عربي21:
2025-04-07@01:57:47 GMT

الرصيف الأمريكي في غزة والإنسانية المتوحشة

تاريخ النشر: 15th, March 2024 GMT

أعلن الرئيس الأمريكي بايدن في 7 آذار/ مارس 2024 عن مشروع لإنشاء رصيف في ميناء غزة لاستقبال "المساعدات الإنسانية"، وإيصالها للمحتاجين خصوصا في شمال قطاع غزة؛ بحجة تسهيل وصول المساعدات وتسريع وتيرتها. وتأتي الفكرة في إطار تعزيز الممر البحري المقترح بين قبرص وغزة والذي تسهم في خطة عمله المفوضية الأوروبية والولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا واليونان وإيطاليا وهولندا وقبرص والإمارات؛ ويخضع للتحكّم الإسرائيلي الذي سيتولى تفتيش البضائع في قبرص وإعطاء الإذن بشحنها لغزة.



ومن المتوقع أن يستغرق وصول الجنود الأمريكان القادمين على متن سفينة الدعم اللوجيستي "LSV1" التي انطلقت من قاعدة لانغلي- يوستيس في الولايات المتحدة 30 يوما، حيث تبعتها ثلاث سفن أخرى؛ وسيستغرق العمل في إنشاء الرصيف عند ميناء غزة 60 يوما. وسيكون الرصيف قادرا بحسب التصريحات الأمريكية على توفير مليوني وجبة ومليوني زجاجة ماء يوميا.

اللافت للنظر هو الترحيب الإسرائيلي بإنشاء الرصيف، حيث ذكر وزير الحرب الإسرائيلي جالانت أن "الممر البحري سيعزز سيطرتنا، ويعزز قدراتنا على استمرار القتال في غزة" وأنه سيسهم في تقويض سلطة حماس، بينما كشفت صحيفة جيروساليم بوست الإسرائيلية أن بايدن إنما يطبق فكرة اقترحها نتنياهو في أول أسبوعين من الحرب!! بمعنى أن الرصيف سيكون أداة للتحكم والسيطرة الإسرائيلية الأمريكية لفرض رؤية "اليوم التالي" لقطاع غزة بعد الحرب.

الولايات المتحدة هي التي تقف خلف استمرار العدوان وتوفر له الغطاء الدولي، وتستخدم حق النقض الفيتو، في وجه العالم الذي يجمع على وقفه؛ وهي التي تستخدم كافة أدواتها السياسية لتطويع البيئة العربية والإسلامية للسكوت على العدوان وللتعاون مع الاحتلال، وتهدّد أي أطراف تسعى لدعم قطاع غزة ومقاومته
بالطبع فإن الولايات المتحدة ليست "جمعية خيرية"، وهي الشريك الأساسي في العدوان على قطاع غزة، وهي المزود الرئيسي للاحتلال الإسرائيلي بالأسلحة والمتفجرات المستخدمة في تدمير قطاع غزة وبناه التحتية، وفي قتل وجرح عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ. ومنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وحتى كانون الثاني/ يناير 2024 أرسلت الولايات المتحدة ما لا يقل عن 250 طائرة شحن وأكثر من 20 سفينة وسلمت أكثر من عشرة آلاف طن من الأسلحة والمعدات لـ"إسرائيل" بحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل". ومن القنابل التي استخدمها الاحتلال في عدوانه قنابل تزن الواحدة منها 2000 رطل (907 كيلوغرامات)، وتتسبب بإصابات بشرية في محيط 900 متر في منطقة تفجيرها وتحدث حفرة بعمق 12 مترا (نحو 4 طوابق) بحسب نيويورك تايمز في 21 كانون الأول/ ديسمبر 2023؛ حيث ألقى الاحتلال المئات منها على أهل غزة!!

والولايات المتحدة هي التي تقف خلف استمرار العدوان وتوفر له الغطاء الدولي، وتستخدم حق النقض الفيتو، في وجه العالم الذي يجمع على وقفه؛ وهي التي تستخدم كافة أدواتها السياسية لتطويع البيئة العربية والإسلامية للسكوت على العدوان وللتعاون مع الاحتلال، وتهدّد أي أطراف تسعى لدعم قطاع غزة ومقاومته.

ومن الملاحظ أيضا أن فكرة الممر البحري من قبرص تسهم فيها جهات متحالفة مع الكيان الإسرائيلي في عدوانه على قطاع غزة كألمانيا وبريطانيا وإيطاليا إلى جانب الولايات المتحدة. ولذلك، تبدو فكرة تقديم "المساعدة الإنسانية" قريبة من فكرة أن السَّجان مضطر لتوفير حد أدنى من الغذاء للأسرى وللرهائن الذين لديه، إلى حين استكمال أهدافه؛ ولهذا، يبدو الرصيف غطاء "إنسانيا" مخادعا وشكليا لسلوك "وحشي" تتم ممارسته على الأرض.

ولو كانت الإدارة الأمريكية جادة في تقديم المساعدة الإنسانية، لكان يكفيها إعطاء الضوء الأخضر للحكومة المصرية، مع قليل من الضغط على الاحتلال الإسرائيلي، لفتح معبر رفح لإدخال آلاف الشاحنات التي تنتظر الدخول عند المعبر، والتي توفر بشكل أسرع وأكبر وأكثر فعالية واستدامة احتياجات القطاع.

السلوك الإسرائيلي العدواني القذر كان يتعمد ألا تقوم أي جهة يثق بها أهل القطاع بتوزيع المساعدات والإشراف على دخول البضائع، فهو نفسه سبب المجاعة وهو نفسه الذي دمر البنية التحتية ونفذ مئات المجازر ودمر المستشفيات والمدارس، وهو نفسه الذي قصف قوافل الإغاثة وقتل من يحاولون تنظيم وصولها للناس، بل ونفذ بنفسه مجزرة قرب دوار النابلسي في 29 فبراير/ شباط 2024، فقتل 112 فلسطينيا جاؤوا لأخذ المساعدات.

وبشكل أساسي تقف خلف المشروع فكرة أن من "يُسيطر على إطعام الناس، يسيطر عليهم"!! وأن الناس مضطرون للتعامل معه شاؤوا أم أَبوا؛ ذلك أن الاحتلال الإسرائيلي الذي تعمد إدخال قطاع غزة في حالة مجاعة قاسية مُفجعة، يريد أن يخرج منظومة إدارة الناس والإشراف على شؤون حياتهم من يد حماس والمقاومة إلى يده، أو إلى وكلاء يثق بهم ويشرف على تعيينهم. وكان ذلك سببا أساسيا في تواصل الاحتلال مع قيادات عشائرية في القطاع لتولي المهمة، كخطوة في تشكيل إدارة بديلة للقطاع، غير أن هذه القيادات رفضت. والاحتلال ما زال يواصل جهوده وضغوطه في هذا المسار، حيث يتواصل مع قيادة السلطة الفلسطينية في رام الله لتولي المهمة وفق شروطه؛ كما التقى بمسؤول المخابرات ماجد فرج لعمل تشكيلات أمنية بديلة لحماس.

وحتى تتحقق أهداف الاحتلال، فربما قام بنفسه بتولي مهمة توزيع المساعدات في شمال غزة، ليحاول إحداث حالة من تطبيع التواصل مع الناس، وربط مصالحهم به. وقد يحاول الاحتلال أيضا تشجيع تشكيل مجموعات مسلحة بحجة حراسة المساعدات، لتتحول مع الزمن إلى مليشيات ومنظومات فساد ترتبط مصالحها به.

من ناحية أخرى، سيستخدم الاحتلال الإسرائيلي وجود الرصيف الأمريكي كذريعة للتهرب من تحمل المسؤولية الجنائية تجاه المجاعة والحصار ومعاناة أهل غزة، من خلال الادعاء أنه يسمح بتوفير الاحتياجات. وفي الوقت نفسه، سيوفر له وجود الرصيف بيئة أفضل لاستدامة احتلاله، كما سيوفر له ذريعة لإغلاق معبر رفح (بوجود هذا البديل)، وبالتالي السير قدما باتجاه حملته للهجوم العسكري على منطقة رفح ومحاولة السيطرة على المعبر، وعلى محور صلاح الدين (محور فيلادلفيا) الفاصل بين قطاع غزة ومصر.

من الواضح أن الكيان الإسرائيلي وحلفاءه الأمريكان يقومون بمحاولة ترتيب الأوضاع لمستقبل غزة بقوة السلاح وبمحاولة إنشاء الحقائق على الأرض، بما في ذلك محاولة فصل شمال غزة عن جنوبها. غير أن محاولاتهم لا تعني أنهم سينجحون، كما أن محاولة إيجاد انطباعات وأوهام بقدرتهم على ذلك، لا يمكن أن تنطلي على المقاومة
ويبدو أن مجرد معرفة المدة الزمنية التي يحتاجها إقامة الرصيف وهي شهر للوصول إلى غزة وشهران لإقامته، أي ثلاثة أشهر (هذا قبل تقديم شربة ماء واحدة) مؤشر خطير لاستمرار العدوان، وعلى وجود نوايا مبيَّتة لإعادة تموضع الاحتلال واستدامته بدعم لوجيستي أمريكي؛ وأن الحديث عن وقف العدوان أو خروج الاحتلال ليس واردا على الأقل في الأشهر الثلاث القادمة؛ وأن الغطاء الأمريكي للعدوان سيستمر لأشهر قادمة على الأقل.

ولعل الأمريكان يطمحون (إذا ما جرت الأمور كما يشتهون) أن يصبح الرصيف أساسا لقاعدة عسكرية أمريكية مستدامة في المنطقة، تلبي جانبا من احتياجاتهم اللوجستية في شرق البحر المتوسط.

وفي الوقت نفسه، سيسعى بايدن إلى محاولة تغطية توحشه بـ"طلاء إنساني" وتحسين صورته لدى الناخبين الأمريكان، وخصوصا تلك الشرائح الواسعة المطالبة بوقف العدوان والجاليات العربية والإسلامية، التي قد تلعب دورا مهما وعنصرا مرجحا في احتمالات فوزه أو خسارته.

وأخيرا، فمن الواضح أن الكيان الإسرائيلي وحلفاءه الأمريكان يقومون بمحاولة ترتيب الأوضاع لمستقبل غزة بقوة السلاح وبمحاولة إنشاء الحقائق على الأرض، بما في ذلك محاولة فصل شمال غزة عن جنوبها. غير أن محاولاتهم لا تعني أنهم سينجحون، كما أن محاولة إيجاد انطباعات وأوهام بقدرتهم على ذلك، لا يمكن أن تنطلي على المقاومة. ثم إن المقاومة التي أثخنت فيهم وأنهكتهم في "مستنقع غزة" طوال الأشهر الماضية قادرة بإذن الله على إفشال مخططاتهم ودحرهم وإنهاء احتلالهم.

twitter.com/mohsenmsaleh1

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه ميناء غزة المساعدات امريكا غزة مساعدات ميناء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة اقتصاد سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

منظمة عالمية: الاحتلال الإسرائيلي قتل 200 طفل في الضفة منذ بدء العدوان

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

اعتبرت منظمة عالمية، أن القوانين والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية الأطفال، أصبحت حبرا على ورق، في ظل استمرار الجرائم والانتهاكات التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي ضد الأطفال الفلسطينيين، خاصة في قطاع غزة.

وبين مدير برنامج المساءلة في الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال عايد أبو قطيش، في بيان، اليوم السبت، أن "يوم الطفل الفلسطيني يمر هذا العام في ظل جرائم وانتهاكات غير مسبوقة ضد الأطفال الفلسطينيين، حيث قتل الاحتلال في الضفة الغربية نحو 200 طفل، منذ بدء العدوان في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، عدا عن الجرائم الممارسة بحق الأطفال المعتقلين في المعتقلات الإسرائيلية".

وأضاف أن تلك الانتهاكات "لامست كل حقوق الأطفال المقرة ضمن الاتفاقيات الدولية، وعلى رأسها اتفاقية حقوق الطفل، التي كان يفترض أن تقدم الرعاية والحماية للأطفال في مناطق النزاع أو تحت الاحتلال العسكري".

وقال أبو قطيش، إنه "لم يبق أي حق للأطفال في غزة إلا تم اجتثاثه من الأساس، سواء الحق في الحياة أو التعليم والصحة وغيرها".

واعتبر أن "القوانين والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية الأطفال، أصبحت حبرا على ورق، في ظل استمرار الجرائم الإسرائيلية ضد الأطفال الفلسطينيين لا سيما في قطاع غزة".

وتابع أن "جرائم الاحتلال تتم على مرأى ومسمع العالم، دون أدنى تدخل للحماية، وهو ما حول القوانين الدولية إلى مجرد حبر على ورق أمام آلة الإجرام الإسرائيلية".

ولفت الحقوقي أبو قطيش إلى أن "تلك الجرائم تبرز حجم الصمت والتواطؤ الدولي مع الاحتلال".

مقالات مشابهة

  • العدوان الأمريكي على اليمن.. بين فشل الهجمات وتزايد التكاليف
  • انفوجرافيك ـ حصيلة العدوان الإسرائيلي الأمريكي على قطاع غزة
  • معظمهم أطفال ونساء.. استشهاد 50695 فلسطينيًا منذ بدء العدوان البربري الإسرائيلي على قطاع غزة
  • الخارجية الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي قتل أكثر من 17952 طفلًا خلال العدوان المستمر على قطاع غزة
  • خارجية فلسطين: الاحتلال الإسرائيلي قتل أكثر من 17952 طفلًا خلال العدوان المستمر على غزة
  • الخارجية الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي قتل 17952 طفلًا خلال العدوان المستمر على غزة
  • منظمة عالمية: الاحتلال الإسرائيلي قتل 200 طفل في الضفة منذ بدء العدوان
  • «الأونروا»: 1.9 مليون نزحوا قسريًا منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة
  • ارتفاع حصيلة الشهداء في غزة إلى 50 ألفا و669 فلسطينيا منذ بدء العدوان الإسرائيلي
  • العدوان الإسرائيلي.. 60 شهيدا و 162 مصابا في غزة خلال 24 ساعة