???? مع اقتراب إكمال العام… الإقتصاد السوداني كيف يُدار؟
تاريخ النشر: 15th, March 2024 GMT
وحرب السودان تمضي نحو إكمال عامها الأول بخطوات حثيثة، يفقد الإقتصاد القومي مع مرور كل يوم قدرته على مواجهة الأحداث الدائرة وتنخفض المعدلات الإقتصادية إلى أدنى حدودها، فالعملة الوطنية تتآكل يومياً وتنهار أمام العملات الأجنبية، ومعدلات التضخم باتت من الصعب تحديدها بعد أن فقد الجهاز المركزي للإحصاء معلوماته وأجهزته بسبب تدمير مبناه في الخرطوم على يد مليشيا الدعم السريع، وتوقع البنك الدولي انخفاض معدل النمو الاقتصادي إلى سالب (18.
وبالمقابل تحاول الحكومة السودانية أن تواجه هذا الكم الهائل من المشكلات بمحاولة السيطرة على هذه المعدلات الضئيلة وجلب مزيد من الإيرادات لمواجهة بنود الصرف المتزايدة خاصة على المجهود الحربي، كما أكد ذلك وزير المالية السوداني، جبريل إبراهيم الذي أجاز في نهاية العام الماضي الموازنة دون الكشف عن تفاصيلها وأشار إلى أن هذه الموازنة تُراجع كل ثلاثة أشهر لمواجهة التطورات الإقتصادية.
وبحسب مراقبين، فإن إدارة إقتصاد الحرب تتطلب حزمة متكاملة من الإجراءات التي تساهم في خلق توازن بين الإيرادات والمنصرفات لتحقيق استقرار نسبي، غير أن الإقتصاد السوداني يعاني في الأصل من مشاكل هيكلية لا تمكنه من تحقيق الإستقرار المنشود.
مراجعة السياسات
ويرى رئيس غرفة المستوردين السابق، الصادق حاج علي، “أن إدارة إقتصاد الحرب تتطلب مراجعة السياسات المعمول بها وذلك لاستثنائية الظرف حتى وإن أدى ذلك إلى تجميد كل أو جزء من هذه السياسات”.
وشدد على وجوب أن تكون السياسة مرنة للغاية حتى تحقق مصالح المصدرين العاملين في ظروف معقدة وصعبة للغاية ومصلحة الدولة في الاستفادة من الصادرات.
وقال الحاج في حديثه مع (المحقق): “من المفروض مراجعة التالي لأن السياسات الحالية المعمول بها لا تتناسب والظرف الحالي”.
وأشار إلى ضرورة مراجعة الرسوم والجبايات التي زادت بعد الحرب ولم تكن موجودة من قبل”.
رسوم صادر
وأبان الحاجة إلى التعامل مع حصائل الصادر بصورة مرنة ومبتكرة حيث يدفع المصدر عند التصدير كل ما يليه من رسوم وضرائب أرباح أعمال وحتى رسوم جديدة يمكن أن تسمي (رسوم صادر) بشرط أن لا يُسأل عن إرجاع الحصيلة إذا رغب في عدم إرجاعها، لأن الدولة استوفت كل ما يليها من رسوم مقدماً”.
وأضاف “من المفترض والمعلوم سلفا أن المصدر سيرجع أمواله مرة أخرى لتجهيز صادرات أخرى، وهذه ميزة السياسة لمعالجة أي تهرب من إرجاع الحصائل وخصوصاً أن سعر الدولار بين البنك والسوق الموازي يتسع كل يوم”.
وتابع “كبديل لعدم المطالبة بإرجاع الحصائل، يمكن إعطاء المصدر حرية كاملة في التصرف في الحصيلة الخاصة به بأي صورة يرغب فيها بعد إرجاعها للسودان”.
ودعا الحاج إلى إعفاء أو تخفيض الرسوم من الصادرات غير التقليدية مثلا (العدسية والكبكبي وحب البطيخ والشطة، البصل، إلخ) تشجيعاً لتصديرها والدخول في أسواق جديدة “.
وأقر الحاج بأن إرجاع حصيلة الصادر يواجه عدداً من المشكلات بعضها متعلق بالمصارف ووضعها الراهن فضلاً عن أن إرجاع الحصيلة التي يطالب بها البنك المركزي يلزم المصدر ببيعها إلى البنك أو إلى مستورد بالسعر الرسمي في ظل الفارق الكبير بين السعر في السوق الموازي والسعر الرسمي الذي يصل إلى 300 جنيه.
وعن وضع الاستيراد الراهن أكد الحاج أن الوضع في حالة إحجام من المستوردين عن الاستيراد الأمر الذي يصعب معه أن يستطيع المصدر أن يجد مستورد ليبيع الحصيلة.
وقال إن الدولة ليس من حقها أن تلزم المصدر ببيع حصيلة الصادر لجهة أن الأموال هي ملك للمصدر.
وأضاف الحاج أن على الحكومة فقط أن تفرض ضرائب ورسوم لتحصيلها من المصدر أما عائداته من حقه هو وله حرية التصرف بها
وانتقد أن يقوم البنك المركزي بإصدار قائمة لحظر شركات تضم أكبر الشركات العاملة بالأسواق السودانية.
وشدد على ضرورة مراجعة سياسات صادر الذهب لأنه يمثل أكبر الصادرات قيمة حتى الآن مع أهمية إزالة كل العوائق مثل توفير الوقود لحصاد الموسم الشتوي والتحضير الجيد للموسم الصيفي القادم لأن معظم الصادرات التقليدية تزرع فيه.
خطة استيراد وتصدير
وبدوره، يقول الخبير الاقتصادي، د. هيثم محمد فتحي إن الاقتصاد السوداني الآن يحتاج لخفض معدلات الاستهلاك، والتي تتمثل في برامج تقشف استهلاكي على كل المستويات.
وأوضح أن خفض نسبة الواردات وزيادة معدلات الادخار، وتشجيع المنتجات المحلية لزيادة الإنتاج المحلي.
ودعا فتحي في حديثه لـ(المحقق) إلى إعادة النظر في خطة التصدير والاستيراد لتوفير النقد الأجنبي، مع العمل على إحلال المنتجات المحلية بديلاً للمستوردة، وتخفيض الاستثمارات مع تأجيل تنفيذ المشروعات التنموية طويلة الأجل التي ليس لها مردود في العام نفسه، أو لا علاقة لها بالمعركة، وتخفيض في أنواع الإنفاق المختلف بالمصالح الحكومية والقطاع العام.
ونوه أن السودان يعاني ومنذ الانفصال من آثار اقتصادية شديدة الصعوبة، تسببت فيها أزمات متوالية منذ عام 2011، وهو ما يظهر حالياً في ارتفاع سعر الدولار والذهب لمعدلات غير مسبوقة، وانخفاض الاحتياطي النقدي الأجنبي، بجانب الحرب الحالية نتيجة تمرد مليشيا الدعم السريع وما فعلته في تدمير ممنهج للبني التحتية وهو ما يستلزم تطبيق سياسة إقتصادية تتضافر فيها كل الجهود الحكومية والشعبية لحين العبور من تلك المرحلة الحرجة”.
ولفت إلى أن “للحرب تكلفة عالية جداً على اقتصاد السودان وعلى المجتمع السوداني، وتشكل تحدياً كبيراً وتترك آثاراً مدمرة على المستوى الإقتصادي والاجتماعي (والسياسي)، وآثارها تستمر لفترة طويلة حتى بعد انتهاء النزاع المسلح”.
وقال الخبير الاقتصادي، إن عمليات إعادة الإعمار والبناء ستستغرق وقتاً طويلاً، واستعادة الثقة وتعزيز الاستثمار وتحقيق التنمية المستدامة سيستغرق وقتاً أطول بلا شك.
وعن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لجلب الإيرادات وتغذية خزانة النقد الأجنبي أوضح فتحي إنها إجراءات لتحقيق عائدات للخزانة العامة إلا أنه أكد على أن الدولة ستكون أمام حالة تضخم جديدة،
وأشار إلى أن الغاية هي تحقيق عائدات وإعادة استثمارها بما يمكن أن يساهم ذلك بتخفيف حالة التضخم.
وقال “هناك تجنيب لحصائل الصادر بالخارج وعدم استردادها عبر القنوات الرسمية للداخل، وحرمان الدولة من عائدات ثرواتها القومية بما تسببت هذه الفوضى في هذا التدهور الاقتصادي الذي يشهده السودان”.
وتابع “تجنيب عائدات الصادر بالخارج هي عمل ممنهج ومتمدد، لتبدأ معاناة حقيقية في توفير النقد الأجنبي لتغطية احتياجات الدولة من السلع الاستراتيجية والضرورية”.
وأكد أن الإجراءات الأخيرة لتوريد حصائل الصادر للبنك المركزي ومعاقبة الشركات غير الملتزمة يمكن لها أن تساهم في ارتفاع احتياطي النقد الأجنبي في بنك السودان وتنظيم عمليات الصادرات السودانية.
المحقق – نازك شمام
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: النقد الأجنبی
إقرأ أيضاً:
الإعلام السوداني والتحديات التي تواجهه في ظل النزاع .. خسائر المؤسسات الاعلامية البشرية والمادية
خاص سودانايل: دخلت الحرب السودانية اللعينة والبشعة عامها الثالث ولا زالت مستمرة ولا توجد أي إشارة لقرب انتهاءها فكل طرف يصر على أن يحسم الصراع لصالحه عبر فوهة البندقية ، مات أكثر من مائة ألف من المدنيين ومثلهم من العسكريين وأصيب مئات الالاف بجروح بعضها خطير وفقد معظم المصابين أطرافهم ولم يسلم منها سوداني فمن لم يفقد روحه فقد أعزً الاقرباء والأصدقاء وكل ممتلكاته ومقتنياته وفر الملايين بين لاجئ في دول الجوار ونازح داخل السودان، والاسوأ من ذلك دفع الالاف من النساء والاطفال أجسادهم ثمنا لهذه الحرب اللعينة حيث امتهنت كرامتهم واصبح الاغتصاب احدى وسائل الحرب القذرة.
خسائر المؤسسات الاعلامية البشرية والمادية:
بالطبع كان الصحفيون السودانيون هم أكثر من دفع الثمن قتلا وتشريدا وفقدا لأعمالهم حيث رصدت 514 حالة انتهاك بحق الصحفيين وقتل 21 صحفي وصحفية في مختلف أنحاء السودان اغلبهن داخل الخرطوم وقتل (5) منهم في ولايات دارفور بعضهم اثاء ممارسة المهنة ولقى 4 منهم حتفهم في معتقلات قوات الدعم السريع، معظم الانتهاكات كانت تتم في مناطق سيطرتهم، كما فقد أكثر من (90%) من منتسبي الصحافة عملهم نتيجة للتدمير شبه الكامل الذي الذي طال تلك المؤسسات الإعلاميّة من صحف ومطابع، وإذاعات، وقنوات فضائية وضياع أرشيف قيم لا يمكن تعويضه إلى جانب أن سلطات الأمر الواقع من طرفي النزاع قامت بالسيطرة على هذه المؤسسات الاعلامية واضطرتها للعمل في ظروفٍ أمنية، وسياسية، بالغة التعقيد ، وشهد العام الماضي وحده (28) حالة تهديد، (11) منها لصحفيات ، وتعرض العديد من الصحفيين للضرب والتعذيب والاعتقالات جريرتهم الوحيدة هي أنهم صحفيون ويمارسون مهنتهم وقد تم رصد (40) حالة اخفاء قسري واعتقال واحتجاز لصحفيين من بينهم (6) صحفيات ليبلغ العدد الكلي لحالات الاخفاء والاعتقال والاحتجاز منذ اندلاع الحرب إلى (69) من بينهم (13) صحفية، وذلك حسب ما ذكرته نقابة الصحفيين في بيانها الصادر بتاريخ 15 أبريل 2025م بمناسبة مرور عامين على اندلاع الحرب.
هجرة الاعلاميين إلى الخارج:
وتحت هذه الظروف اضطر معظم الصحفيين إلى النزوح إلى بعض مناطق السودان الآمنة داخل السودان منهم من ترك مهنة الصحافة ولجأ إلى ممارسة مهن أخرى، والبعض الاخر غادر إلى خارج السودان إلى دول السودان حيث اختار معظمهم اللجوء الى القاهرة ويوغندا وكينيا أو اللجوء حيث يمكنهم من ممارسة أعمالهم الصحفية هناك ولكن أيضا بشروط تلك الدول، بعض الصحفيين الذين لجأوا إلى الخارج يعيشون أوضاع معيشية وانسانية صعبة.
انتشار خطاب الكراهية والأخبار الكاذبة والمضّللة
ونتيجة لغياب دور الصحافة المسئولة والمهنية المحايدة عمل كل طرف من أطراف النزاع على نشر الأخبار والمعلومات الكاذبة والمضللة وتغييب الحقيقة حيث برزت وجوه جديدة لا علاقة لها بالمهنية والمهنة تتبع لطرفي الصراع فرضت نفسها وعملت على تغذية خطاب الكراهية والعنصرية والقبلية خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وجدت الدعم والحماية من قبل طرفي الصراع وهي في مأمن من المساءلة القانونية مما جعلها تمعن في رسالتها الاعلامية النتنة وبكل أسف تجد هذه العناصر المتابعة من الالاف مما ساعد في انتشار خطابات الكراهيّة ورجوع العديد من أفراد المجتمع إلى القبيلة والعشيرة، الشئ الذي ينذر بتفكك المجتمع وضياعه.
منتدى الإعلام السوداني ونقابة الصحفيين والدور المنتظر منهم:
ولكل تلك الاسباب التي ذكرناها سابقا ولكي يلعب الاعلام الدور المناط به في التنوير وتطوير قطاع الصحافة والاعلام والدفاع عن حرية الصحافة والتعبير ونشر وتعزيز قيم السلام والمصالحة وحقوق الانسان والديمقراطية والعمل على وقف الحرب تم تأسيس (منتدى الاعلام السوداني) في فبراير 2024م وهو تحالف يضم نخبة من المؤسسات والمنظمات الصحفية والاعلامية المستقلة في السودان، وبدأ المنتدى نشاطه الرسمي في ابريل 2004م وقد لعب المنتدى دورا هاما ومؤثرا من خلال غرفة التحرير المشتركة وذلك بالنشر المتزامن على كافة المنصات حول قضايا الحرب والسلام وما يترتب عليهما من انتهاكات إلى جانب التقاير والأخبار التي تصدر من جميع أعضائه.
طالب المنتدى طرفي النزاع بوقف القتال فورا ودون شروط، وتحكيم صوت الحكمة والعقل، وتوفير الحماية للمدنيين دون استثناء في كافة أنحاء السودان، كما طالب طرفي الصراع بصون كرامة المواطن وحقوقه الأساسية، وضمان الحريات الديمقراطية، وفي مقدمتها حرية الصحافة والتعبير، وأدان المنتدى التدخل الخارجي السلبي في الشأن السوداني، مما أدى إلى تغذية الصراع وإطالة أمد الحرب وناشد المنتدى الاطراف الخارجية بترك السودانيين يقرروا مصيرهم بأنفسهم.
وفي ذلك خاطب المنتدى المجتمع الدولي والاقليمي بضرورة تقديم الدعم اللازم والمستدام لمؤسسات المجتمع المدني السوداني، خاصة المؤسسات الاعلامية المستقلة لكي تقوم بدورها المناط بها في التنوير ورصد الانتهاكات، والدفاع عن الحريات العامة، والتنديد بجرائم الحرب المرتكبة ضد المدنيين، والمساهمة في جهود تحقيق العدالة والمصالحة الوطنية.
وكذلك لعبت نقابة الصحفيين السودانيين دورا هاما أيضا في رصد الانتهاكات التي طالت الصحفيين والمواطنين حيث أصدرت النقابة 14 تقريرًا يوثق انتهاكات الصحفيين في البلاد.
وقد وثّقت سكرتارية الحريات بنقابة الصحفيين خلال العام الماضي 110 حالة انتهاك ضد الصحفيين، فيما بلغ إجمالي الانتهاكات المسجلة منذ اندلاع النزاع في السودان نحو 520 حالة، من بينها 77 حالة تهديد موثقة، استهدفت 32 صحفية.
وأوضحت النقابة أنها تواجه صعوبات كبيرة في التواصل مع الصحفيين العاملين في المناطق المختلفة بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة وانقطاع الاتصالات وشبكة الانترنت.
وطالبت نقابة الصحفيين جميع المنظمات المدافعة عن حرية الصحافة والتعبير، والمنظمات الحقوقية، وعلى رأسها لجنة حماية الصحفيين، باتخاذ إجراءات عاجلة لضمان أمن وسلامة الصحفيين السودانيين، ووقف حملات التحريض الممنهجة التي تشكل انتهاكًا صارخًا للمواثيق الدولية التي تكفل حماية الصحفيين في أوقات الحروب والنزاعات المسلحة.
خطورة ممارسة مهنة الصحافة في زمن الحروب والصراعات
أصبح من الخطورة بمكان أن تمارس مهنة الصحافة في زمن الحروب والصراعات فقد تعرض كثير من الصحفيين والصحفيات لمتاعب جمة وصلت لحد القتل والتعذيب والاعتقالات بتهم التجسس والتخابر فالهوية الصحفية أصبحت مثار شك ولها تبعاتها بل أصبح معظم الصحفيين تحت رقابة الاجهرة الامنية وينظر إليهم بعين الريبة والشك من قبل الاطراف المتنازعة تهمتهم الوحيدة هي البحث عن الحقيقة ونقلها إلى العالم، ولم تسلم أمتعتهم ومنازلهم من التفتيش ونهب ومصادرة ممتلكاتهم خاصة في المناطق التي تقع تحت سيطرة الدعم السريع.