لجريدة عمان:
2025-01-31@18:05:42 GMT

صناعة النفط والتغير المناخي

تاريخ النشر: 15th, March 2024 GMT

صناعة النفط والتغير المناخي

لم تكن صناعة النفط أبدًا بمثل حجمها الكبير الحالي. فعندما تراجع الطلب أثناء جائحة كوفيد-19 كان البعض يأمل في ألا يعود أبدا إلى مستوياته المرتفعة السابقة. لكنه تجاوزها. ففي عام 2023 أنتج العالم 101.8 مليون برميل في اليوم، وفقا لوكالة الطاقة الدولية. وقُدِّرَت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من النفط في ذلك العام بحوالي 12.

1 بليون طن سنويا، حسب مشروع الكربون العالمي وهو تجمع أكاديمي. يمثل هذا الرقم 32% من إجمالي الانبعاثات الصناعية. أية محاولة للإبقاء على الارتفاع في متوسط درجة حرارة الكوكب منذ القرن التاسع عشر عند "أقل من 2 درجة مئوية أو 3.6 فهرنهايت" على نحو ما هو مطلوب بموجب اتفاقية باريس يجب أن تشهد انخفاضا حادا وقريبا لهذه الانبعاثات. لا أحد يُجبَر على شراء النفط على الرغم من أن الناس في أماكن عديدة يحصلون على دعم مالي لكي يفعلوا ذلك. وكل اقتصاد يحتاج إلى النفط. مع ذلك لدى العديد من أولئك الذين يسعون إلى خفض الانبعاثات شكوك عميقة في الصناعة التي تمدُّ العالم به. ليس مفاجئا أن صناعة النفط لديها مصلحة في الحفاظ على نفسها. لكنها أيضا لها تاريخ في محاولة تقويض علم المناخ لكي تشجع على إنكار التغير المناخي حتى حينما يكون علماؤها أنفسهم على علم تام بما يحدث. إنها تملك قوة تأثير هائلة وكثيرا ما تكون لها الغلبة (وهذا ما يغيظ خصومها) عندما تهدد الإجراءاتُ المناخية أرباحَها المستقبلية. إلى ذلك، شركات النفط التي تحاول أن تتظاهر بالعمل على حماية المناخ ترتد على أعقابها وتعود سيرتها الأولى بانتظام عندما تفشل استراتيجيات أعمالها في تحقيق أهدافها. مثال على ذلك: محاولة شركة النفط البريطانية الكبرى (بريتيش بتروليوم والمعروفة اختصارا باسم بي بي) في العشرية الأولى من هذا القرن أعادت تسمية نفسها بيونْد بتروليوم (اختصارا بي بي أيضا وتعني ما بعد النفط). عملت البلدان المنتجة للنفط على التقليل من طموحات المؤتمرات السنوية المعروفة باسم "كوب" والتي تنعقد بموجب الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة حول التغير المناخي وذلك منذ بدايتها في عام 1995. هذه البلدان مسؤولة إلى حد كبير عن عدم إقرار مؤتمرات كوب على مدى عقود بالحاجة إلى تقليل استخدام الوقود الأحفوري. وعندما وصل آلاف الدبلوماسيين والساسة والعلماء ورواد الأعمال وقادة جماعات الضغط والصحفيين إلى دبي في نوفمبر 2023 لحضور مؤتمر "كوب 28" جاء العديدون وهم يتحرقون شوقا لخوض معركة حول ذلك. لكن "كوب 28" انتهى في ديسمبر باتخاذ خطوة مهمة إلى الأمام رغم أنها رمزية. فقد دعا بيانه الختامي بلدان العالم إلى المساهمة في تحقيق تحول "بعيدا عن موارد الوقود الأحفوري في أنظمة الطاقة، وتسريع العمل في هذا العقد الحاسم في أهميته من أجل الوصول إلى صافي صفر كربون (الحياد الكربوني) بحلول عام 2050." كلمة "تدعو" التي وردت في البيان الختامي ليست "تطلب" وكلمة "تساهم" ليست "أن تسعى بإخلاص". والتحول "بعيدا عن الوقود الأحفوري" ليس "التخلص التدريجي منه" وهو الذي كان سيفضله موفدون عديدون لمؤتمر "كوب 28". في كل هذه الجوانب كان الاتفاق ضعيفا. لكنه مع ذلك شكل نقطة تحول تاريخية في مفاوضات المناخ. لقد كان إعلانا صادرا من قلب مؤسسة النفط بوجوب أن يبدأ الطلب على المورد (النفطي) الذي صار جزءا من صميم القرن العشرين في الهبوط. لاحقا علّق سيمون ستيل الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي بقوله "على الرغم من أننا لم نقلب الصفحة على حقبة الوقود الأحفوري إلا أن هذه المحصلة هي بداية النهاية." واقع الحال، أفضل الاحتياطيات النفطية في منطقة الخليج ضخمة. وفي ذات الوقت استغلالها زهيد التكلفة نسبيا. وما هو أكثر من ذلك استخلاص النفط منها لا يطلق كميات من ثاني أكسيد الكربون مماثلة لما يطلقه الإنتاج في أماكن أخرى. وإذا ظلت العوامل الأخرى ثابتة سيتخلى العالم عن المنتجين الأكثر تكلفة أولًا، حين يقلل اعتماده على النفط. لكن التحول بعيدا عن النفط (نحو الموارد المتجددة) لا يزال يعني تحولا في الدينامية الأساسية لصناعة النفط والتي شكلته وشكلت علاقته باقتصاد العالم على مدار خمسين عاما.

في عام 1973 اتجهت بلدان الخليج في أوبك والتي أغضبها دعم واشنطن لإسرائيل في حرب العاشر من رمضان إلى فرض حظر على مبيعات النفط للولايات المتحدة وحليفاتها. قبل تلك المقاطعة في أكتوبر 1973 كان برميل النفط يكلف ما يزيد قليلا عن ثلاث دولارات. وفي مارس 1974 بلغت تكلفة البرميل 13 دولارًا. لقد كان سعر النفط قبل المقاطعة النفطية مستقرا لعقود. ومنذ عام 1973 ظل متقلبا باستمرار وأحيانا على نحو لافت. يقول جيسون بوردوف وهو خبير في سياسات الطاقة: حاصر الزبائن الغاضبون وقتها محطة البنزين التي يملكها والده في بروكلين "من الصعب المبالغة في الحديث عن الصدمة التي تعرضت لها البنية النفسية الأمريكية من ارتفاع الأسعار إلى عنان السماء بين ليلة وضحاها ونفاد الوقود والصفوف الطويلة في محطات البنزين". ولا يزال بوردوف الذي يرأس الآن مركز سياسات الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا مقتنعا بأن صدمة النفط في عام 1973 وتلك التي تلتها عقب الثورة الإيرانية عام 1979" أطَّرَت سياسة الطاقة على مدى نصف قرن".

كشفت سنوات السبعينيات طبيعة سلسلة الآثار الاقتصادية والسياسية والجيوسياسية التي يمكن أن تترتب عن صدمات عرض النفط. ففي البلدان المتقدمة دفعت الزياداتُ في الأسعار وردودُ أفعالِ البنوك المركزية التضخمَ إلى أعلى وخنقت الاقتصاد. مهّد ذلك المشهد لبروز ساسة حرية السوق من أمثال رئيسة الوزراء البريطانية مارجريت تاتشر والرئيس الأمريكي رونالد ريجان في السنوات التي تلت ذلك. ولأن العديد من بلدان أوبك ليس لديها ما يذكر لكي تستثمر فيه داخل حدودها انتهى بها الأمر إلى استثمار "البترو دولارات" التي كدستها في البنوك العالمية. وهذا ما جعل البنوك حريصة على الإقراض. وشهدت البلدان النامية التي كانت بدورها حريصة على الاقتراض ديونَها وهي تتراكم بسرعة. يقدر صندوق النقد الدولي أن الديون الخارجية لحوالي 100 بلد نامٍ ارتفعت بنسبة 150% في الفترة بين عام 1973 وعام 1977. ثم دفعت صدمة عام 1979 بأسعار النفط إلى عنان السماء وفجرت أزمة مديونية العالم الثالث في سنوات الثمانينات. وهي الفترة التي تُسمّى أحيانا العصر الضائع للتنمية العالمية.

بعد انقضاء خمسين عاما، من الجيد أحيانا إلقاء نظرة إلى الخلف، وتأمل تغيير جذري حدث في المشهد. فهذه المدة الزمنية تناسب جدا عمر الإنسان. وهي تتيح لمن ولدوا بعد التغيير أن يفهموا على نحو أفضل ما هو خاص بالعالم الذي ظلوا يعرفونه دائما. ما هو ضروري وما هو طارئ. كما يمكن لأولئك الذين هم الآن في نهاية أعمارهم تقديم شهادات عن التغيير والأحداث التي أعقبته. ذلك سيكون سببا كافيا للقيام بعملية جرد للعالم الذي أوجدته صدمة النفط في عام 1973. لكن التحول الذي تم الإقرار به في مؤتمر "كوب 28" في ديسمبر الماضي يجعل المهمة أكثر إلحاحا. فالسوق النفطية في الفترة التي أعقبت صدمة عام 1973 شكلت دائما صراعا بين معدل نموِّ العرض (الذي تسعى أوبك بين فترة وأخرى إلى التنسيق بشأنه) ونموِّ الطلب. وفي عالم يواجه قيود أزمة المناخ يجب أن يتوقف ذلك النموُّ. يتخيل البعض أن نمو العرض والطلب في مستوى مستقر نسبيا. ويصر آخرون على وجوب أن يهبط كثيرا وبسرعة. إذا حدث ذلك وفي أثناء حدوثه ستزيد المخاوف الجديدة من تعقيد أسئلة الماضي. المخاوف الجديدة مثل: من سيوقف الإمداد؟وما الأثر الذي سيترتب عن ذلك؟ وأسئلة الماضي مثل (من أين ستأتي الإمدادات الجديدة؟ والى أي حد ستكون آمنة؟، وعندما يكون الطلب في ارتفاع يمكن أن تقود المبالغة في تقدير هذا الاتجاه الصعودي إلى الإفراط في الاستثمار. وعندما يكون الطلب في اتجاه هبوطي قد يشكل نقص الاستثمار خطرا أكبر.

الكاتب محرر الابتكار العالمي في مجالي النفط والمناخ بمجلة الإيكونومست

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الوقود الأحفوری عام 1973 فی عام

إقرأ أيضاً:

الإسماعيلية نموذجًا.. جهود مصر في تعظيم الاستفادة من زراعة الزيتون

يُعتبر الزيتون من المحاصيل الاستراتيجية التي تلعب دورًا اقتصاديًا بارزًا في العديد من الدول، خاصة في منطقة البحر الأبيض المتوسط. فهو ليس مجرد غذاء صحي، بل يمثل صناعة متكاملة تمتد من الزراعة إلى التصنيع والتصدير، ما يخلق فرص عمل ويساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني والدولي.

فوائد غير متوقعة لأوراق الزيتون فوائد مذهلة لتناول زيت الزيتون كل يوم

 

الزيتون كمصدر للدخل القومي: 

تشكل زراعة الزيتون مصدر دخل رئيسي للعديد من الدول المنتجة، مثل إسبانيا، إيطاليا، اليونان، تونس، المغرب، وسوريا، وتعتبر تجارة زيت الزيتون والزيتون المخلل من الصادرات الزراعية المهمة، حيث تشهد الأسواق العالمية طلبًا متزايدًا على هذه المنتجات نظرًا لفوائدها الصحية وقيمتها الغذائية العالية.

 خلق فرص العمل:

 توفر زراعة الزيتون فرص عمل لملايين الأشخاص، بدءًا من المزارعين الذين يعتنون بالأشجار، وصولًا إلى العاملين في المعاصر والمصانع التي تقوم باستخراج الزيت وتصنيعه، كما أن صناعة الزيتون تدعم قطاعات أخرى، مثل النقل، والتعبئة والتغليف، والتسويق، ما يعزز الاقتصاد المحلي. 

دور الزيتون في التنمية المستدامة:

 يُعد الزيتون محصولًا مستدامًا يتحمل الظروف المناخية القاسية، مما يجعله خيارًا مثاليًا للمزارعين في المناطق الجافة وشبه الجافة، كما تساهم زراعته في الحفاظ على التربة ومنع التصحر، وهو ما ينعكس إيجابيًا على البيئة والاقتصاد الزراعي. الاستثمار والتكنولوجيا في قطاع الزيتون: شهدت صناعة الزيتون تطورًا كبيرًا في العقود الأخيرة بفضل التكنولوجيا الحديثة، مثل أنظمة الري المتطورة، والآلات الحديثة لجني الثمار، والتقنيات الجديدة لاستخراج الزيت بجودة أعلى.

 هذه التطورات عززت من الإنتاجية وخفضت التكاليف، مما ساعد المنتجين على تحقيق أرباح أكبر وتعزيز التنافسية في الأسواق العالمية. تحديات وآفاق مستقبلية: رغم الفوائد الاقتصادية الكبيرة للزيتون، إلا أن القطاع يواجه تحديات مثل تغير المناخ، وارتفاع تكاليف الإنتاج، والتقلبات في الأسعار العالمية. ومع ذلك، فإن التوجه نحو الزراعة العضوية، والابتكار في الإنتاج، وفتح أسواق جديدة يمكن أن يعزز من دور الزيتون كمصدر اقتصادي مستدام في المستقبل.

 تعظيم الاستفادة من زراعة الزيتون: نشر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء سلسلة فيديوهات عبر منصاته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، استعرضت جهود الدولة في تعزيز زراعة الزيتون بمحافظة الإسماعيلية، وتسليط الضوء على الأساليب الحديثة لزيادة الإنتاجية، والتعرف على أفضل الأصناف لاستخلاص زيت الزيتون. 

تضمنت الفيديوهات لقاءً مع أحد الباحثين بمعهد بحوث البساتين التابع لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، الذي أوضح التعاون المشترك بين مركز البحوث الزراعية والمعهد في استنباط أصناف جديدة من الزيتون، من بينها "جيزة 99" و"جيزة 102"، اللذان يتميزان بجودة عالية في التخليل، بالإضافة إلى أصناف زيتية غنية بالزيت، وصنف "جيزة 69" المعروف باستخدامه المزدوج. وأشار الباحثون إلى أن معهد بحوث البساتين يعمل على تشكيل فرق إرشادية لمساعدة المزارعين في تطبيق أفضل الممارسات الزراعية، بالتعاون مع مديريات الزراعة في مختلف المحافظات. كما أكدوا قدرة شجرة الزيتون على تحمل ملوحة التربة دون التأثير على جودة الإنتاج. 

من جانبه، كشف وكيل وزارة الزراعة للمحاصيل الزراعية بالإسماعيلية عن خطة الدولة للتوسع في زراعة الزيتون المكثف، الذي يضاعف الإنتاجية إلى أربعة أضعاف، حيث يمكن لستة قراريط أن تعادل إنتاجية فدان كامل، كما أشار إلى أن محافظة الإسماعيلية تضم 5.8 مليون شجرة زيتون من أجود الأنواع، بإنتاجية تصل إلى 2.5 طن للفدان الواحد. وفي سياق متصل، أوضح مدير عام إدارة مكافحة الآفات بالمحافظة أن هناك خطة استراتيجية لزيادة إنتاجية الزيتون، تشمل توفير مبيدات مكافحة الآفات، وتعليق المصايد للحفاظ على الثمار، بالإضافة إلى تطبيق نظام الري بالتنقيط داخل الجمعيات الزراعية. وأكد مزارعو الزيتون في الإسماعيلية أن زراعة الزيتون تعد من أكثر الزراعات ربحية، مشيرين إلى أن زيادة الاهتمام بالأشجار يرفع من إنتاجيتها ويعزز العائد الاقتصادي للمزارعين.

مقالات مشابهة

  • «الظّل» الذي طاردته إسرائيل لعقود.. من هو «محمد الضيف»؟
  • هذه هويّة الشخص الذي عُثِرَ على جثته يوم أمس داخل مجرى نهر أبو علي
  • مذكرة تفاهم بين كرسي التغير المناخي بجامعة الملك سعود و “هيئة تطوير محمية الإمام تركي”
  • أفضل نباتات العطور التي تصلح زراعتها في مصر
  • «التغير المناخي والبيئة» تؤكد خلو أسواق الدولة من منتجات كوكاكولا تحتوي على مستويات غير اعتيادية من الكلورات
  • صناعة الطابوق.. مهنة شاقة مستمرة بسواعد عراقية لأجل العيش (صور)
  • دولفين يرد الجميل للبحار الذي أنقذه.. فيديو
  • حركة إم 23.. جناح إثنية التوتسي المسلح الذي أحكم قبضته على الكونغو
  • بالفيديو| حاكم الشارقة يزور الصف الذي درس فيه بالمرحلة الابتدائية
  • الإسماعيلية نموذجًا.. جهود مصر في تعظيم الاستفادة من زراعة الزيتون