عقوبات أميركية جديدة على مصارف عراقية تثير قلقا ومخاوف
تاريخ النشر: 25th, July 2023 GMT
بغداد- صدمة جديدة يشهدها الاقتصاد العراقي مع ارتفاع كبير في سعر صرف الدولار في الأسواق المحلية، إذ سجل سعر الصرف الموازي 1540 دينارا للدولار، صباح اليوم الاثنين، في الوقت الذي يبلغ سعر الصرف الرسمي 1320 دينارا فقط.
وتأتي الطفرة في سعر الصرف إثر فرض وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على 14 مصرفا، حسب ما كشفت عنه صحيفة وول ستريت جورنال الأربعاء الماضي، وتأتي هذه العقوبات بعد أشهر على عقوبات مماثلة بحق 4 مصارف عراقية أخرى إثر اتهامها بغسل الأموال.
وأضاف تقرير الصحيفة الأميركية أن حظر هذه المصارف يأتي في إطار حملة شاملة على تحويل العملة الأميركية إلى إيران، حيث شملت العقوبات مصارف المستشار والقرطاس والطيف وإيلاف وأربيل، إضافة للبنك الإسلامي الدولي ومصرف عبر العراق والموصل والراجح وسومر والثقة وأور، فضلا عن مصرفي العالم وزين العراق.
وتثير العقوبات الأميركية موجة قلق جديدة لدى العراقيين، لا سيما أن جميع الإجراءات الحكومية خلال حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لم تفلح في تقريب سعر الصرف الموازي من السعر الرسمي.
توضيح حكوميوبعيد ساعات من تلقي نبأ العقوبات الأميركية، أصدر البنك المركزي العراقي بيانا صحفيا جاء فيه "إن منع مصارف عراقية من التعامل بالدولار جاء على خلفية تدقيق حوالات المصارف للسنة الماضية 2022، وقبل تطبيق المنصة الإلكترونية، وقبل تشكيل الحكومة الحالية"، مضيفا أن هذه المصارف، تتمتّع بكامل الحرية للتعامل بالدينار العراقي بمختلف الخدمات، فضلًا عن حقها في التعامل الدولي بالعملات الأخرى غير الدولار الأميركي.
وعن سبب ارتفاع سعر الصرف الحالي بالأسواق الموازية، أوضح المركزي العراقي "أن ما يعلن من سعر صرف في السوق يرتكز على الدولار النقدي الذي يمنحه البنك المركزي العراقي لتغطية طلبات المواطنين للسفر وغيره، وبسبب حاجة المواطن للعملة الوطنية، يقوم بعض التجار وغيرهم بسحب الدولار لأغراض التجارة أو غيرها، بعيدا عن المنصة وعن سياقات التحويل الأصولية، ممّا يؤدي إلى رفع سعر الصرف في الأسواق".
ثم عاد البنك المركزي مرة أخرى ليخرج ببيان جديد يؤكد استمراره بتلبية الطلبات المشروعة للدولار من المنافذ الرسمية المرخصة من قبلهِ وبالسعر الرسمي (1320 دينارا للدولار)، داعيا المواطنين للإبلاغ عن حالات رفع سعر صرف الدولار في الأسواق، وفق نص البيان.
من جانبه، يقول عضو اللجنة المالية النيابية جمال كوجر إنه لا بد أن يحدد البنك المركزي العراقي أسباب فرض عقوبات أميركية على هذه المصارف، وذلك لمعرفة الخلل الذي قد يضر بالاقتصاد العراقي.
وأضاف في حديث لبعض وسائل الإعلام المحلية أنه ليس معروفا حتى الآن ما إذا كان فرض واشنطن لهذه العقوبات جاء بسبب عدم انضباط هذه المصارف في تنفيذ التعليمات وقواعد الامتثال المصرفية، أم لأنها تجري تعاملات مالية مع إيران.
وتابع كوجر أنه وفيما إذا كانت هذه العقوبات بسبب تعامل هذه المصارف مع إيران، حينها يمكن استيعاب البعد السياسي لهذه العقوبات، أما في حال كانت العقوبات بسبب عدم التزام المصارف بالضوابط المصرفية، فإن البنك المركزي يتحمل نتيجة ذلك، وفق قوله.
ورغم محاولات كثيرة من مراسل الجزيرة نت للتواصل مع المتحدث باسم الحكومة العراقية والمستشارين الاقتصاديين للحكومة فإنه لم يتلق أي رد.
في السياق، يقول أستاذ الاقتصاد في الجامعة العراقية ببغداد عبد الرحمن المشهداني إن العراق يضم 72 مصرفا مسجلا، من بينها 38 مصرفا مشاركا في مزاد بيع العملة الأميركية لدى البنك المركزي، بيد أن العقوبات الأميركية التي طالت 14 مصرفا مؤخرا، والمصارف الأخرى التي خضعت لعقوبات مماثلة قبل أشهر، أدى إلى أن يكون عدد المصارف المشاركة في مزاد بيع العملة الآن 18 مصرفا فقط.
وعن حصة هذه المصارف من مزاد بيع العملة، بين المشهداني أنها تشكل بالمجموع 8% من مجموع ما يباع من الدولار في مزاد بيع العملة عن طريق الحوالات، غير أنها تستحوذ على ما يقرب من 50 مليون دولار يوميا من مبيعات الدولار النقدي لدى البنك المركزي العراقي، مبينا أن هذه الأموال تذهب للسوق المحلية العراقية أو ما يعرف بالأسواق الموازية، وفق تعبيره.
وعن سبب فرض العقوبات الأخيرة، أوضح المشهداني في حديث للجزيرة نت أن المشكلة تكمن في تسريب الدولار خارج البلاد عن طريق بطاقات الائتمان، حيث شهدت الفترة الماضية تهريب آلاف البطاقات الائتمانية المعبأة بالدولار، حيث جرى تحويل هذه الأموال إلى سيولة والتصرف بها خارج البلاد.
ودعا إلى ضرورة أن يشجع البنك المركزي بقية المصارف على الدخول في مزاد بيع العملة لتعويض الفجوة التي حصلت بعد العقوبات الأخيرة، متوقعا أن تشهد الفترة القادمة فرض عقوبات جديدة على شخصيات عراقية لها علاقة بالحوالات المتعلقة بالدولار وتهريبه.
من جانبها، تقول الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم إن المصارف الخاضعة للعقوبات كانت تستحوذ على ثلث الدولار الذي بيع في مزاد العملة، سواء كان عن طريق الحوالات أو الدولار النقدي الذي يسلم مباشرة لهذه المصارف، مبينة أن أي نقص في كمية بيع الدولار سيؤثر سلبا على الاقتصاد العراقي المحلي، وأن سعر الصرف الموازي قد يصل إلى 1700 دينار للدولار الواحد، وفق قولها.
وتتخوف سميسم -في حديثها للجزيرة نت- من فرض واشنطن عقوبات أخرى قد تطال مصارف أخرى بسبب التشدد الأميركي على بيع الدولار في العراق، وهو ما سيؤدي إلى قلة السيولة النقدية من الدينار العراقي لدى الحكومة، في ظل وجود أكثر من 80% من الكتلة النقدية للدينار خارج المصارف، حيث تعتمد الحكومة على بيع الدولار مقابل الحصول على العملة المحلية، محذرة في الوقت ذاته البنك المركزي من التوجه لطبع العملة الذي قد يعود بالبلاد إلى تسعينيات القرن الماضي خلال الحصار الدولي للعراق بين عامي 1991 و2003.
وتتسق هذه التحليلات مع ما يراه الباحث في الشأن الاقتصادي نبيل جبار التميمي الذي يقول "إن إجراءات الخزانة الأميركية بتوجيه عقوبات على 14 مصرفا لم تكن مفاجئة، حيث سبق لمسؤولين بالخزانة الأميركية توجيه إنذارات لهذه المصارف قبل 8 أشهر".
وفي حديثه للجزيرة نت، يرى التميمي أن التخوف يتمثل فيما إذا امتنعت المصارف الأخرى عن إجراء حوالات لصالح التجار عن طريق المنصة الإلكترونية للبنك المركزي.
وأضاف أن المصارف الأخرى تخشى التعرض لعقوبات مشابهة، مبينا أن تلافي الأزمة سيعتمد على استجابة المركزي العراقي وإجراءاته وتطمين المصارف والأسواق، والعمل على استمرار تدفق الحوالات ووضع حلول للحوالات مع إيران، وفق قوله.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: البنک المرکزی العراقی هذه العقوبات الدولار فی سعر الصرف عن طریق
إقرأ أيضاً:
تقارير تكشف نشر الإمارات رادات إسرائيلية قبالة سواحل اليمن ومخاوف من حرب باردة جديدة (ترجمة خاصة)
كشفت تقارير صحفية وعسكرية عن نشر دولة الإمارات العربية المتحدة نظام رادار متطور صنعته شركة ELTA التابعة لشركة الصناعات الجوية الإسرائيلية في منطقة بونتلاند شمال شرق الصومال، المجاور لقاعدة بوساسو الجوية التي تديرها الإمارات.
وتؤكد معلومات استخباراتية مفتوحة المصدر، ومعلومات رصدها ناشطون في بونتلاند، وصور جوية أن الرادار متعدد المهام، وتم تركيبه بالقرب من مطار بوساسو، المجاور لقاعدة بوساسو الجوية التي تديرها الإمارات العربية المتحدة، ويطل على الجهة الأخرى من سواحل اليمن.
الرادار المُدمج في منظومة القبة الحديدية لإسرائيل قادر على رصد الصواريخ والطائرات المُسيّرة والتهديدات المدفعية. وتشير مصادر إلى أن الإمارات تستخدم المنظومة لرصد إطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات المُسيّرة اليمنية نحو أهداف إسرائيلية وطرق الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن.
وينقل موقع ميدل إيست مونيتور عن مراقبين تحذيرهم من أن هذه الخطوة تُحاكي أساليب حقبة الحرب الباردة، حيث دعمت القوى الأجنبية فصائل محلية لتأمين الوصول إلى الممرات المائية الاستراتيجية. وقد أصبح خليج عدن والبحر الأحمر بؤرتين للتوتر في ظل حرب إسرائيل المستمرة على غزة، وهجمات التضامن الانتقامية التي تشنها القوات المسلحة اليمنية المتحالفة مع الحوثيين.
وقال موقع الجيش البلغاري في دراسة موسعة ترجمها الموقع بوست إن النظام الإسرائيلي يعد قطعة متطورة من التكنولوجيا مصممة لمراقبة الجو والمدفعية، بالإضافة إلى تتبع الصواريخ والطائرات بدون طيار، ويثير التساؤلات حول النوايا الاستراتيجية لدولة الإمارات العربية المتحدة في منطقة القرن الأفريقي المضطربة.
ويأتي نشر الرادار في بونتلاند، وهي منطقة شبه مستقلة في الصومال، في وقتٍ تشهد فيه المنطقة مناورات جيوسياسية متصاعدة، حيث تتنافس القوى العالمية على النفوذ على الطرق البحرية الحيوية، وبينما لا يزال الهدف الدقيق من النشر غير واضح، فإنه يشير إلى ترسيخ الوجود العسكري والاستراتيجي لدولة الإمارات العربية المتحدة في منطقة بالغة الأهمية للتجارة والأمن العالميين.
ما هو الرادار؟
ويعتبر رادار ELM-2084، من إنتاج شركة ELTA Systems، التابعة لصناعات الفضاء الإسرائيلية، وهو رادار متنقل يعمل على النطاق S، يتميز بتعدد استخداماته ودقته، ويمكنه اكتشاف وتتبع ما يصل إلى 1100 هدف في آنٍ واحد على مسافات تصل إلى حوالي 470 كيلومترًا، مما يوفر وعيًا لحظيًا ثلاثي الأبعاد بالوضع.
ويتيح نظام التوجيه الإلكتروني النشط للنظام تجميع صورة جوية شاملة دون دوران ميكانيكي، والتكيف ديناميكيًا مع التهديدات الواردة، ويتفوق النظام في أدوار متعددة منها كشف الطائرات، وتتبع الصواريخ الباليستية، وتحديد موقع نيران المدفعية، وتوفير توجيهات التحكم في إطلاق النار لأنظمة الدفاع الجوي مثل القبة الحديدية الإسرائيلية ومقلاع داوود.
ويتضمن سجله القتالي المُثبت نجاحاً بنسبة 90% في اعتراض القبة الحديدية لأكثر من 1000 صاروخ، كما هو مُبين في البيانات التشغيلية لجيش الدفاع الإسرائيلي، وتُمكّن قابلية نقل الرادار - الذي يتألف من وحدة رادار، ووحدة تحكم، ونظام تبريد، ومولد طاقة - من نشره على منصات مُختلفة، مما يجعله مثالياً للبيئات الديناميكية مثل بونتلاند.
الموقع وخليج عدن
إن الموقع الاستراتيجي لبونتلاند بالقرب من خليج عدن، الذي يُعدّ معبرًا رئيسيًا للشحن العالمي عبر قناة السويس، يجعل نشر الرادار ذا أهمية خاصة، إذ يُدير الخليج حوالي 12% من التجارة العالمية و30% من حركة الحاويات، وفقًا للمنظمة البحرية الدولية.
ويشير الموقع البلغاري إلى منطقة القرن الأفريقي أصبحت ساحةً جيوسياسيةً تنافسية، حيث تتنافس الإمارات العربية المتحدة مع تركيا وقطر والصين ودول غربية على النفوذ. وتعكس استثمارات الإمارات في موانئ مثل بربرة في أرض الصومال، ووجودها العسكري المزعوم في اليمن، استراتيجيةً تهدف إلى ضمان الهيمنة البحرية.
ويُضفي اختيار رادار إسرائيلي الصنع أهميةً إضافية، فقد رسّخت الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل علاقاتهما من خلال اتفاقيات إبراهيم عام 2020، مما عزز التعاون في مجالي الدفاع والتكنولوجيا، ويُعدّ نشر نظام ELM-2084 رمزًا لهذه الشراكة، إذ يُظهر قدرة الإمارات العربية المتحدة على الوصول إلى أحدث الأنظمة الإسرائيلية.
يشير الموقع البلغاري إلى أن المعنى الاقتصادي لهذا يؤكد تجاوز أنشطة الإمارات العربية المتحدة في بونتلاند الجانب الأمني، فقد استثمرت شركة موانئ دبي العالمية التابعة للإمارة بكثافة في ميناء بوساسو، بهدف تحويله إلى مركز تجاري إقليمي. ويمكن للرادار حماية هذه الاستثمارات من خلال رصد التهديدات التي تواجه الشحن أو البنية التحتية، بما يتماشى مع رؤية الإمارات العربية المتحدة في دمج الهيمنة العسكرية والتجارية.
ويعتبر هذا يُحاكي سوابق تاريخية، مثل سيطرة بريطانيا على عدن في القرن التاسع عشر لتأمين طرق التجارة إلى الهند، ومع ذلك قد يشمل دور الرادار أيضًا تدريب قوات بونتلاند، وربما نقل الخبرة الفنية.
التأثير الإقليمي
إقليميًا، قد يمتد تأثير هذا الانتشار إلى الدول المجاورة للصومال. فجيبوتي، التي تستضيف قواعد أمريكية وصينية وفرنسية، تعتمد على استقرار خليج عدن في اقتصادها المعتمد على الموانئ، أما إثيوبيا، التي تعاني من توترات على مستوى الوصول إلى البحر الأحمر، فقد ترى في خطوة الإمارات العربية المتحدة تعقيدًا لحساباتها الاستراتيجية.
وعن اليمن المتورط في صراع مع الحوثيين – وفق الموقع - فيقع على الجانب الآخر من الخليج، لكن مدى الرادار يحد من تأثيره المباشر هناك، ومع ذلك، يُمكن للنظام أن يُزوّد الإمارات العربية المتحدة أو حلفائها في اليمن بمعلومات استخباراتية، مع أن هذه الادعاءات تفتقر إلى التحقق، وفقا للموقع.
التأثيرات المتوقعة
وفيما يتعلق بالتأثيرات يشير الموقع البلغاري إلى أن وجود الرادار قد يدفع تركيا أو قطر إلى تعميق تدخلاتهما في الصومال، مما يُفاقم التنافس بالوكالة. تاريخيًا، ساهمت التدخلات الأجنبية في القرن الأفريقي - مثل الغزو الإثيوبي للصومال بدعم أمريكي عام 2006 - في تأجيج عدم الاستقرار، وهو درسٌ يُلقي بظلاله على هذا الانتشار.
ويشير إلى أن توقيت نشر القوات يدعو إلى التدقيق، فقد شهد القرن الأفريقي توترات متصاعدة، حيث أدى اتفاق الموانئ بين إثيوبيا وأرض الصومال إلى توتر العلاقات مع الصومال. في غضون ذلك، أدت هجمات الحوثيين على سفن الشحن في البحر الأحمر، والتي أدانها مجلس الأمن الدولي في يناير 2025، إلى تعطيل التجارة العالمية.
ويرى الموقع أن الإمارات العربية المتحدة، العضو في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لمواجهة هذه الهجمات، ترى في الرادار إجراءً احترازيًا، وإن كان دوره الدقيق لا يزال غامضًا، مرجحا أن وضع النظام في بونتلاند، بدلًا من قاعدة إماراتية مثل الظفرة يشير إلى موقف استباقي، ربما لجمع معلومات استخباراتية آنية أو ردع الجهات الفاعلة الإقليمية.