بغداد- صدمة جديدة يشهدها الاقتصاد العراقي مع ارتفاع كبير في سعر صرف الدولار في الأسواق المحلية، إذ سجل سعر الصرف الموازي 1540 دينارا للدولار، صباح اليوم الاثنين، في الوقت الذي يبلغ سعر الصرف الرسمي 1320 دينارا فقط.

وتأتي الطفرة في سعر الصرف إثر فرض وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على 14 مصرفا، حسب ما كشفت عنه صحيفة وول ستريت جورنال الأربعاء الماضي، وتأتي هذه العقوبات بعد أشهر على عقوبات مماثلة بحق 4 مصارف عراقية أخرى إثر اتهامها بغسل الأموال.

وأضاف تقرير الصحيفة الأميركية أن حظر هذه المصارف يأتي في إطار حملة شاملة على تحويل العملة الأميركية إلى إيران، حيث شملت العقوبات مصارف المستشار والقرطاس والطيف وإيلاف وأربيل، إضافة للبنك الإسلامي الدولي ومصرف عبر العراق والموصل والراجح وسومر والثقة وأور، فضلا عن مصرفي العالم وزين العراق.

وتثير العقوبات الأميركية موجة قلق جديدة لدى العراقيين، لا سيما أن جميع الإجراءات الحكومية خلال حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لم تفلح في تقريب سعر الصرف الموازي من السعر الرسمي.

توضيح حكومي

وبعيد ساعات من تلقي نبأ العقوبات الأميركية، أصدر البنك المركزي العراقي بيانا صحفيا جاء فيه "إن منع مصارف عراقية من التعامل بالدولار جاء على خلفية تدقيق حوالات المصارف للسنة الماضية 2022، وقبل تطبيق المنصة الإلكترونية، وقبل تشكيل الحكومة الحالية"، مضيفا أن هذه المصارف، تتمتّع بكامل الحرية للتعامل بالدينار العراقي بمختلف الخدمات، فضلًا عن حقها في التعامل الدولي بالعملات الأخرى غير الدولار الأميركي.

وعن سبب ارتفاع سعر الصرف الحالي بالأسواق الموازية، أوضح المركزي العراقي "أن ما يعلن من سعر صرف في السوق يرتكز على الدولار النقدي الذي يمنحه البنك المركزي العراقي لتغطية طلبات المواطنين للسفر وغيره، وبسبب حاجة المواطن للعملة الوطنية، يقوم بعض التجار وغيرهم بسحب الدولار لأغراض التجارة أو غيرها، بعيدا عن المنصة وعن سياقات التحويل الأصولية، ممّا يؤدي إلى رفع سعر الصرف في الأسواق".

ثم عاد البنك المركزي مرة أخرى ليخرج ببيان جديد يؤكد استمراره بتلبية الطلبات المشروعة للدولار من المنافذ الرسمية المرخصة من قبلهِ وبالسعر الرسمي (1320 دينارا للدولار)، داعيا المواطنين للإبلاغ عن حالات رفع سعر صرف الدولار في الأسواق، وفق نص البيان.

البنك المركزي العراقي أوضح أن المصارف المشمولة بالعقوبات ستبقى ضمن النظام المصرفي المحلي (الجزيرة) تداعيات كبيرة

من جانبه، يقول عضو اللجنة المالية النيابية جمال كوجر إنه لا بد أن يحدد البنك المركزي العراقي أسباب فرض عقوبات أميركية على هذه المصارف، وذلك لمعرفة الخلل الذي قد يضر بالاقتصاد العراقي.

وأضاف في حديث لبعض وسائل الإعلام المحلية أنه ليس معروفا حتى الآن ما إذا كان فرض واشنطن لهذه العقوبات جاء بسبب عدم انضباط هذه المصارف في تنفيذ التعليمات وقواعد الامتثال المصرفية، أم لأنها تجري تعاملات مالية مع إيران.

وتابع كوجر أنه وفيما إذا كانت هذه العقوبات بسبب تعامل هذه المصارف مع إيران، حينها يمكن استيعاب البعد السياسي لهذه العقوبات، أما في حال كانت العقوبات بسبب عدم التزام المصارف بالضوابط المصرفية، فإن البنك المركزي يتحمل نتيجة ذلك، وفق قوله.

ورغم محاولات كثيرة من مراسل الجزيرة نت للتواصل مع المتحدث باسم الحكومة العراقية والمستشارين الاقتصاديين للحكومة فإنه لم يتلق أي رد.

في السياق، يقول أستاذ الاقتصاد في الجامعة العراقية ببغداد عبد الرحمن المشهداني إن العراق يضم 72 مصرفا مسجلا، من بينها 38 مصرفا مشاركا في مزاد بيع العملة الأميركية لدى البنك المركزي، بيد أن العقوبات الأميركية التي طالت 14 مصرفا مؤخرا، والمصارف الأخرى التي خضعت لعقوبات مماثلة قبل أشهر، أدى إلى أن يكون عدد المصارف المشاركة في مزاد بيع العملة الآن 18 مصرفا فقط.

وعن حصة هذه المصارف من مزاد بيع العملة، بين المشهداني أنها تشكل بالمجموع 8% من مجموع ما يباع من الدولار في مزاد بيع العملة عن طريق الحوالات، غير أنها تستحوذ على ما يقرب من 50 مليون دولار يوميا من مبيعات الدولار النقدي لدى البنك المركزي العراقي، مبينا أن هذه الأموال تذهب للسوق المحلية العراقية أو ما يعرف بالأسواق الموازية، وفق تعبيره.

المصارف المشمولة بالعقوبات كانت تستحوذ على 8% من مزاد بيع العملة لدى البنك المركزي العراقي (غيتي) أسباب العقوبات

وعن سبب فرض العقوبات الأخيرة، أوضح المشهداني في حديث للجزيرة نت أن المشكلة تكمن في تسريب الدولار خارج البلاد عن طريق بطاقات الائتمان، حيث شهدت الفترة الماضية تهريب آلاف البطاقات الائتمانية المعبأة بالدولار، حيث جرى تحويل هذه الأموال إلى سيولة والتصرف بها خارج البلاد.

ودعا إلى ضرورة أن يشجع البنك المركزي بقية المصارف على الدخول في مزاد بيع العملة لتعويض الفجوة التي حصلت بعد العقوبات الأخيرة، متوقعا أن تشهد الفترة القادمة فرض عقوبات جديدة على شخصيات عراقية لها علاقة بالحوالات المتعلقة بالدولار وتهريبه.

من جانبها، تقول الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم إن المصارف الخاضعة للعقوبات كانت تستحوذ على ثلث الدولار الذي بيع في مزاد العملة، سواء كان عن طريق الحوالات أو الدولار النقدي الذي يسلم مباشرة لهذه المصارف، مبينة أن أي نقص في كمية بيع الدولار سيؤثر سلبا على الاقتصاد العراقي المحلي، وأن سعر الصرف الموازي قد يصل إلى 1700 دينار للدولار الواحد، وفق قولها.

وتتخوف سميسم -في حديثها للجزيرة نت- من فرض واشنطن عقوبات أخرى قد تطال مصارف أخرى بسبب التشدد الأميركي على بيع الدولار في العراق، وهو ما سيؤدي إلى قلة السيولة النقدية من الدينار العراقي لدى الحكومة، في ظل وجود أكثر من 80% من الكتلة النقدية للدينار خارج المصارف، حيث تعتمد الحكومة على بيع الدولار مقابل الحصول على العملة المحلية، محذرة في الوقت ذاته البنك المركزي من التوجه لطبع العملة الذي قد يعود بالبلاد إلى تسعينيات القرن الماضي خلال الحصار الدولي للعراق بين عامي 1991 و2003.

وتتسق هذه التحليلات مع ما يراه الباحث في الشأن الاقتصادي نبيل جبار التميمي الذي يقول "إن إجراءات الخزانة الأميركية بتوجيه عقوبات على 14 مصرفا لم تكن مفاجئة، حيث سبق لمسؤولين بالخزانة الأميركية توجيه إنذارات لهذه المصارف قبل 8 أشهر".

وفي حديثه للجزيرة نت، يرى التميمي أن التخوف يتمثل فيما إذا امتنعت المصارف الأخرى عن إجراء حوالات لصالح التجار عن طريق المنصة الإلكترونية للبنك المركزي.

وأضاف أن المصارف الأخرى تخشى التعرض لعقوبات مشابهة، مبينا أن تلافي الأزمة سيعتمد على استجابة المركزي العراقي وإجراءاته وتطمين المصارف والأسواق، والعمل على استمرار تدفق الحوالات ووضع حلول للحوالات مع إيران، وفق قوله.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: البنک المرکزی العراقی هذه العقوبات الدولار فی سعر الصرف عن طریق

إقرأ أيضاً:

المثلث الإيراني العراقي التركمانستاني.. الحل الأمثل لأمن الطاقة في أوروبا؟

الاقتصاد نيوز - متابعة

أزمة الطاقة في أوروبا لم تنتهِ بعد. واجهت جهود تنويع مصادر الطاقة الأوروبية تحديات كبيرة منذ أن هددت حرب أوكرانيا إمدادات الغاز الروسية. يبحث القادة الأوروبيون عن بدائل للطاقة مع بروز حل محتمل من منطقة غير متوقعة: مثلث الطاقة بين إيران والعراق وتركمانستان. تتمتع أوروبا بإمكانية الوصول إلى أمن طاقة موثوق وطويل الأمد من خلال احتياطيات الغاز غير المستغلة في هذه المنطقة. ومع ذلك، فإن الشكوك السياسية والحواجز الجيوسياسية تعيق التقدم باستمرار.

عملت الدولة التي تمتلك رابع أكبر احتياطيات من الغاز الطبيعي عالميًا باستمرار على تقليل اعتمادها على الصين كمشتري رئيسي لها. على الرغم من العقوبات، تحافظ إيران على مكانتها كمركز عبور حيوي بفضل بنيتها التحتية المتطورة. وتُمكِّن احتياجات الطاقة المتزايدة في العراق من العمل كنقطة وصل بين موارد الطاقة في آسيا الوسطى والسوق الدولية.

تمثل دبلوماسية الطاقة النهج الأساسي لإطلاق العنان لهذه الإمكانات. ويدل بدء نقل الغاز التركماني عبر إيران إلى تركيا في مارس 2025 بموجب اتفاقية ثلاثية حديثة على رغبة إيران وتركمانستان في التعاون الإقليمي في مجال الطاقة. وفقًا لوزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار، تُمثل هذه الاتفاقية خطوة تاريخية نحو أمن الطاقة، وتعتزم تركيا أن تصبح مركزًا رئيسيًا للطاقة.

أهمية هذا التطور كبيرة جدًا لا يمكن تجاهلها. ستُمكّن اتفاقية موسعة الغاز التركماني من دخول الأسواق الأوروبية عبر تركيا، مما سيُوفر مصدرًا بديلًا للغاز الروسي. وقد صرّح الرئيس رجب طيب أردوغان سابقًا بأن تركيا تُمثل مركزًا للطاقة حيث سيتم تحديد التسعير والتوزيع بدلاً من كونها مجرد دولة عبور.

على أوروبا أن تُراقب الوضع عن كثب إذا كانت تنوي حقًا تنويع مصادر الطاقة لديها. يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى موارد غاز بديلة، لكنه يُظهر تقدمًا غير كافٍ في التعامل الجاد مع تركمانستان وإيران.

على سبيل المثال، تُجبر العقوبات المفروضة على إيران الشركات الأوروبية وصانعي السياسات على توخي الحذر بشأن التعاملات التجارية مع طهران عند النظر في مشاريع الطاقة بسبب نظام العقوبات الأمريكية. وعلى الرغم من وجود بدائل، مثل صفقات تبادل الغاز، لتجنب المعاملات مع إيران، إلا أن بروكسل تفتقر إلى العزيمة السياسية لتنفيذها.

علاوة على ذلك، يُمثل افتقار آسيا الوسطى إلى بنية تحتية متكاملة لخطوط الأنابيب إلى أوروبا تحديًا كبيرًا. فعلى مدى عقود، حالت النزاعات القانونية حول وضع بحر قزوين دون المضي قدمًا في مشروع خط أنابيب الغاز عبر بحر قزوين، على الرغم من دوره في نقل الغاز التركماني عبر أذربيجان وتركيا.

وهناك أيضًا تأثير روسيا الذي يجب مراعاته. تاريخيًا، مارست موسكو ضغوطًا على تركمانستان لتوجيه صادراتها من الغاز إلى الصين بدلًا من أوروبا. وتعني سيطرة روسيا على أسواق الطاقة العالمية أنها ستُعارض بالتأكيد إنشاء أي طريق جديد لنقل الطاقة.

ومع ذلك، فإن هذه التحديات ليست مستعصية على الحل. ويمكن للاتحاد الأوروبي حل هذا المأزق من خلال تقديم الدعم الدبلوماسي لمبادرات البنية التحتية، مع التفاوض على تخفيف العقوبات على تجارة الطاقة، وبناء علاقات أقوى مع تركمانستان.

إن اعتماد الاتحاد الأوروبي على واردات الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة وقطر أمر غير مستدام من المنظورين المالي والجيوسياسي. ويشكل الاعتماد الكبير على هذه الواردات باهظة الثمن خطرًا كبيرًا على القدرة التنافسية الصناعية الأوروبية واستقرار أمن الطاقة.

يحمل الغاز التركمانستاني المنقول عبر إيران وتركيا إمكاناتٍ تحويليةً لأوروبا، شريطة أن تتخذ بروكسل إجراءاتٍ حاسمة. وقد بدأت الصين والهند بتعزيز علاقاتهما في مجال الطاقة مع دول آسيا الوسطى. على الاتحاد الأوروبي التحرك بسرعة، وإلا سيُضيّع المنافسون العالميون الأكثر عدوانيةً هذه الفرصة.

يحمل ممر الطاقة الذي تُشكّله إيران والعراق وتركمانستان آفاقًا حيويةً للطاقة بالنسبة لأوروبا. ومع ذلك، فإن مجرد إمكانية الوصول إلى موارد الطاقة لن يكون كافيًا؛ إذ يجب على أوروبا أن تُشارك دبلوماسيًا بعزم.

هل ستختار اغتنام هذه الفرصة الحيوية أم ستترك السياسات القديمة والمخاوف الجيوسياسية تُسيطر على مصيرها في مجال الطاقة؟ سيُحدد خيار أوروبا ما إذا كانت القارة ستُرسي استقرارًا دائمًا في مجال الطاقة أم ستبقى عُرضةً لانقطاعاتٍ مُستقبلية.


ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام

مقالات مشابهة

  • تطورات البرنامج النووي الإيراني.. مطالب داخل طهران بامتلاك قنبلة نووية.. ومخاوف من العقوبات الأمريكية والضربات الإسرائيلية
  • تورطوا في اختفاء عميل إف بي آي..عقوبات أمريكية على 3 مسؤولين أمنيين إيرانيين
  • قنوات الفصائل وإعلاميوها في مرمى العقوبات الأمريكية.. وارد أم مستبعد؟
  • قنوات الفصائل وإعلاميوها في مرمى العقوبات الأمريكية.. وارد أم مستبعد؟ - عاجل
  • طهران تردُّ بشأن مزاعم تزييف وثائق عراقية للتهرب من العقوبات الامريكية
  • سعر الدولار في البنك المركزي يسجل 50.68 جنيه بختام تعاملات اليوم
  • وزير النفط العراقي: ناقلات نفط إيرانية استخدمت وثائق عراقية مزورة
  • ناقلات نفط إيرانية تجارية استخدمت وثائق عراقية مزورة للتهرب من العقوبات
  • بيان البنك المركزي التركي بعد الاجتماع مع ممثلي البنوك
  • المثلث الإيراني العراقي التركمانستاني.. الحل الأمثل لأمن الطاقة في أوروبا؟