من أكثر الأمور إيلاماً بالنسبة لأي والد ووالدة، هو مشاهدة طفلهم يتعرّض لأذى ما، فكيف إذا كان ذلك على يد أشخاص مؤتمنين على رعايتهم وحمايتهم؟ الحديث هنا عن المربّيات المعنّفات، والحضانات غير المسؤولة التي توّظف وحوشاً وليس بشراً، وتوكل إليهم مهمّة رعاية أطفال صغار، لا حول لهم ولا قوّة. ولكن هل فكّرت تلك المربّية التي ضربت وشتمت وأرغمت طفلاً على تناول الطعام، في تداعيات أفعالها هذه على صحته النفسية؟ بالطبع لا.

     لا بد من أنكم تتذكرون قضية فيديو تعنيف الأطفال الرضّع في حضانة Garderêve الذي استفزّ الجميع، وسلّط الضوء على واقع مخيف موجود بالفعل في المجتمع اللبناني، جعل من الكثيرين يفكّرون مرّتين قبل تسجيل أبنائهم الصغار في حضانات.   تجربة مروعة
وبالفعل، هذا ما حصل مع لارا، وهي أمّ لطفلة تبلغ من العمر 3 سنوات، ولصبي في عمر الـ6 سنوات، والتي روت لـ"لبنان 24" تجربتها المخيفة.
لارا امرأة عاملة ولكن عن بعد، أي تعمل من منزلها لصالح إحدى الشركات، أرادت التركيز على عملها في هذه المرحلة فقررت توظيف مربية لدوام نهاري كي تعتني بابنتها الصغيرة.
وقالت: "وظفتها لاعتقادي بأن سيدة في عمرها، أي في أواخر الأربعينيات، لديها ما يكفي من الخبرة للتعامل مع طفة صغيرة، إلا أن الحقيقة صدمتني".
وكشفت أنها في يوم من الأيام، كانت توصل ابنها إلى المدرسة التي لا تبعد عن المنزل سوى دقائق قليلة، بينما كانت ابنتها في البيت مع المربية، مشيرة إلى أن الكاميرا في غرفة الصغيرة  كانت تسجّل الأحداث، لحسن الحظ.   وروت لارا لنا أنها قلّما تشاهد المقاطع التي تسجلها الكاميرا بحكم أنها في البيت دوماً، إلا أن "غريزة الأمومة" دفعتها هذه المرة لمشاهدة التسجيلات، وحسناً فعلت.
وقالت: "صعقت بما رأيته. شاهدت المربية وهي تغيّر الحفاض لابنتي بطريقة وحشية، إذ ضربتها على وجهها لأنها كانت تبكي كثيراً، وأمسكت بالحفاض المتّسخ ووضعته على وجه الطفلة، ثم رمته أرضاً وأمسكتها من يدها بطريقة عشوائية ومؤلمة جعلت الصغيرة تنفجر بكاءً بينما كانت المربية ترفعها لتضع الحفاض النظيف".
وتابعت لارا: "لم أصدّق عيني في بداية الأمر، ولمت نفسي مراراً خلال دقائق قليلة لأنني من وظفت هذه المرأة وأدخلتها منزلي كي تعتني بابنتي، إلا أنها كانت تؤذيها بدلاً من ذلك"، لافتة إلى أنّ ما حصل في حضانة Garderêve قبل أشهر جعلها تخاف الحضانات، فظّنت أن المربية المنزلية أفضل.
كما شددت على أن ما جعلها تشعر بشيء من التحسن هو أنها تمكنت من إنقاذ صغيرتها في الوقت المناسب بفضل "حدس الأمّ" الذي تملكه.   هذه التجربة دفعت بلارا إلى توجيه رسالة إلى الأمّهات، وهي أن يثقن بحدسهنّ مهما كلّف الأمر، مشددة على ضرورة التقصي جيداً عن المربية التي يفكرن بتوظيفها، فضلاً عن ضرورة تركيب كاميرات مراقبة في المنزل، وخاصة في غرفة الرضيع.
ما تعّرضت له إبنة لارا مخيف، لا بل مرعب، خاصة وأنه من الممكن أن يكون قد تكرر أكثر من مرة. إلا أن المرعب أكثر، هو الحالة النفسية التي من الممكن أن تكون قد تشكّلت لديها، على رغم صغر سنّها.

هل يتذكر الرضع ما يتعرضون له؟
فهل يتذكّر الرضع والأطفال الصغار ما يتعرّضون له من تجارب صعبة في عمرهم الصغير؟ وما أثرها على صحتهم النفسية؟
أسئلة حملناها إلى الإختصاصية في علم النفس العيادي، الأستاذة الجامعية وأمين عام الجمعية اللبنانية لعلم النفس د. كارول سعادة، التي كشفت أن الأطفال بعد عمر الـ5 سنوات يتذّكرون بشكل واعٍ تعرّضهم للعنف أو أي سوء تعرّضوا له، كما أن الأطفال الأصغر سناً في حال تعرضهم للعنف، تبقى الذكريات المؤلمة في ذاكرتهم العاطفية أي في اللاوعي.
وقالت لـ"لبنان 24" إن الأعراض تظهر بشكل سريع على الأطفال الذين يتعرضون للتعنيف ومنها القلق، الخوف، التبول اللاإرادي، التراجع في التحصيل المدرسي، عدم القدرة على التركيز والحركة الزائدة.
وشددت على أن العنف الذي يتعرض له الأطفال في عمر صغير جداً، يؤثر عليهم بشكل كبير حتى ولو لم يتذكرون بشكل واعٍ، لأنه يؤثر على الدماغ وعلى جهازهم العصبي، ما يؤدي إلى عدم القدرة على التعامل بشكل صحي مع العواطف والمشاعر، بالتالي التأثير هو بالشكل الأكبر على هيكل وظيفة الدماغ وخاصة في المناطق المسؤولة عن معالجة التنظيم العاطفي ومعالجة الخوف والقلق.
هذه العوامل تؤدي على المدى الأبعد بحسب سعادة، إلى شعور الطفل على حبّه لذاته وثقته بنفسه، كما على احساسه بالذنب الدائم، علاوة على أنه من الممكن أن يكره نفسه فيعنّفها بذاته سواء جسدياً أو فكرياً عن كريق التفكير الدائم بالإنتحار.   وفي هذا السياق، شددت سعادة على أنه ليس من الضروري أن يصبح الطفل المعنّف معنّفاً بدوره حين يكبر، علما أن المعنفين عادة يكونون قد تعرضوا لحالات عنف في صغرهم، إلا في حال جرى احتضانه نفسياً ومرّ لاحقاً بتجارب إيجابية وشعر من خلال بالأمان.
من هنا، أكّدت ضرورة تقديم الدعم النفسي وتوفير الجوّ التعليمي الصحي، والحصول على ما تيسّر من الأمان من الأهل والمحيطين بالطفل.
ودعت سعادة للانتباه إلى اضطراب ما بعد الصدمة PTSD التي من الممكن أن يصيب الأولاد بعد تعرضهم للعنف، ويتمثّل برؤيتهم لكوابيس أثناء النوم حتى ولو بعد أشهر عدّة من الحادث، فضلاً عن التبول اللاإرادي، عدم الرغبة بتناول الطعام، البكاء، العنف، قلّة التركيز ومشاكل الذاكرة.
إلى ذلك، شددت على ضرورة توفير الدعم العاطفي للولد من خلال المحيطين به، والذي يجب أن يستمر إلى فترة المراهقة بحيث يدفع به الأهل لاختيار هواية أو مهنة معيّنة يشغل نفسه بها ويستردّ ثقته بنفسه، وتشجيعه على الحركة الجسدية التي تساعد بالترويح عن الخوف والغضب الذي يشعر به.
وختمت بأن العلاج النفسي مهمّ جداً بالنسبة للأطفال، الذي يساهم بإعادة هيكلة الجهاز العصبي كي يتمكن من التحكم بالعواطف السلبية.
 
وفي المحصّلة، لمن لا رحمة لديهنّ ولا ذرّة محبة، هناك وظائف عدّة بإمكانكن اللجوء إليها. ولكن الأطفال؟ ابتعدن عنهم فيكبروا آمنين وسالمين، كي يتشكل المجتمع على أيامهم بالشكل والهيكلية الصحيحين. أمّا أنتن أيتها هالوحوش، فدعوات الأمهات وغضب الآباء لن تسلموا منهما أبداً! المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: من الممکن أن على أن إلا أن

إقرأ أيضاً:

مقررة أممية خاصة تشيد بالتزام الإمارات الراسخ بحماية الأطفال

جنيف - وام
قالت مقررة أممية إن دولة الإمارات العربية المتحدة، تتخذ إجراءات صارمة لمكافحة استغلال الأطفال والاعتداء عليهم، فضلاً عن توفير الرعاية والدعم اللازمين للضحايا.
وأكدت فاطمة سينغاته المقررة الخاصة المعنية ببيع الأطفال واستغلالهم جنسياً، أمس، في بيان صدر في ختام زيارة استغرقت 11 يوماً إلى دولة الإمارات، أن الإمارات قطعت شوطاً طويلاً في تعزيز وحماية حقوق الطفل منذ الزيارة التي قامت بها المقررة السابقة عام 2009، وهناك العديد من التغييرات الإيجابية التي تتماشى مع توصياتها.
ولفتت إلى أن الحكومة وشركاءها بذلوا جهوداً كبيرة في الآونة الأخيرة، مثمنة الإنجازات الكبيرة التي تحققت بالفعل، معربة عن أملها في أن تسهم الزيارة والتقرير الذي ستقدمه في دعم جهود الحكومة لتعزيز التدابير الجارية.
وأشادت الخبيرة الدولية بالجهود التي تبذلها دولة الإمارات العربية المتحدة لتحسين أطرها السياسية والقانونية والمؤسسية ذات الصلة بحماية الطفل مثل قانون حقوق الطفل لسنة 2016 «المعروف أيضاً باسم قانون وديمة»، إضافة إلى وجود العديد من الهيئات المعنية بحماية الطفل مثل مركز حماية الطفل التابع لوزارة الداخلية، ومراكز الدعم الاجتماعي، ووحدة حماية الطفل التابعة لوزارة التربية والتعليم.
وكانت المقررة الخاصة كانت قد زارت مركز الطفل في أبوظبي، ومؤسسة دبي لرعاية النساء والأطفال، ودار الأمان لرعاية النساء والأطفال في رأس الخيمة، ومؤسسة حماية للمرأة والطفل في عجمان، ومركز كنف في الشارقة.
وأكدت سينغاته أن العديد من المؤسسات التي زارتها تمثل مراكز جامعة لعدة تخصصات وجهات تعمل في مجال حماية الطفل، وتوفر دعماً شاملاً ومتكاملاً للأطفال، ما يسهم في الحد من خطر التعرض للصدمات النفسية، معربة عن سعادتها بتطبيق هذه الممارسات الجيدة بشكل أوسع. تجدر الإشارة إلى أن المقررة الخاصة ستقدم تقريراً كاملاً إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في مارس 2026.

مقالات مشابهة

  • ما هي الإمتيازات التي كانت تدافع عنها د. هنادي شهيدة معسكر زمزم
  • متخصصات في أدب الطفل: الجيل الجديد يحتاج أن نرافقه
  • مقررة أممية خاصة تشيد بالتزام الإمارات الراسخ بحماية الأطفال
  • الإمساك عند الأطفال..أسبابه وعلاجه وأنواع الملينات الطبيعية
  • خبيرة أممية: إجراءات إماراتية صارمة لمكافحة استغلال الأطفال
  • إطلاق سياسة حماية الطفل في الحضانات بالتنيق بين وزارة الصحة واليونيسف
  • رسالة مؤثرة من طفل مصاب بالتوحد لأولياء الأمور .. فيديو
  • سلطان القاسمي يفتتح الدورة الـ16 من مهرجان الشارقة القرائي للطفل
  • صدمات الطفولة.. كيف تترك بصمتها في العقل والجسم؟
  • تعرض للغرق..مبادرة حياة كريمة تنقذ حياة طفل فاقد للوعي بالشرقية