو ما يعني أن مقومات المسار الديمقراطي غائبة”، على حد تعبيره. ولفت إلى أنه “رغم أن المنابر الإعلامية ما زالت مفتوحة أمام الجميع فإن المسار السياسي الحالي يجعل من الهواجس تجاه العودة إلى الديكتاتورية مشروعة، بالنظر خاصة إلى المسار التشريعي المثير للجدل، إضافة إلى الدستور الذي ركز الصلاحيات بيد الرئيس وجعله محصنا”. واعتبر الحيدري، أن “الحديث عن انفراج الوضع سابق لأوانه، خاصة أنه تم منع السياسيين اللذين أفرج عنهما مؤخرا (شيماء عيسى، والأزهر العكرمي) من الظهور في الأماكن العامة، ومن السفر”. وأردف: “بالتالي فإن المسألة صعبة، حتى إن خفايا القضية المعروفة بالتآمر، لا تزال غامضة ولا نعلم تفاصيلها”. ومنذ 11 فبراير/ شباط 2023، شهدت تونس حملة توقيفات شملت سياسيين وإعلاميين ونشطاء وقضاة ورجال أعمال، واتهم الرئيس سعيد بعض الموقوفين بـ”التآمر على أمن الدولة والوقوف وراء أزمات توزيع السلع وارتفاع الأسعار”. وأبدى الحيدري تخوفه مما وصفه بـ”تقلص مستوى الحريات في البلاد، لا سيما في ظل ضعف تعانيه الجمعيات والمنظمات وحتى نقابة الصحفيين، التي لم تعد بتلك القوة، وهو ما يجعل حرية التعبير والحريات العامّة على المحك”، وفق تعبيره. وأشار إلى أن “المرور بسرعة نحو إصدار مراسيم ليس عليها إجماع، وفيها فصول قد تجرم حتى العمل الصحفي، يمثل خطرا على الحريات، وهو ما يجعلنا نتخوف بالفعل من مستقبل الحريات في البلاد”. فيما تؤكد السلطات التونسية التزامها بالحقوق والحريات والإجراءات القانونية، واستقلال القضاء. ** نجاح ملحوظ من جانبه، يرى المحلل السياسي التونسي بلحسن اليحياوي، أن “مسار سعيد نجح في فضح كمية العقبات التي تواجه الدولة، وكمية الإخفاقات التي اتسمت بها السنوات العشر الماضية، والتي فاقت تصورات الجميع”. ولفت اليحياوي، في حديث للأناضول، إلى وجود “مسارين مهمين سجلا نجاحا طوال السنتين الماضيتين، على عكس كل التوقعات”. وأردف: “على مستوى العلاقات الدولية مع السواحل الشمالية للبحر الأبيض المتوسط فإنّ تونس أصبحت تمسك بزمام الأمور وتحظى بتقدير دولي أكثر من السابق، والأمر نفسه مع الولايات المتحدة والكتلة الشرقية”. وأضاف: “على المستوى الداخلي، ورغم تفاقم الصعوبات الاقتصادية والمالية، فإن إدارة الرئيس سعيد ناجحة في الحد من تفاقم هذه الأزمة”. ** البرلمان الجديد وبشأن الحريات، أوضح اليحياوي، أن “هناك رهانا كبيرا وتعويلا على مجلس النواب الجديد، الذي يمكن أن يحد من خطر هذه الإجراءات والمراسيم الرئاسية على الحريات العامة”. وخلص إلى أن “مسار سعيد برمته بصدد رسم الخطوط الحمراء التي لا يجب تجاوزها على مستوى الحريات والعمل السياسي في جبهات المعارضة وما يمكن أن يحدث خلطا بين العمل السياسي والتخابر مع الجهات الأجنبية”. وتابع اليحياوي: “يعتبر المسار فوق المعدل بقليل، وإن لم يحقق كل الآمال التي كان سقفها مرتفعا بالنسبة للمواطنين”. وأشار إلى أنه “رغم المعارضة السياسية الشرسة وبعض العوائق، فإن سعيد نجح في الوفاء لخارطة الطريق التي وضعها منذ سنتين”. وأوضح أن “سعيد لا يزال يحظى بثقة كتلة مهمة من الشعب رغم وجود كتلة معارضة ما زالت تتشكل وتتراكم بالنظر إلى عديد المواضيع الحساسة التي لم ينجح المسار في تجاوزها”.

المصدر: رأي اليوم

كلمات دلالية: إلى أن

إقرأ أيضاً:

نقابة ترفض مشروع قانون الإضراب تعتبره"تضييقا خطيرا" على الحريات في مذكرة سلمتها للسكوري

عبر الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب عن رفضه القاطع لمشروع القانون التنظيمي الذي يهدف إلى تحديد كيفيات وشروط وإجراءات ممارسة حق الإضراب.

واعتبرت النقابة أن هذا المشروع يمثل « تضييقًا خطيرًا » على حق العمال في الإضراب، ويفرض شروطًا تعجيزية من شأنها أن تعطل ممارسته بشكل فعّال.

وأكد الاتحاد في مذكرة له سلمها للوزير السكوري، أن المشروع الجديد يبتعد عن المقاربة الاجتماعية التي تأخذ بعين الاعتبار الواقع الاقتصادي والاجتماعي للعمال، ويركز بدلًا من ذلك على المقاربة القانونية الصرفة التي تهدف إلى تقييد الحريات النقابية.

وشددت النقابة على أن الرهان على هذا القانون هو رهان على استعادة الثقة بين مختلف الأطراف المعنية بالعلاقات الشغيلة، إلا أن المشروع الحالي يعمق الخلاف بدلًا من حل المشاكل القائمة.
.
وقالت النقابة، إن مشروع القانون المذكور فرض شروطا تعجيزية لممارسة حق الإضراب سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص، فقد تدخل المشروع بشكل مباشر في استقلالية قرارات النقابات وجعل المشغل متواجد بداخل » مقرات النقابات من خلال إلزامية شروط وكيفية اتخاذ قرار الإضراب، واطلاعه على الأسماء المصادقة على قرار الإضراب، ووجوب حصوله على محضر الاجتماع، إلى غير ذلك من التعقيدات التي وردت في الباب الثاني.

كما أنه ضَيَّق حق الإضراب إلى حد الحرمان منه وذلك بعد تطرقه إلى المدة الزمنية غير الموضوعية للشروع الفعلي وتنفيذ قرار الإضراب، فقد جعل مددا زمنية في مراحل متعددة، منها مرحلة الجمع العام ومرحلة إخبار المشغل ومرحلة وضع الملف المطلبي ومرحلة تبليغ المشغل ومرحلة إحاطة جهات معنية.

فهذه المراحل، حسب النقابة، تصل في مجموعها إلى أكثر من خمسين يوما بالقطاع العام وأكثر من ستين يوما بالقطاع الخاص، بحيث أن المادة 7 تحول المفاوضات عند عدم نجاحها إلى اللجنة الإقليمية واللجنة الوطنية للبحث والمصالحة مما يدل أن المدة الزمنية لتنفيذ قرار الإضراب، أخذا بواقع اللجن المذكورة، قد تصل إلى ما يزيد عن سنة.

 

مقالات مشابهة

  • المعارضة في جنوب أفريقيا تسعى لإحياء إجراءات عزل الرئيس
  • المال مقابل المغادرة.. مقترح قانون يفتح ملف هجرة الكفاءات في تونس
  • الأزهر يرحِّب بتوجيهات الرئيس السيسي التي رفعت مئات الأشخاص من قوائم الإرهاب
  • سمو أمير البلاد يتلقى رسالة خطية من الرئيس الفلسطيني
  • تونس في إجازة
  • برلماني: استبعاد 716 اسما من قوائم الإرهاب جاء بعد تحقيق الاستقرار السياسي والأمني
  • نقابة ترفض مشروع قانون الإضراب تعتبره"تضييقا خطيرا" على الحريات في مذكرة سلمتها للسكوري
  • خطاب السلطة السودانية: الكذبة التي يصدقها النظام وحقائق الصراع في سنجة
  • سمو ولي العهد يتسلم رسالة شفوية موجهة لسمو أمير البلاد من الرئيس المصري نقلها وزير خارجية مصر
  • نتنياهو يزعم أن جهات داخلية وخارجية تضرّ بـإسرائيل والمعارضة تقرّ العكس