لجريدة عمان:
2024-11-07@13:01:14 GMT

صناعة النفط والتغير المناخي

تاريخ النشر: 15th, March 2024 GMT

صناعة النفط والتغير المناخي

لم تكن صناعة النفط أبدًا بمثل حجمها الكبير الحالي. فعندما تراجع الطلب أثناء جائحة كوفيد-19 كان البعض يأمل في ألا يعود أبدا إلى مستوياته المرتفعة السابقة. لكنه تجاوزها. ففي عام 2023 أنتج العالم 101.8 مليون برميل في اليوم، وفقا لوكالة الطاقة الدولية. وقُدِّرَت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من النفط في ذلك العام بحوالي 12.

1 بليون طن سنويا، حسب مشروع الكربون العالمي وهو تجمع أكاديمي. يمثل هذا الرقم 32% من إجمالي الانبعاثات الصناعية. أية محاولة للإبقاء على الارتفاع في متوسط درجة حرارة الكوكب منذ القرن التاسع عشر عند "أقل من 2 درجة مئوية أو 3.6 فهرنهايت" على نحو ما هو مطلوب بموجب اتفاقية باريس يجب أن تشهد انخفاضا حادا وقريبا لهذه الانبعاثات. لا أحد يُجبَر على شراء النفط على الرغم من أن الناس في أماكن عديدة يحصلون على دعم مالي لكي يفعلوا ذلك. وكل اقتصاد يحتاج إلى النفط. مع ذلك لدى العديد من أولئك الذين يسعون إلى خفض الانبعاثات شكوك عميقة في الصناعة التي تمدُّ العالم به. ليس مفاجئا أن صناعة النفط لديها مصلحة في الحفاظ على نفسها. لكنها أيضا لها تاريخ في محاولة تقويض علم المناخ لكي تشجع على إنكار التغير المناخي حتى حينما يكون علماؤها أنفسهم على علم تام بما يحدث. إنها تملك قوة تأثير هائلة وكثيرا ما تكون لها الغلبة (وهذا ما يغيظ خصومها) عندما تهدد الإجراءاتُ المناخية أرباحَها المستقبلية. إلى ذلك، شركات النفط التي تحاول أن تتظاهر بالعمل على حماية المناخ ترتد على أعقابها وتعود سيرتها الأولى بانتظام عندما تفشل استراتيجيات أعمالها في تحقيق أهدافها. مثال على ذلك: محاولة شركة النفط البريطانية الكبرى (بريتيش بتروليوم والمعروفة اختصارا باسم بي بي) في العشرية الأولى من هذا القرن أعادت تسمية نفسها بيونْد بتروليوم (اختصارا بي بي أيضا وتعني ما بعد النفط). عملت البلدان المنتجة للنفط على التقليل من طموحات المؤتمرات السنوية المعروفة باسم "كوب" والتي تنعقد بموجب الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة حول التغير المناخي وذلك منذ بدايتها في عام 1995. هذه البلدان مسؤولة إلى حد كبير عن عدم إقرار مؤتمرات كوب على مدى عقود بالحاجة إلى تقليل استخدام الوقود الأحفوري. وعندما وصل آلاف الدبلوماسيين والساسة والعلماء ورواد الأعمال وقادة جماعات الضغط والصحفيين إلى دبي في نوفمبر 2023 لحضور مؤتمر "كوب 28" جاء العديدون وهم يتحرقون شوقا لخوض معركة حول ذلك. لكن "كوب 28" انتهى في ديسمبر باتخاذ خطوة مهمة إلى الأمام رغم أنها رمزية. فقد دعا بيانه الختامي بلدان العالم إلى المساهمة في تحقيق تحول "بعيدا عن موارد الوقود الأحفوري في أنظمة الطاقة، وتسريع العمل في هذا العقد الحاسم في أهميته من أجل الوصول إلى صافي صفر كربون (الحياد الكربوني) بحلول عام 2050." كلمة "تدعو" التي وردت في البيان الختامي ليست "تطلب" وكلمة "تساهم" ليست "أن تسعى بإخلاص". والتحول "بعيدا عن الوقود الأحفوري" ليس "التخلص التدريجي منه" وهو الذي كان سيفضله موفدون عديدون لمؤتمر "كوب 28". في كل هذه الجوانب كان الاتفاق ضعيفا. لكنه مع ذلك شكل نقطة تحول تاريخية في مفاوضات المناخ. لقد كان إعلانا صادرا من قلب مؤسسة النفط بوجوب أن يبدأ الطلب على المورد (النفطي) الذي صار جزءا من صميم القرن العشرين في الهبوط. لاحقا علّق سيمون ستيل الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي بقوله "على الرغم من أننا لم نقلب الصفحة على حقبة الوقود الأحفوري إلا أن هذه المحصلة هي بداية النهاية." واقع الحال، أفضل الاحتياطيات النفطية في منطقة الخليج ضخمة. وفي ذات الوقت استغلالها زهيد التكلفة نسبيا. وما هو أكثر من ذلك استخلاص النفط منها لا يطلق كميات من ثاني أكسيد الكربون مماثلة لما يطلقه الإنتاج في أماكن أخرى. وإذا ظلت العوامل الأخرى ثابتة سيتخلى العالم عن المنتجين الأكثر تكلفة أولًا، حين يقلل اعتماده على النفط. لكن التحول بعيدا عن النفط (نحو الموارد المتجددة) لا يزال يعني تحولا في الدينامية الأساسية لصناعة النفط والتي شكلته وشكلت علاقته باقتصاد العالم على مدار خمسين عاما.

في عام 1973 اتجهت بلدان الخليج في أوبك والتي أغضبها دعم واشنطن لإسرائيل في حرب العاشر من رمضان إلى فرض حظر على مبيعات النفط للولايات المتحدة وحليفاتها. قبل تلك المقاطعة في أكتوبر 1973 كان برميل النفط يكلف ما يزيد قليلا عن ثلاث دولارات. وفي مارس 1974 بلغت تكلفة البرميل 13 دولارًا. لقد كان سعر النفط قبل المقاطعة النفطية مستقرا لعقود. ومنذ عام 1973 ظل متقلبا باستمرار وأحيانا على نحو لافت. يقول جيسون بوردوف وهو خبير في سياسات الطاقة: حاصر الزبائن الغاضبون وقتها محطة البنزين التي يملكها والده في بروكلين "من الصعب المبالغة في الحديث عن الصدمة التي تعرضت لها البنية النفسية الأمريكية من ارتفاع الأسعار إلى عنان السماء بين ليلة وضحاها ونفاد الوقود والصفوف الطويلة في محطات البنزين". ولا يزال بوردوف الذي يرأس الآن مركز سياسات الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا مقتنعا بأن صدمة النفط في عام 1973 وتلك التي تلتها عقب الثورة الإيرانية عام 1979" أطَّرَت سياسة الطاقة على مدى نصف قرن".

كشفت سنوات السبعينيات طبيعة سلسلة الآثار الاقتصادية والسياسية والجيوسياسية التي يمكن أن تترتب عن صدمات عرض النفط. ففي البلدان المتقدمة دفعت الزياداتُ في الأسعار وردودُ أفعالِ البنوك المركزية التضخمَ إلى أعلى وخنقت الاقتصاد. مهّد ذلك المشهد لبروز ساسة حرية السوق من أمثال رئيسة الوزراء البريطانية مارجريت تاتشر والرئيس الأمريكي رونالد ريجان في السنوات التي تلت ذلك. ولأن العديد من بلدان أوبك ليس لديها ما يذكر لكي تستثمر فيه داخل حدودها انتهى بها الأمر إلى استثمار "البترو دولارات" التي كدستها في البنوك العالمية. وهذا ما جعل البنوك حريصة على الإقراض. وشهدت البلدان النامية التي كانت بدورها حريصة على الاقتراض ديونَها وهي تتراكم بسرعة. يقدر صندوق النقد الدولي أن الديون الخارجية لحوالي 100 بلد نامٍ ارتفعت بنسبة 150% في الفترة بين عام 1973 وعام 1977. ثم دفعت صدمة عام 1979 بأسعار النفط إلى عنان السماء وفجرت أزمة مديونية العالم الثالث في سنوات الثمانينات. وهي الفترة التي تُسمّى أحيانا العصر الضائع للتنمية العالمية.

بعد انقضاء خمسين عاما، من الجيد أحيانا إلقاء نظرة إلى الخلف، وتأمل تغيير جذري حدث في المشهد. فهذه المدة الزمنية تناسب جدا عمر الإنسان. وهي تتيح لمن ولدوا بعد التغيير أن يفهموا على نحو أفضل ما هو خاص بالعالم الذي ظلوا يعرفونه دائما. ما هو ضروري وما هو طارئ. كما يمكن لأولئك الذين هم الآن في نهاية أعمارهم تقديم شهادات عن التغيير والأحداث التي أعقبته. ذلك سيكون سببا كافيا للقيام بعملية جرد للعالم الذي أوجدته صدمة النفط في عام 1973. لكن التحول الذي تم الإقرار به في مؤتمر "كوب 28" في ديسمبر الماضي يجعل المهمة أكثر إلحاحا. فالسوق النفطية في الفترة التي أعقبت صدمة عام 1973 شكلت دائما صراعا بين معدل نموِّ العرض (الذي تسعى أوبك بين فترة وأخرى إلى التنسيق بشأنه) ونموِّ الطلب. وفي عالم يواجه قيود أزمة المناخ يجب أن يتوقف ذلك النموُّ. يتخيل البعض أن نمو العرض والطلب في مستوى مستقر نسبيا. ويصر آخرون على وجوب أن يهبط كثيرا وبسرعة. إذا حدث ذلك وفي أثناء حدوثه ستزيد المخاوف الجديدة من تعقيد أسئلة الماضي. المخاوف الجديدة مثل: من سيوقف الإمداد؟وما الأثر الذي سيترتب عن ذلك؟ وأسئلة الماضي مثل (من أين ستأتي الإمدادات الجديدة؟ والى أي حد ستكون آمنة؟، وعندما يكون الطلب في ارتفاع يمكن أن تقود المبالغة في تقدير هذا الاتجاه الصعودي إلى الإفراط في الاستثمار. وعندما يكون الطلب في اتجاه هبوطي قد يشكل نقص الاستثمار خطرا أكبر.

الكاتب محرر الابتكار العالمي في مجالي النفط والمناخ بمجلة الإيكونومست

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الوقود الأحفوری عام 1973 فی عام

إقرأ أيضاً:

2024.. عام تجاوز فيه كوكب الأرض عتبة الخطر المناخي وفقاً للعلماء

أظهرت بيانات جديدة أن عام 2024 سيكون الأكثر حرارة في التاريخ المسجل، متجاوزاً لأول مرة عتبة 1.5 درجة مئوية من ارتفاع درجات الحرارة مقارنة بمستويات ما قبل الصناعة، وهو ما يُعد أول إنذار حقيقي لتجاوز الهدف الذي حذر منه العلماء في اتفاق باريس للمناخ. هذه النتائج تأتي في وقت يشهد فيه العالم زيادة في حدة الكوارث الطبيعية بسبب التغير المناخي، في وقت حساس على الساحة السياسية العالمية، خصوصًا في الولايات المتحدة.

وزيرة البيئة تستعرض تجربة مصر في دمج ملف تغير المناخ في المجتمعات العمرانية الجديدة تقرير الأمم المتحدة الأخير يطالب بخفض غير مسبوق للانبعاثات لإنقاذ أهداف المناخ

اتفاق باريس، الذي وقعت عليه غالبية الدول في 2015، يهدف إلى الحد من الاحترار العالمي ليبقى تحت 1.5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن. وفقًا للعلماء، فإن تجاوز هذه العتبة سيؤدي إلى آثار بيئية مدمرة، مثل الجفاف، الحرائق، العواصف المدمرة، وارتفاع مستويات البحار، مما يشكل تهديدًا حقيقيًا للبشرية والنظم البيئية على حد سواء. وتشير البيانات الصادرة عن خدمة كوبرنيكوس الأوروبية لتغير المناخ إلى أن 2024 من "المحتمل جدًا" أن يتجاوز هذه العتبة الحرارية، مما يضع العالم على شفا أزمة مناخية غير مسبوقة.

من ناحية أخرى، يزداد القلق بشأن التأثيرات السلبية لهذه الأزمة على الدول الأكثر تأثرًا، مثل الولايات المتحدة الأمريكية. ففي سبتمبر 2024، ضرب الإعصار هيلين ولاية كارولينا الشمالية، مسببًا فيضانات مدمرة أودت بحياة العديد من الأشخاص وتسببت في خسائر مالية ضخمة. في ذات الوقت، كانت حرائق الغابات في ولاية كاليفورنيا تلتهم الأراضي، مما أجبر السلطات على إجلاء الآلاف من السكان.

لكن التأثيرات المناخية لا تقتصر على الولايات المتحدة فقط. في إسبانيا، شهدت البلاد فيضانات مفاجئة خلفت أكثر من 200 قتيل، وفي اليابان، كانت هناك علامة مناخية مقلقة للغاية حيث سجل جبل فوجي، لأول مرة في 130 عامًا، عدم وجود ثلوج على قمته، ما يعد دليلاً آخر على التغيرات المناخية المتسارعة. كما أن العديد من الدول حول العالم، من جنوب شرق آسيا إلى أمريكا اللاتينية، عانت من موجات حر شديدة، أعاصير، وجفاف طويل الأمد خلال الأشهر الماضية.

هذه الظواهر المناخية تتفاقم في وقت تتزايد فيه التوترات السياسية، خصوصًا في الولايات المتحدة. الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، الذي سبق له أن سحب الولايات المتحدة من اتفاق باريس خلال ولايته الأولى، تعهد مرة أخرى في حملته الانتخابية بإلغاء جميع السياسات البيئية، مما يهدد بتحقيق انتكاسة كبيرة في جهود محاربة التغير المناخي على المستوى الدولي.

الولايات المتحدة، باعتبارها أحد أكبر مصادر الانبعاثات العالمية، تلعب دورًا محوريًا في المفاوضات المناخية الدولية. ومع عودة ترامب إلى الساحة السياسية، يواجه العالم مجددًا خطر تراجع الجهود الجماعية لمكافحة الأزمة البيئية، في وقت يحتاج فيه التعاون الدولي أكثر من أي وقت مضى.

في المقابل، يرى الخبراء أن الدول الكبرى الأخرى مثل الصين والاتحاد الأوروبي ستضطر إلى تكثيف جهودها لمكافحة التغير المناخي في غياب القيادة الأمريكية، لكن هناك مخاوف من أن بعض الدول قد تستخدم مواقف ترامب المناهضة للمناخ كذريعة لتقليص التزاماتها البيئية.

في الختام، تواصل درجات الحرارة العالمية ارتفاعها، مع تحقيق الشهر الماضي ثاني أحر أكتوبر مسجل على الإطلاق، ما يضيف المزيد من الضغوط على الحكومات للاتخاذ إجراءات فورية لمواجهة التحديات المناخية المتزايدة. أليك سكوت، الاستراتيجي في مجال الدبلوماسية المناخية، شدد على أن "الوقت ليس في صالحنا"، محذرًا من أن أي تأخير في اتخاذ إجراءات من قبل الاقتصادات الكبرى سيؤدي إلى تفاقم الوضع بشكل أسرع.

مقالات مشابهة

  • يوم حزين.. وفاة صائدي الدبابات والطائرات بحرب أكتوبر 1973
  • وفاة زغلول وهبة صائد الطائرات بحرب أكتوبر 1973
  • دمَّر مركبة عساف ياجوري.. وكرَّمه الرئيس السيسي.. تعرف على الراحل محمد المصري صائد دبابات حرب أكتوبر 1973
  • محمد المصري.. صائد الدبابات الأسطورة الذي أرعب العدو ورحل مخلدا في ذاكرة الوطن (بروفايل)
  • 2024.. عام تجاوز فيه كوكب الأرض عتبة الخطر المناخي وفقاً للعلماء
  • رزان المبارك: الإمارات أثبتت ريادتها في العمل المناخي
  • النقد الدولي: ندعم الإصلاحات العراقية التي تبعد سوق النفط عن الأزمات
  • هل تأثرت صناعة النفط في اليابان بإعصار شانشان؟
  • «الصناعة والمعادن» تناقش توطين صناعة المواد ومعدات النفط
  • آلية رفع المركبات المهملة وفق قانون المرور المصري رقم 66 لسنة 1973