صحيفة التغيير السودانية:
2024-10-01@01:05:17 GMT

جدلية الموقف من الجيش

تاريخ النشر: 15th, March 2024 GMT

جدلية الموقف من الجيش

جدلية الموقف من الجيش

فيصل محمد صالح

مواصلة لحديث الأسبوع الماضي حول كيف نفهم الحرب في السودان، يتبقى شيء من الكلام عن طرفي الحرب، هذه الجملة الإشكالية، التي تغضب بعض الناس، وتبدو عصية على فهم بعض الناظرين للشأن السوداني. يسألون بشكل مباشر، أوليست هذه حرب بين القوات المسلحة، المؤسسة العسكرية الوطنية، وميليشيا متمردة… فلماذا إذن يستخدم الناس مصطلح طرفي النزاع أو طرفي الحرب…؟ هذا تساؤل غير السودانيين، أما بعض إخوتنا في الوطن الذي يتهمون غيرهم بموالاة «الدعم السريع»، فحين يعجزهم التحدي الذي يقال لهم أن ائتوا بسطر واحد كتبنا فيه تأييداً أو دعماً لـ«قوات الدعم السريع»، فمنطقهم يقول إن كل من لا يصرح بتأييده ودعمه للجيش هو بالضرورة داعم لـ«الدعم السريع»، ولا يحتاج الأمر لقول صريح.

يحتاج الأمر لعودة للماضي القريب، حين انقلبت الجبهة الإسلامية القومية عبر جناحها العسكري على النظام الديمقراطي في يونيو (حزيران) 1989، وكانت تمثل القوة الثالثة في البرلمان المنتخب بطريقة ديمقراطية، طبقت ما أسمته بسياسة «التمكين»، بمعنى السيطرة على كل مؤسسات الدولة عبر كوادر «الإخوان المسلمين»، ففصلت عشرات الآلاف من الضباط الوطنيين والأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات والعمال والمهنيين، من وظائفهم، وعينت مكانهم الكوادر الحزبية الملتزمة.

وامتد الأمر للقوات النظامية، فتم استيعاب دفعات كاملة من الكوادر في القوات المسلحة والشرطة وجهاز الأمن والمخابرات الذي تم تأسيسه على أيدي قادة النظام. ولم يقتصر الأمر على الدفعات من خريجي المدارس الثانوية الذين التحقوا بالكلية الحربية، وإنما تم استيعاب كوادر متقدمة في العمر تحت مسمى «دفعات فنية» شملت مهندسين وفنيين وإداريين من مختلف التخصصات في رتب متقدمة.

لم تعد، منذ ذلك الوقت، النظرة لهذه الأجهزة، كما كانت سابقاً، مؤسسات وطنية مبنية على الأساس المهني، وإنما صارت في نظر الكثيرين أجهزة حزبية عقائدية تخدم خطاً حزبياً معيناً، وبالضرورة ألا يثق فيها من لا ينتمي لهذا الخط العقائدي.

استمر هذا الأمر حتى الانتفاضة الشعبية في 2019، التي غيرت قيادة النظام، ووضعت خططاً لتطهير الأجهزة العسكرية والأمنية من الكوادر الحزبية، وإعادة بناء هذه الأجهزة على أساس مهني وقومي، لكن لم تكن القيادة العسكرية صادقة فيما وعدت به، والتزمت به بحسب الوثيقة الدستورية. وكانت القوى المدنية تطالب بحل «قوات الدعم السريع» واستيعاب المؤهلين من قواتها في الجيش، لكن، ويا للعجب، انبرى الفريق البرهان ورفاقه للدفاع عن «الدعم السريع»، ثم قام بإصدار مرسوم، حين كان يحكم باسم المجلس العسكري الانتقالي، فأعطى هذه القوات استقلالية عن القوات المسلحة وسمح لها بالتمدد والانتشار، وعين الفريق حميدتي نائباً له. وكان موقف الحركة الإسلامية مطابقاً لموقف البرهان، فقد كانت نظرتهم لـ«قوات الدعم السريع» أنها حليف استراتيجي، وأن بقاءها أمر ضروري لتوسيع الحلف في مواجهة القوى المدنية الديمقراطية.

كشف العسكر، بجناحيهما، الجيش و«الدعم السريع»، عن رغبتهم في الاستئثار بالسلطة، واستمرت مؤامراتهم ضد الحكومة الانتقالية، ثم نفذوا انقلاباً عسكرياً في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، أبعدوا خلاله القوى المدنية واستأثروا بالحكم، ثم قاموا بعدة محاولات لإيجاد ظهير مدني، لكنهم فشلوا في ذلك، كما فشلوا في تشكيل حكومة لمدة عامين. تلفت الفريق البرهان حوله، ولم يجد نصيراً سياسياً، فلجأ لكوادر النظام السابق من الإسلاميين فاستعان بهم، ووزعهم على كل مفاصل السلطة. أثار هذا الأمر خلافاً بينه وبين الفريق حميدتي قائد «الدعم السريع» الذي اتسع خلافه مع الإسلاميين الذين يحملونه مسؤولية الانقلاب على البشير، ويضمرون له الشر.

باختصار شديد، ينظر كثير من الناس لقيادة الجيش على أنها تمثل قوة سياسية لديها طموح ورغبة في البقاء في الحكم والسيطرة عليه، ولا يمكن النظر إليهم بوصفهم قيادة مهنية وطنية للقوات المسلحة. صحيح أن جنود وصغار ضباط القوات المسلحة ليسوا بالضرورة جزءاً من الحلف السياسي، وجلهم مواطنون سودانيون عاديون ينتمون للوطن ويعملون في القوات المسلحة بدافع وطني، لكن بحكم قيود التراتبية العسكرية، فإن الموقف السياسي وخطة العمل تعدهما القيادة العسكرية السياسية وفقاً لأهدافها.

لهذا، عندما بدأت هذه الحرب، كان موقف الكثيرين أنها صراع على السلطة بين قوتين تسعيان للبقاء في الحكم، ولا شأن للوطن والمواطنين بها. تغيرت مواقف البعض بعد الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها «قوات الدعم السريع» في المناطق التي سيطرت عليها، فصارت بالنسبة إليهم مبرراً للاستمرار في الحرب والوقوف في صف الجيش، على أمل أن ينتقم لهم الجيش ويبطش بـ«قوات الدعم السريع»، ولهذا يرى هؤلاء أن موقف «لا للحرب» هو موقف مهادن لـ«قوات الدعم السريع» وداعم لها.

بعد عشرة أشهر ليست هناك أي دلائل على أن طرفاً سينتصر في هذه الحرب، ويصعب على المرء أن يجد أناساً يشكون من الجرائم والانتهاكات التي تقع على المواطنين، ثم في نفس الوقت يطالبون باستمرار الحرب بمنطق «الحرب كويسة… بس الدعم السريع لا يحارب وفقاً للطريقة التي نريدها».

* نقلا عن الشرق الاوسط

الوسومالجرائم والانتهاكات الجيش والدعم السريع الحرب السلطة السودان الشرق الأوسط القوات المسلحة فيصل محمد صالح لا للحرب

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الجرائم والانتهاكات الجيش والدعم السريع الحرب السلطة السودان الشرق الأوسط القوات المسلحة فيصل محمد صالح لا للحرب قوات الدعم السریع القوات المسلحة

إقرأ أيضاً:

الجيش السوداني ينفي اتهام الإمارات: لا نرتكب الأعمال الجبانة

نفى الجيش السوداني، الاثنين، استهداف مقر سفير الإمارات في العاصمة الخرطوم، مشيرًا إلى أن القوات المسلحة السودانية "لا تستهدف مقار البعثات الدبلوماسية... ولاتخالف القانون الدولي".

وأصدر الجيش بيانًا في أعقاب إعلان الإمارات في بيان رسمي بأن مقر سفيرها تعرض لهجوم بطائرة تابعة للجيش السوداني، واصفة الهجوم بأنه "عمل جبان".

وقال الجيش السوداني في بيانه: "تستنكر القوات المسلحة السودانية وتنفي إتهام دولة الإمارات العربية المتحدة لها بقصف مقر سفيرها بالخرطوم، وتؤكد أنها لا تستهدف مقار البعثات الدبلوماسية أو مقار ومنشآت المنظمات الأممية أو الطوعية ولا تتخذها قواعد عسكرية ولا تنهب محتوياتها".

بسم الله الرحمن الرحيم القيادة العامة للقوات المسلحة الإثنين 30 سبتمبر 2024م بيان تستنكر القوات المسلحة...

Posted by ‎القوات المسلحة السودانية‎ on Monday, September 30, 2024

واتهم البيان قوات الدعم السريع بأنها "تقوم بتلك الأفعال المشينة والجبانة... التي تدعمها لارتكاب تلك الأفعال دول معلومة للعالم، وتستمر في إرتكابها علي مرأي ومسمع من الدول والمنظمات الدولية".

وأشار البيان إلى أن القوات المسلحة السودانية "لا تقوم بهذه الأعمال الجبانة ولا تخالف القانون الدولي وإنما تستهدف أماكن تواجد هذه المليشيا وهذا حقها في الدفاع عن كيان الدولة السودانية".

ونددت الإمارات في بيان، بوقت متأخر مساء الأحد، بما وصفته "بالاعتداء الغاشم" الذي تسبب في وقوع  أضرار جسيمة في مبنى مقر سفيرها، مطالبة الجيش بتحمل المسؤولية كاملة عن هذا "العمل الجبان".

وأكدت وزارة الخارجية الإماراتية في بيانها أنها ستقدم مذكرة احتجاج لكل من جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، "على هذا الاعتداء من قبل القوات المسلحة السودانية الذي يمثل انتهاك صارخا للمبدأ الأساسي المتمثل في حرمة المباني الدبلوماسية".

وشددت على أهمية حماية المباني الدبلوماسية ومقرات منتسبي السفارات حسب الأعراف والمواثيق التي تحكم وتنظم العمل الدبلوماسي.

الإمارات تدين الاعتداء الغاشم على مقر سفيرها في السودانhttps://t.co/UDjLbj0tnN pic.twitter.com/bq3nS7Q8C0

— MoFA وزارة الخارجية (@mofauae) September 29, 2024

وأعربت الوزارة عن "استنكارها الشديد لهذه الأعمال الإجرامية، ورفضها الدائم لجميع أشكال العنف والإرهاب التي تستهدف زعزعة الأمن والاستقرار وتتنافى مع القانون الدولي".

وانتقد الجيش السوداني في أوقات سابقة الإمارات علانية بدعم قوات الدعم السريع التي تخوض الحرب في مواجهته.

وتنفي الإمارات هذه الاتهامات رغم أن خبراء من الأمم المتحدة قالوا إنها ذات مصداقية. وبرزت هذه المزاعم وسط جدل حاد خلال إحدى جلسات مجلس الأمن.

نيويورك تايمز: الإمارات تؤدي "لعبة مزدوجة قاتلة" في السودان سلطت صحيفة "نيويورك تايمز" الضوء على الدور الذي تلعبه الإمارات في الصراع في السودان، موضحة أنها تعمل على توسيع حملة سرية لدعم الطرف المتوقع أن يكون الفائز في الحرب الأهلية في السودان، وتقصد قوات الدعم السريع، كما أنها وبالتخفي تحت راية الهلال الأحمر، تقوم بتهريب الأسلحة ونشر الطائرات بدون طيار.

ووقع صدام بين مندوب السودان لدى الأمم المتحدة، الحارث إدريس، وبين سفير الإمارات لدى الأمم المتحدة، محمد أبو شهاب، في جلسة عقدها مجلس الأمن في 18 يونيو، عن الأوضاع السودانية، إذ اتهم المندوب السوداني أبوظبي بأنها الراعي الإقليمي لتمرد الدعم السريع.

وفي المقابل وصف أبو شهاب، الاتهامات السودانية بأنها "سخيفة وباطلة، وتهدف لتشتيت الانتباه عن الانتهاكات الجسيمة التي تحدث على الأرض".

واندلعت الحرب في السودان في أبريل 2023 عندما تحولت المنافسة على السلطة بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى حرب مفتوحة.

وسبق أن تقاسم الطرفان السلطة بعد انقلاب عل حكومة رئيس الوزراء السابق، عبد الله حمدوك، في 25 أكتوبر 2021.

ولم تنجح الجهود المبذولة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، بما في ذلك المحادثات الجارية في سويسرا، في تخفيف حدة القتال.

ويواجه حاليا نحو نصف سكان السودان البالغ عددهم 50 مليون نسمة نقصا في المواد الغذائية.

مقالات مشابهة

  • القوات المسلحة والقوة المشتركة تصد هجومًا لمليشيا الدعم السريع على مدينة كلبس بغرب دارفور وتكبدها خسائر فادحة
  • الحديث ان حرب الدعم السريع هي ضد المواطن وليس ضد الجيش امر لايمكن مغالطته
  • الجيش السوداني ينفي استهداف منزل السفير الإماراتي ويتهم الدعم السريع
  • الجيش السوداني ينفي قصف مقر سفير الإمارات بالخرطوم.. ويتهم قوات الدعم السريع
  • «مقاومة حجر العسل»: موجة نزوح واسعة للأهالي خوفاً من انتقام الدعم السريع
  • الجيش السوداني ينفي اتهام الإمارات: لا نرتكب الأعمال الجبانة
  • مقتل عشرات السودانيين خلال معارك بين الجيش والدعم السريع في الخرطوم
  • معارك بين الجيش السوداني والدعم السريع بشمال الخرطوم
  • أنباء عن تحرير مصفاة الجيلي و«الدعم السريع» تؤكد تدمير متحرك الجيش
  • الجيش السوداني يحقق انتصارات واسعة ويطبق حصارا شبه كلي على قوات الدعم السريع .. تفاصيل ومبشرات