الجزيرة:
2024-07-03@01:57:14 GMT

إضراب عمال مناجم الفحم في بريطانيا 1984-1985

تاريخ النشر: 25th, July 2023 GMT

إضراب عمال مناجم الفحم في بريطانيا 1984-1985

إضراب مفتوح امتد نحو عام بين سنتي 1984 و1985، وخاضه عمال مناجم الفحم ضد حكومة المحافظين برئاسة رئيسة الوزراء مارغريت تاتشر، في محاولة لمنع تنفيذ قرارها الذي كان يهدف إلى إغلاق هذه المناجم وخصخصة ما تبقى منها، إضافة إلى رغبتها في تقليص سلطة النقابات العمالية.

قاد هذا الإضراب النقابي الاشتراكي آرثر سكارجيل رئيس "الاتحاد الوطني لعمّال المناجم" (NUM) ضد "المجلس الوطني للفحم" (NCB)، وهي وكالة حكومية كان يرأسها إيان ماكغريغور.

وانتهى الإضراب بشكل كارثي على مناجم الفحم وعلى وضعية العمال، كما أضعف النقابات وعزز في الوقت نفسه قوة حكومة المحافظين في بريطانيا.

النشأة والجذور

بدأ عمال مناجم الفحم -خاصة في منجم كورتونوود كوليري (جنوب منطقة يوركشاير) ببريطانيا- يوم السادس من مارس/آذار 1984 إضرابا مفتوحا ضد قرار لحكومة مارغريت تاتشر صدر عن "المجلس الوطني للفحم"، وكان يهدف إلى إغلاق 20 منجما في البلاد.

وكافح سكان المدن والمناطق، حيث توجد مناجم الفحم، لا سيما جنوب ويلز وأسكتلندا، ضد إغلاق المناجم المحلية التي كانت تمثل مصدر قوتهم اليومي، مثل منجم كورتونوود كوليري، الذي اتخذ في حقه قرار الإغلاق بشكل مستعجل.

وبحلول 12 مارس/آذار 1984، خرج نصف عمال المناجم في المملكة المتحدة -الذين كان عددهم حينها يقارب 200 ألف عامل- في إضراب مفتوح دعت إليه نقابة الاتحاد الوطني لعمال المناجم، احتجاجا على احتمال فقدان 20 ألف فرصة عمل في جميع أنحاء البلاد جرّاء هذا القرار.

فأعلنت حكومة المحافظين بدايةً تدبير مخزون للفحم لتفادي النقص في فصل الشتاء. وعدّ هذا الإضراب من بين أطول الإضرابات العمالية وأكثرها حدة في التاريخ البريطاني.

وأثار هذا الإضراب انقساما داخل الحركة النقابية والعمالية في بريطانيا، وتسبب في أحداث عنف جعلت حكومة تاتشر تصف المضربين بـ"العدو الداخلي"، وصممت على كسر شوكة "الاتحاد الوطني لعمال المناجم"، وإضعاف قوة النقابات على نحو عام، وإلغاء تأميم صناعة المناجم في بريطانيا.

وكان هذا الاتحاد النقابي خلق متاعب كثيرة لحكومة إدوارد هيث في إضراب عمال المناجم في عامي 1972 و1974.

واعتبرت الحكومة أن قرار الإضراب يفتقد الشرعية القانونية، لأنه لم يسبقه اقتراع وطني لأعضاء "الاتحاد الوطني لعمال المناجم" حتى يستوفي شروطه القانونية.

الشرطة تواجه العمال المضربين عند بوابات منجم بابينغتون للفحم قرب مدينة نوتنغهام عام 1984 (أسوشيتد برس) مواجهات عنيفة

وكان عمال المناجم في مقاطعة يوركشاير وبلدية كينت أول من بدأ الإضراب وتبعهم زملاؤهم في أسكتلندا وجنوب ويلز ودورهام، وهكذا دخلت بريطانيا في معركة إضراب صعبة وشاقة بين الحكومة والاتحاد الوطني لعمال المناجم.

ومع بداية سلسلة الإضرابات كانت مختلف الأطراف الفاعلة تتبادل الاتهامات بشأن الأساليب المستخدمة من كل طرف في تعاطيه مع هذا الموضوع؛ فاتهمت الحكومة المضربين بإثارة أعمال العنف وعرقلة النشاط الاقتصادي، في حين اتهموها بقطع أرزاق آلاف البريطانيين، واتهموا الشرطة باستعمال العنف، وقالوا عن وسائل الإعلام إنها تحيزت في تغطيتها للأحداث.

وعرف الإضراب مواجهات عنيفة بين المعتصمين والشرطة، أشهرها ما عرف بـ"معركة أورغريف"، عندما اعتصم آلاف العمال يوم 18 يونيو/حزيران 1984، وقوبلوا بتدخل عنيف من شرطة مكافحة الشغب.

بدأت "المعركة" بتجمع نحو 5 آلاف شخص لمنع دخول الشاحنات التي تحمل الفحم إلى المصنع، وتصدى لهم 5 آلاف شرطي، وتلت ذلك مواجهات عنيفة بين الجانبين، وأصيب خلالها أكثر من 100 شخص، واعتقلت الشرطة 95 من عمال المناجم، ووُجهت إليهم تهمة إثارة الشغب.

إضافة إلى ذلك، شهد الإضراب عقد اجتماعات جماهيرية ومسيرات كبيرة، كما هي الحال -على سبيل المثال- في مانسفيلد في مايو/أيار 1984؛ عندما انضم عمال الميناء وعمال السكك الحديدية إلى عمال المناجم وعائلاتهم. ومع ذلك انقسمت الآراء في مواجهة عنف المعتصمين وكذلك المآسي التي حدثت.

الشرطة أثناء محاولتها إخماد حاجز مشتعل بعد اشتباكات بينها وبين المضربين عام 1984 (أسوشيتد برس) أبرز المحطات

خلال النصف الأول من القرن الـ20 كان أكثر من ألف منجم للفحم ما تزال تعمل في المملكة المتحدة، وبحلول عام 1984 لم يتبق منها سوى 173، أما حجم العمال فقد انخفض من مليون عامل تقريبا عام 1922 إلى ما يقارب 200 ألف سنة 1982، وهذا الانخفاض لم يكن مقتصرا على بريطانيا فحسب، بل كان شائعا في جميع الدول الصناعية بحكم بداية الاستغناء عن الفحم والاعتماد على الكهرباء.

وأممت حكومة حزب العمال -بقيادة كليمنت أتلي- قطاع مناجم الفحم في بريطانيا عام 1947، وكما هي الحال في معظم دول أوروبا كان قطاع الفحم يتلقى دعما ماليا كبيرا من الدولة.

وفي الفترة بين 1982 و1983، كانت كلفة إنتاج طن من الفحم في بريطانيا مرتفعة، في وقت كانت فيه أسعار السوق الدولية أرخص بنحو 25% من تلك التي حددها البنك المركزي الوطني لبريطانيا. وكانت هذه التكاليف المرتفعة موضع خلاف بين المسؤولين في بريطانيا.

بحلول عام 1984، بدأت مناجم إنتاج الفحم تعرف نوعا من الاستنزاف، وكان الوصول إلى استغلال الفحم المتبقي في الحفر يتطلب كلفة مالية كبيرة، ولذلك اتجهت الدولة إلى حل "المَكْنَنَة"، أي استعمال الآلات بدل العمال، والاقتصار على ذوي الكفاءة العالية منهم، مما أدى إلى تسريح أعداد هائلة منهم.

وكان المجلس الوطني للفحم (مؤسسة رسمية) قد نهج بداية الثمانينيات من القرن الـ20 سياسة تقشفية، وقلّص نفقاته؛ مما ولّد موجات غضب في صفوف العمال كادت أن تؤدي إلى إضراب في فبراير/شباط 1981 وتم تجنبه بصعوبة.

لكن بعد الشروع في غلق المناجم وتخفيض الأجور، بدأت تظهر إضرابات غير رسمية في البلاد بين الفينة والأخرى، وفي يوم السادس من مارس/آذار 1984 بدأ مسلسل الإضرابات بإضراب رئيسي في كورتونوود كوليري جنوب مقاطعة يوركشاير.

وفي يوم 12 مارس/آذار 1984، أعلن آرثر سكارجيل الإضراب رسميا في جميع أنحاء بريطانيا، وعدّ أحد أكبر الإضرابات العمالية في تاريخ البلاد.

كان العمال منقسمين بين مؤيد ومعارض لفكرة الإضراب بسبب عدم وجود اقتراع وطني يضفي شرعية قانونية عليه، كما أن عددا من النقابات الرئيسية في البلاد لم تؤيد فكرة الإضراب.

واعتمد الاتحاد الوطني لعمال المناجم على نتائج اقتراع أجري عام 1981 لدعوة عمال المناجم في مقاطعة يوركشاير للإضراب، فأثار هذا الأمر جدلا واسعا وخلّف انقسامات داخل الحركة النقابية في بريطانيا.

وكانت إستراتيجية الاتحاد قد سببت نقصا حادا في مواد الطاقة في البلاد من أجل الضغط على حكومة تاتشر، مثل خطة الإضرابات التي خاضها ضد حكومة إدوارد هيث بين 1972 و1974.

وفي الجانب الآخر كانت الإستراتيجية الحكومية التي نهجتها مارغريت تاتشر ثلاثية الأبعاد من خلال:

تدبير مخزونات كبيرة من الفحم تكفي البلاد 6 أشهر. إبقاء أكبر عدد ممكن من عمال المناجم في العمل. استخدام الشرطة لتفريق التجمعات والهجمات التي يشنها المعتصمون على عمال المناجم العاملين.

لكن العنصر الذي حسم العملية في النهاية كان فشل "الاتحاد الوطني لعمال المناجم" في إجراء اقتراع وطني لخوض هذا الإضراب.

وتميز الإضراب الذي استمر عاما كاملا بمواجهات عنيفة بين الشرطة والمعتصمين؛ أدت في بعض الأحيان إلى وقوع وفيات قبل أن ينتهي بانتصار حكومة المحافظين التي أغلقت معظم مناجم الفحم.

ويرى عدد من المراقبين أن هذا الإضراب من بين "أكثر النزاعات العمالية مرارة في التاريخ البريطاني"، وخلّف خسائر مادية وبشرية كبيرة، ويعد الأكبر منذ الإضراب العام لسنة 1926.

سكرتير فرع النقابة الوطنية لعمال المناجم جون كننغهام أثناء اعتصامه في إلينغتون كوليري عام 1984 (أسوشيتد برس) نهاية الإضراب

وبحلول يناير/كانون الثاني 1985، بدأ الإضراب يدخل مراحله الأخيرة، وعاد عمال المناجم إلى العمل بأعداد متزايدة يوما عن يوم بسبب ظروفهم المالية المزرية. وقدم المجلس الوطني للفحم حوافز للعمال من أجل العودة إلى العمل قبل عيد الميلاد.

وفي المقابل، فشل الاتحاد الوطني لعمال المناجم في الحصول على دعم من النقابات العمالية الصناعية الرئيسية الأخرى، وكانت منطقة نوتنغهامشاير تهدد بتشكيل نقابة منفصلة منشقة، وهو ما فعلته لاحقا، وأعلنت "اتحاد عمال المناجم الديمقراطيين".

ونتيجة لذلك، أعلن المضربون وقف إضرابهم بعدما قضت المحكمة العليا في بريطانيا قبل ذلك بشهور قليلة بأن أعضاء الاتحاد الوطني لعمال المناجم خرقوا القانون من خلال الدعوة إلى الإضراب من دون إجراء اقتراع، وطالبت العمال في الوقت نفسه بالعودة إلى استئناف عملهم، وكان وقف الإضراب يوم الثالث من مارس/آذار 1985، أي بعد عام من بدئه.

وبعد فشل الإضراب تم إغلاق معظم مناجم الفحم وخصخصة الصناعات المؤممة وإضعاف النقابات العمالية في بريطانيا؛ مما أدى إلى تزايد معدل البطالة والتفاوت في المجتمع البريطاني.

لكن في الجانب الآخر، كانت لهذا الإضراب مظاهر إيجابية في السنوات التي تلته، فقد عاد عدد من العمال وزوجاتهم إلى معاهد التكوين لإعادة التأهيل في مهن جديدة، رغم معاناة كثير من العمال من البطالة، كما استفاد أطفال العمال الذين ولدوا أثناء الإضراب وبعده من تكوين جامعي.

دعم نسائي كبير

لعب العنصر النسوي خلال هذا الإضراب دورا مهما في دعم عمال المناجم خلال إضرابهم المفتوح؛ فعملت النساء على تكوين مجموعات دعم أنشأن من خلالها مطابخ لطهي الطعام ووزعن وجبات غذائية على المعتصمين، ونظمن حفلات أعياد الميلاد لأسر عمال المناجم.

إضافة إلى ذلك انضمت النساء بنشاط إلى صفوف الاعتصام وشاركن في مواجهات مع الشرطة، وزرن مختلف مناطق البلاد للدفاع عن مطالب المضربين، وتحدثن في اجتماعات سياسية.

وكن يجمعن الأموال من الحانات والنوادي المحلية بدعم من أعضاء نشطين سياسيا داخل المجتمع البريطاني رأوا في هذا الإضراب نقطة تحول بين الديمقراطية الاجتماعية والحريات المدنية، ودولة الرفاهية من جهة والليبرالية الجديدة والاستبداد والتقشف من جهة أخرى.

فضلا عن ذلك، عملت النساء على تأسيس حركة "النساء ضد إغلاق المناجم"، ونظمن مسيرة احتجاجية في لندن يوم 11 أغسطس/آب 1984، شاركت فيها أكثر من 23 ألف امرأة، كما قدمن التماسا إلى الملكة من أجل الاستجابة لمطالب المضربين.

من جانب آخر، كان الدعم الدولي واضحا، فقد جلبت الشاحنات ألعاب عيد الميلاد لأطفال المضربين من ألمانيا وبلجيكا وفرنسا، وسافر بعض الأطفال إلى الخارج لقضاء عطلة أعياد الميلاد في بعض الدول الأوروبية.

متظاهرون في العاصمة البريطانية لندن يشاركون في مسيرة لدعم إضراب عمال المناجم عام 1985 (أسوشيتد برس) المؤثرات والانعكاسات

مع نهاية الإضراب يوم الثالث من مارس/آذار 1985 بدا أن مصير عمال مناجم الفحم في بريطانيا قد حُسم، وضمنت حكومة المحافظين بقيادة تاتشر انتصارها في هذه المعركة، وانتقمت لحكومة إدوارد هيث التي أسقطها الاتحاد الوطني لعمال المناجم خلال الإضرابات التي وقعت بين 1972 و1974.

وواصلت بذلك حكومة مارغريت تاتشر برنامجها بإغلاق مناجم الفحم، وفي غضون 10 سنوات تم إغلاق معظم هذه المناجم، خاصة في جنوب منطقة يوركشاير، فضلا عن خصخصة الصناعة ككل.

وفي الجانب الآخر، ظلت معارضة الاتحاد الوطني لعمال المناجم لبرنامج إغلاق المناجم قائمة على الرغم من أن كثيرين تفهّموا ضرورة خضوع صناعة الفحم في بريطانيا لتغيير جذري حتى تواكب سيرورة الاقتصاد العالمي، الذي أصبح يعتمد على مصادر أخرى للطاقة.

وبعد هذا الإغلاق، واجهت مناطق مناجم الفحم صعوبات كبيرة مع ارتفاع معدلات البطالة وما يرتبط بها من مشاكل، مما أدى بسكان هذه المناطق إلى تغيير أسلوب عيشهم ووظائفهم ومهنهم واحترفوا مهنا ووظائف جديدة تتماشى مع الوضعية الاقتصادية والاجتماعية التي أصبحوا يعيشونها، وحوّل منجم كورتونوود كوليري (جنوب يوركشاير) -الذي بدأت الشرارة الأولى للإضراب منه- إلى مركز تسوق.

أما الاتحاد الوطني لعمال المناجم فقد عرف انخفاضا في عضوية المنتسبين إليه، كما انشق عنه تكتل نقابي جديد سمي "اتحاد عمال المناجم الديمقراطيين".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: مواجهات عنیفة فی البلاد

إقرأ أيضاً:

الوقود الأكثر قذارة.. استقرار سوق الفحم رغم التقلبات الاقتصادية يثير القلق

يعد الفحم الحراري  أكثر أنواع الوقود تلويثا للبيئة، إلا أن يمثل استثمارا آمنا في الوقت الحالي نظرا لاستقراره النسبي في ظل التقلبات الاقتصادية والسياسية الحالية، وذلك على الرغم من انخفاض أسعاره قليلا والضغوط على استخدامه في الصين وجهود مجموعة السبع لإلغاء محطاته بحلول سنة 2035.

وقالت صحيفة "إيكونوميست" في تقرير ترجمته "عربي21"، إن الفحم الحراري، وهو أقذر وقود في العالم، قد يبدو أنه يمر بسنة صعبة، فقد انخفضت أسعاره قليلا، وتعاني الصين، التي تلتهم أكثر من نصف إمداداته العالمية، من مشاكل اقتصادية؛ وفي أيار/مايو الماضي وافق أعضاء مجموعة الدول السبع على التخلص التدريجي من محطات الفحم، كما يتم تداول أسهم شركات التعدين بخصم كبير.

وأضافت أنه مع ذلك، فإن جمر الفحم الحراري لا يزال ساخنا على ما يبدو، فرغم أن الأسعار قد انخفضت من الذروة التي وصلت إليها في سنة 2022، عندما أثارت المواجهة بين أوروبا وروسيا اندفاعًا عالميًا للطاقة، إلا أنها استقرت عند مستويات أعلى مما كانت عليه قبل بدء الحرب في أوكرانيا، حتى من حيث القيمة الحقيقية، وفي الفترة التي تهز فيها التقلبات الاقتصادية والحرب والطقس العديد من السلع، كانت أسواق الفحم هادئة.


وأشارت الصحيفة إلى أن سعر الفحم صامد رغم التحديات الهائلة، فإعادة التخزين الجنونية التي حدثت في سنة 2023، والتي أعقبها شتاء معتدل، تعني أن مرافق التخزين في أوروبا لا تزال ممتلئة بنسبة 65 بالمائة، وهو أعلى بكثير من المتوسط على المدى الطويل، ومخزون الصين صحي أيضًا، فقد حقق إنتاج الصين أرقامًا قياسية حيث تسعى البلاد إلى خفض الاعتماد على الواردات، وقد تمكنت روسيا من إعادة توجيه 50 مليون طن من الفحم - أي حوالي 3 بالمائة من الكميات المتداولة عالميًا - التي كانت تبيعها لأوروبا.

بالإضافة إلى ذلك؛ فإن الإرادة السياسية للابتعاد عن الفحم تقلل من الاستهلاك، لا سيما في الدول الغنية. ففي العام الماضي خفضت أمريكا والاتحاد الأوروبي استخدامهما للفحم بنسبة 21 بالمائة و23 بالمائة على التوالي، وفي نيسان/أبريل أغلقت ألمانيا 15 محطة طاقة تعمل بالفحم في عطلة نهاية أسبوع واحدة، كما أن الصين أيضًا تسرع في استخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على حساب الفحم لخفض التلوث، وتعتقد وكالة الطاقة الدولية أن استخدام الفحم في البلاد سيتقلص بنسبة 4 بالمائة بحلول سنة  2026، وفقا للتقرير.

ولكن حتى مع تخلي الاقتصادات الغنية عن هذه المادة القذرة، فإن الاقتصادات النامية تستخدم المزيد من الفحم كمصدر للطاقة، وتقع العديد من هذا الاقتصادات في آسيا، وتتصدر الهند المسيرة. لطالما كان الفحم مصدرًا رخيصًا وموثوقًا للطاقة، لكن أزمة الطاقة في سنة 2022 أكدت نقاط القوة هذه، فعلى عكس الغاز الطبيعي، الذي يجب تبريده إلى سائل وتحميله على سفن متخصصة باهظة الثمن، يسهل نقل الفحم إلى أي مكان في العالم، وتتغلب المخاوف المتعلقة بأمن الطاقة والبحث عن الربح على المخاوف المتعلقة بالمناخ؛ وحسب تاجر فحم يخدم عملاء آسيويين، فإن الاقتراض من البنوك، حتى الأوروبية منها، لتمويل الصفقات أصبح أسهل وليس أصعب، وفي السنة الماضية بلغت الصادرات 1.5 مليار طن في جميع أنحاء العالم، وهو رقم قياسي.

وذكرت الصحيفة أنه حتى مع تحرك الطلب شرقًا - حيث تستهلك الصين والهند وجنوب شرق آسيا ثلاثة أرباع الإمدادات العالمية -  فإن السمات الأخرى للسوق تجعله مستقرًا بشكل ملحوظ؛ حيث يُستخدم الفحم بالكامل تقريبًا في إنتاج طاقة "الحمل الأساسي"، وهو النوع الذي تستخدمه الاقتصادات في التحرك بسرعة فائقة مما يعني أن المحطات التي تحرقه تعمل دائمًا تقريبًا، واستخدامه المحدود في الصناعة والنقل يجعله أقل حساسية للدورة الاقتصادية من المعادن وأنواع الوقود الأخرى، ويلاحظ توم برايس من بنك "ليبيروم"، أن أربعة أخماسه يُباع من خلال عقود توريد طويلة الأجل، وهو ما يضمن الجزء الأكبر من الطلب، وهذا على عكس النفط والنحاس والعديد من السلع الأخرى، والتي غالبًا ما يشتريها التجار في السوق الفورية، كما أن معظم الفحم يتم استهلاكه في البلد الذي يتم إنتاجه فيه.


ووفقا للتقرير، فإن الطلب سيتضاءل مع مرور الوقت، لكن ذلك قد لا يقلل من جاذبية الفحم للمستثمرين؛ ففي أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما دفع الطلب الصيني أسعار الفحم إلى 200 دولار للطن، تبع ذلك موجة من الاستثمار في المناجم الجديدة، أما هذه المرة، فقد بلغت الذروة أكثر من 400 دولار أمريكي، ولم تؤد الأسعار التي لا تزال مرتفعة إلى اندفاع مماثل، أما خارج الصين، فقد تهاوى الإنفاق الرأسمالي من قبل أصحاب مناجم الفحم المتشككين في الطلب المستقبلي، قد تمول البنوك التجار، لكنها لم تعد ترغب في إقراض المال لإخراج الفحم من الأرض، كما أن الحصول على تصاريح لمناجم جديدة أمر صعب للغاية.

وبالتالي قد ينخفض المعروض من الفحم بشكل حاد، وقد يحدث ذلك في وقت أقرب مما يتوقعه معظم الناس، وقد يؤدي ذلك بدوره إلى تحويل الرهان المؤكد اليوم إلى رهان أكثر خطورة، ولكن من المحتمل أن يكون أكثر ربحية مع ارتفاع الأسعار، قد يفوز بالجائزة الكبرى مستثمرو الفحم الحاليون الذين يبقون في اللعبة، أو الوافدون الجدد الذين لديهم الرغبة في المقامرة، ووفقًا ستيف هولتون، من شركة ريستاد إنرجي للاستشارات، فإن مجموعات الأسهم الخاصة، وكذلك الشركات الصينية والإندونيسية، بدأت بالفعل في اقتناص المناجم القائمة بسعر رخيص على أمل تحقيق أرباح كبيرة، حسب ما أورده التقرير.

مقالات مشابهة

  • 249 حالة وفاة و1357 إضراب في السجون المغربية سنة 2023 (تقرير)
  • الاحتلال يهدم منزلا قيد الإنشاء في أم الفحم بالداخل المحتل
  • كلاكيت تاني مرة.. "مبابي" يقود هجوم فرنسا بالقناع في "يورو 2024" أمام بلجيكا
  • قطاع الفحم في روسيا على حافة الانهيار المالي نتيجة للعقوبات الغربية
  • الوقود الأكثر قذارة.. استقرار سوق الفحم رغم التقلبات الاقتصادية يثير القلق
  • إلغاء مئات الرحلات الجوية فى كندا بعد إضراب مفاجئ
  • "ويست جت" الكندية تلغي 77% من رحلاتها الجوية بسبب إضراب
  • بين حرارة حفر الباطن وبرودة خميس مشيط.. إحصائيات مناخية لشهر يوليو من 1985 إلى 2023
  • كندا.. إلغاء مئات الرحلات الجوية بسبب إضراب الميكانيكيين
  • إضراب مفاجئ يشل حركة الطيران في كندا