تونس- لا تزال حالة الانسداد السياسي رابضة على الملف التونسي، وسط تدهور كبير للأوضاع الاقتصادية والمالية والمعيشية، في وقت يستبعد فيه معارضو الرئيس قيس سعيّد حصول أي انفراج بسبب تصاعد التضييق على الحريات والقضاء والسياسيين والحقوقيين والإعلاميين، حسب قولهم.

وفي 25 يوليو/تموز الجاري، يمر عامان كاملان على التدابير الاستثنائية التي أعلنها الرئيس، وقام بموجبها بحل البرلمان المنتخب السابق، والمجلس الأعلى للقضاء المنتخب أيضا، وأقال بها الحكومة السابقة، قبل سنّه دستورا جديدا بدّل به النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي يتمتع فيه بصلاحيات واسعة.

المعارضون يقولون إن الرئيس سعيد افتقد للكفاءة والرؤية ووصفوا إدارته بالكارثية (الصحافة التونسية) "نظام فاشل"

ويصف القيادي بحزب التيار الديمقراطي هشام العجبوني حصيلة عامين من الحكم بالمراسيم الرئاسية المطلقة لسعيد بالكارثية، على جميع الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمالية. وبرأيه "كان الوضع قبل الانقلاب سيئا لكنه ازداد سوءا في فترة قيس سعيد لافتقاده للكفاءة والرؤية".

وحسب العجبوني، أصبحت الأوضاع المعيشية لا تطاق بسبب عجز النظام الحالي عن توريد أبسط المواد الأساسية كالقمح والسكر والقهوة والزيت النباتي وحتى الأدوية، مشددا على أن "هذا الوضع المتأزم إلى أبعد الحدود لم تعشه تونس في تاريخها الحديث منذ استقلالها الوطني. وهو مؤهل للتفاقم في ظل الاستبداد".

وعن واقع الحريات، يقول العجبوني للجزيرة نت إن البلاد "دخلت نفقا مظلما" من الانتهاكات التي استهدفت أساسا حرية التعبير أكبر مكسب تحقق بعد الثورة، معتبرا أن الرئيس يلاحق خصومه باستخدام مراسيمه ووضع اليد على القضاء "للتغطية على فشله" في إدارة البلاد رغم كل صلاحياته.

ويقول العجبوني إن المرسوم رقم 54 الذي سنّه سعيد بدعوى مكافحة الأخبار الزائفة أصبح سيفا مصلتا على رقاب كل من ينتقده من سياسيين وحقوقيين وإعلاميين ومدونين، معتبرا أن حملة التوقيفات التي استهدفت نشطاء سياسيين خاصة بتهمة "التآمر على البلاد" دليل على دكتاتورية الرئيس.

لا انفراج

ورغم الإفراج مؤخرا عن الناشطين السياسيين شيماء عيسى ولزهر العكرمي، لا يرى العجبوني أي بصيص أمل لحدوث حلحلة سياسية في ظل حكم سعيد. وبتقديره "لن يعود الوضع الطبيعي في البلاد لأن الرئيس يواصل ضرب خصومه ويشدد في مناسبات عدة أنه لن يتراجع قيد أنملة رغم كل فشله".

وبسؤاله عن دور المعارضة، يقول "لا توجد معارضة في ظل هذا الكم من التضييق على الحريات وفي ظل هذا النظام الاستبدادي الذي يزج بخصومه في السجون" مؤكدا أن الوضع يزداد سوءا بوضع الرئيس يده على القضاء بعد ترهيبه للقضاة بالعزل.

من جانبه، يقول الأمين العام لحزب العمل والإنجاز عبد اللطيف المكي -للجزيرة نت- إن نظام سعيد بعد إعلانه التدابير الاستثنائية قبل عامين "أثبت حرفا حرفا أن ما قام به هو انقلاب وتخريب للديمقراطية" مشيرا إلى أن الحصيلة كانت ثقيلة بسبب تردي الأوضاع العامة لافتقاده الكفاءة السياسية والاقتصادية.

ويضيف "مرور عامين عن الانقلاب يؤكد مقولة المعارضة أن ما حدث خطيئة كبرى في حق البلاد ولا تبررها الأخطاء التي وقعت خلال العشرية الماضية رغم إقرارنا بوجودها" معتبرا أن الرئيس فقد شعبيته بينما انفضّ عنه مؤيدوه من الشخصيات الوطنية والأحزاب لجرّه البلاد نحو "الحضيض".

ويتابع المكي "كل المؤشرات الاقتصادية والمالية في تقهقر والأوضاع المعيشية في انحدار لا يُطاق، وكل ذلك يتم وسط حملة مسعورة من النظام لاستهداف معارضي الرئيس واعتداء سافر على الحريات وملاحقة قضائية للمعارضين بتهم واهية وملفات فارغة بهدف محاصرة المعارضة وخنق الأحزاب".

ويقول أيضا "لا توجد أي محاكمة أو محاسبة للفاسدين الذين يصولون ويجولون في البلاد، وإنما هناك تنكيل فقط بالمعارضين الذين رفضوا مسار الانقلاب". وأضاف أن المعارضة "رغم تشتتها بقيت موحّدة ومستبسلة" في الدفاع عن الديمقراطية ورفض الانقلاب، وتقوم بما في وسعها "لفضح النظام القمعي".

ويستطرد "لا يهم كثيرا إن كانت المعارضة تنشط في نفس الجبهة أو نفس التنظيم لكن الأهم أنها نجحت في تعرية كذب هذا النظام الشعبوي الذي يحاول التلاعب بالرأي العام" موضحا أن المعارضة واصلت مقاومتها للاستبداد بشكل قانوني وسلمي في تحركاتها رغم محاصرتها.

والسؤال الذي أصبح مُلحا أكثر من أي وقت مضى بالنسبة لجزء هام من التونسيين -وفق تقديره- هو "متى سينتهي هذا الانقلاب بسبب تراجع موجة المساندة الشعبية للرئيس الذي خذل الشعب في تحسين أوضاعهم رغم كل الصلاحيات المطلقة التي متّع بها نفسه في الدستور الذي كتبه لوحده" وفق المكي.

سعيد أصدر عددا من القوانين الاستثنائية بمقتضاها حلت الحكومة وعلق عمل البرلمان (رويترز) طاولة الحوار

من جهته، يقول مسؤول الإعلام والاتصال بحركة النهضة عبد الفتاح التاغوتي إن حزبه الذي يتموقع في المعارضة ضمن جبهة الخلاص الوطني (أكبر ائتلاف معارض للرئيس) لا يسعى للعودة للسلطة، وإنما يراهن على استعادة المسار الديمقراطي من خلال الجلوس على طاولة الحوار.

ويؤكد التاغوتي أن الوضع في تونس يسير إلى الانهيار على مختلف الأصعدة بسبب تفكيك الرئيس بتدابيره الاستثنائية المؤسسات الديمقراطية المنتخبة وتركيز برلمان صوري ومؤسسات مفرغة من كل الصلاحيات وخاضعة لحكمه الفردي، مقدرا أن تستمر الأزمة السياسية في غياب بوادر انفراج سياسي.

ويرى أن "البلاد مهددة بانهيار مالي واقتصادي وشيك بسبب حالة العبث التي يقود بها (هذا) النظام البلاد". وقال إن سعيد يكيل التهم لخصومه السياسيين بالوقوف وراء أزمة المواد الأساسية "والتآمر على أمن الدولة" بينما يخفي عن الرأي العام حقيقة الوضع المالي والاقتصادي المتأزم للتغطية على فشله.

تونس توا عندها عامين تتحكم من قبل فرد واحد اللي هو قيس سعيّد

تونس منذ انقلاب 25 جويلية 2021 اختارت إنها ترجع بالتوالي عقود طويلة

تونس تحت حكم قيس سعيّد تعيش في زمن شبيه بزمن البايات والقياصرة واحد يقرر وملايين طبق

تونس اليوم بسبب هالوضعية اللي تضحك في العالم علينا وخرت برشا في… pic.twitter.com/2301ZbVlgZ

— Politiket (@PolitiketAr) July 21, 2023

وتستعد المعارضة -مع بلوغ عامين من إعلان سعيد تدابير الاستثنائية، الثلاثاء القادم الموافق 25 يوليو/تموز الجاري- للخروج بمسيرة احتجاجية في قلب العاصمة خاصة للمطالبة بإطلاق السجناء السياسيين من الصفوف الأمامية للأحزاب المعارضة والذين تم اعتقالهم منذ فبراير/شباط الماضي.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

جمعيات تونسية تطالب بإنهاء ملاحقة النشطاء المدافعين عن الحقوق

طالبت 20 منظمة وجمعية تونسية، في بيان مشترك، بوقف الملاحقات القضائية ضد النشطاء السياسيين والمدنيين والنقابيين، محذرة من تصاعد استخدام أجهزة الدولة في تضييق مجال العمل المدني والنشاط السياسي والاجتماعي.

اعلان

وأشار البيان إلى سلسلة من الإجراءات القضائية التي طالت عدداً من النشطاء، من بينهم إسرار بن جويرة وسيف عيادي ووائل نوار وآخرون، على خلفية مشاركتهم في تحركات احتجاجية سلمية بشارع الحبيب بورقيبة في 18 يوليو 2022.

وتضمن البيان حالات عديدة من الملاحقات القضائية، منها إيقاف الكاتب العام للاتحاد المحلي بالسبيخة، جمال الشريف، مع مجموعة من العمال على خلفية نشاطهم النقابي، إضافة إلى محاكمة أربعة مواطنين من فلاحي قرية "البحيرين" في ولاية سليانة لاحتجاجهم على حفر بئر عميقة تهدد مواردهم المائية.

"سياسة ممنهجة للتضييق على حرية التظاهر"

وقد لفت البيان إلى توقيف رئيس جمعية أطفال القمر، عبد الله السعيد، على ذمة التحقيق من قبل فرقة الأبحاث الاقتصادية بالقرجاني، مشيراً إلى أن هذه الإجراءات تأتي ضمن "سياسة ممنهجة للتضييق على حرية التظاهر السلمي وحرية التعبير".

وأكدت المنظمات الموقعة تمسكها بالحقوق التي انتزعها الشعب التونسي في ثورة 2011، داعية القوى الديمقراطية والتقدمية للوقوف صفاً واحداً في مواجهة ما وصفته بـ"محاولات التراجع عن المكاسب المحققة"، مطالبة بإنهاء تجريم ممارسة الحقوق والحريات وقبول التعددية الفكرية والسياسية، كما أدانت التتبعات القضائية باستعمال قوانين تمّ استعمالها في حقبة الاستعمار الفرنسي لتجريم حركة التحرر الوطني.

Relatedأحكام بسجن "نجوم تيك توك وأنستغرام" في تونس بسبب خرق قواعد "الأخلاق الحميدة" تونس: الملايين ينتخبون رئيسا للبلاد وسط انتقادات المعارضة وقمع المنافسين وخشية العزوف عن التصويتناشطون يهاجمون مقر جامعة الدول العربية في تونس احتجاجا على موقفها من الحرب على فلسطين ولبنان

ومن بين المنظمات والجمعيات الممضية على البيان الاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان والاتحاد العام لطلبة تونس والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات وغيرها من الجمعيات.

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية منظمة العفو الدولية تتهم سلطات تونس باعتقال العشرات وتصعيد حملة القمع قبيل انتخابات الرئاسة المقبلة المحكمة الإدارية في تونس تُطالب بإعادة إدراج 3 أسماء على قائمة المرشحين للانتخابات الرئاسية أحكام بسجن "نجوم تيك توك وأنستغرام" في تونس بسبب خرق قواعد "الأخلاق الحميدة" احتجاجاتتونسحقوق الإنساناعلاناخترنا لك يعرض الآن Next عاجل. أزمة غزة تتفاقم مع حلول الشتاء وفشل محاولة التهدئة في لبنان ووقوع جنود إسرائيليين في كمين مجددًا يعرض الآن Next عاجل. أسلحة أمريكية تصل للعمق الروسي.. كييف تستهدف مستودعًا على بُعد أكثر من 100 كيلومتر يعرض الآن Next رئيس بولندا يهاجم شولتس: الاتصال ببوتين كان محاولة لوقف الحرب في أوكرانيا قبل تولي ترامب الرئاسة يعرض الآن Next بوتين يوقع مرسوماً يوسع إمكانية اللجوء إلى السلاح النووي يعرض الآن Next أسعار زيت الزيتون ستنخفض إلى النصف في الأسواق العالمية اعلانالاكثر قراءة مجلس الأمن الدولي يصوّت على مشروع وقف إطلاق نار فوري في السودان غانتس يدعو للتعامل مع جنوب لبنان كمناطق "أ" في الضفة الغربية.. ماذا يعني ذلك؟ حدث "هام" في منطقة الأناضول.. العثور على قلادة مرسوم عليها صورة النبي سليمان "يجب استعمال المصحف كورق مرحاض".. غضب عارم بسبب صورة جندي إسرائيلي وهو يتبوّل على القرآن اليابان ترفع السن القانوني لممارسة الجنس من 13 إلى 16 عاما اعلان

LoaderSearchابحث مفاتيح اليومكوب 29روسياالصراع الإسرائيلي الفلسطيني دونالد ترامبفلاديمير بوتينجو بايدنالحرب في أوكرانيا تغير المناخغزةجمالمنظمة السوق المشتركة لدول الجنوبحركة حماسالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesJob offers from AmplyAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024

مقالات مشابهة

  • جمعيات تونسية تطالب بإنهاء ملاحقة النشطاء المدافعين عن الحقوق
  • بسبب عدم ذكر لقب المهندس.. تفاعل على رد فعل نائب أردني قبل أداء اليمين الدستورية
  • قراءة إسرائيلية في موقف النظام السوري من الحرب مع حزب الله
  • معارضة وموالاة.. هل دخلت أحزاب تونس حالة عطالة؟
  • وزير الصحة: مواكبة أحدث التقنيات لضمان سلامة الدم وجودته لتعزيز كفاءة النظام الصحي في البلاد
  • ميكالي: راض عن أداء اللاعبين أمام الجزائر والقادم أفضل
  • لماذا تخشى المعارضة السورية تولي تولسي الاستخبارات الأمريكية؟
  • اتحاد المستأجرين: الأجرة في العقود القديمة من باب النظام العام الذي لا يجوز مخالفته
  • شبان سودانيون: نقاتل إلى جانب جيش البلاد الذي عارضناه بالأمس
  • الشيباني: الوضع البائس لن يستمر كما يتمنى العابثون.. التغيير قادم