حرب غزّة.. حكايات عن الذين لم يغادروا
تاريخ النشر: 15th, March 2024 GMT
هذا الكتاب الذي صدرَ في القاهرة عن "دار ميريت " بعنوان: "غزة تحت الإبادة الجماعية.. حكايات عن الذين لم يغادروا"، كان معركةً خاضها "معسكر المقاومة " بين المثقفين المصريين، بعد أن خاض معركةً سابقةً بكتاب عنوانه: "ما قالته غزة".
الفارق بين الكتابَين أن الأول، كان وليد "الجرح الأخضر" والدّم النازف، في قطاع غزة، وأثره على قلوب وعقول الشعراء في مصر والجزائر واليمن، والثاني كتبه اثنان من المثقفين الفلسطينيين، هما: "زياد عبد الفتاح " و"عادل الأسطة ".
وكان دافعهما، فتح جبهة في المعركة، يصحّ أن نسمّيها "جبهة الثقافة المقاوِمَة"، لأن النضال الفلسطيني لم يكن نضال "بندقية " بل كانت الكلمة بندقية أخرى، ولها شهيد معروف هو "غسّان كنفاني "، القاصّ والروائي والصحفي الذي اغتيل في بيروت في العام 1972 بقرار من "غولدا مائير " رئيسة وزراء إسرائيل، بعد أن استطاع ـ غسّان ـ أن يدير معركة "الكلمة " ضد الكيان الصهيوني، في الداخل والخارج.
وفي الإطار ذاته، كان استشهاد "ناجي العلي " الفلسطيني المقاتل بالكاريكاتير الساخر. وللنضال الفلسطيني رموز كُثر منهم "محمود درويش ومعين بسيسو "وشعراء كثيرون، جعلوا فلسطين قضية حيواتهم وناضلوا بالكلمة حتى النفس الأخير.
وفي الأيام الأولى لحرب غزة، التي تفجّرت يوم "السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023″، يوم "طوفان الأقصى " كان على المثقفين المقاومين المؤمنين بالحق الفلسطيني أن يعبّروا عن الألم والرفض لما ترتكبه إسرائيل وأميركا ضد الشعب الفلسطيني في "غزة" من إبادة جماعية برعاية أميركية أوروبية.
وكان صدور هذا الكتاب، وهو مقسّم إلى قسمين؛ القسم الأول كان توثيقًا سياسيًا للقضية الفلسطينية، والقسم الثاني كان توثيقًا للدور النضاليّ الذي قام به المبدعون منذ ظهور "عصابات الصهاينة " ومرورًا بحرب "1948 "، وكل المواجهات والمعارك التي ضحى الفلسطينيون فيها بأرواحهم في حروب غير متكافئة، يخوضها ضدهم الاستعمار البريطاني، ثم الاستعمار الأميركي والألماني والفرنسي، وأعوانه.
الرهان على أوسلووالكتاب عبارة عن مذكرات كتبها المؤلفان، تحت قصف الطيران الإسرائيلي للشعب الفلسطيني في غزّة، فكتب ـ زياد عبد الفتاح ـ ما يشبه المرثية المخلوطة بالنّدم على ما جرى في "أوسلو" التي قال عنها؛ إنها كانت محاولةً لخلق تعايش بين العرب واليهود على أرض فلسطين ومما قاله على صفحات الكتاب:
"حاولنا جَهْدَنا وسعينا إلى السلام والتعايش بقلوب مفتوحة، أقبل عليها اليسار الإسرائيلي بما يليق، على أن اليمين المتعصب والمتدينين وأَدُوا التجربة الوليدة، لم يعجبهم السلام ولم يمتثلوا لقواعده وآلياته، فأقدموا على نسف تجلياته واغتالوا "رابين "الذي كان ضامنًا له من الجانب الإسرائيلي، وفيما بعد اغتالوا "ياسر عرفات " الذي غامر بما يملكه من رصيد فارق لدى الشعب الفلسطيني والعالم كله، وأتوا بهذا الأفّاق المجرم "بنيامين نتنياهو" ليجهض التعايش والمصالحة والسلام".
وهذه السطور التي ساقها ـ زياد عبدالفتاح ـ وهو من المشاركين والمراهنين على "أوسلو" التي تمخضت عما يسمى " السلطة الفلسطينية "تحمل نغمة ندمٍ وألمٍ، على دخول مسار السلام مع الصهاينة، ولكنه يفرّق بين "يسار إسرائيلي " و"يمين إسرائيلي "، وهذه تفرقة في غير محلها؛ لأنّ "الصهيونية" التي هي عقيدة هؤلاء الذين قدِموا من بلادهم الأولى في أوروبا، تلزمهم بالدفاع عن "الدولة العبرية " أو "الدولة اليهودية ".
وقصة "اليمين واليسار" هذه، لا يصدّقها غير السُذّج من العرب، فالصهاينة الذين آمنوا بهذه العقيدة الدموية التي تحتقر " الأغيار" لا يصح أن نطبق عليها ما نطبقه على العقائد السياسية الأخرى.
وفي القسم الثاني من كتاب: " غزة تحت الإبادة الجماعية " ساق "عادل الأسطة " – وهو أكاديمي متخصص في الأدب والنقد – مقطعًا من كتاب: "الفلسطينيون المنسيون "لمؤرخ إسرائيلي "إيلان بابيه" يدل على عُنجُهية وغطرسة المؤمنين بالعقيدة "الصهيونية "منذ المواجهات الأولى في مرحلة تأسيس دولة إسرائيل:
" وَفَّرَ السكان الفلسطينيون لأولئك القادمين الجدد بعض وسائل الراحة من مبيت وطعام، ولم يكتفوا بذلك، بل قدموا لهم أيضًا، النصائح في مسائل الزراعة والحراثة، وكانت معرفة أهل صهيون بهذا الموضوع ضئيلة إن لم تكن معدومة، لم يقابل المستوطنون تلك المعاملة الكريمة بالمثل، ففي المساء، أي وقت انصرافهم لكتابة مدوّناتهم الأولى في دفاتر يومياتهم على ضوء الشموع، أشاروا إلى المواطنين الفلسطينيين ـ كغرباء ـ يجولون في الأرض التي هي مِلكٌ للشعب اليهودي، وطلع بعضهم بفكرة فحواها أن الأرض كانت خاليةً، وزعموا أن السكان الذين وجدوهم ليسوا سوى غزاة أجانب !".
نفط وغاز في غزةويعلق "عادل الأسطة " بقوله:
" أَجَرْنا الغرباء، فلما تمكّنوا، فعلوا فينا ما يفعلونه الآن، غرباء يجب تهجيرهم إلى "أيرلندا وإلى الصحراء، وما تردد على لسان "عميحاي إلياهو" كان أخطر، وهو استخدام القنبلة الذرية للقضاء على المقاومة في غزة".
وعلى امتداد صفحات الكتاب البالغة ثلاثمائة وأربع صفحات، يسرد الكاتبان بطريقة المذكرات، كل ما جرى للمقاومة الفلسطينية في الماضي والحاضر، لكن ما ذكره ـ زياد عبد الفتاح ـ عن الأسباب الحقيقية للحرب على "غزة" وأهمها، وجود "نفط وغاز" في باطن أرض القطاع، ومعادن أخرى، وهو ما يجعل حكام واشنطن وتل أبيب يصرّون على فكرة "تهجير سكان غزة"، وفي المقابل يصر "الغزّاوية " على البقاء أو الموت على أرض الوطن؛ لأن درس "الهجرة " في العام 1948 كان قاسيًا على الفلسطينيين.
فهُم صدّقوا الحكومات العربية السبْع التي دفعت بجيوشها لقتال "عصابات الصهاينة"، وصدّقوا ما قيل لهم، وقد قيل لهم؛ إن الأمر سوف يحسم خلال أيام، فتحولت الأيام إلى عشرات الأعوام، وعاشت أجيال من الفلسطينيين في "المخيمات " التي ليس فيها الحد الأدنى من وسائل الحياة.
وعلى ذكر ـ المخيمات ـ اختص الطيران الإسرائيلي "مخيم جباليا " بالقصف العنيف؛ لأنه المخيم الذي انطلقت منه "المقاومة " بعد هزيمة " يونيو ـ حزيران 1967″، فهذا المخيم، كان مهد الثورة، حسب ما ذكر "يحيى السنوار" في روايته: "الشوك والقرنفل" وفيها حكى عن لعبة "عرب ويهود" التي لعبها في طفولته داخل المخيم، وربط ـ عادل الأسطة ـ بين ما حكاه "يحيى السنوار" عن طفولته، وما قاله الشاعر المصري "أمل دنقل " في قصيدته المشهورة "لا تصالح":
" وغدًا سوف يُولد من يلبس الدّرع كاملةً
يُوقدُ النار شاملةً
يستولدُ الحقّ من أضلُعِ المستحيلِ "
رمزية صدوره من القاهرةوأهمية هذا الكتاب "غزة تحت الإبادة الجماعية ـ حكايات عن الذين لم يغادروا"، تكمن في رمزية صدوره، من القاهرة، عن "دار ميريت "، وهي دار لها موقف داعم للقضية الفلسطينية، رغم ضعف إمكاناتها المالية، وتكمن في أنّ مؤلفَيْه يُعدّان من كبار المثقفين الفلسطينيين، وفي إصرارهما على الكتابة تحت القصف والقتل، والحرص على خلق ذاكرة لنضال المثقف الفلسطيني، الذى حارب بالريشة والكلمة والنغمة والصورة، طوال السنوات الماضية.
وإن كانت الساحة الثقافية العربية خَلتْ من الشعراء الكبار الذين تبَنّوا القضية ونقلوها إلى الشارع العربي، فإن "وائل الدحدوح " – الصحفي الفلسطيني البطل الذي فقد أولاده وزوجته، عقابًا له على قول الحقيقة على شاشة "قناة الجزيرة "- وعشرات الصحفيين الذين استشهدوا تحت القصف والذين مازالوا يفضحون الكيان الصهيوني وأعماله الإجرامية، نجحوا في توصيل الحقائق كاملةً للجيل الجديد، فاليوم في مصر، يواصل الشبّان الصغار، مقاطعة منتجات الشركات التي دعمت إسرائيل، مقاطعةً ناجحةً وفاعلةً، رغم أنّ الإعلام لا يهتمّ بمتابعة تفاصيلها.
هذا الكتاب مهمٌ لكل مُهتمٍ بالقضية الفلسطينية، فيه تلخيص للنضال الفلسطيني، وتوثيق لجرائم إسرائيل التي ترتكبها ضد أهالي" غزّة "منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول2023 حتى كتابة هذه السطور.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات هذا الکتاب
إقرأ أيضاً:
صدور «تاريخ تطور الأدب النسائي الياباني الحديث والمعاصر» عن هيئة الكتاب
أصدرت وزارة الثقافة، من خلال الهيئة المصرية العامة للكتاب، برئاسة الدكتور أحمد بهي الدين، كتاب «تاريخ تطور الأدب النسائي الياباني الحديث والمعاصر» للدكتور كرم خليل سالم.
يقول مؤلف الكتاب في تقديمه له: «من خلال قراءتي عن الأدب النسائي الياباني اللافت للنظر أن معظم الكاتبات النسائية يكتبن عن عناصر متعددة داخل الرواية النسائية أهمها عنصر السيرة الذاتية للروائية وتجارب واقعية ذاتية والجوانب النفسية الخفية، فشعرت أنني أتعلم أشياء عن عالمها الخفي عكس ما يكتب بأسلوب الرجال، ويعجز الكتاب الرجال الكتابة عن تلك العناصر وعن عالمها الخفي وصور عديدة، فقدمت الرواية النسائية صورًا مختلفة للمرأة في المجتمع الياباني، مثل صورة المرأة المحبة والعاشقة، وصورة المرأة المستكينة المستسلمة، وصورة بنت الأكابر التي تقع في غرام الشاب الفقير، فصورة المرأة هنا في الأدب النسائي الياباني قد تكون مشابهة لصور المرأة في المجتمعات العربية، مثل صورة حياة المرأة المومس، وصورة حياة المرأة العاهرة والبغايا في أحياء المتعة، وغيرها من الصور الأدبية، وهذه الصور الأدبية تذكرنا بصور المرأة التي ظهرت في أدب نجيب محفوظ الأديب العالمي الحائز على جائزة نوبل في الأدب، أولاهن صورة "الست أمينة" في ثلاثيته الشهيرة التي تحولت إلى رمز للمرأة المستكينة الخانعة المنقادة، التي تصب الماء على قدمي الزوج وتقف أمامه في حياء وتطيعه طاعة عمياء، وترى أن الله في السماء و "سي السيد" على الأرض أي ظاهرة الهيمنة الذكورية.
وعلى عكس "أمينة" نجد صورة "زنوبة" الراقصة المتمردة القوية في "قصر الشوق" التي ترفض الحياة المترفة التي وفرها لها "سي السيد" وتأبى الاستمرار معه، فتقف في وجه جبروته وكبريائه، ويخرج من عندها منكس الرأس ذليلا، وما بين "أمينة" و"زنوبة" نجد صورة المرأة "نفيسة" في رواية "بداية ونهاية" التي تدفعها ظروفها المأسوية لاحتراف "السقوط" رغما عنها، وتنتهي حياتها بالانتحار، وفي رواية "زقاق المدق" خرجت صورة المرأة "حميدة" المتمردة للبحث عن حياة جديدة، واختارت أن ترسم طريقها بيدها لا بيد الآخرين، لكنها سقطت على يد "فرج " وضلت الطريق».
"سمات البطل في أدب وفنون الطفل" ندوة بالمجلس الأعلى للثقافة بروتوكول تعاون بين "الثقافة" و"الوطنية للانتخابات" لتعزيز المشاركة الديمقراطية وتنمية الوعي الانتخابي هنو يبحث آليات تطوير أداء لجان الأعلى للثقافة ومنظومة العمل بالوزارة "البساط الأبيض".. ورش فنية لذوي الهمم بمتحف محمود مختار مارتن لوثر.. صاعقة رعدية حولته إلى اشهر الرهاب ما القصة؟
وجاء على غلاف الكتاب: «يحتل الأدب النسائي الياباني مكانة فريدة في الساحة الأدبية للأدب النسائي العالمي، ففي النصف الثاني من القرن العاشر - وبالتحديد قبل ألف عام من الآن - كتبت أول رواية نسائية في اليابان والأولى في العالم 11 "Genji-Monogatari رواية جنجي للروائية الشاعرة موراساكي شيكيبو فقد عاشت الروائية، "Murasaki-Shikibu" في أزهى فترة في تاريخ الأدب النسائي الياباني، وهي فترة هيان "794-1192"، ويوجد على الساحة الأدبية اليابانية حاليا جائزة أدبية كبرى في اليابان تحمل اسمها "Murasaki-shikibu-bungaku-shou".
وعاد الأدب النسائي الياباني في النهوض مرة أخرى بعد عام 1868م، أي خلال فترة التحديث في اليابان التي تعرف باسم فترة ميجي "Meiji" بعد تراجع وانكماش استمر ستة قرون من القرن الثاني عشر حتى منتصف القرن التاسع عشر».