الروائي العراقي علي خيون: حصلت على بكالوريا إنسانية في شهر رمضان
تاريخ النشر: 15th, March 2024 GMT
يرتبط شهر رمضان في أذهان الأدباء بذكريات خاصة ممتعة، تجعلهم في حالة حنين دائم إليه، كما أنها ترتبط لدى بعضهم بطقوس خاصة في الكتابة والقراءة.
يقول الكاتب العراقي علي خيون لـ"عمان": "في ذهني رمضان واحد مميز، لا يشبه سواه، ربما لأنه جزء من صباي المبكر ومن المكونات الأولى لفكري وبنائي الروحي والنفسي، ولا يمكن أن أنساه أبدًا، صادف فيه، أنني نجحت بتفوق في امتحان البكالوريا للصف السادس الابتدائي، وقد حصلت على هدايا جميلة ممن يعرفني، لكن هدية أبي كانت مميزة جدًا، وهي جاكيت (سترة بكفين طويلة مفتوحة من الأمام تُغطي النصف العلوي من الجسم)، وكان هذا الجاكيت الأبيض غاليًا، كنت أرتديه مع بنطلون أسود، فأظهر فيه أنيقًا، وكان موضع إعجاب شديد ممن كنت ألتقي بهم".
خرج علي خيون الصبي بالجاكيت ذات يوم إلى الشارع ورآه شاب فقير معدم، وأغرم به، اسمه جبار، وكانوا ينادونه "ابن حفيظة"؛ لأنه يعيش مع أمه العجوز. كان الصبيان يعرفونها جيدًا، ويلعبون قريبًا منها؛ لأنها تفترش الأرض قبالة باب بيتها الصغير وقت العصر حتى الغروب. أخذ الجاكيت عقل جبار، وملك عليه نفسه، وانبهر بجماله، وقال بصوت سمعه الجميع: "لو بقيت أعمل سنة كاملة لما قدرت على شراء جاكيت مثله". يومئذ، عاد علي إلى البيت، وحكى لأبيه عن جبار المعدم، وأوضح له كيف أنه كان ينظر إلى "الجاكيت" ويتألم، أو يشعر بأنه لن يرتدي مثله أبدًا، بسبب ضيق ذات اليد، فقال له أبوه: "في المحلة فقراء لا يعدون ولا يحصون، وهو هدية نجاحك، ولا قدرة لي على شراء ملابس للجميع".
في اليوم التالي عاد علي إلى البيت بدون الجاكيت، لم يسأله أحد عنه، ولكنه قال لأمه: إنه طبَّق فكرتها عن مساعدة الغير في رمضان، ومنح الجاكيت لجبار. كان قلقًا بعض الشيء من ردة فعل الأب، غير أن أمه طمأنته قائلة: "بارك الله فيك ماما، وتقبل الله صيامك".
يعلق: "ذلك الشهر الفضيل البعيد، كان في ذهني وروحي من أجمل الأشهر التي مرت عليَّ، إذ فعلت فيه الخير من دون منَّة ولا أذى، لصديق وجار، ولم يعترض عليَّ أحد، وبقيت سعيدًا جدًا، وأنا أرى جبار يرتديه ويزهو به، وكأنني نجحت في بكالوريا أخرى كبيرة وصعبة".
ما المختلف بين رمضان الطفولة ورمضان الوعي؟ أسأل ويجيب: "في الطفولة، تبدو الأشياء غامضة، نتعلمها ممن هم أكبر منا، ومن طقوس العائلة وعاداتها وتصرفاتها، ولأن العائلة تفرح بقدوم رمضان، كنت أفرح كثيرًا برمضان لفرح أهلي به، وأعرف أنه يرتبط بالعطاء ومساعدة الآخرين، وبأطعمة معينة أحبها ومنها شوربة العدس التي لا بُدَّ أن نأكلها عند الفطور، والتمر واللبن، والسهر حتى السحور، ومفردات كثيرة عن ألعاب معينة ارتبطت باسم رمضان في العراق، وفي بغداد تحديدًا، ومناطقها القديمة، مثل لعبة "المحيبس" الشهيرة، وهو تصغير لكلمة محبس أو خاتم، الذي يُخبأُ في كف أحد الفريقين وعلى مدير اللعبة إيجاده، وقد ظهر رجال مهرة لاستعادته، تُوزَّع بعد ذلك صوانٍ كبيرة من الحلويات "الزلابية والبقلاوة" تدفع للفريق الفائز".
ويضيف: "هذا هو الانطباع الطفولي عن رمضان في ذاكرتي، لكننا مع تقدم العمر والتجربة، صار رمضان يرتبط ارتباطًا وثيقًا لدينا بالصلاة المنتظمة في وقتها، وفي قراءة القرآن الكريم وتدبره، وترك اللغو ومسك اللسان، والانشغال بذكر الله تعالى، ولم تعد الألعاب ولا الجلوس الطويل أمام التلفزيون هو المهم، بل المشاركة في دورة إيمانية، مدتها شهر، نعود فيها إلى الله سبحانه تاركين مشاغل الحياة وضغوطها، راجين فضله ورحمته، ونترقب ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر والحرص على الظفر بها لتحقق لنا طموحاتنا ببركات خالق عظيم".
هل يتغير نظام قراءتك في رمضان؟ وهل هناك كتب معينة تستعيد قراءتها؟ يقول: "نعم، يتغير نظام قراءاتي في رمضان، وهذا ما اعتدته منذ سنين، فأنا أترك كل ما في يدي، ويكون القرآن وتفسيره إلى جانبي، وأهيئ كتبًا بعينها لأعيد مطالعتها، وقد تطرأ على ذهني فكرة رواية جديدة، فأخصص لها بعض الوقت ليلًا، وقد تركت متابعة المسلسلات التي أرى أنها لم تعد بالمستوى الذي كانت عليه من قبل".
ويضيف: "أما الكتب التي تلازمني بعد كتاب الله سبحانه، فهي تفسير مُيسَّر للقرآن الكريم، وكتاب الكامل للمبرد، وكتاب الإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي، أجد فيهما متعة لا تعادلها متعة، هذا طبعًا، في شهرنا الحالي، أما في شهور رمضان الماضية، فقد طالعت نهج البلاغة شرح محمد عبده، ورسائل الجاحظ، ومع المتنبي لطه حسين، وغيرها من كتب أشحن فيها طاقة اللغة العربية لديَّ".
يتوقف خيون في رمضان عن كتابة القصة والرواية؛ لأنه ينغمس في طقوس مختلفة، وفي زيارات الأهل والأصدقاء، ولكنه هذا العام، أنجز قصة كانت في ذهنه خلال أول يوم رمضاني، ووضع خطوطًا عريضة لفكرة رواية، يعلق: "ربما هي من بركات هذه الأيام المشحونة بالخير والرضا والعطاء ثم اكتفيت بهذا لأعود إلى سيرتي المعتادة في رمضان".
طقوس رمضان متشابهة لدى الجميع، كما يظن خيون، بين صيام وقيام ودعاء وتلاوة، لكن هناك أسئلة في الشهر الفضيل تتزاحم على مخيلته: ما الذي يقدمه من خير لغيره؟ وكيف يراجع نفسه فيتأمل ما فعل في سابق الشهور من السنة؟ يعلق: "يأخذني العجب من سعينا المحموم فيها، وقلقنا، وطموحاتنا، ومن هنا أفهم فكرة رمضان العظيمة كلها، عبر المراجعة، والمحاسبة، والتدقيق، والتأمل، فنحن لم نُخلَق عبثًا، ولم نُترك سدى، تلك أمور تقلقني، وتجد مداها الكامل في نهارات رمضان ولياليه المباركة".
بدأ خيون قاصًا ثم تحول إلى الرواية عام 1982 برواية "صخب البحر" التي حولها السيناريست العربي صالح مرسي إلى فيلم سينمائي ثم "عيون الظلام"، "العزف في مكان صاخب"، "بلقيس والهدهد"، "النشور"، "سلوة العشاق"، "رماد الحب"، "بين قلبين"، "في مديح الحب الأول، "ألقِ عصاكَ". "كأنها معي". وفي القصة، صدرت له 11 مجموعة قصصية، هي: "قراءة في أوراق الفجر"، "رحلة الليل الأخيرة"، "الحداد لا يليق بالشهداء"، "زائر آخر"، "أيام في الذاكرة"، "الأعماق"، "عيون الحب"، "تحت سماء زرقاء"، "رؤوس يانعة"، "حكاية الفتى البغدادي"، و"خطوط على لوحة جرداء".
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی رمضان
إقرأ أيضاً:
الروائي عمرو عبد الحميد: التريند أفادني في تسويق «أرض زيكولا».. وجيلي محظوظ بالسوشيال ميديا
الدكتور عمرو عبد الحميد كاتب وطبيب تخرج في كلية الطب بجامعة المنصورة عام 2010، بدأ الكتابة عبر الإنترنت في 2007، ونشر أول أعماله في 2010، أصدر إلى الآن 8 أعمال روائية، وقصة للأطفال، أبرزها «أرض زيكولا»، حصل على جائزة عبد العزيز المنصور 2020 من الناشرين العرب، وحاليا يعمل في دولة الكويت طبيب أنف وأذن وحنجرة.
تحدث عمرو عبد الحميد لـ«الوطن» عن بدايته مع الكتابة وعن ظاهرة التريند التي تصدرها أكثر من مرة، وعلاقته بالقراء ومعرض القاهرة الدولي للكتاب، وتأثير السوشيال ميديا على تسويق أعماله.
نريد منك نبذة عن بداياتك مع الكتابة؟
بدأت كتابة في 2007، كنت أكتب قصص على منتديات الإنترنت، وكنت متوقع ردود فعل معينة، فوجدت ردود أفعال فاقت توقعاتي، أذكر أني كنت أكتب قصة «حسناء القطار» وكانت عبارة عن 15 جزء، وقلت وقتها لو القصة حققت 1000 مشاهدة فسأعتبر نفسي ناجح، ففوجئت بالقصة تحصل على 36 ألف مشاهدة، وقتها كنت أدرس في رابعة طب، وهو ما حمسني لمواصلة الكتابة، حتى رواية «أرض زيكولا» كتبتها في البداية على الإنترنت قبل النشر، وبعدها كلمني الناشر لنشرها ورقيا في 2010 بسبب الصدى الجيد لها.
ما علاقتك بمعرض القاهرة الدولي للكتاب؟
منذ 2015 وأنا لا أفوت فرصة لحضور دورات معرض الكتاب بانتظام، وبالنسبة لي ككاتب، فالمعرض العيد الخاص بي، وأعتبره فرصة لمقابلة أكبر عدد من القراء من القاهرة والمحافظات، أو حتى من الدول العربية.
تصدرت «التريند» أكثر من مرة أمر غير معتاد للكتاب.. ما تعليقك؟
الترند كان مفاجأة بالنسبة لي، بين يوم وليلة وجدت نفسي تريند وكان هذا بعد «أرض زيكولا»، بسبب إعجاب الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة التيك توك بالرواية، وأرى إنه هذه الشهرة توفيق من الله، وإنها بسبب إعجاب الشباب بالفكرة الجديدة، والأسلوب الخاص في الرواية التي ارتبطت مع الناس، لأني نشرت الجزء الأول منها في 2010 وأصبح لها 15 سنة.
وكانت تريند في العام الماضي، وأسعدني جدا أن السن الصغيرة من الشباب الذين لا يحبون القراءة أن يدخلوا عالم القراءة من خلال رواية لي، ورأيت هذا الكلام في حفلات توقيع الرواية، كنت أسمع من الصغار جمل مثل: دخلنا عدم القراءة من خلال «أرض زيكولا»، وكملنا عدد كبير من الروايات، وهذا بالنسبة لي مصدر فخر، وبعد هذه الرواية أصبح بيني وبين القراء علاقة ثقة.
وكيف أفادك التريند؟
التريند أسهم في رفع المبيعات للرواية، وقتها كنا في معرض الجزائر عرفت بوجود التريند من خلال الإقبال عليها، حتى أن عدد الإصدارات نفدت قبل ختام المعرض، وعندما سألت الشباب قالوا عرفنا بالرواية من خلال «تيك توك» وإنستجرام، الرواية منتشرة في الوطن العربي كله، وصارت من أكثر الكتب مبيعا.
ما تأثير «السوشيال ميديا» على تسويق الأدب؟
المنصات هي الأساس الآن، الجمهور كله على السوشيال ميديا، انتهى عصر التسويق التقليدي، خصوصا للجيل الجديد من الشباب، أفضل دعاية، ونحن كجيل محظوظ جدا بوجود السوشيال ميديا، بسبب سرعة الانتشار.
هل تتفرغ للكتابة؟
لا أتفرغ للكتابة، لكن أوازن بين الطب والكتابة، والطب نفسه يفيدني في الكتابة من خلال الشخصيات التي أقابلها.
ما عدد الطبعات والنسخ المباعة من أرض زيكولا؟
لا أستطيع أن أعرف عدد المباع منها، لكن الرواية منتشرة في مصر والعالم العربي، وإلى جانب العديد من الطبعات المزيفة، وهى من المشكلات التي تواجه الناشرين، مشكلة تزوير الكتب تؤثر سلبيا على الناشر، وبالتالي على دخل كتابي، وعلى المبيعات، يعني لا أحصل على حقوق من المزورين.
من أبرز المؤثرين في مشوارك أو كتابتك؟
أنا كنت محظوظ إني في جيل قرأ للدكتور أحمد خالد توفيق ومكتبة الأسرة والقراءة للجميع، ووالدي كان يشتري لي روايات الأدب المترجم، تأثرت بالخيال فيها، وأحمد خالد توفيق من أكثر الكتاب الذي تأثرت بهم، وأتمنى أن أقدم أعمالا كالتي قدمها، نحن ظروفنا متشابهة، كلانا تخرج في كلية طب وكلانا من الأقاليم، وأحب النوعية التي كان يكتب فيها، وكنت أتمنى أن نلتقي لكن لم يحدث نصيب.
ما الجديد في روايتك الجديدة «واحة اليعقوب» عن الأعمال السابقة؟
نفس خط الفانتازيا بأفكار جديدة، بطل الرواية عنده 16 سنة والرواية تروى من خلاله.
هل فكرت في تحويل أعمالك للدراما؟
هناك عروض لتحويل رواية «أرض زيكولا» لفيلم، لكن لم يتم أي اتفاق بشكل نهائي بعد.