د. روز اليوسف شعبان حنان جبيلي عابد و ابراهيم جاد الله، 2020، إصدار دار الرعاة للدراسات والنشر وجسور للنشر والتوزيع. لوحة الغلاف للفنانة العراقية ثائرة المياحي. أهدى الكاتبان روايتهما: إلى كل من يخاطبه الحبّ، إلى جميع القلوب التي لا تدرك معنى الحياة دون شغف الوجود. بطلا هذه الرواية زكريا وإلياء.  اللذان تحديّا عادات المجتمع وتقاليده فأحبا بعضهما رغم بعد المسافات وفارق الدين بينهما ليثمر هذا الحب عن زواج مرهون بتأشيرات الاقامة وجوازات السفر بين مصر وإسرائيل.

زكريا باحث مصري غزير الانتاج في الكتابة المسرحية، على صعيد العالم العربي أكاديميًّا وصحافيًّا. إلياء هي فتاة من مدينة الناصرة تعمل مرشدة سياحية. التقى زكريا بإلياء صدفة في شرم الشيخ، أمام الفندق وكان قد جاء لحضور فعاليات اليوم العالمي للمسرح، حيث سيقدم مداخلات خلال المؤتمر ودراسة،  أما إلياء فكانت مرشدة سياحية من عرب الداخل، حضرت  الى شرم الشيخ في رحلة سياحية ومعها مجموعة من النساء السائحات، التقت العيون واشتعلت القلوب من النظرة الأولى. تبادلا أرقام هواتفهما، التقيا معا وقضيا وقتا ممتعا . توطدت علاقتهما خلال اسبوع تواجدهما في الشرم، لاحظت صديقتها سوسن أن الياء منغمسة في الحب مع زكريا فنبهتها الى ذلك، فهو من بيئة وهي من بيئة، هو من طائفة وهي من طائفة، لكن الياء لم تكترث لكلامها. استمرت العلاقة بين زكريا والياء بعد عودة كل واحد الى بلده، فتحادثا يوميًّا، وحدث ان زار زكريا رام الله للاشتراك في مؤتمر في جامعة بير زيت، وجاءت الياء الى رام الله لتلقاه ودعته الى الناصرة،       وقد زار زكريا فلسطين مرة أخرى حين استلم دعوة من مركز محمود درويش في رام الله بمناسبة أسبوع المسرح الفلسطيني  حيث أقيم مهرجان خاص لمدة أسبوع، وقد قام زكريا بمفاجأة إلياء وزارها في الناصرة حيث عرّفته على معالم المدينة العريقة: سوق الناصرة، عين العذراء كنيسة البشارة وغيرها. كما استضافته في بيتها وعرفته بأهلها.. وحين أخبرت الياء أهلها عن نيتها الزواج به، ثارت ثائرة الأم ورفضت ذلك، لكن والد الياء وقف مع ابنته في قراره رغم الظروف الصعبة وفارق الدين بينهما. كذلك والدة وأهل زكريا رفضوا فكرة الزواج، وقالت له أخته أنهم في مصر ينتقدونه لأنه يطبع مع اسرائيل ويتعامل مع أهلها ويزورها فكيف أذا عرف الناس أنه سيتزوج منها ايضا؟ بعد نقاش طويل بين زكريا وإلياء  مع عائلتيهما قررت الياء أن تعتنق الاسلام لكن زكريا رفض، فالدين واحد والرب واحد ، وتم عقد القران في قبرص (زواج مدني). في نفس يوم الزفاف تلقى زكريا هاتفا من أخته تخبره أن والدته في المستشفى، فسافر في اليوم التالي الى مصر تاركا عروسته تنتظر عودته على أحر من الجمر. مكث زكريا بجانب والدته حتى فارقت الحياة، وجهّز تأشيرة دخول ( فيزا ) لعروسته للقدوم الى مصر، فاستقبلها أهل زكريا بحفاوة، وبعد أن انتهت مدة اقامة الياء في مصر، حزمت أمتعتها لتعود الى الناصرة، لتبدأ جولات أخرى من النضال من أجل لمّ الشمل والحصول على إقامة في مصر. اللغة في الرواية: تميّزت الرواية بلغة النسج السردي وبلغتها الحوارية. لغة النسيج السرديّ: السرد هو الطريقة التي تروى بها أحداث الرواية وترسم بها شخصيّاتها؛ إذ يسعى من خلالها كاتب الرواية إلى إقناعنا، فنّيًّا، بما حدث، أو يزعم أنّه حدث. ولمّا كان السرد هو البنية الأساسيّة في النصّ، فإنّ الروائيّين المحدثين يحرصون كلّ الحرص على لغته، بحيث تكون أنيقة، رقيقة النسج وموحية، تتوفّر فيها المواصفات الفنّيّة المطلوبة كافّةً.( بعيطيش، 2016.) من امثلة على لغة النسج في الرواية:” وسط فوضى أنيقة متتابعة متناثرة عند الساحة الواقعة أمام المدخل الرئيس للفندق، قفزت نظرات من عينين مدهشتين لم ير مثلهما من قبل، فاستوقفت شروده لمعات الجمال والبراءة فيهما” ص .7 :” عاودته صورة الباص والحقيبة التي لا تمحى من خياله، لعل الاسم الموجود على الحقيبة هو لشركة السياحة المنظّمة لزيارة الوفد السياحي القادم من وراء الأماكن التي تخاطب الروح والقلب ويحمل أفراده ملامح عربية أخّاذة”. ص 7-8. :” كانت شمس منتصف النهار الساطعة قد تعالى أوارها رغم نسمات هواء ملساء قادمة من ساحل بحر قريب خلف الفندق الفاخر، اقيم بعيد عودة تلك البقعة للسيادة المصرية”. ص 8-9. :” بعد أن أتمت إنجاز الاجراءات، صعدت الى غرفتها وأفكار تتكدّس وتداعب خيالها الغارق في اللا شيء، وما بين الدهشة والاستغراب كانت نسمات صيفيّة تعبر بكثافة داخل شرايينها الخاوية من الحبّ والشوق”. ص 12. من الاقتباسات أعلاه نجد لغة أنيقة  رقيقة النسج موحية، تحوي تشبيهات واستعارات ومجاز. على أن اللغة الأبرز في الرواية كانت اللغة الحوارية وخاصّة الحوار الخارجي(ديالوج). اللغة الحواريّة: الحوار هو بنية أساسيّة أخرى في البناء الروائيّ، وهو نوع من أنواع التعبير، تتحدّث من خلاله شخصيّتان، أو أكثر، حول قضيّة معيّنة. من أهمّ خصائص الحوار، بشكل عامّ، والحوار الروائيّ، بشكل خاصّ؛ الكشف عن أعماق الشخصيّات، سواء أرِوائيّة كانت هذه الشخصيّات أم مسرحيّة. فمن خلال تحاورها ثنائيًّا (شخصيّتان تتحاوران)، أو فرديًّا (من خلال الحوار الداخليّ للشخصيّة الواحدة)، تتّضح ملامح كلّ شخصيّة، ويتعرّف المتلقّي إلى طبيعة الشخصيّات في الأعمال الفنّيّة.( تاورتة، 2004، ص. 52.). تميّز الحوار في هذه الرواية باللغة المحكيّة المصريّة والفلسطينيّة لتضفي على الرواية واقعيّة. كما نجد في الأمثلة التالية:” إنت عاوزة تشربي إيه؟ قهوة؟_ لا، أنا أصلا مبشربهاش. _ بجدّ مبتشربيش قهوة؟ أمال بتشربي إيه؟ –              _ عصير ليمون مع نعناع. –              _ إنت بتعملي إيه هنا؟ سياحة ولا شغل؟ –              _ الصراحة، الاثنين. أنا بشتغل مرشدة سياحية، وطبعا حيكون أيام علشان نفسي للراحة، فهي شغل وسياحة. –              _ كويّس –              _ انتَ شو بتعمل هون؟ سياحة ولا شغل؟ –              _ أنا مخرج وناقد مسرحي، وبعد بكرا عندنا مؤتمر” المسرح في ظل التحديات التكنولوجية” لمدة أسبوع، ولي مداخلات خلال المؤتمر، ودراسة أول مرة حعرضها، وحتتفاجئي بيها. _ كثير حلو! بالتوفيق. ص 23. وفي حوار آخر بينهما نجد اللغة المصرية المحكية واللغة الفلسطينية:” إيييه سرحتِ بإيه؟ نحن هنا. _ لا أبدا، أنا معك. _ مش باين. لا أبدا. أنا تذكّرت أني أول مرّة بركب الجمل، وكنت خايفة كتير وخصوصا إنه كان يمشي قريب من البحر وعم يتمايل، يعني لو وقعت كان ممكن الموج يسحبني. _ بعيد الشرّ عنك، انتِ فاكرة أنا كنت حسيبك؟ ص 29 كما تخللت اللغة تناصًّا وأمثالًا شعبية مثل:” أحيانا تجري الرياح بما لا تشتهي السفن” ص 85. :” أسوأ الحموات هن الخالات والعمات”ص 11. السرد في الرواية: “تميّز السرد في الرواية بما يسمّى “الرؤية من الخلف”: يتميّز السارد فيها بكونه يعرف كلّ شيء عن شخصيّات عالمه، بما في ذلك أعماقها النفسانيّة، مخترقًا جميع الحواجز كيفما كانت طبيعتها، كأن ينتقل في الزمان والمكان من دون صعوبة، ويرفع أسقف المنازل ليرى ما في داخلها وما في خارجها، أو يشقّ قلوب الشخصيّات ويغوص فيها ليتعرّف إلى أخفى الدوافع وأعمق الخلجات. (بوطيّب، 1993، ص. 72. ). لقد كان السارد  في هذه الرواية، عالمًا بكل خبايا النفوس، لكنه لم يستأثر بالسرد وحده، فكان السارد يسلّم الشخصيات دفّة الحوار، فيجري الحوار  بين الشخصيّات،  بسلاسة ولباقة، وكأن السارد يحيا مع الشخصيات ويتفاعل معها ومع مشاعرها ، ورغم ذلك لم يتح السارد لشخصيات الرواية الولوج في عالمهم الداخلي من خلال المونولوج، وإنما كان السارد هو من يتحدث عن دواخل الشخصيات وما يعتمل فيها من مشاعر، ولو أتاح  للشخصيات أن تتحدث بنفسها عن عوالمها الداخلية لكان لذلك وقع أكبر على القارئ. المكان: يُعدّ المكان واحدًا من أهمّ المكوّنات السرديّة؛ فإنّ أيّ نصّ سرديّ يحتمل الوقوع ضمن وسط مادّيّ يشكّل خلفيّة للأحداث، ويُسهم، إلى جانب بقيّة مكوّنات النصّ السرديّ، في إيصال الرسالة النصّيّة. يدخل المكان في علاقات متعدّدة مع مكوّنات العمل الروائيّ السرديّة، من شخصيّات وزمن ورؤية وغيرها، تجعل كلًّا منها مؤثّرًا في الآخر. ففي حين يُسهم المكان في صياغة الشخصيّات وبيان اهتماماتها ومستواها الاجتماعيّ والفكريّ، تعبّر الشخصيّة في مستويَيْها الاقتصاديّ والاجتماعيّ عن مكان سكناها، من غير الحاجة إلى الإسهاب في وصْف مكانها وتعليله.( الطويسي، 2004، ص. 167. ) إذًا، لا قيمة للمكان ما لم يحفل بالشخصيّات التي تمنحه المعنى وتُسهم في إغنائه بالدلالات، من خلال العلاقات المختلفة التي قد تدخل فيها هذه الشخصيّات مع المكان، كعلاقات التنافر أو الحياد أو الانتماء.( قاسم، 1984، ص. 76.) فالمكان “عنصر حيّ فاعل في هذه الأحداث، وفي هذه الشخصيّات، إنّه حدث وجزء من الشخصيّة، وهو الذي يؤسّس الحكي في معظم الأحيان لأنّه يجعل القصّة المتخيّلة ذات مظهر مماثل لمظهر الحقيقة”( حميداني، 2000، ص. 53، 65.) لذا “فالمكان يكتسب أهمّيّة من خلال معايشة البطل للأمكنة والأحياء التي تمتُّ له بالصلة سواء من قريب أو من بعيد، فيكون المكان هو اللوحة النفسيّة التي عاشها وعايشها البطل”( محبك، د. ت.، ص. 55.). في رواية النور يأتي من خلف النافذة نجد أن المكان شغل حيّزًا كبيرا وهاما في الرواية، فقد بدا وصف الأماكن، جزءًا لا يتجزّأ من أحداث الرواية، فالمكان الأول الذي جمع الحبيبين هو شرم الشيخ، بكل سحره وجماله.:” عند خليج نعمة وسط الموسيقى والأغاني الشعبية، ورائحة الشيشة والمارّة أمامهما كأنّهما في مظاهرة فنيّة لا تخلو من البعجة، وأصوات الضحك والهرج والمرج من كلّ حدب وصوب، وانتعاشة الحياة في ظلّ الحركة الدائمة، هناك كان شعور الفرحة المشتركة يغمرهما والبهجة بينهما لا توصف”. ص 31. وقد ساهمت  زيارة زكريّا لرام الله والقدس في توطيد العلاقة بين الحبيبين، وقد ساهم جمال المكان في تقريبهما  وتعارفهما على بعضهما البعض أكثر وأكثر،  وكأنه شخصية مركزية في الرواية يلعب دورا في تقريب العاشقين. عن جمال المكان وتأثيره على الشخصيتين المركزيتين في الرواية،  نجده في وصف زكريا لمدينة رام الله:” رام الله بجبالها والطريق إليها، من أهم الطرق وأجملها في فلسطين، وشوارعها ومبانيها ودوارها الشهير ورقة وشهامة شباب مبذورين في دروبها، وضريح الشهيد عرفات في المقاطعة، ومركز محمود درويش،  وميدان المنارة…ص 93. وعندما زار زكريا الناصرة كان مبهورا بجمالها:” كنيسة البشارة للاتين بازيلكا البشارة العريقة بلوحاتها، ذهل زكريا من جمال اللوحات المهداة للكنيسة وجمال أروقتها، والأجمل شرح إلياء التي اتّخذت لنفسها دورها الأساسي، كمرشدة سياحيّة وابنة البلد التي تعتنق جمال الأماكن بكل ما فيها”. ص 122. :” انطلقن وكفها تنام برفق في كفّه متوجّهة من السوق نحو كنيسة القلايّة تلك الصومعة المشرفة على أشياء جميلة في الناصرة، وما فيها من جمال خلّاب، من هناك عائدة نحو إكمال الجولة بين أزقّة السوق القديم”. ص 123.  أما القدس فقد كان لها تأثير بالغ في روح إلياء، التي شعرت وهي في المسجد الأقصى وقبة الصخرة، أن الله للجميع، موجود في جميع الأمكنة، وقد ضاعف هذا إصرارها على الزواج من زكريا:”  عندما صعدت إيلياء في طريقها إلى قبة الصخرة بجانب المسجد الأقصى، تأمّلت القُبّة  الذهبيّة والزخارف الموجودة على الجدران، الترميمات التي تحيط المكان، هنا كانت لحظات من الانسلاخ تشبه صحوة اليقظة مما هي عليه، ركعت بوهن ورجاء على ركبتيها عند آخر الدرج، قبّلت الأرض التي تعشق وجودها فيها، عندها أزيلت تلك الغمامة العائمة في صدرها، وهي تتضرّع الى ربّ الكون وامتزجت أجراس الكنائس من حولها بأصوات المآذن وكلّ ما كان حولها يدخل في حالة توحد مع الذات”. ص 164.    رواية النور يأتي من النافذة ، تشرع أبواب الأمل لغد جميل خالٍ من العنصرية والتفرقة والطائفيّة وكلّ ما يمكن أن يفرّق بين أبناء الشعب العربي الواحد، مع اختلاف أماكن تواجده، ورغم الصعاب والمخاطر التي قد تواجه كل حبيبين، إلا أنّ الايمان بالحبّ المجرّد من الانتماء الطائفي، والاختلاف المكاني، كفيلُ بالانتصار، فالحبّ أقوى من كلّ الاختلافات. المراجع: بعيطيش، يحيى (2016)، “الخصائص اللغويّة في الرواية الحديثة: لغة عبد الحميد بن هدوقة نموذجًا”، جامعة قسنطينة، موقع إلكترونيّ. الرابط: http://www.benhedouga.com. بوطيّب، عبد العالي (1993)، “مفهوم الرؤية السرديّة في الخطاب الروائيّ”، مجلّة عالم الفكر، الكويت: وزارة الإعلام، مج. 21، ع. 4، أبريل-مايو-يونيو، ص. 32-48. تاورتة، محمّد العيد (2004)، “تقنيّات اللغة في مجال الرواية الأدبيّة”، مجلّة العلوم الإنسانيّة، الجزائر: جامعة منتوري، ع. 21، حزيران. حميداني، حميد (2000)، بنية النصّ السرديّ من منظور النقد الأدبيّ، الدار البيضاء: المركز الثقافيّ العربيّ للطباعة والنشر. الطويسي، محمود (2004)، “الفضاء الروائيّ عند غالب هلسا رواية (سلطانة)”، وعي الكتابة والحياة: قراءات في أعمال غالب هلسا، مجموعة كتّاب، عمّان: دار أزمنة للنشر والتوزيع، ص. 166-195.  قاسم، سيزا (1984)، بناء الرواية: دراسة مقارنة لثلاثيّة نجيب محفوظ، القاهرة: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب. محبك، أحمد زياد (د. ت.)، متعة الرواية: دراسة نقديّة منوّعة، بيروت: دار المعرفة

المصدر: رأي اليوم

كلمات دلالية: فی الروایة ة الحوار رام الله من خلال فی هذه ة التی شخصی ة

إقرأ أيضاً:

زكريا تامر.. حداد سوري صهر الكلمات بنار الثورة

على خطى الكواكبي وسليمان الحلبي مشى كثير من أدباء وكتاب سوريا، لم يخشوا سيف السلطة، ولم تلههم الوعود، ولم تردعهم ظلمة السجن ولا قبضة السجان، وواصلوا طريقهم، فلما ضاق عليهم الخناق قفزوا هاربين بجلدهم وعمرهم إلى فضاء أوسع من الحرية.

ولكن طالت سنوات القهر واستطال جحيمها وامتد ليل القهر لعشرات السنين، وانكوى بناره الأهل والأحباب، دون أن يبدو فجر في الأفق. وفي لحظة ما بزغت شمس الحرية وانقشع الظلام والضباب، ولكن عن مآس إنسانية، وأشلاء بشرية، وعيون أطفأها اليأس، وقلوب أمرضها الحزن، وجراحات لا تندمل، ومئات الآلاف من الأرواح زهقت في جحيم  التعذيب.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2حلم على جنبات الشام أم عيد؟ تفاعل الشعر مع انتصار الثورةlist 2 of 2إبراهيم عبد المجيد: الفلسفة والفنون غذاء الكاتب في عصر الذكاء الاصطناعي وهيمنة الصورةend of list

هنا فقط، انتبهنا إلى مأساة شعب سجن وعذب وسلخ جلده حيا بدعوى الدفاع عن الوطن. وهنا فقط علمنا كم عاني الكتاب وتعذبوا من أجل أن يكتبوا نص الحرية التي لا تجيء، فكان عذابهم مضاعفا.

زكريا تامر، ولد في دمشق عام 1931، نشأ في حي البحصة بين ساحة المرجة وبوابة الصالحية، وعمِل حدّادا قبل أن يتحوّل إلى حرفة الأدب وكتابة القصة والصحافة، ظل زكريا تامر مخلصا وملتزما لقلمه ومبدئه، وبالرغم من أنه يعيش خارج سوريا في منفى اختياري في بريطانيا، فلم يكن من زمرة المثقفين المتاجرين بالشعارات، وبقي ملتصقا بنقاء حروفه، مثل حدَّاد يعرف كيف ينقي الكلمات بالنار والكير، وعندما اندلعت ثورة شعبه السوري وقف إلى جانب الناس، ورفض محاباة القتلة، وفي لقاء صحفي، سألوه: متى تعود إلى سوريا؟

إعلان

قال "ليس مهما أن أبقى في أكسفورد أو أعود إلى دمشق..!!".

وبطول عمره في الكتابة كان كثيرا ما يراهن على الشعب الذي يراه المستبد خاضعا، ولكنه ليس خنوعا، بل صبرا مريرا وهو ينزف كرامته وشرفه ودمه، ويقول تامر للطاغية المستبد: لا تأمن لهذا الشعب، لأنك لا تعرف متى سيكون انفجاره، ولهذا شبه الشعب بالنمر، لأن النمر لا يمكن ترويضه، وفي قصة "النمور في اليوم العاشر" يقول للطاغية: لا يغرك طاعة الشعب وخضوعه ومسايرته لجبروتك، لأنه مهما طال الزمان أو قصر سينتفض ضدك، وبدلا من أن تكون فوق ظهره ستصبح تحت أقدامه.

زكريا تامر كان يغذي مخيلته بكثير من الكتابات عن نهاية الحاكم المستبد الذي بنهايته يعود للوطن وجهه النضر من جديد (مواقع التواصل) النمور تأكل الحشائش

وكان كثيرا ما يسخر من النظام في كتاباته، وحملت نصوصه غواية العبث بالشرطة ومداهماتها من خلال كتاباته وتحولاته التي كانت تبدعها مخيلته، عندما تدهمه الشرطة وهو جالس مع زوجته لكنها لا تراه لترحل بدون صيد ثمين، وفي كل مرة كان زكريا تامر يسخر منهم كثيرا كما جاء في قصة "سنضحك.. سنضحك كثيرا":

"في يوم من الأيام، اقتحم رجال الشرطة بيتنا، وبحثوا عنّي وعن زوجتي، ولم يتمكنوا من العثور علينا لأنّي تحوّلت مشجبا، وتحوّلت زوجتي أريكة يطيب الجلوس عليها. وضحكنا كثيرًا عندما خرجوا من البيت خائبين.

 

وفي يوم من الأيام، كانت السماء زرقاء لا تعبرها أي غيمة، فقصدنا أحد البساتين، فإذا رجال الشرطة يدهمون البستان بعد دقائق طامحين إلى الإمساك بنا، ولكنهم لم يوفقوا لأنّي تحوّلت غرابًا أسود اللون، دائم النعيب، وتحوّلت زوجتي شجرة خضراء، غزيرة الأغصان. وضحكنا كثيرًا من إخفاقهم،..".

ويعدد لنا تحولاته في المطعم، عندما يتحول سكينا أما زوجته فتتحول لكأس، وفي الشارع يتحول هو لحائط وزوجته لإعلان ملون، وفي المستشفى يتحول هو لرداء أبيض متسخ وزوجته لخزانة خشبية مليئة بالثياب، ويتحول طفلهم لبوق في سيارة إسعاف مسرعة، .. "وضحكنا كثيرًا من بلاهتهم، وسنظلّ نضحك".

إعلان

وكان يغذي مخيلته بكثير من الكتابات عن نهاية الحاكم المستبد الذي بنهايته يعود للوطن وجهه النضر من جديد، ومن مقولاته الشهيرة: "يحترق الطاغية فيستعيد كل مواطن وجهه الإنساني المفقود منذ عقود، وينبت الياسمين في دماء الشرايين".

عن زكريا تامر، يقول الناقد صبري حافظ إن "قصصه التي خلصها من زيادات الطابع القومي، والطابع القصصي أيضا، يتحدث فيها عن الإنسان العربي، الدمشقي غالبا، وهو يعاني من الفقر المادي والمعنوي، وتعذبه أشواق مؤرقة إلى عالم نظيف وهادئ ومليء بالمنطق والعدالة، هذا الإنسان الفقير المحبط الذي تبهظه أثقال هذا الركض اليائس وراء رغيف الخبز اليابس الذي لا يكاد يسد رمقه في شتى أنحاء عالمنا العربي هو بطل زكريا تامر الأثير".

ويتابع حافظ واصفا بطل قصص تامر بأنه "إنسان بسيط يحب الحياة ويريد أن ينفلت من شرائع الموتى، وأن يطرح خلف ظهره كل المواريث القديمة، ولكن دونما جدوى، فالجميع يطاردونه، ويعيش هذا البطل، وهو بطل مضاد بالطبع في عالم يسوده منطق مقلوب، يحاكم بمقتضاها رجاله ويسامون العذاب، وتقطع أوصالهم وتلقى في نهر يشير إلى الصعيد الجغرافي كثيرا إلى نهر بردى، وإلى أنهار 7 هي منابعه الـ7".

ولأن زكريا تامر فنان مبدع، غايته إرهاف وعي الإنسان وإثارة القلاقل، وإقلاق المستنيمين إلى دعة التردي والفساد، وتهديد الطغاة بتذكيرهم دائما بأن نهايتهم بشعة ووشيكة، وهذا ما تفعله كل قصص مختاراته السبعة، بحسب حافظ، "وهمه في بعض مجموعاته هو الكشف عن عسف السلطة السياسية، وتعرية أشكال القمع الاجتماعي والاقتصادي المراوغة وهي تفعل فعلها في الإنسان العربي، وتسومه شتى صنوف العذاب، فإن همه في بعضها الآخر صدمة القارئ لاكتشاف دوره هو كإنسان عادي في إحكام سيطرة هذا القمع عليه، وفي تكريس مواضعات الواقع الشائه، وإحكام قبضة منطق المقلوب على كل ما حوله".

القصة في "النمور في اليوم العاشر" عن الاستبداد والتجهيل والسياسة ولعنتها وسلوكها المنافق وعن الوطن وظلمه وحنين المغترب إليه (الجزيرة) الحياة أحيانا أبشع من الموت

ومختارات زكريا تامر مثقلة بالكوابيس المرة عبر فانتازيا سوداء قاتمة يرتد فيها الميت إلى الحياة، فيرى أن الحياة أبشع من الموت، وقصصه تمسخ فيها الكائنات حتى تخرج عن طبيعتها التي جبلت عليها، وتستسلم لآيات القهر المراوغ في "النمور في اليوم العاشر" ، ويباع فيه الإنسان والأوطان بأبخس الأثمان "المخزن العربي"، و ترتكب فيه الجرائم لأوهى الأسباب "العشاء الأخير"، بينما تمر أبشع الجرائم  بلا عقاب "رجل غاضب" أو تدهم البريء فيه تهمة لا يستطيع ردها "في ليلة من الليالي" ويقبل الجلادون بهمة على أبشع الأعمال وأكثرها وحشية ثم يتذمرون حينما يطلب منهم تنظيف الغرفة في "الجريمة"، وتلاحق التهم أبطال تاريخنا القومي "الذي أحرق السفينة" بينما تستمتع النماذج الشائهة بكل ثمار الحضارة الحديثة (بحسب صبري حافظ).

إعلان

وللحلم والأسطورة في أدب زكريا تامر نصيب كبير، لأن الحلم نوع من الخيال التعويضي ذي الصبغة العقلية، يرتق به البطل واقعه المهلهل، وفي قصة "شمس صغيرة" التي تقدم ذروة الالتحام بين الأسطورة الشعبية والواقع المعاش، فيكسب كل منهما الآخر بعدا جديدا.

مجموعة قصصية (مكونة من 11 قصة قصيرة) أصدرها زكريا تامر كثاني إنتاجاته الأدبية سنة 1963 بعنوان "ربيع في الرماد" وهو عنوان إحدى القصص التي تضمنتها المجموعة (الجزيرة)

قصص زكريا تامر مشغولة بتفكيك آلية عمل السلطة وأجهزتها الأيديولوجية من الداخل سواء أكانت هذه السلطة مبنية على القوة الغاشمة، أم على الحق الوراثي، أم على الاستبداد المطلق، أم على أجهزة المخابرات، أم على أجهزة الإعلام الحديثة، أم على الانتخابات المزورة لإرادة الجماهير والمتاجرة بها، فإنها في النهاية سلطة غاشمة وعبثية، وسلطة لا تعترف بالحرية وليس لها مشروعية.

مقالات مشابهة

  • مركز الثقافة السينمائية يكرم المخرج محمد شعبان (صور)
  • زكريا تامر.. حداد سوري صهر الكلمات بنار الثورة
  • اليوسف يبحث آليات تعزيز التبادل التجاري والتكامل الصناعي بين عُمان والسعودية
  • شاهد بالفيديو.. الحسناء المصرية “خلود” تعود لإشعال مواقع التواصل السودانية بترديدها أغنية الفنانة ندى القلعة التي تمجد فيها ضباط الجيش (حبابو القالوا ليهو جنابو)
  • بشرى خلفان: كان لا بد أن أخلص لصوت الشخصيات ولرؤيتي، لأكتب الرواية التي أريد
  • المكان بصفته فضاء روائيا
  • الإعلامي أحمد يونس: يوسف الشريف وافق على تجسد رواية «نادر فودة» في عمل فني
  • جمال شعبان: 17 مليار جنيه تم إنفاقها على المضاد الحيوي بتسعة أشهر
  • الكشف عن المكان.. أين سيُدفن نصرالله؟
  • خالد الغندور يوجه نصيحة لـ إمام عاشور: حافظ على النعمة التي تعيش فيها