تونس- تباينت ردود الفعل بشأن إقالة الرئيس التونسي قيس سعيد عددا من كبار المسؤولين، من بينهم: وزير النقل ووزيرة الثقافة ومحافظا مدينتي المنستير والمهدية، حيث يرى بعض المحللين أن إقالتهم محاولة للتغطية على إخفاقه، بينما قال آخرون إن الغاية من إقالتهم ضخ دماء جديدة بالحكومة.

جاء ذلك عقب زيارة ميدانية مفاجئة نفّذها الرئيس الثلاثاء الماضي إلى مستودع القطارات بالعاصمة، قرر على إثرها إقالة وزير النقل ربيع المجيدي، وبدا قيس غاضبا خلال محادثته مع أحد المسؤولين بالمستودع، نتيجة إهمال صيانة العربات التي تحوّل العديد منها إلى ركام من حديد.

كما قرر الرئيس التونسي في اليوم ذاته إقالة وزيرة الثقافة حياة قطاط القرمازي، ويبدو أن إقالتها كان مبرمجا لها بعد الزيارة الميدانية غير المعلنة، التي قام بها إلى عدد من المنشآت الثقافية في المدينة العتيقة بالعاصمة، وكان قيس كذلك غاضبا من التفويت بأحد المعالم التاريخية لمستثمر.

وتوالت الإقالات أمس الأربعاء لتشمل محافظي مدينتي المنستير والمهدية الواقعتين وسط البلاد، عقب اجتماع سعيد بكل من وزير الداخلية والمدير العام للأمن الوطني والمدير العام آمر الدرك الوطني، عبّر سعيد خلاله عن رفضه أن يبقى المسؤولون وراء مكاتبهم دون تحمل مسؤوليتهم.

وقبل ذلك، وتحديدا في 7 فبراير/شباط الماضي تمت إقالة المديرة العامة للجمارك نجاة العمراني الجوادي بأمر من وزير المالية، لكن المراقبين يعتقدون أن قرار هذه الإقالة جاء مباشرة من الرئيس سعيد، لأسباب بقيت غامضة، لكن لها علاقة بأداء المديرة العامة للجمارك.

غياب الشفافية

لم تشرح رئاسة الجمهورية التونسية أسباب ودوافع تلك الإقالات، مكتفية فحسب بالإعلان عنها إما في خضم اجتماعات الرئيس سعيد بقصر قرطاج مع بعض وزرائه، وإما عقب زيارات ميدانية مفاجئة للرئيس في عدد من المناطق والمجالات.

يقول القيادي في حزب التيار الديمقراطي هشام العجبوني للجزيرة نت إن "تونس تعيش في إطار حكم فردي تغيب فيه الشفافية في نطاق التعامل مع الرأي العام"، مشيرا إلى أن "التونسيين لا يعلمون ما المعايير التي يعتمدها الرئيس، سواء في تعيين وزرائه أو إقالتهم".

لكنه يرى أن "الرئيس سعيد يسعى من وراء حملة الإقالات إلى التغطية على إخفاقه في إدارة البلاد، ومحاولة إيهام التونسيين بأنه ليس مسؤولا عن إخفاق الوزراء المقالين، رغم اختياره لهم في حكومته"، منتقدا تعيين وزرائه من صلب الإدارة التي قال إنها "بيروقراطية ومتكلسة".

ويرى العجبوني أن إقالة الرئيس سعيد لعدد من وزرائه "يعكس إخفاقه في اختيار المسؤولين المناسبين والأكْفاء"، مشيرا إلى ضعف أداء رئيس الحكومة أحمد الحشاني، الذي قال إنه "لم يكن قادرا على تمثيل صورة تونس تمثيلا جيدا في الخارج، خاصة بعد زيارته الأخيرة لفرنسا والجزائر".

ويقول القيادي الحزبي إن "الرئيس يحكم بصلاحيات مطلقة منذ إعلانه تدابيره الاستثنائية في 25 يوليو/تموز 2021، لكن جميع الأرقام والمؤشرات تؤكد تخبط تونس في أزمة اقتصادية ومالية واجتماعية خانقة، وهو ما يثبت إخفاق سياساته وخياراته".

إعفاءات لا معنى لها

من جهة أخرى، قال الأمين العام لحزب التيار الشعبي زهير حمدي، وهو أحد السياسيين المؤيدين لمسار الرئيس قيس سعيد، إن "إقالة وزراء وتعيين آخرين بدلا منهم ليس له أي معنى إذا استمرت الخيارات والسياسات العامة للدولة نفسها، دون طرح بديل جديد لتحسين الوضع العام".

ويضيف للجزيرة نت أن "إقالة الأفراد دون تغيير الخيارات والسياسات أمر دأبت عليه العديد من الأنظمة السابقة دون أن تحرز أي تقدم في النتائج"، مشيرا إلى أن "الوزراء في النهاية هم مجرد مسؤولين ينفذون السياسات، ولذا فإن الاكتفاء بإقالتهم لن يحلّ الإشكال".

ويقرّ حمدي بوجود العديد من النقائص والإخفاقات في حلحلة الملفات الاقتصادية والاجتماعية، والقضايا المتصلة بالأوضاع المعيشية الصعبة، مشيرا إلى أن "الرئيس حقق بعض الإصلاحات السياسية، إلا أن تلك الإصلاحات لم تواكب ما يجب فعله لتحسين الأوضاع المعيشية".

يقول الناشط السياسي أحمد الكحلاوي للجزيرة نت إن "إقالة الوزراء يدخل في صميم صلاحيات أي رئيس في نظام رئاسي"، ويضيف "لا لوم على الرئيس قيس سعيد في إجراء تغييرات على فريق حكومته، إذا تبين من خلال تقييمه وجود إخلالات أو تقاعس".

ويرى أن "الغاية من تلك الإقالات هو تعيين مسؤولين أكثر كفاءة وقدرة على تحسين أوضاع التونسيين"، وعدّ أن "الرئيس سعيد يسعى من خلال مساره إلى النهوض بأوضاع البلاد، التي تردّت جراء استشراء الفساد، والتخريب الذي لحقها من قبل مَن حكموا سابقا".

إقالات متتالية

بعد أن غيّر الرئيس قيس سعيد دستور البلاد في 25 يوليو/تموز 2022، حوّل نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي، مانحا نفسه صلاحيات واسعة في تعيين أعضاء الحكومة وإقالتهم، وتحديد السياسات العامة للبلاد، وتعيين القضاة وإقالتهم، مما جعل المعارضة تتهمه بالتفرد بالحكم.

وبدأت دوامة الإقالات في 7 يناير/كانون الثاني 2023، حيث أقال قيس سعيد وزيرة التجارة فضيلة الرابحي، قبل أن يقيل بعدها بأيام قليلة وزير التربية فتحي السلاوتي، ووزير الزراعة محمد إلياس حمزة، ثم يقيل وزير الخارجية عثمان الجارندي بعد شهر.

وشملت الإقالات -كذلك- وزير التشغيل والتكوين المهني نصر الدين النصيبي في 23 فبراير/شباط 2023، ثم جاء دور وزير الداخلية توفيق شرف الدين الذي أُعلنت إقالته من رئاسة الجمهورية التونسية عقب ساعات قليلة من إعلان الوزير استقالته من منصبه.

وفي بداية أغسطس/آب 2023 أقال سعيد رئيسة حكومته نجلاء بودن، ليعيّن مكانها أحمد الحشاني رئيسا جديدا للحكومة، وفي 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023 أعلن بيان رئاسي عن إقالة الرئيس سعيد وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيّد دون ذكر الأسباب، وقال مراقبون إن "الإقالة جاءت نتيجة دفاعه عن ضرورة اللجوء لاقتراض من صندوق النقد الدولي"، وهو أمر يعارضه سعيد.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات الرئیس سعید مشیرا إلى قیس سعید

إقرأ أيضاً:

لماذا وجه رئيس الشيوخ عتابا شديدًا لـ وزير الصحة خلال مناقشة مشروع قانون المسؤولية الطبية؟

شهدت الجلسة العامة لمجلس الشيوخ، خلال مناقشة مشروع قانون المسئولية الطبية ورعاية المرضى، المقدم من الحكومة، توجيه المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، رئيس مجلس الشيوخ، عتابًا شديدًا لنائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الصحة، الدكتور خالد عبد الغفار، لتغيبه عن حضور الجلسة العامة اليوم أثناء مناقشة مشروع  قانون المسئولية الطبية ورعاية المريض.


وقال رئيس الشيوخ: مشروع قانون المسئولية الطبية له أهمية بالغة، ولي عتاب على وزير الصحة، لعدم حضوره الجلسة العامة، متابعًا: كنا نأمل أن يكون وزير الصحة بيننا اليوم، مشيرا إلى أن مشروع قانون المسئولية الطبية له جوانب فنية كثيرة كانت تقتضي وجوده خلال الجلسة اليوم.

 

من جانبه عقب المستشسار محمود فوزي، وزير الشئون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، قائلًا: عتاب حضرتك على عينا وراسنا، مشيرًا إلى أن وزير الصحة، حينما عقدت اللجنة اجتماعها لمناقشة مشروع قانون المسئولية الطبية، توجه من المطار مباشرة إلى اجتماع لجنة الصحة.


وقال الوزير: موقف وزير الصحة يؤكد أنه هناك مانع جوهري وراء عدم حضوره في الجلسة العامة اليوم، متابعا: الحكومة تقدر المجلس.

وأكد المستشار محمود فوزي، وزير الشئون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، أن مشروع قانون المسئولية الطبية يستهدف حماية المريض وجودة الخدمة العلاجية، مشيرًا إلى أنه يمكن من اللجوء إلى اللجنة المهنية للمسئولية الطبية وهي التي تقرر المسئولية.


وقال: هذه ليست الطريق الوحيد أمام المتضرر، وإنما هناك اتجاه خاص بالمسئولية الطبية، انطلاقًا من المسئولية أمام النيابة العامة، بصفتها صاحبة الاختصاص الدستوري الأصيل، مشيرًا إلى أن  لجنة المسئولية الطبية وفقًا للقانون هي اللجنة الفنية التي يمكن أن تلجأ إليها جهات التحقيق.


وقال وزير الشئون النيابية والقانونية والتواصل السياسي: لا سلب لاختصاصات النيابة العامة في مشروع قانون المسئولية الطبية، حال وجود خلل طبي وترتب عليه أي بلاغات.


من جانبه أوضح المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، رئيس مجلس الشيوخ، أن النيابة العامة تستعين بالطب الشرعي في المسائل الفنية الدقيقة، وتعتمد عليه في منحه الصبغة القانونية، مضيفًا: في هذه الحالة، لا يسلب الطب الشرعي مسئولية النيابة العامة.

مقالات مشابهة

  • لماذا وجه رئيس الشيوخ عتابا شديدًا لـ وزير الصحة خلال مناقشة مشروع قانون المسؤولية الطبية؟
  • «الهجرة غير الشرعية» على رأس ملفات لقاء وزير الداخلية التونسي بسفير الاتحاد الأوروبي
  • الأمين العام لمؤسسة الأمير سلطان بن عبدالعزيز الخيرية : اليوم العالمي للغة العربية يؤكد أهمية اللغة العربية في تشكيل الهوية والثقافة العربية
  • وزير النقل يوجه بإرسال الوجبة الأولى من باصات النقل العام إلى ذي قار
  • وزير النقل يوجّه بتشكيل لجنة تحقيقية في الخطوط الجوية العراقية
  • وزير النقل يرسل الوجبة الأولى من الباصات لمحافظة ذي قار
  • وزير النقل يرسل الوجبة الأولى من من الباصات لمحافظة ذي قار
  • أسطول من باصات النقل العام يدخل الخدمة في ذي قار
  • تونس تعبر عن دعم تطوير أجهزة اتحاد المغرب العربي وتفعيل آلياته في مختلف المجالات
  • الجفاف في الطقس البارد.. لماذا يجب عليك الحفاظ على الترطيب طوال العام؟