الجزيرة:
2025-04-26@06:05:24 GMT

قبل أن ينهار 98 ألف مبنى في مصر

تاريخ النشر: 25th, July 2023 GMT

قبل أن ينهار 98 ألف مبنى في مصر

في شهرٍ واحد، شهدت مصر مؤخرا 6 حوادث انهيار لبنايات سكنية مأهولة مخلفة ضحايا في محافظات عديدة، وهي قصة -على مأساويتها- متكررة منذ عقود، ولم يعد أحد يتوقف أمامها إلا بقدر ما يستغرق المشهد.

لكن ربما ينبغي على هذه الحال أن تتغير، وأن يلتفت أحد إلى المشكلة التي لا يبدو منها إلا رأس جبل الجليد، فالإحصاء السكاني الأخير يكشف أن 24% من مباني مصر يحتاج إلى ترميم (أكثر من 3 ملايين مبنى)، وأن نحو 98 ألف مبنى مأهولا لم يعد يجدي معها الترميم بل تحتاج إلى إخلاء وهدم، ولا ينبغي أن ننتظر أن تسقط جميعها على رؤوس من فيها.

وسقوط المباني هو ثمرة مزيج من العجز المادي، وخلل الأولويات، وتقاعس الأجهزة المسؤولة، ثم الفساد الذي يجد له بيئة خصبة، فكثير من المباني القديمة لم يعد أصحابها قادرين على صيانتها، والأجهزة المحلية تتقاعس عن مهمتها في مراقبة حالة المنشآت ومخالفات البناء، ويتجاهل بعض العاملين فيها تلك المخالفات تحقيقا لمصالح مادية، أما الشرطة المختصة بتنفيذ قرارات الإزالة فتنشغل عن مهمتها بشؤون أخرى.

بداية الظاهرة.. الزمان والملابسات

لم يكن الحال دوما كذلك في مصر، ولم تبدأ ظاهرة انهيار المباني إلا في الستينيات من القرن الماضي، ولذلك أسباب يمكن استقراؤها، فقد كان ملاك البيوت في الحقبة الملكية أكثر حرصا على سلامة المبنى لإطالة عمره، فقد كان تأجير العقار نشاطا اقتصاديا مجديا، وحالة العقار هي أحد أسباب جذب السكان المناسبين.

ولكن الأمور تغيرت مع انهيار الملكية وقيام نظام يوليو/ تموز 1952 حيث ألزم الملاك بتخفيض قيمة الإيجارات بنسبة 15%، ورفعها لاحقا إلى 20%، وفرض عقوبة الحبس 3 أشهر على المخالفين، كما جمد القيمة الإيجارية بصرف النظر عن معدلات التضخم، وسمح بتوريث عقد الإيجار الى ورثة المستأجر بالقيمة الإيجارية نفسها.

لم يعد إيجار العقارات اقتصادا مجزيا، وفقد المالك معظم حقه فيه، ولم تعد مبالغ الإيجار الزهيدة -مع مرور الزمن- تكفي ليقوم بأعمال الصيانة الدورية، لا سيما في ظل ارتفاع أسعار مواد البناء، ولذلك كله، فقد انقلبت الآية، وأصبح بعضهم يتغاضى عن صيانة المبنى أملا في انهياره، وعندها يتخلص أخيرا من المستأجرين ويعيد بناءه وبيعه بأسعار السوق المرتفعة.

أما المستأجرون، فأغلبهم أيضا لا تسمح دخولهم المتدنية بالقيام بأعمال الصيانة والترميم، ولا تسمح لهم في أغلب الأحوال للدخول في علاقة إيجارية جديدة تفرض عليهم أسعار السوق الحالية.

وسط هذا المشهد المعقد، تعاني الإدارات الهندسية المكلفة بمراقبة مخالفات البناء من مشكلتين كبيرتين، الأولى هي الفساد الذي يدفع بعض موظفيها إلى السكوت عن المخالفات في مقابل الرشى، والثانية هي نقص عدد المهندسين الذي يدفعها إلى الاكتفاء بمتابعات ظاهرية.

وحتى حين تصر إحدى تلك الإدارات الهندسية على إزالة مبنى لخطورته على سلامة من فيه، يلجأ سكان المبنى أنفسهم للقضاء للطعن في القرار، ويطلب المحامون خبراء للمعاينة مرة وراء مرة في مسار قضائي يستغرق وقتا طويلا، وإذا أيد القضاء حكم الإزالة تبدأ مشكلة توفير المعدات اللازمة لذلك، وتوفير الشرطة التي تحمي العمال والمقاولين من اعتداءات الأهالي الغاضبين، ولا تقبل الشرطة بحماية العمال إلا بعد إجراء دراسة أمنية لتداعيات الإزالة، وهو عمل يستغرق شهورا أخرى، فإذا ما قررت في النهاية التنفيذ وتصدى لها الأهالي الذين لا يملكون نفقات الانتقال إلي بيوت جديدة، اكتفت في معظم الأحوال أن يوقعوا لها إقرارات بتحملهم المسؤولية الكاملة عن المخاطر التي قد تلحق بهم.

وهكذا نصل إلى المشهد قبل الأخير من تلك القصة الدرامية، إذ يفضل سكان المباني المهددة البقاء بها عن خيار الإقامة في الشوارع أو في خيام أو عشش غير آدمية، إذ لا يوفر لهم أحد بديلا يناسب إمكاناتهم في أغلب الأحيان، ولا يبقى بعد ذلك إلا أن يحدث الانهيار فيموت من يموت، ويعيش من يسعفه الوقت للخروج.

وللفساد بصمته

لكن عوامل الزمن ليست السبب الوحيد في الانهيار، والفقراء ليسوا الضحايا الوحيدين، فهناك الكثير من البنايات الجديدة التي تسقط على ملاكها الذين اشتروا وحداتها بأسعار غالية، والفساد هنا هو السبب، فكثير من المقاولين يخالف الارتفاعات المحددة للبناء، ويضيف طوابق لا تتحملها أساساته، أو يستخدم مواد بناء مغشوشة، أو لا يلجأ لإشراف هندسي توفيرا للنفقات، وفي كل تلك الحالات تكون الرشوة هي الحل ليبقى المبنى ويباع حتى يسقط على من فيه.

ذاكرة الشارع المصري تزخر بحالات كثيرة من النوع الأخير، أبرزها بناية ميدان هليوبوليس -في حي مصر الجديدة الذي يسكنه خليط من الطبقة العليا والوسطى العليا- فقد انهارت عام 1992 على نحو 70 من سكانها، وبناية حي مدينة نصر التي كان من بين ضحاياها 12 جنديا من قوات الدفاع المدني، وعمارة حي لوران بالإسكندرية عام 2007 -ذات الـ14 طابقا- وراح ضحيتها 31 شخصا، وغيرها كثير في مدن كالمنصورة ودمياط، ولا تخلو سنة من عدة انهيارات لمبان بنيت حديثا، مخلفة قتلى وجرحى.

الدور الحكومي تجاه البنايات المتداعية لا يزال كما هو منذ عقود، فالتحرك لا يحدث إلا بعد أن تقع الواقعة لرفع الأنقاض واستخراج الضحايا وصرف الإعانات.. وهذا يحتاج إلى تغيير، فلم يعد يسعنا الاعتذار بالجهل.. قاعدة البيانات موجودة، والخطر محدق

حاولت وزارة التنمية الإدارية في العام 2007 إنشاء قاعدة بيانات عن حالة المباني المصرية، واقتضى ذلك أن تقوم بحصر ومعاينة دقيقة لكل مبنى في مصر، ولكن المشروع الطموح تعثر بعد خروج الوزير الذي تبناه.

المحاولة الثانية لإنشاء قاعدة البيانات كانت في 2017، إذ أضاف الجهاز المركزي للإحصاء إلى بيانات تعداد السكان الذي ينفذه كل 10 سنوات، حصرا بعدد وعمر وحالة المنشآت في مصر، وهكذا أصبحت هناك لأول مرة صورة شاملة بدأت برصد عدد وحالة المباني المقامة قبل عام 1944 ثم المقامة في كل 10 سنوات تالية، ورصدت ما يحتاج لذلك من ترميم، وهذه خطوة كبرى في الطريق الصحيح.

الإحصاء الأول للمباني

أبرز النتائج كانت أن في مصر مع انتهاء إحصاء السكان لعام 2017 نحو 13 مليونا و445 ألف مبنى، منها 3 ملايين و233 ألفا تحتاج إلى الترميم بدرجاته (بنسبة 24% من إجمالي المباني)، وبين هذا العدد هناك نحو 428 ألف مبنى يحتاج إلى ترميم كبير، أبرزها في محافظة الشرقية تليها محافظات سوهاج والمنيا وأسيوط والبحيرة، ويبدو واضحا كيف يحتل صعيد مصر مكانه على رأس قائمة العقارات المتهالكة والخطرة، ليضيف بذلك إلى معدلات الفقر المرتفعة التي تنتشر بين سكانه.

الإحصاء كشف أيضا أن عدد المباني غير القابلة للترميم والواجب هدمها يصل إلى 98 ألف مبنى (بنسبة نحو 1% من المباني في مصر)، وخارطة هذه المباني وحالتها وتوزيعها معروفة الآن بشكل دقيق، ولا يبقى إلا أن تحتل القضية مكانها على سلم الأولويات.

حضر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حفل إعلان نتائج التعداد، وبعد استماعه لملخص نتائجه تعهد بالتصدي للمشاكل الإسكانية التي تكشفت، لكن بعد مرور 6 سنوات لم يحدث شيء، رغم أن من حضر بجواره من المسؤولين عن هذا الملف لا يزالون في مناصبهم، ومنهم وزيرة التخطيط، ورئيس جهاز الإحصاء الذي تولى بعدها منصب وزير التنمية المحلية وهو المسؤول الأول عن ملف انهيار المباني.

في عام 2021، وفي إطار التحول الرقمي، أعلنت وزارة الاتصالات عن مشروع "الرقم القومي للعقار" بالتعاون مع عدة وزارات، أبرزها الكهرباء والمالية والحكم المحلي، والمشروع المهم يرتكز على قاعدة البيانات التفصيلية التي أتاحها تعداد السكان عام 2017، ويسعى لتوفير بيانات تفصيلية عن سلسلة ملاك كل عقار ووصفه المعماري، وتقرر البدء من محافظة بورسعيد الأقل سكانا، لكن الغرض المُعلن للمشروع كان جبائيا، ويهدف إلى تعزيز الدخل الحكومي من الضريبة العقارية التي يرى المسؤولون أن حصيلتها ضعيفة، دون أن يكون لذلك الدخل دور في التعامل مع تلك المشكلة.

وحتى صندوق تطوير العشوائيات الذي أنشئ في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك عام 2008، وكان من مهامه ترميم المباني التي تشكل خطرا على حياة سكانها، تحول عام 2021 من هيئة خدمية إلى هيئة اقتصادية تهدف للربح، وبعد أن كان يبني المنازل لسكان العشوائيات، انصرف إلى البناء للطبقة المتوسطة بمساحات تصل إلى 179 مترا.

الدور الحكومي تجاه البنايات المتداعية لا يزال كما هو منذ عقود، فالتحرك لا يحدث إلا بعد أن تقع الواقعة، فتتدخل أجهزة الدفاع المدني لرفع الأنقاض واستخراج الجثث وإنقاذ المصابين، ثم تصرف الدول إعانات اجتماعية للضحايا، هذا الأمر يحتاج إلى تغيير، ولم يعد يسعنا الاعتذار بالجهل، فقاعدة البيانات موجودة والخطر محدق.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: یحتاج إلى ألف مبنى لم یعد فی مصر

إقرأ أيضاً:

خطبتا الجمعة بالحرمين: حين ينفصل العقل عن الإيمان ينهار العمران وتنحرف القاطرة عن القضبان.. والإفلاس الحقيقي إتيان المرء يوم القيامة متلبسًا بظلم الناس

ألقى الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام، وافتتحها بتوصية المسلمين بتقوى الله وعبادته، والتقرب إليه بطاعته بما يرضيه، وتجنب مساخطه ومناهيه.
وقال: اتقوا الله رحمكم الله، طهروا قلوبكم قبل أبدانكم، وألسنتكم قبل أيديكم، عاملوا الناس بما ترون لا بما تسمعون، اسمعوا من إخوانكم قبل أن تسمعوا عنهم، ظنوا بإخوانكم خيرًا، واتقوا شر ظنون أنفسكم. ومن أدب الفراق دفن الأسرار. من أغلق دونكم بابه فلا تطرقوه، واكسبوا إخوانكم بصدقكم لا بتصنعكم، وكل ساقٍ سيُسقى بما سقى: {وَقُل لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَعُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوا مُّبِينًا}.
وأضاف فضيلته بأن الإيمان والعبادة، وعمارة الأرض وإصلاحها، أركان متلازمة، والمسلم يقوم بالإعمار قربة لله ونفعًا لنفسه ولعباده، فيستثمر في كل ما ينفع العباد والبلاد. الإيمان فينا مقرون بالعمل الصالح، والقراءة مقرونة باسم الله. مستشهدًا بقوله تعالى {اقرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}. والعلم مربوط بخشية الله، والإيمان هو قائد العقل حتى لا يطغى العقل فيعبد نفسه، والإيمان هو الضابط للعلم حتى لا تؤدي سلبياته إلى اضطراب تنهار معه البشرية.
وأفاد الشيخ ابن حميد بأن القرآن الكريم تكلم عن الأمم السابقة، وما وصلت إليه من القوة، والبناء، والإعمار، ثم بيّن ما كان من أسباب هلاكها وفنائها من أجل أن نعرف سنته سبحانه، فقد أخبر عن عظمة ما وصل إليه قوم عاد، فقال جل وعلا: {إرم ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا في البلاد}، مما يدل على عظمتها، وجمالها، وتقدمها، ولكنه في مقام آخر، قال جل وعلا: ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً. أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ}. غرتهم قوتهم، وكذبوا رسل الله، وتنكروا لدعوة الإيمان استكبارًا وجحودًا. ومن أعرض عن ذكر الله يبقى مرتكسًا في الظلمات مهما أوتي من العلوم والقوى، حيث خاطب الله نبيه محمدًا – صلى الله عليه وسلم – بقوله: {كِتَبُ أَنزَلْتَهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ}، وقال جل وعلا: ﴿هُوَ الَّذِي يُنزّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيات بَيِّنَتِ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}، فالقوة والعزة بالإيمان والتقوى، والانتصار والبقاء بتعظيم شعائر الله، والعلوم مهما كانت قوتها، والصناعات مهما بلغت مخترعاتها وتقنياتها فإنها لا تجلب حياة سعيدة، ولا طمأنينة منشودة. مبينًا أن الدين الإسلامي ليس ذمًا للعلوم واكتشافاتها، ولا للصناعات وأدواتها، ولا للمخترعات وتطويرها، ولا تنقصًا من مكانتها وقيمتها، وإنما هو التأكيد على أنه لا بد من نور الوحي لتزكية النفوس، وهداية البشرية، واستنارة الطريق.
وأشار إمام وخطيب المسجد الحرام إلى أن الازدهار الذي أحرزته التراكمات المعرفية من بيت اللبن والطين إلى ناطحات السحاب وشاهقات المباني، وما حصل في وسائل النقل عبر التاريخ من التحول من ركوب الدواب إلى امتطاء الطائرات مرورًا بالسيارات والقاطرات، وفي بريد الرسائل من الراجل والزاجل إلى البريد الرقمي، كل ذلك على عظيم اختراعه وعلى جماله، والراحة في استعماله، لكنه لم يقدم البديل عن الإيمان، وتزكية النفس واحترام الإنسان، وتأملوا ذلك -حفظكم الله- في ميدان الأخلاق، وحقوق الإنسان، وضحايا الحروب، والتشريد، والتهجير، والفقر، والتسلط، والاستبداد، واضطراب المعايير.
وأوضح فضيلته أن القوة الحقيقية هي الربط بين الإيمان والأخذ بالأسباب، وليس التعلق بالأسباب وحدها، لأن الرب سبحانه هو رب الأرباب، ومسبب الأسباب، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، بيده الأمر كله، وإليه يرجع الأمر كله، ومن ثم فإن صدق التوكل على الله هو المدد الحقيقي في كل مسارات الحياة ودروبها، بل التوكل عليه سبحانه هو معيار الإيمان {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}، والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين، ونور الوحي أعظم النور وأعلاه وأغلاه، وعلى المؤمن أن يعرف قيمته ومنزلته وقوته، ولا يستصغر نفسه أمام الماديات، أو يشعر بالحرج تجاهها.
وأبان الشيخ ابن حميد أن الإيمان هو القائد للعقل، وهو الحامي للعلم، وحين ينفصل العقل عن الإيمان ينهار العمران البشري، وحين يعبث العقل بالعلم تنهار الحواجز بين الحق والباطل، والصالح والفاسد، والظلم والعدل، وتضطرب المعايير، وتتحول السياسات من سياسات مبادئ إلى سياسات مصالح. وبالعلم والإيمان يستقيم العمران، وتسير القاطرة على القضبان، والله غالب على أمره.
وأفاد إمام وخطيب المسجد الحرام بأن بناء العمران وانهياره مرتبط بالإنسان، فالله سبحانه استخلف الإنسان ليقوم بعمارة الأرض، ومن ثم فإن أسباب تقدم المجتمع وتأخره يعود -بإذن الله- إلى الإنسان نفسه، فالتغيير في الخارج لا يكون إلا حين يكون التغيير في النفوس {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيْرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}. وسنة الله أن الصالح يبقى؛ لأن فيه نفعًا للبشرية، وغير الصالح لا يبقى لأنه لا نفع فيه، واعلموا أن الصلاح لا يكون إلا بالإيمان الصحيح، فهو الذي يطبع النفوس على الصدق، والإخلاص، والأمانة، والعفاف، ومحاسبة النفس، وضبط نوازعها، وإيثار الحق، وسعة النظر، وعلو الهمة، والكرم، والتضحية والتواضع، والاستقامة، والقناعة، والسمع والطاعة، والتزام النظام.
* وفي المسجد النبوي الشريف ألقى خطبة الجمعة الشيخ الدكتور حسين آل الشيخ، وافتتحها بتوصية المسلمين بتقوى الله تعالى، والمسارعة إلى مرضاته، مستشهدًا بقوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}.
وقال: إن من التوفيق الأعظم، والسداد الأتم، أن يحرص العبد على حفظ طاعاته لربه عز وجل، فيكون حريصًا أشد الحرص على حفظ طاعته، يجاهد نفسه على السلامة من حقوق الخلق، ويجاهدها على البعد التام عن الوقوع في ظلم المخلوقين، بأي نوع من أنواع الظلم القولية والفعلية، يقول تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ}.
وأوضح فضيلته أن من أعظم البوار، وأشد الخسارة، ترك العنان للنفس في ظلمها للآخرين وانتهاك حقوقهم، قال صلى الله عليه وسلم: “اتَّقُوا الظلم، فإنَّ الظُّلْمَ ظُلُماتٌ يَومَ القيامة”. مبينًا أن أعظم ما يجب على المسلم حفظ حسناته، وصيانة دينه والحفاظ عليه، مستشهدًا بقوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَسِينَ}.
وأكّد الدكتور آل الشيخ أن الإفلاس الحقيقي والخسارة الكبرى أن توفّق للخيرات والمسارعة للطاعات، وتأتي يوم القيامة حاملاً حقوق الناس متلبسًا بظلمهم فتلك البلية العظمى والخسارة الكبرى، مستشهدًا بقوله -صلى الله عليه وسلم-: “أَتَدْرُونَ من المُفْلِسُ؟” قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال صلى الله عليه وسلم: “إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسَفَكَ دَمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا مِن حَسَناتِهِ، فَإِن فَنِيَتْ حَسَناتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار”. رواه مسلم.
ودعا إمام وخطيب المسجد النبوي المسلمين إلى المبادرة بأداء حقوق العباد، والتحلل منهم، وكف اللسان عن شتم الخلق، وقذفهم، وغيبتهم، والطعن في أعراضهم، محذرًا من الظلم والاعتداء على الخلق، وأكل أموالهم، والتهاون في إرجاعها، مستشهدًا بقوله تعالى: {وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا}.
وختم الخطبة مبينًا أن الواجب على كل مسلم أن يجتهد في براءة ذمته من حقوق الخلق، فقد ورد في الحديث الصحيح أن الجهاد في سبيل الله يكفر الخطايا إلا الدَّين، وأن التساهل به يورد العبد الموارد المهلكة في الدنيا والآخرة، مستشهدًا بقوله صلى الله عليه وسلم: “من أخذ أموال الناس يُريد أداءها أدى الله عنه، ومَن أخذَ يُرِيدُ إتلافها أتْلَفَهُ الله” رواه البخاري.

مقالات مشابهة

  • بسبب ضغوط تلفزيون ريال مدريد.. حكم نهائي كأس ملك إسبانيا ينهار باكيا (شاهد)
  • حكم مباراة ريال مدريد وبرشلونة ينهار باكياً بعد وصفه بـ “اللص” .. فيديو
  • بالفيديو.. حكم نهائي كأس إسبانيا بين الريال وبرشلونة ينهار بالبكاء
  • خطبتا الجمعة بالحرمين: حين ينفصل العقل عن الإيمان ينهار العمران وتنحرف القاطرة عن القضبان.. والإفلاس الحقيقي إتيان المرء يوم القيامة متلبسًا بظلم الناس
  • حزنت جدا للمصيبة التي حلت بمتحف السودان القومي بسبب النهب الذي تعرض له بواسطة عصابات الدعم السريع
  • جدة.. التوسع في استخدام نتاج هدم المباني بالخلطات الإسفلتية
  • “هيئة الطرق” تُعلن التوسع في استخدام نتاج هدم المباني في الخلطات الإسفلتية بمحافظة جدة
  • وفد أممي يطّلع على حجم الأضرار التي تعرض لها مبنى هيئة الشؤون البحرية بالحديدة
  • محافظ الأقصر يوجه بالاستجابة الفورية لرفع كميات من القمامة بأحد المباني بحي شرق
  • زلزال يهز إسطنبول.. السكان يفرون من المباني بعد هزة قوية