عقد الصالون الثقافي للدكتور أحمد جمال الدين موسى وزير التعليم الأسبق لقاءه رقم 66 الذي جاء بعنوان "مغامرة السرد القصصي بين شطحات منسية وخبيئة خفية"، بمشاركة نخبة متميزة من المثقفين والنقاد والمبدعين. عبر خلاله الدكتور أحمد زايد مدير مكتبة الإسكندرية عن سعادته الدائمة بمتابعة كتابات الدكتور أحمد جمال الدين، واستمتاعه بقراءة رواية "الخبيئة" التي تُدخلنا إلى عوالم مختلفة بحبكة بديعة رغم الطابع التاريخي للرواية.

والعمل يؤكد أن القرية بما تتضمنه من ميراث خيالي ما تزال تعيش في وجدان المؤلف وتشده للكتابة عنها.

وركز الدكتور حسين حمودة أستاذ النقد الأدبي بجامعة القاهرة على بعد أساسي من الأبعاد التي تصل بين العملين الإبداعيين: رواية مصير خبيئة حارسة المعبد (مؤسسة بتانة) وشطحات منسية (هيئة قصور الثقافة)، وهو المتمثل في قيمة "التعدد" الذي يندرج تحته جوانب كثيرة تخص العالم الروائي/القصصي، وأيضًا كيفيات تجسيده على المستوى الفني. ورغم تميز كل منهما، فإنه يجمع بينهما، إضافة لقيمة التعدد، التماسك البنائي الذي يتحقق من خلال أمور عدة، من بينها دلالات العناوين، إذ تحيل إلى مساحة رحبة من الحرية ومن الخيال، فضلًا عن حضور عالم الفانتازيا وثنائية الريف والمدينة، وأجواء الحروب، وعلاقات التواصل والتنافس بين الشرق والغرب.

ومن جانبه أشار الدكتور هيثم الحاج علي رئيس هيئة الكتاب السابق إلى أنه رغم وجود ثلاثة أفخاخ في مجموعة "الشطحات"، إلا أننا نجد أنفسنا أمام قصص من الطراز الأول مكتملة الأركان. وإذا نظرنا للإطار العام للموضوعات، فسيلفت انتباهنا طغيان فكرة الموت باعتبارها سؤال وجودي على معظم القصص: كيف نموت؟ ولماذا؟ وهل هناك من جدوى للحياة؟. ويقدر الدكتور حسين محمود أستاذ الأدب الإيطالي أن عنوان "شطحات منسية" عنوان خادع في توصيف المجموعة القصصية، إذ إنها تحقق الشروط الفنية للقصة القصيرة، وفي بعض الأحيان تتجاوزها، فهي دستة من القصص شبيهة بدستة الجاتوه: سهلة التناول ممتعة المذاق.

وأشار الروائي أحمد صبري أبو الفتوح إلى تحفظه على العنوان لأن ما في الكتاب ليس على الإطلاق شطحات وليست أبدًا منسية، وإنما هي أعمال أدبية متكاملة الأركان، وبالنسبة للرواية فإنها تطرح سؤالًا جوهريًا يتعلق بالهوية. ومن جانبه لاحظ المهندس أحمد بهاء الدين شعبان أن انصراف الكاتب لبذل الجهد والوقت في تحرير رواية طويلة مرهقة تتناول تاريخًا مصريًا شبه مجهول إنما يعبر عن أن جيل السبعينات الذي ننتمي إليه ظل دائمًا مهمومًا بالقضايا الوطنية، وأن العملين يستحقان احتفاء الأوساط الثقافية المصرية. وأكد الناقد أسامه عرابي أن العملين يطرحان مسائل وجودية عبر سرد حركي تعد فيه الأمكنة عنصرًا حيويًا غير محايد، وإن ابتعدت عن الالتزام بالعناصر الأرسطية المعروفة: البداية والوسط والنهاية.

وعبر وزير الصحة الأسبق الدكتور أحمد سامح فريد عن سعادته بكتابات الدكتور أحمد جمال التي أعادته للقراءة باللغة العربية، فهي قادرة على الاحتفاظ بالقارئ، إذ تقدم خليطًا من الخيال والأساطير والواقع، وتبدو فيه وطنية الكاتب جلية وطاغية في مختلف أعماله. أما الوزير اللواء محسن النعماني، فقد وجد أن نشر هذه الأعمال يظهر شجاعة المؤلف في تناول موضوعات صعبة وحساسة في التاريخ والواقع المصري. ومن جانبه عبر الوزير أبوبكر الجندي عن شعوره بأن المؤلف مصنوع من سبيكة قوامها علم ووعي وهم ودقة وعمق وموهبة يعايش الحياة ويعبر عنها بخيال فريد. وطرح الدكتور عمرو سرحان عميد طب المنصورة الأسبق قضية الوعي كمحور رئيسي في هذه الأعمال التي تظهر أن المؤلف يعيش الحياة بكل تجاربها وخبراتها ويتأثر بها، ومن ثم ينجح في التعبير عنها بعمق وصدق.

وتوالت بعد ذلك مداخلات قيمة لكل من اللواء أحمد عبد الرحيم رئيس أكاديمية الشروق، والناقد والشاعر محمد الكفراوي، والدكتورة سهير لطفي مدير المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية الأسبق، والدكتور السعيد عبد الهادي رئيس جامعة حورس، والدكتور مصطفى رجب عميد كلية تربية سوهاج الأسبق، والكاتبة الصحفية الأستاذة إيمان رسلان، وغيرهم من أعضاء الصالون وضيوفه.











المصدر: الوطن

كلمات دلالية: صالون جمال الدين هيئة قصور الثقافة الدکتور أحمد

إقرأ أيضاً:

“حداء الإبل”.. لغة للتواصل بين الإبل وأهلها ضمن التراث الثقافي غير المادي السعودي

حضرت “الإبل” في حياة إنسان شبه الجزيرة العربية منذ فجر التاريخ، ولم يستغنَ عنها حتى اليوم، فبعد أن كانت مظهراً لتميزه وثرائه، ومصدراً لرزقه وعطائه، وأداة لسفره وترحاله؛ حتى أضحت أيقونة ورمزاً من رموز تراثه الأصيل المستمد من تاريخه التليد.

ونتج عن هذا التواصل الإنساني مع الإبل، فن شعبي جميل يتناقله المجتمع جيلاً بعد جيل يسمى “الحداء”، وهو نوع من الشعر الخفيف الذي يقال لتطريب الإبل، وحثها على السير بتعابير شفهية تقليدية تمكّن الرعاة من مناداة إبلهم وجمعها والتواصل معها.

ويتوارث أبناء الجزيرة العربية “فن الحداء” للتواصل مع قطعان إبلهم من خلال بعض الأصوات والتعبيرات التي اعتادت الإبل على سماعها والاستجابة لها.

وبحسب المصادر التاريخية، فإن مضر بن نزار بن معد” هو أول من “حدا” للإبل ” بعد أن سقط من بعيره وانكسرت يده وصاح بصوته “وايداه! وايداه!”؛ وكان حسن الصوت؛ فأصغت إليه الإبل وجدّت في السّير؛ ومن هنا بزغت فكرة استعمال الحداء لنداء الإبل، ويذهب البعض إلى أن هذه الهمهمات ساعدت “الخليل بن أحمد الفراهيدي” على اكتشاف مفاتيح العروض والأوزان الشعرية.

ويقال: أن بداية “الحداء” كان عن طريق التدوية أو الدوّاة، وهو نداء الإبل بصوت رفيع، وجاء في بعض معاجم اللغة أن راعي الإبل إذا أراد أن يستحث إبله لتجيء إليه مسرعة؛ زجل بصوته وغنّى لها بكلمات مثل.

.

هَيد هيد، أو: هي دو هي دو.

أو: دوه دوه.

أو: ده ده بضم الدال.

أو: داه داه، وهذا ما زال مستعملاً إلى اليوم جنباً إلى جنب مع الرجز، ولم يلغ أحدهما الآخر، وهو يختلف من بيئة إلى أخرى.

ثم تطور الدُّوّاة من مجرد همس أو صوت أو مناداة على الإبل إلى غناء شعري له طرقه وأساليبه ومفرداته الخاصة، ودخلت فيه مع مرور الزمن المعاني والكلمات الشعرية المغناة، والأشطر الموزونة، فجمع عذوبة الصوت وسحر القافية المستمد من بيئة البدو وثقافتهم الأصيلة.

ومما يُذكر في قوة تأثير الحداء في الإبل ” أن أبا جعفر المنصور سأل حدّاءً، فقال له: ما بلغ من حُسن حدائك؟ قال: تُعطّش الإبل ثلاثاً فتُدنى من الماء، ثم أحدو فتتبع كلها صوتي، ولا تقرب الماء”.

وقد أصّلت المعاجم العربية وأمهات كتب التراث العربي لـ “حداء الإبل”، كما تحتوي على كمٍّ هائلٍ من الحكايات والقصص والمرويات والأراجيز المرتبطة به، وحفظت كتب التراث الشعبي مجموعة كبيرة من المرويات الشفاهية لأحديات العرب المتأخرين على ظهور إبلهم وصهوات جيادهم، ولعل من أحدث الكتب التي تناولت هذا الباب ديوان: “الرجز والحداء” الذي ألّفه الباحث في الموروث الشعبي “إبراهيم الخالدي”، ووثّق من خلاله رحلة الحداء الطويلة في تاريخ الأدب العربي؛ انطلاقاً من بدايته الأسطورية حتى عهد البداوة الأخير التي انتقل بها الحداء من الارتباط الوثيق بالإبل، إلى علاقة مميزة بالخيل وإن لم تنقطع صلته برفيقه القديم “الجمل”، وتؤكد هذه الدراسة تماهي “الحداء” الواضح مع بحر “الرجز”، وهذا البحر السهل أتاح الترنم بالحداء لغير الشعراء؛ حتى صار الحداء أغنية العرب جامعة.

وأشار “الخالدي” في تصريح له لوكالة الأنباء السعودية “واس” “إلى أن وجود الحادي من أساسيات القوافل المرتحلة في الصحراء، وأهم أدوات الرعاة الحاذقين، وأجمل فنون الغزاة المحاربين”.

وأكمل: “إن جرجي زيدان ذكر أن مقاطع الشعر المستعملة للحداء تشبه مشي الجمال الهوينا، ولو ركبت ناقة، ومشت بك الهوينا لرأيت مشيها يشبه وزن هذا الشعر تماماً.

” و “الحداء ” أقرب ما يكون إلى النظم البسيط المكون من بيتين بقافيتين، وبصوت يردده اثنان، وأحياناً عندما تكون الدّلو التي يستخرج بها الماء من الآبار كبيرة جداً، يردده أربعة بصوت جهوري، يصل أحيانا في هدأة الليل أو الفجر إلى أماكن بعيدة، ولا يتقيد بلحن واحد، بل تتعدد ألحانه وطريقة أدائه من بيئة إلى أخرى، وتكون ألفاظه شجيّة، تخلب ألباب الإبل، ومعانيه ذات أبعاد تتعلق بشؤون حياة الرُّعاة اليومية، وتشمل كلمات الحداء الشعرية ببساطتها وخفتها وعدد كلماتها القليلة، التنظيم، والقوانين، وطرق السقاية، وأهداف الرحيل، وحياة البادية عامة، وما يجول في نفس الرُّعاة من همّ وشجن.

اقرأ أيضاًالمنوعات“المراكز الأمريكية للسيطرة على الأمراض” تحذر من زيادة خطر الإصابة بحمى الضنك

ويؤكد رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية لدراسات الإبل “ذود”، الدكتور محمد العتيبي: “أن الحداء كان معروفاً منذ العصر الجاهلي، وعادة ما يقال للإبل عند وردها إلى الماء، أو عند سيرها إلى المرعى أو أثناء الترحال من مكان إلى آخر، وهو عبارة عن ترنيمات قصيرة مؤثرة في جمع الإبل وسيرها وانتظام عودتها إلى مُرُحِها “.

وللحداء مناسبات مختلفة فمنها: “حداء الرحيل”، و “حداء السفر”، وحداء سقي الإبل الذي يسمى “العوبال”، وهناك حداء الأوبة المسمى عند العامة “الهوبال” وهو خاص بجمع الإبل وسوقها إلى مرحها أو مكان رعيها، وهناك “حداء السواني” ويغنى للإبل التي تجذب الماء من البئر لتنشط في سيرها.

ولم يستطع “الحداء” الاستمرار في لغته الفصيحة وفق ما ورد في كتاب “الحداء” للباحث محمد العجيري، خصوصاً بعد أن ترك اللغة من تمسكوا بلهجاتهم الجديدة المولّدة، فتحول الحداء من اللغة الفصيحة إلى اللغات الدارجة لأهل الأمصار، ويوضح المؤلف أن هذا الإرث لم يتم تأليفه من قبل مجموعة معينة من الأفراد، بل انتقل من جيل إلى جيل، وخضع للحذف والإضافة حسب الاحتياجات البيئية للأفراد المستخدمين له، حتى وصل إلينا على الشكل الذي هو عليه، ولن يتوقف عن التعديل حتى يصل إلى مراحل التسجيل.

ومن أمثلة أحديات بدو الجزيرة العربية التي قالوها بلهجتهم العامية ما يسمى بالهوبال وهو ينقسم إلى حداء ورجز، فأما الحداء فهو الذي يغنّى أثناء انتظار الدّلو وهو يصدر من قاع البئر إلى حين الإمساك بها، ومن أمثلة ذلك قولهم: “سق القعود وهِمّه يسقي خواته وأمّه”، “الله عليك قليّب يجمع خبيث وطيب”، “إن زولمن والتمن زهاب أهلهن تمّن “، “يا مرحبا وارحابي بأم السنام النابي”، ” يا شمّخ العشاير يا مجوزات الباير”، “صب القلص لشعيلة كم درهمت من ليلة”، “ملحا جليلة واخر وإن جاء الدَّحم تستاخر”، “يا مرحباً وأهليني بأم الدلال الزيني”، ” برقٍ يلهله قبله ينبت شتيل وربله” “.

وأما الرجز فهو خاص بالإمساك بالدّلو وتفريغ الماء في الحوض ومن أمثلته قولهم: “يا غليّم رده يا غليّم رده” فإذا ارتوت الإبل وأرادوا أن يحثّوها إلى مزيد من الشرب، قالوا: ” يا الإبل واخذي علّة وقودي ويا قاك الله.

ياو – ياو”.

وقد سجل فن “حداء الإبل” ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي السعودي في منظّمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو”، كأبرز الموروثات التي ما زالت حيّة في التراث الشعبي.

وتحظى الإبل بمنزلة كبيرة في وجدان المجتمع العربي عامة، والمجتمع السعودي على وجه الخصوص؛ بصفتها إحدى أهم موروثاته الثقافية، حيث تلقى اهتماماً من الدولة -أيدها الله-، التي اعتمدت بأمر من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله – ” نادياً للإبل” يعنى بكل ما من شأنه الاهتمام والحفاظ على موروث الآباء والأجداد، وترسيخ مكانتها في نفوس الأجيال الناشئة.

ولأجل هذا الارتباط الوثيق بين الثقافة المحلية والإبل؛ بادرت “وزارة الثقافة” بتسمية هذا العام 2024 بـ “عام الإبل”؛ باعتبارها قيمة ثقافية، وركيزة من ركائز الحفاظ على الهوية الوطنية الأصيلة، والتراث العربي الأصيل، وتعريف العالم كله بهذا المكون التاريخي الذي أصبح وجهة سياحية، وثروة ثقافية، وتراثية، وسعياً منها إلى تحقيق العديد من المكتسبات في كل ما من شأنه الحفاظ على الموروث وتنميته بطرق مدروسة وبما يعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني.

مقالات مشابهة

  • لهذا السبب ميمي جمال ترفض دخول بناتها مجال الفن
  • “حداء الإبل”.. لغة للتواصل بين الإبل وأهلها ضمن التراث الثقافي غير المادي السعودي
  • الصحفيين تستضيف المؤرخ الأمريكي كايل جون أندرسون في صالون "القاهرة عنواني"
  • رئيس جامعة أسيوط يجدّد تكليف الدكتور أحمد قراعة مشرفًا عامًا على مركز الخدمة العامة بالقرية الأولمبية
  • تجديد تكليف أحمد قراعة مشرفاً على مركز الخدمة العامة بالقرية الأولمبية بجامعة أسيوط
  • الفنان مصطفى منصور يتعرض لحادث سير.. تفاصيل
  • الفنان مصطفى منصور يتعرض لحادث سير «تفاصيل وصور»
  • إسلام جمال يرزق بمولوده الأول عز الدين
  • إسلام جمال يحتفل بقدوم مولوده الأول "عز الدين"
  • “أرحومة” يناقش آلية الاعداد للمؤتمر الدولي حول مخرجات التعليم بجامعة سرت