خطبتا الجمعة من المسجد الحرام و المسجد النبوي
تاريخ النشر: 15th, March 2024 GMT
المناطق_واس
أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور بندر بن عبدالعزيز بليلة، المسلمين بتقوى الله وعبادته، والتقرب إليه بطاعته بما يرضيه وتجنب مساخطه ومناهيه.
أخبار قد تهمك تقنيات حديثة وشاشات تفاعلية لإثراء تجربة زائر معرض عمارة المسجد النبوي 15 مارس 2024 - 12:28 مساءً أعمال التنظيف والتعقيم تغطي أكثر من 1.
3 مليون متر مربع في المسجد النبوي 15 مارس 2024 - 12:16 صباحًا
وقال فضيلته: “إن رمضانُ يأتي على الناس ولابُد لهم منه، ولا غِنى لأرواحهم عنه؛ ليُجريَ روافدَ الخير في قلوبهم، ويُوقِظَ ما غفا من أحاسيسِ البرِّ في نفوسهم، ويَستَحِثَّ ما رَقَد من دواعي الاتصال بالله في أذهانهم، ويُعيدَ فِطَرهم إلى ما فُطرت عليه من الطُّهْرِ والزَّكاء، مبيناً ان رمضانُ رياضةٌ للنفس بالتجرُّد عن شهواتها، وسموٌ بالروح إلى السماء، وتقريبٌ لما بَعُد بين الموسِرِ والفقيرِ بالرأفة والشفقة.
وأشار فضيتله إلى أن رأسُ الأعمال في رمضانَ الصيام، قال الحقُّ سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) والثمرةُ الأولى منه حصولُ التقوى للصائم، وكفى بها من ثمرة، وإنما نالها الصائمُ لِمَا للصوم عليه من أثر في قمع شهوتِه، وانكسارِ نفسِه، واضمحلالِ هواه، وبُعْدِه عن الأشر والبطر.
ولقد أعلى اللهُ شأنَ الصيام، وجعل أجرَه وافراً جزيلاً، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (كلُّ عملِ ابنِ آدمَ يُضاعَف، الحسنةُ عشرُ أمثالِها إلى سبعِ مئةِ ضِعف، قال اللهُ عزوجل: إلا الصومَ فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوتَه وطعامَه من أجلي) أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ واللفظ له.
وأكد الدكتور بليلة على أن للصائمين بابٌ خاصٌ يدخلون منه إلى الجنة، لا يدخل منه أحدٌ سِواهم، عن سهلِ بنِ سعدٍ رضي اللهُ عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة بابًا يُقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخلُ منه أحدٌ غيرُهُم، فإذا دخلوا أُغلِقَ فلم يدخُل منه أحد)، ومِن أعظمِ ما يُفيده الصائمُ من مدرسة الصومِ تحقيقُ الإخلاصِ لله تعالى، وتعميقُ مراقبته سبحانه، فالصومُ عبادةٌ خفية لا يطلع عليه إلا الله تعالى، فيسري أثرُه إلى نفسِ الصائمِ وأحوالِه وأيامِه.
وذكر إمام وخطيب المسجد الحرام أن في رمضان يُتلى القرآن، وتتحرك به الشِّفاهُ آناءَ الليلِ والنهار، كيف لا ورمضانُ شهر القرآن، وفيه أُنزل على النبيِّ محمدٍ صلى الله عليه وسلم (شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) وكان عليه الصلاةُ والسلامُ يَلقى جبريلَ عليه السلامُ كلَّ ليلةٍ فيدارسه القرآن، موضحاً أن رمضانُ شهرُ قيامٍ لله تعالى، وقد ضَمِن النبيُّ صلى الله عليه وسلم لمَن قامه إيماناً واحتسابًا أن تُغفَرَ ذنوبُه، فعن أبي هريرة رضي اللهُ عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه).
وأفاد فضيلته أن الله تعالى تَفضَّل على المسلمين بعظيم هِباتِه، وكريمِ عطاءاتِه، فمَن لم يَربَح في هذا الموسمِ الرابح ففي أي موسِمٍ يَربح؟ ومَن قَعَد عن التزوُّدِ فيه من الخيرِ فمتى يُفلِح، ومَن لم يتُب إلى ربه فإلى كم يَتمادى ومتى يَصلُح؟ وفي الحديث: (رَغِمَ أنفُ رجلٍ دخل عليه رمضانُ ثم انسلخ قبل أن يُغفَرَ له).
وفي المدينة المنورة، أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ بالتحلي بفضائل الصيام التي حثّ عليها ديننا الحنيف، مبيناً أن فريضة الصوم تربية للأخلاق على حسن الخلّق، وحسن التعامل بين الخلائق بجميل الأقوال، وأزكى الأعمال.
وبيّن الشيخ حسين آل الشيخ في خطبة الجمعة، أن الهدف الأسمى والغاية العليا من شعائر العبادات هو تحقيق التوحيد الخالص للخالق جل وعلاً, والوصول إلى الغاية الكاملة في حبه عزّ شأنه والتذلل التام له جلّ جلاله، واتسام بالاستسلام والانقياد له وحده، والتخلّص من التعلّق بمن سواه من التأله والتعبّد بحيث لا تصرف جميع العبادات إلا لله الأحد خالصة لوجهه عمن سواه، فالألوهية لله وحده، فهو الذي يطاع ولا يعصى، هيبة له وإجلالاً، محبة وخوفاً، رجاءً وتوكلاً، سؤالاً ودعاءً، فهو الذي جل جلاله الذي لا يخاف إلا منه، ولا يخشى إلا هو، وهو الذي تنيب إليه القلوب والجوارح في شدائدها، وتدعوه وحده في ضروراتها وتتوكل عليه في مصالحها، وتلجأ إليه في سرّائها وضرّائها، وتطمئن بذكره، وتسكنُ إلى قربه عزّ وشأنه، وليس ذلك لأحد إلا لله جل وعلا.
وأوضح فضيلته أن فريضة صوم رمضان تبرز فيها هذه المقاصد العقدية العظيمة، فهو السرّ بين العبد وربّه، يصومه العبد إخلاصاً لله واحتساباً، ومحبة وتعظيماً، وهذا ما تشير إليه النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، من التذكير بغاية الصوم وأن المراد به تحقيق التقوى الذي رأسها التوحيد لله جل وعلا، يقول الله سبحانه وتعالى:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” ويقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم –” من صام مضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه” متفق عليه.
وأضاف أن من أعظم الغايات التبعية للتعبّد تربية الإنسان على السلوك الأحسن والتصرف الأجمل للعيش الإنساني الكريم، فتلك مقاصد تشريعية خاصة لتعليم الإنسان على أجمل الأحوال وأكمل السلوكيات فيكون العبد زاكياً في تصرفاته مع بني مجتمعه ومع الخلق كلهم، إذ تربيه العبادات على زكاة النفس وعلى تربيتها وعلى طهارة الأقوال والأفعال وجمالها.
وبيّن الشيخ الدكتور حسين آل الشيخ أن شعائر الدين تربّي الإنسان على أجمل القيم وأطهر التصرفات والتعاملات وأحسن الأخلاق وأجملها وبهذا تتحقق للمجتمعات الحياة الفاضلة والعيشة الرضية ، مشيراً إلى أن للصوم الحضّ الأوفر لهذه المنظومة، وهذا ما يتجلّى بالتوجيهات النبوية بحثّ الصائم على أفضل الأخلاق وأزكاها والبعد عن سيء الأخلاق وأرذلها، كما أن من الحكم الظاهرة والعلل البارزة لفريضة الصوم تربية الصائمين على عبادة السلامة من أذى الخلق والإضرار بهم من أي تصرف قولي أو فعلي وتلك مقاصد كلية تعود بالخير الكلّي على الفرد والمجتمع والعالم ككل.
واختتم فضيلته الخطبة داعياً إلى أن يكون صومناً باعثاً على أجمل الأخلاق، وأزكى الأعمال، عاصماً من سيء الخصال، وأن نحرص على اكتساب مقاصد هذا الشهر العالية، والتحلّي بفضائله الطاهرة، مؤكداً أن الشريعة كلها تخلّقٌ بمكارم الأخلاق فهي مقاصد كلية للدين.
المصدر: صحيفة المناطق السعودية
كلمات دلالية: المسجد الحرام المسجد النبوي خطبتا الجمعة صلى الله علیه وسلم المسجد النبوی لله تعالى
إقرأ أيضاً:
الشيخ ياسر مدين يكتب: في الصوم
قال سيدُنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدِنا جبريلَ عليه السلام حين سأله عن الإسلام: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقيمَ الصلاة، وتُؤتي الزكاة، وتصومَ رمضان، وتحجَّ البيت إن استطعتَ إليه سبيلا». سبقت الإشارة إلى أن قَصْر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام فى هذه الخمس ليس معناه أنّ الإسلام عبادات فقط، فقد سبق أن أشرنا إلى أثر الشهادة والصلاة والزكاة في حياة المسلم، وما تستلزمه منه.
وسوف نشير -إن شاء الله تعالى- إلى أثر الصيام والحج، فالحديث إذن لا يدل على انحصار الإسلام في العبادات فقط، وإنما هو ذِكرٌ للأركان الكبرى التي تُؤصّل لحياة مستقيمة في العبادات والمعاملات. وبدَيهيٌّ أن يبدأ الحديث بشهادة «أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم» لأنها إعلان الإسلام والالتزام به عقيدة وسلوكا.
وقد سبقت الإشارة إلى أنّ الواو العاطفة بين الصلاة والزكاة والصيام والحج تقتضي الجمع بدون ترتيب؛ أي: صار المرء بمجرد إسلامه مطالبا بهذه العبادات كلها، إلا إذا سقطت عنه لعدم القدرة. فالواو إذن لا تقتضي ترتيبا، لكن هذا لا ينفي أن يكون لترتيب هذه الأركان حِكمةٌ، وذلك ليس من حيثُ اقتضاء الواو ترتيبا معينا، ولكن من حيث إن المتكلم بها قدَّم بعضها على بعض وأخّر بعضها عن بعض.
وإذا نظرنا سنجد أنّ الزكاة والصيام لا يفرضان كل عام، بخلاف الصلاة التي تتكرر خمس مرات في اليوم والليلة، فتقديم الصلاة تقديم لما يكثر تكراره، والزكاة والصيام يسقطان عن غير القادر، فالذي لا يملك النِصاب يسقط عنه أداء الزكاة، وغير القادر على الصيام لا يصوم، هذا بخلاف الصلاة التي يؤديها المسلم ولو بالإشارة إن لم يقدر على الركوع والسجود، وهذا داعٍ ثانٍ لتقديمها عليهما.
ثم تأتي الزكاة بعد الصلاة، وهي كذلك في كتاب الله جاءت تالية للصلاة في ستة وعشرين موضعا، ومن الجهة الاجتماعية نجد أن الصلاة شأنها أن تجمع المسلمين خمس مرات فى اليوم والليلة فيقترب بعضُهم من بعض، ويعرف بعضهم بعضا، وهذا يُوقفهم على أصناف مستحقي الزكاة بينَهم، وهنا يأتي دور الزكاة لمساعدة أولئك المحتاجين، وهذا يقتضي أن تأتي الزكاة بعد الصلاة.
ثم إن الزكاة رِفْدٌ بالمال [أي عطاء وصِلة]، وهذا العطاء هو الذي يعين المحتاج على ضروريات حياته، فيقدرُ على شراء الطعام الذي يتسحر به ويُفطر عليه إذا صام، وبعض مصارفه قد يُجعل لحج بعض المحتاجين، فسبق الزكاة للصيام والحج أمر منطقى.
وإذا كانت الزكاة قد عوّدت المسلم الواجد أن يُخرج قدرا من ماله للمحتاجين، فإنّ ما يذوقه في الصيام من سَغَبٍ [أي: جوعٍ] يحمله على مزيد من الجود والإطعام، وكما طهّرته الزكاة من البخل وحب المال والاستئثار به، يأتي الصيام ليرقى به مرتبة أعلى فيجعله يستغني في يومه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس عن الطعام والشراب والشهوة، وهذه الأمور هي أسباب استمرار الحياة، وطغيان شهوتي البطن والفرج سبب لارتكاب الموبقات والاعتداء على الحرمات، فالصيام يجعل الإنسان يستعلى عن أن تسوقه الشهوات، فهو قادر على قمعها وتوجيهها وفق ما أمر الله تعالى به، وباستقامة هذا الشأن يستقيم أمر الإنسان في سائر حياته في العبادات والتعاملات.
والصيام إذن عبادة تؤصّل لاستقامة شأن الحياة في جميع مناحيها، حيثه إنه يرجى من وراءه تحقيق التقوى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، والتقوى هى أن يقي الإنسان نفسه من الوقوع فيما حظره الشرع الشريف، فبها يستقيم شأن الحياة وفق مراد الله تعالى.
ثم بعد ذلك يأتي الحج، فهو عبادة مالية بدنية، يحتاج فيها المرءُ إلى مالٍ كافٍ للذهاب والعودة وترك ما يكفي لأهله حتى عودته، كما يحتاج إلى قوة بدنية يستطيع بها أداء مناسك الحج المختلفة، وهو بهذا لا يتهيأ لكل مسلم، ولذا قيده سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاستطاعة فقال: «وتحجَّ البيت إن استطعتَ إليه سبيلا»، وهذا يقتضي تأخره عما قبله.
ثم إنه عبادة تجب مرةً في العمر، وهذا الوجه أيضا يقتضي تأخره عما قبله.