ألقى فضيلة الشيخ الدكتور بندر بن عبدالعزيز بليلة خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام، وأصى في افتتاحيتها المسلمين بتقوى الله وعبادته، والتقرب إليه بطاعته بما يرضيه، وتجنب مساخطه ومناهيه.
وقال فضيلته: إن رمضان يأتي على الناس ولا بُد لهم منه، ولا غِنى لأرواحهم عنه؛ ليُجري روافدَ الخير في قلوبهم، ويُوقِظَ ما غفا من أحاسيسِ البرِّ في نفوسهم، ويَستَحِثَّ ما رَقَد من دواعي الاتصال بالله في أذهانهم، ويُعيدَ فِطَرهم إلى ما فُطرت عليه من الطُّهْرِ والزَّكاء.

مبيناً أن رمضان رياضة للنفس بالتجرُّد عن شهواتها، وسمو بالروح إلى السماء، وتقريبٌ لما بَعُد بين الموسِرِ والفقيرِ بالرأفة والشفقة.
وأشار فضيلته إلى أن رأس الأعمال في رمضانَ الصيام، قال الحقُّ سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. والثمرة الأولى منه حصولُ التقوى للصائم، وكفى بها من ثمرة، وإنما نالها الصائمُ لِمَا للصوم عليه من أثر في قمع شهوتِه، وانكسارِ نفسِه، واضمحلالِ هواه، وبُعْدِه عن الأشر والبطر.
ولقد أعلى الله شأنَ الصيام، وجعل أجرَه وافراً جزيلاً، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: “كلُّ عملِ ابنِ آدمَ يُضاعَف، الحسنة بعشرُ أمثالِها إلى سبعِ مئة ضِعف، قال الله عز وجل: إلا الصومَ فإنه لي وأنا أجزي به؛ يدع شهوتَه وطعامَه من أجلي” أخرجه البخاري ومسلمٌ واللفظ له.
وأكد الدكتور بليلة أن للصائمين بابًا خاصًا يدخلون منه إلى الجنة، لا يدخل منه أحد سِواهم؛ فعن سهلِ بنِ سعدٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: “إن في الجنة بابًا يُقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخلُ منه أحد غيرُهُم، فإذا دخلوا أُغلِقَ فلم يدخُل منه أحد”.
ومِن أعظمِ ما يُفيده الصائمُ من مدرسة الصومِ تحقيقُ الإخلاصِ لله تعالى، وتعميقُ مراقبته سبحانه، فالصومُ عبادة خفية، لا يطلع عليه إلا الله تعالى، فيسري أثرُه إلى نفسِ الصائمِ وأحوالِه وأيامِه.
وذكر إمام وخطيب المسجد الحرام أن في رمضان يُتلى القرآن، وتتحرك به الشِّفاه آناءَ الليلِ والنهار، كيف لا ورمضانُ شهر القرآن، وفيه أُنزل على النبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ…}. وكان عليه الصلاة والسلامُ يَلقى جبريلَ عليه السلامُ كلَّ ليلة فيدارسه القرآن. موضحًا أن رمضان شهرُ قيامٍ لله تعالى، وقد ضَمِن النبي صلى الله عليه وسلم لمَن قامه إيماناً واحتسابًا أن تُغفَرَ ذنوبُه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “مَن قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه”.
وأفاد فضيلته بأن الله تعالى تَفضَّل على المسلمين بعظيم هِباتِه، وكريمِ عطاءاتِه، فمَن لم يَربَح في هذا الموسمِ الرابح ففي أي موسِمٍ يَربح؟ ومَن قَعَد عن التزوُّدِ فيه من الخيرِ فمتى يُفلِح، ومَن لم يتُب إلى ربه فإلى كم يَتمادى ومتى يَصلُح؟ ففي الحديث: “رَغِمَ أنفُ رجلٍ دخل عليه رمضانُ ثم انسلخ قبل أن يُغفَرَ له”.
* وفي المدينة المنورة أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ بالتحلي بفضائل الصيام التي حثّ عليها ديننا الحنيف، مبيناً أن فريضة الصوم تربية للأخلاق على حسن الخلق، وحسن التعامل بين الخلائق بجميل الأقوال، وأزكى الأعمال.
وبيّن الشيخ حسين آل الشيخ في خطبة الجمعة أن الهدف الأسمى والغاية العليا من شعائر العبادات تحقيق التوحيد الخالص للخالق جل وعلا، والوصول إلى الغاية الكاملة في حبه عزّ شأنه، والتذلل التام له جلّ جلاله، والاتسام بالاستسلام والانقياد له وحده، والتخلّص من التعلّق بمن سواه من التأله والتعبّد؛ إذ لا تصرف جميع العبادات إلا لله الأحد خالصة لوجهه عمن سواه، فالألوهية لله وحده، فهو الذي يطاع ولا يعصى، هيبة له وإجلالاً، محبة وخوفاً، رجاءً وتوكلاً، سؤالاً ودعاءً، فهو جل جلاله الذي لا يُخاف إلا منه، ولا يُخشى إلا هو، وهو الذي تنيب إليه القلوب والجوارح في شدائدها، وتدعوه وحده في ضروراتها، وتتوكل عليه في مصالحها، وتلجأ إليه في سرّائها وضرّائها، وتطمئن بذكره، وتسكنُ إلى قربه عزّ وشأنه، وليس ذلك لأحد إلا لله -جل وعلا-.
وأوضح فضيلته أن فريضة صوم رمضان تبرز فيها هذه المقاصد العقدية العظيمة، فهو السرّ بين العبد وربّه، يصومه العبد إخلاصاً لله واحتساباً، ومحبة وتعظيماً.. وهذا ما تشير إليه النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، من التذكير بغاية الصوم، وأن المراد به تحقيق التقوى التي رأسها التوحيد لله -جل وعلا-، يقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. ويقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: “مَن صام مضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه” متفق عليه.
وأضاف: من أعظم الغايات التبعية للتعبّد تربية الإنسان على السلوك الأحسن والتصرف الأجمل للعيش الإنساني الكريم؛ فتلك مقاصد تشريعية خاصة لتعليم الإنسان على أجمل الأحوال وأكمل السلوكيات فيكون العبد زاكيًا في تصرفاته مع بني مجتمعه، ومع الخلق كلهم، إذ تربيه العبادات على زكاة النفس، وعلى تربيتها، وعلى طهارة الأقوال والأفعال وجمالها.
وبيّن الشيخ الدكتور حسين آل الشيخ أن شعائر الدين تربّي الإنسان على أجمل القيم، وأطهر التصرفات والتعاملات، وأحسن الأخلاق وأجملها.. وبهذا تتحقق للمجتمعات الحياة الفاضلة والعيشة الرضية. مشيرًا إلى أن للصوم الحظّ الأوفر لهذه المنظومة، وهذا ما يتجلّى بالتوجيهات النبوية بحثّ الصائم على أفضل الأخلاق وأزكاها، والبعد عن سيئ الأخلاق وأرذلها. كما أن من الحكم الظاهرة والعلل البارزة لفريضة الصوم تربية الصائمين على عبادة السلامة من أذى الخلق والإضرار بهم من أي تصرف قولي أو فعلي. وتلك مقاصد كلية، تعود بالخير الكلّي على الفرد والمجتمع والعالم كله.
واختتم فضيلته الخطبة داعياً إلى أن يكون صومنا باعثاً على أجمل الأخلاق، وأزكى الأعمال، عاصماً من سيئ الخصال، وأن نحرص على اكتساب مقاصد هذا الشهر العالية، والتحلّي بفضائله الطاهرة، مؤكدًا أن الشريعة كلها تخلّقٌ بمكارم الأخلاق، فهي مقاصد كلية للدين.

المصدر: صحيفة الجزيرة

كلمات دلالية: كورونا بريطانيا أمريكا حوادث السعودية صلى الله علیه وسلم لله تعالى

إقرأ أيضاً:

أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم

يا من هديتم بالنبي محمد … سيروا بهدي نبيكم تعظيما

وإذا سمعتم ذكره … صلوا عليه وسلموا تسليما

اللهم صل على سيدنا محمد النبي المليح صاحب المقام الأعلى واللسان الفصيح وعلى آله وصحبه وسلم. اللهم يا الله صل على سيدنا محمد ومن والاه عدد ما تعلمه من بدء الأمر إلى منتهاه وعلى آله وصحبه وسلم، اللهم صل وسلم على سيدنا ومولانا محمد صلاة تحل بها عقدنا وتفرج بها كربنا وتنقذنا من وحلنا وتقيل بها عثراتنا وتقضي بها حاجاتنا صلى الله عليك وسلم يا سيدي يا رسول الله.

إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور

مقالات مشابهة

  • بيان مدى علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم للغيب
  • حكم الحلف بغير الله والترجي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم
  • وزير الشؤون الإسلامية يوجه بتخصيص خطبة الجمعة القادمة للتحذير من مدعي تعبير الرؤى
  • عاجل - سنن مستحبة ليوم الجمعة.. اغتنم فضلها (إنفوجراف)
  • الأوقاف تفتتح 44 مسجدا جديدا الجمعة القادمة ضمن خطتها لإعمار بيوت الله
  • محمد المينيوم
  • شهيد القران رضوان الله عليه
  • فلكيا.. الموعد الرسمي لبدء شهر رمضان 2025
  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • «والنبي».. الشيخ رمضان عبد المعز يوضح رأي الشرع في التقول بها