بقلم .. أمل التازي

تختلف التصورات الخاصة من شخص لآخر حول شهر رمضان، فإذا كان الجانب الروحي سائدا إلى حد كبير عند استحضار شهر الصيام لدى كثيرين، فإن الجانب الاحتفالي يسود لدى شريحة أخرى.

وخلال هذا الشهر، يطغى لدى البعض هاجس البحث عن أحدث الصيحات في "تقاليد" الطبخ والملابس، أو أي شكل من أشكال الموضة السريعة التي تنتشر خلال هذه المناسبة، وهي سلوكيات مدفوعة كذلك بتأثير شبكات التواصل الاجتماعي، إذ لا يتوانى البعض عن الانغماس في السباق المحموم لتحضير "الشهيوات"، واقتناء الأزياء التقليدية، والانكباب على أنشطة الترفيه…، إلى حد الوقوع في فخ الاستهلاك المفرط بعيدا عن روح الاكتفاء والوسطية التي يتعين أن تميز هذا الشهر الفضيل.

وغني عن القول إنه لا شيء يفلت اليوم من تحولات المجتمع الاستهلاكي التي باتت تمس كل أنحاء المعمورة، وتؤثر على جميع جوانب الحياة اليومية، بما فيها الجانب الروحي والديني.

وخلال شهر رمضان، لا تنضب السوق الاستهلاكية بتعدد أوجه الاستهلاك، كالإفطارات الجماعية وأمسيات المديح ورحلات السفر المنظمة للعمرة، والاحتفالات بأول صيام للأطفال، وغيرها.

وتبلغ ذروة أوجه الاستهلاك هذه خلال ليلة القدر، التي أنزل فيها القرآن، والتي يتم الاحتفال بها تقليديا مساء يوم السادس والعشرين من رمضان، ولها مكانة خاصة في نفوس المغاربة، يتوجه خلالها العديد من المؤمنين إلى المساجد لأداء صلاة التراويح والتهجد، لكن دون أن ينعزلوا تماما عن الاحتفالات الليلة الموازية، وتعد هذه المناسبة فرصة للراغبين في أن يغنموا أقصى ما يمكنهم من فضل هذه الليلة التي تعد "خيرا من ألف شهر".

وفي مقابل هذا الوضع المتناقض، الذي بات مقلقا بشكل متزايد، هناك من يحاول، بطريقة أو بأخرى، إيجاد التوازن الصحيح بين الروحي والمادي، والتوفيق بين السعي إلى مستوى عال من التقوى في ارتباطه مع الركن الرابع للاسلام، ومتطلبات الحياة الحديثة، بين الالتزامات المهنية والتحديات المجتمعية.

وعن سبل تحقيق هذا التوازن، تجيب بشرى، وهي مديرة مركز للتدريب، بعبارة واحدة هي: "اعتماد أسلوب حياة"، وتدافع، من خلال نشاطها المهني الذي يركز على إدارة التوتر النفسي، على أهمية اتباع أسلوب حياة صحي خلال شهر رمضان وخارجه، وذلك من أجل تجنب الإفراط.

وتوضح أن الأمر يتعلق "بتناول أكل متوازن" من أجل الحفاظ على الصحة، وتجنب الأطباق التي تحتوى على كميات عالية من السكريات والتوابل، التي عادة ما تملأ الطاولات المغربية، منبهة إلى أهمية التمتع بحس "التنظيم" بشكل يسمح للمرء بالانغماس في الروحانيات دون أن يعيق إنجاز مهامه اليومية.

وعلى المستوى الشخصي، تقر بشرى أنها تستعد مقدما بشكل جيد لشهر رمضان، من أجل الاستمتاع بالأجواء والتقاليد المغربية الفريدة التي تتخلل الشهر الفضيل، "والتي تتيح الفرصة من أجل الارتقاء الروحي، وتقوية الإيمان والتقرب من الله".

وهو ما يسمح لهذه المختصة في التدريب بإدارة مواعيدها بشكل ناجع، وبمواصلة الوفاء بالتزاماتها المهنية، مع الحرص على تنظيم الدورات التدريبية التي تقدمها في الخارج، بإفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا، خارج شهر رمضان، إذ تؤكد أنه من غير الوارد أن تبتعد عن المغرب وعن عائلتها خلال هذه المناسبة، فرمضان في نظرها رديف للبهجة والضيافة والمشاركة والتضامن.

وبدوره، يتفق فريد، وهو موظف بنكي "شديد القلق"، مع هذا النهج؛ إذ يحرص على ممارسة الرياضة من أجل الاسترخاء والصفاء الذهني بعد يوم من العمل المكثف. لكن المشكلة، بالنسبة لفريد، أن هذا النشاط البدني يفتح شهيته وقت الطعام، ويضعف قدرته على مقاومة جميع الأطباق الرمضانية الشهية التي تؤثث المائدة "من أجل متعة العين والمعدة!"، وهو ما يؤثر بشكل خاص على قدرته على أداء التراويح بانتظام.

ويؤكد فريد أنه عقد العزم هو وزوجته على تناول الطعام الصحي المتوازن من خلال بذل كل ما في وسعهما لتجنب التبذير، والهدف من كل هذا هو الانسجام التام مع روح رمضان.

وعلى هذا المنوال، يظهر العديد من المواطنين نفس العزم على الالتزام بالدينامية الإيجابية التي تنشأ في هذا الشهر الفضيل، على أمل استمرارها على مدار العام، من أجل حياة أفضل وناجحة اجتماعيا ومهنيا وروحيا.

 

المصدر: أخبارنا

كلمات دلالية: من أجل

إقرأ أيضاً:

التربية.. هي محور الارتقاء البشري..!!

أحمد الفقيه

في البدء كانت التربية هي الأساس في أي مجتمع من المجتمعات، بل هي العلامة الفارقة فيما وصلت إليه البشرية من تقدم ورقي وحضارة، وازدهار فكري ومادي، وتقني وعمراني شمل مختلف مناحي الحياة.

قال أحد خبراء التربية: “مستقبل أي أمة من الأمم مرهون بالحاضر، وأي انفصام بين الحاضر والمستقبل يترك آثاراً سلبية في سيكولوجية الفرد، لأنه هو محور الارتكاز في المنظومة التربوية”.

لذا علينا أن ندرك أن التربية هي للمستقبل، ولست أعني مستقبل الفرد بقدر ما أعني مستقبل الأمة، لأن مستقبل الأمة مرهون بمستقبل أفرادها التربوي. فالتربية هي المحرك الأساس للفعل الإنساني، ومقياس تحضر ورقي وتقدم الأمم والمجتمعات مرتبط ارتباطاً وثيقاً بتقدمها ورقيها وسلوكها التربوي والإنساني. وهذا ما نشاهده في عالمنا اليوم؛ فالمدنية المعاصرة والأمم المتقدمة هي التي استطاعت أن تأخذ بتلابيب التربية القويمة والمنهاج التربوي المرتبط بالهوية الثقافية والإيمانية، وفي شتى جوانبها الإنسانية والعلمية والفكرية.

التربية، كما عرفها خبراء التربية المعاصرون، هي “عملية حفظ التراث ونقله من جيل إلى آخر”. وبهذا المفهوم، هي عبارة عن همزة وصل لنقل الثقافة والتراث الحضاري من الجيل القديم إلى الجيل الجديد، ضماناً لحفظه ومنعاً من اندثاره.

من هنا ندرك أهمية التربية بوصفها المعبر الحقيقي عن شخصية وهوية وحضارة وتراث أي أمة من الأمم. ومن هنا، لابد أن تنمي لدى الفرد مهارات القراءة والكتابة والبحث والتطبيق؛ فدون ذلك لا فائدة تُرجى من تعليم وتراث وثقافة لا تطبق في الحياة اليومية.

لذا، فالتربية عملية تطبيع مع الجماعة وتعايش مع الثقافة، وبهذا يتميز المجتمع البشري بامتلاكه ثقافة خاصة به تكيفه مع معيشته وتضمن استمراره في الحياة. وهناك ملاحظة هامة لابد من إيرادها، وهي أن الأهداف التربوية نوعان: عامة وخاصة، كما أنها قد تكون قريبة أو بعيدة المدى. ولهذا، فإن التربية تهدف إلى إعداد أجيالنا الحاضرة للتقدم العلمي والاجتماعي والاقتصادي والتكنولوجي. فلا تستطيع أمة من الأمم أن تتقدم اقتصادياً إلا من خلال التربية والعلم والثقافة.

من هنا، ندرك أهمية التقدم الذي يهدف إلى الارتقاء بالفرد والأمة علمياً وثقافياً وتكنولوجياً وتقنياً، ليشمل كافة مناحي الحياة وميادينها المختلفة. كما ندرك أن عصرنا الحالي هو عصر العلم والتكنولوجيا والرقي الحضاري، وأن كل تقدم ورقي مرتبط بركيزتين أساسيتين هما التربية الشاملة والتكنولوجيا، وبدونهما يصبح التقدم العلمي والحضاري مبتوراً لا يواكب متطلبات الحياة المعاصرة ولا يتماشى مع روح العصر الحديث.

صفوة القول:
التقدم العلمي والحضاري ليس تمسكاً أو تقليداً بقشور الحضارة الغربية كماً ونوعاً، وإنما مرهون بما يتوافق مع قيمنا وتقاليدنا وأخلاقنا المستمدة من عقيدتنا القويمة وتراثنا العربي الإسلامي الأصيل الذي ورثناه عن الآباء والأجداد عبر العقود الماضية.

مازال الطريق طويلاً أمامنا، ولدينا الكثير لننجزه، ولكن لابد أن نتسلح بالثقافة القرآنية والهوية الإيمانية التي تمكن الأجيال من كتابة فصل جديد وفريد في تاريخنا الإنساني المعاصر. التقدمية ليست تعني التجهم أو الاستهزاء بكل ما هو ديني أو تراثي، وإنما هي التحسن المستمر في كل ميدان من ميادين الحياة، وأهمها ميدان الأخلاق والرقي الإنساني والتعامل الراقي والحسن.

التربية التي تستطيع الأمة من خلالها أن ترتقي إلى مصاف التقدم الثقافي والحضاري والأخلاقي تعتمد على التمسك بالمثل الأعلى، ولله المثل الأعلى، والإيمان بأن العلم هو طريق التقدم والرقي والازدهار. وبدون عمل وأخلاق وتربية، لا يمكن أن يكون هناك تقدم أو رقي، مهما تعالت الأمنيات وسمت الأهداف.

كلمات مضيئة:
من هنا ندرك أن التربية عملية ضرورية للفرد والمجتمعات والشعوب، تنقل الفرد من طور الفردية البيولوجية إلى طور الشخصية السيكولوجية والاجتماعية. فالفرد يرث عن والديه بعض الخصائص البيولوجية، أما المكونات النفسية والاجتماعية والفكرية فليست ميراثاً بيولوجياً، بل اجتماعياً. والتربية ضرورية للإنسان لتوجيه غرائزه وسلوكياته، وتنظيم عواطفه، وتنمية ميوله بما يتوافق مع ثقافة المجتمع الذي يعيش فيه.

من وحي الشعر:
يا يمن الإيمان..!!
جئتك عاشقاً مستهاماً..
على جبيني وردة بيضاء
وعلى كتفي بقايا أحزان وأشلاء.

ما أجمل ألوان طيفك
عند الغروب..!ّ!
فأنت الروح والريحان
وشاطئ التحنان.

قسماً سأزرع أعماقي..
شوقاً وحباً وتحناناً..
مهما جار الزمن..
فأنت اللقيا والمكان..!

مقالات مشابهة

  • ميكنة وحدة المنية الجيد ببني سويف وندب طبيب أسرة بشكل عاجل
  • رسالة غير مرئية.. 5 أبراج أكثر عرضة للتفكير المفرط.. كيف يغير مسار حياتهم
  • لجان السليمانية الرقابية تعلن حصيلة نشاطها والغرامات التي فرضتها خلال 2024
  • تليفزيون "بريكس": زيمبابوي تسعى لتعزيز صادرات الماس من خلال الارتقاء بقطاع التعدين
  • الطباطبائي يدعو إلى استحداث محافظة حلبجة التي قصفت بالكيمياوي من قبل بلده الأول إيران
  • هل السواك يبطل الصيام؟.. أمين الفتوى يجيب
  • أردوغان يكشف قيمة الأضرار التي لحقت بسوريا خلال 13 سنة
  • التربية.. هي محور الارتقاء البشري..!!
  • وزير الرياضة لـ صامويل إيتو: شكرا على حضورك لتهنئة أبو ريدة «الأب الروحي للكرة المصرية»
  • ماذا يحدث لجسمك عند استخدام الهاتف لساعات طويلة ؟