ستسمر واشنطن وطهران في انتهاج قواعد اللعبة ذاتها، المصالح الإيرانية في مقابل تهدئة التوترات الإقليمية، والتي لن تهدأ طالما كانت طهران لا تحقق مصالحها إلا على حساب الاستقرار والأمن الإقليمي، وحيث تنشأ الفوضى والدول الهشة.

 

بدأت إيران وروسيا والصين مناورات بحرية مشتركة في خليج عُمان وشمال المحيط الهندي يوم الثلاثاء الماضي، وهي التدريبات الخامسة من نوعها منذ عام 2019.

 

وعرفت التدريبات باسم "الحزام الأمني البحري 2024"، إذ يمثل الجانب الإيراني وحدات بحرية من جيشه النظامي و"الحرس الثوري".

 

أما الأهداف المعلنة للتدريبات فهي تعزيز الأمن الإقليمي وتعميق التعاون بين المشاركين، وإظهار حسن النية لحماية السلام العالمي وإقامة تحالف بحري من أجل مستقبل مشترك، كما سلطوا الضوء على أهداف أخرى مثل مكافحة القرصنة والإرهاب وتحسين الاستجابات الإنسانية وتبادل المعلومات الاستخباراتية لغرض عمليات الإنقاذ البحرية.

 

وقد كثفت إيران تعاونها العسكري مع بكين وموسكو رداً على التوترات الإقليمية مع الولايات المتحدة، بما في ذلك تزويد روسيا بطائرات عسكرية من دون طيار قبل غزو أوكرانيا عام 2022، كما زادت زيارات ممثلي البحرية الروسية والصينية إلى إيران خلال الأعوام الأخيرة.

 

وبدأت تلك المناورات في الفترة من الـ 15 وحتر الـ 19 من مارس (آذار) 2023، حيث أجرت روسيا وإيران والصين مناورات بحرية تسمى "الحزام الأمني البحري - 2023" في خليج عُمان.

 

وتحاول إيران استعراض علاقتها بروسيا والصين وكأنهم متحدون في مواجهة الولايات المتحدة، فكل منهم يعتبر واشنطن عدواً له، وتريد طهران إعادة تموضع مكانتها ودورها بالبحث عن مكان في النظام الدولي الجديد الذي تسعى الصين إلى تأسيسه.

 

وكثيراً ما صرح المسؤولون الروس بأن القوات الروسية تقاتل الولايات المتحدة في أوكرانيا، أما بالنسبة إلى إيران فإن شعار "الموت لأميركا" كان جزءاً من أيديولوجيتها لعقود من الزمن، فضلاً عن تبرير سياستها الخارجية والتدخلية بأنها ضد الوجود الأميركي في الشرق الأوسط.

 

ويعتبر الشرق الأوسط المكان الأكثر وضوحاً لمحاولة روسيا والصين وإيران توجيه رسائل لواشنطن، ويتزامن ذلك مع الإعلان عن محادثات سرية غير مباشرة بين واشنطن وطهران على خلفية التوترات الجارية في البحر الأحمر بفعل هجمات الحوثيين، كما تتحدث واشنطن مع طهران انطلاقاً من حقيقة الدعم العسكري واللوجيستي الإيراني للمتمردين اليمنيين.

 

وتستهدف واشنطن وقف الهجمات على الشحن البحري من خلال تأثير إيران في الحوثيين، إذ ستعمل طهران على توظيف المناورات العسكرية المشتركة في خليج عُمان مع روسيا والصين، ومحادثات واشنطن غير المباشرة معها في شأن الشحن البحري على اعتبار أنها ذات سيادة وتأثير في الممرات البحرية المهمة مثل خليج عُمان والبحر الأحمر، وبذلك تكون طهران قد حققت جزءاً من أهدافها من وراء هجمات البحر الأحمر، وهو الترويج لنفوذها البحري والتأثير في المصالح الدولية.

 

وفي حين أن المحادثات الأميركية - الإيرانية غير المباشرة على خلفية هجمات الحوثيين تتناقض مع ما ادعته إيران من أنه ليس لها التأثير في وكلائها الإقليميين، لكن الحقيقة هو أن كل ما تبع المنطقة من توترات في لبنان وسوريا والعراق واليمن والبحر الأحمر هو جزء من الإستراتيجية الإيرانية التي هدفت إلى تفعيل ما يسمى مبدأ وحدة الساحات والتأثير في الشحن والتجارة الدولية، والتأثير في مصالح الدول العربية المشاطئة للبحر الأحمر مثل السعودية ومصر.

 

وتستهدف إيران دوماً التحدث إليها، سواء بمحادثات غربية أميركية معها أو من جانب دول الإقليم معها، والسؤال المطروح هنا هو المقابل الذي ستتفاوض إيران من أجله مع واشنطن وسيدفعها إلى التأثير في الحوثيين؟

 

إن الملفات التي تقايض من أجلها طهران تدور حول الملف النووي وتطوير قدراتها بما تجاوز اتفاق عام 2015، ولا سيما أنه في آخر اجتماع ربع سنوي لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية المؤلف من 35 دولة، طلبت واشنطن من إيران التعاون مع مفتشي الوكالة حول توضيحات من طهران في شأن مصدر جزيئات اليورانيوم في مواقع غير معلنة، وهددت واشنطن بأنها ستقوم بإجراء مستقبلي ضد إيران إذا لم تتعاون، بينما يرتبط الملف الآخر بتخفيف بعض العقوبات الأميركية وربما الإفراج عن بعض الأموال المجمدة.

 

وستسمر واشنطن وطهران في انتهاج قواعد اللعبة ذاتها، المصالح الإيرانية في مقابل تهدئة التوترات الإقليمية والتي لن تهدأ طالما كانت طهران لا تحقق مصالحها إلا على حساب الاستقرار والأمن الإقليمي، وحيث تنشأ الفوضى والدول الهشة.


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن ايران امريكا الحوثي البحر الأحمر روسیا والصین

إقرأ أيضاً:

باريس تتهم سلطات إيران بنهب وتدمير المعهد الفرنسي للأبحاث

في تصاعد جديد للتوترات بين باريس وطهران، اتهمت مصادر دبلوماسية فرنسية السلطات الإيرانية بسرقة وتدمير المجموعة الثمينة من الوثائق والمُقتنيات التاريخية، والمُعدّات التقنية التي كانت موجودة في مباني المعهد الفرنسي للأبحاث (IFRI)، الواقع في قلب العاصمة طهران.

مُقتنيات غنية

المعهد مؤسسة ثقافية تتبع وزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية، وبالتالي السفارة الفرنسية في طهران، إلا أنّه لم يستفد من الحصانة الدبلوماسية.

وهو يُعتبر أحد سبعة وعشرين مركزاً بحثياً فرنسياً في العالم، مهمته تعزيز الأبحاث في مجالات بحوث الآثار والعلوم الإنسانية والاجتماعية.

وتضم مكتبته الغنية أكثر من 49 ألف مرجع من بينها 28 ألف كتاب، فضلاً عن قواعد بيانات ضخمة.

ويُعتبر المعهد الفرنسي للأبحاث مركزاً مرجعياً للعديد من الباحثين في العالم حيث يُقدّم لهم الدعم في دراساتهم، وقد تمّ إغلاقه في عام 2023 بعد نشر مجلة "شارلي إيبدو" الساخرة رسوماً كاريكاتوريّة للمُرشد الأعلى علي خامنئي. وتمّ وضعه تحت الإشراف القضائي من قبل السلطات الإيرانية في أغسطس (آب) 2024.

وأشارت وزارة الخارجية الفرنسية إلى أنّ المعهد كان "مكاناً رفيع المستوى للثقافة والتبادلات البحثية"، تأسس في عام 1983 إثر اندماج البعثة الأثرية الفرنسية في إيران، والتي أنشئت في عام 1897 بموجب حصول الفرنسيين على الحقوق الحصرية للتنقيب في إيران لأغراض أثرية، والمعهد الفرنسي لعلم الآثار في طهران الذي أسسه عام 1947 الفيلسوف والمُستشرق الفرنسي هنري كوربين.

#Iran | Le chargé d’affaires de l’ambassade d’Iran a été convoqué au ministère de l’Europe et des Affaires étrangères le 30 août. A cette occasion, la France a dénoncé la pose de scellés sur les portes de l’Institut français de recherche en Iran, alors que la France s’était… pic.twitter.com/btVwr9A5ad

— France Diplomatie ???????????????? (@francediplo) August 31, 2023 تدمير مُوجّه وتقاعس أمني

وفيما لم تُقدّم السلطات الإيرانية أيّ تفسير رسمي لاختفاء وتدمير محتويات المعهد، علمت السفارة الفرنسية في طهران من مصادرها في يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) 2025، وفقاً للمعلومات التي جمعتها صحيفة "لوموند"، أنّ مباني المعهد تعرّضت للغزو المُنظّم في البداية من قبل مُدمنين على المخدرات. ك

ما أظهر المبنى الذي تمّ نهبه بالكامل آثار حريق، في حين تمّ تدمير المُعدّات الإلكترونية وتضرر الأثاث.

ورغم الطلبات المتكررة من السفارة الفرنسية، إلا أنّ الشرطة الإيرانية لم تتدخل للحيلولة دون تفاقم الأضرار والخسائر، وهو ما يُثير العديد من الأسئلة حول وجود دور رسمي، بما في ذلك كيفية كسر الأختام التي تُغلق المعهد. ويُصبح هذا الوضع أكثر إثارة للاهتمام نظراً لأنّ المعهد الفرنسي يقع في منطقة شديدة الحراسة، وتضم العديد من المؤسسات الإدارية والرسمية الإيرانية.

وكان المعهد مركزاً رئيسياً للدراسات حول العلوم الإنسانية والاجتماعية والأبحاث الأثرية حول إيران، والتي تُغطّي الفترة من عصور ما قبل التاريخ إلى العصر الحالي. ولم يقتصر مجال بحثه على حدود الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بل كان يمتد إلى جميع الثقافات في مُحيطها الإقليمي.

L’Iran ferme un institut français après la publication par « Charlie Hebdo » de caricatures https://t.co/FRRjX32q4S

— Le Monde (@lemondefr) January 5, 2023 مُساومة إيرانية

وكثيراً ما تتهم طهران فرنسا والغرب بالتدخل في شؤونها الداخلية. وقد بقي المقر الرئيسي للمعهد، الذي يقع في وسط طهران، مُغلقاً لسنوات عديدة، إلى أن أعيد افتتاحه في عهد الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني (2013-2021) كإشارة إلى تحسّن العلاقات بين باريس وطهران حينها، قبل أن يتم إغلاقه مُجدّداً منذ نحو سنتين.

يُذكر أنّ أسبوعية "شارلي إيبدو" الفرنسية الساخرة، وفي إطار دعمها "الإيرانيين الذين يُناضلون من أجل حريتهم"، أطلقت مُسابقة في عام 2023 لاختيار رسوم كاريكاتورية حول الأوضاع الداخلية في إيران، وذلك في أعقاب تصاعد احتجاجات الشعب الإيراني على وفاة الشابة مهسا أميني أثناء احتجازها لدى الشرطة في سبتمبر (أيلول) 2022.

L'Iran menace la France après la publication de caricatures de Khamenei dans "Charlie Hebdo" https://t.co/Cs4rA1veXH

— Marianne (@MarianneleMag) January 5, 2023

وعلى إثر ذلك دعت السلطات الإيرانية باريس إلى ما أسمته "مُحاسبة مُرتكبي هذه الكراهية والعنصرية" واصفة تلك الرسوم بـِ "المُهينة".

وأغلقت طهران المعهد الفرنسي للأبحاث كردّ على رفض الحكومة الفرنسية تقديم أيّ تنازلات ضدّ حرية الصحافة والرأي.

وكان من بين مهام المعهد، تنظيم ودعم المؤتمرات الدولية من خلال الرعاية المالية والدعم الاستراتيجي، والتعاون مع الجامعات ومراكز الأبحاث الإيرانية. وشكّلت مكتبته وقواعد بياناته، والخدمات المُتنوّعة التي كان يُقدّمها، مُلتقى نادراً للحياة الفكرية والبحثية للإيرانيين والفرنسيين والأجانب.

مقالات مشابهة

  • اختتام مناورات التمرين البحري الثنائي المختلط بمشاركة القوات البحرية
  • اغلاق ميناء نويبع البحري لسوء الأحوال الجوية
  • مجدداً..هل تستعد إسرائيل لضرب نووي إيران؟
  • إغلاق ميناء نويبع البحري لسوء الأحوال الجوية
  • في إيران.. إقامة مراسم تأبين لنصرالله وصفي الدين
  • لليوم الرابع.. استمرار إغلاق ميناء الغردقة البحري لسوء الأحوال الجوية
  • باريس تتهم سلطات إيران بنهب وتدمير المعهد الفرنسي للأبحاث
  • تعويلٌ على تشييع نصرالله... هل بدأت إيران بخسارة لبنان؟
  • اعتقال بريطانيين في إيران.. سياقات التصعيد وانعكاساته
  • إيران تجري مناورات عسكرية جديدة وتحذر من أي هجوم