في أعقاب تأميم الحكومة الإيرانية برئاسة محمد مصدق في مارس عام 1951 صناعة النفط في البلاد، نظمت الاستخبارات الامريكية والبريطانية ثورة مضادة شبيهة بـ"الثورات الملونة" الأخيرة.

إقرأ المزيد بلا نووي.. الغارة الأكثر دموية في التاريخ

ما يعرف بالثورات "الملونة" أو "البرتقالية" وما شابهها التي نفخت فيها الولايات المتحدة في العقود الأخيرة في العديد من الدول في أرجاء العالم بهدف الإطاحة بالأنظمة التي توصف بالمعادية، يجد نموذجه الأول المطابق بطريقة مدهشة، في إيران بداية خمسينيات القرن الماضي.

تلك المسرحة الانقلابية حدثت في عام 1953، وأفضت إلى إطاحة الاستخبارات المركزية الأمريكية بحكومة بواسطة عملية سمتها وثائق الـ"سي أي إي" باسم "عملية أياكس". الهدف من تلك العملية هو النفط والمزيد من النفط.

مطلع القرن العشرين، كان القسم الجنوبي من بلاد فارس تحت سيطرة الإمبراطورية البريطانية، وبلغ النهب مدى دفع جورج كرزون، الحاكم العام البريطاني للهند بين عامي 1899 – 1905 إلى التعليق على صفقة أبرمها البارون يوليوس دي رويتر في إيران بقوله: "هذا هو الاستسلام لأيد أجنبية الأكثر اكتمالا واستثنائية لجميع الصناعات والموارد في بلاد فارس. هذه جائزة لم نجرؤ حتى على الحلم بها".

مع بداية الخمسينيات بلغ الضيق والتململ في إيران مداه من وقوع ثروة البلاد النفطية تحت السيطرة الكاملة لشركة النفط الإنجليزية الفارسية، في حين أن البلاد كانت غارقة في فقر مدقع.

عملية تأميم شركات النفط الأجنبية في البلاد قادها محمد مصدق، زعيم الجبهة الوطنية الإيرانية ورئيس وزراء البلاد المنتخب من قبل البرلمان الإيراني في ذلك الوقت بأغلبية 79 صوتا مقابل 12.

لم يكن مصدق الذي ينتمي إلى عائلة ثرية ماركسيا، بل كان يعبر عن المصالح الوطنية لشعبه في تلك الحقبة.

بعد دخول قرار تأميم صناعة النفط الإيرانية حيز التنفيذ على الفور في مارس عام 1951،  سارعت الولايات المتحدة وبريطانيا إلى التخطيط للإطاحة بحكومة مصدق.

 مصدق أصبح العدو الشخصي لوزير الخارجية الأمريكي حينها جون فوستر دالاس وشقيقه ألين دالاس، رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.

هذان المسؤولان الأمريكيان كانا على علاقة بالشؤون المالية لشركة النفط الإنجليزية الفارسية التي أطاح بها قرار التأميم.

بدأت المواجهة بين الطرفين، وطردت الحكومة الإيرانية في أكتوبر 1951 جميع البريطانيين العاملين في حقول النفط ومصافي التكرير، وردت بريطانيا بعد ذلك بفرض حصار على إيران، فيما لجأ مصدق إلى الاتحاد السوفيتي للحصول على الدعم السياسي والدبلوماسي والاقتصادي.

تضاعف قلق لندن وواشنطن، وحاولتا الضغط على الشاه محمد رضا بهلوي الذي قام بدوره بإبعاد مصدق من رئاسة الحكومة الإيرانية.

الشاه اضطر إثر حدوث مظاهرات عارمة هددت عرشه، إلى إعادة مصدق إلى رئاسة الوزراء. بعد هذا التطور قررت الاستخبارات الأمريكية والبريطانية تولي الأمر والتصرف بمهارة ومكر.

اتفق في وقت لاحق الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور، ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل على خطة حملت الاسم "أياكس"، أوكل تنفيذها إلى رئيس قسم الشرق الأوسط في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، كيرميت روزفلت، وهو حفيد الرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت. دخل الرجل إلى إيران بشكل غير قانوني وبدأ في تمهيد الطريق للانقلاب.

روزفلت أوصى بداية شاه إيران بمغادرة البلاد لفترة من الوقت، تحسبا لأي طارئ، فيما عقد الجنرال الأمريكي نورمان شوارتسكوف، وهو والد الجنرال شوارتسكوف الابن الذي قاد قوات التحالف المناهض للعراق في عملية عاصفة الصحراء، اجتماعا سريا مع ضباط إيرانيين رفيعي المستوى، وحرضهم على دعم الانقلاب الذي يتم التحضير له ضد مصدق.

لإقناع هؤلاء خصصت الاستخبارات المركزية الأمريكية 19 مليون دولار أمريكي، وزادت على المبلغ مليون دولار حولته من صندوقها الخاص، بهدف شراء المزيد من الذمم!

مقابل هذه الملايين من الدولارات، نظم عملاء ودمى الأمريكيين عدة مظاهرات مناهضة لحكومة مصدق، تحت شعارات براقة تدعي أن "الشعب الإيراني الغاضب من نظام مصدق الدكتاتوري والغارق في الفساد، يقاتل من أجل الديمقراطية والتقدم". هل يُذكر هذا الأمر بشيء؟

شاه إيران حاول في منتصف أغسطس تنحية مصدق مجددا من منصبه، إلا أن الأمر فشل وقام رئيس الوزراء الإيراني المنتخب باستدعاء قوات موالية له إلى العاصمة طهران.

الأمريكيون في نهاية المطاف، تمكنوا من تنفيذ انقلابهم في 19 أغسطس عام 1953. مهد للانقلاب بحشد جموع وسط العاصمة وتشجيعها بما في ذلك من خلال تنظيم عروض فنية مجانية.

الحشود تضخمت، وحين حاولت الشرطة تفريقها، أثار عملاء للاستخبارات المركزية الأمريكية أعمال شغب تطورت على صدامات أسفرت عن مقتل أكثر من 300 شخص.

عمت الفوضى وخرج الوضع عن السيطرة، واستغل الجنرال شوارتسكوف الفرصة وقام على رأس فرقة خاصة بعملية سرية اعتقل من خلالها مصدق وأعضاء حكومته. عاد الشاه على الفور إلى إيران وألغى قانون تأميم شركات النفط الأجنبية. وانتهت عملية "أياكس" بنجاح.

حاولت الولايات المتحدة باستماتة إنكار دورها الرئيس في الإطاحة بمصدق، حتى بعد أن تم نشر أرشيف جهاز استخبارات الشاه "السافاك" بعد انتصار الثورة الإيرانية في عام 1979.

الخطوة الهامة في هذا السبيل قام بها الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما من العاصمة المصرية القاهرة في 4 يونيو عام 2009.

أمام طلاب جامعة القاهرة خاطب أوباما العالم الإسلامي مقرا بأن "الولايات المتحدة لعبت في منتصف الحرب الباردة، دورا في الإطاحة بحكومة إيرانية منتخبة ديمقراطيا".

المشكلة هي عدم القدرة على وضع علامة قاطعة في ختام أي عملية أمريكية مدمرة وعنيفة للإطاحة بالحكومات التي لا تعجب واشنطن ولا تناسب مزاجها. الأمر يتكرر والأخطاء تكبر، وتبقى الولايات المتحدة طيلة الوقت، في القديم والحديث، تجتر الأخطاء تلو الأخرى.

  المصدر: RT

المصدر: RT Arabic

كلمات دلالية: أرشيف النفط والغاز باراك اوباما شاه إيران الاستخبارات المرکزیة الأمریکیة الولایات المتحدة

إقرأ أيضاً:

رئيس كولومبيا: سنعتقل نتنياهو وغالانت إذا زارا البلاد

قال رئيس كولومبيا غوستافو بيترو إن بلاده تحترم قرار المحكمة الجنائية الدولية وستعتقل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت إذا زارا كولومبيا، في حين دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دول العالم للالتزام بقرار الجنائية الدولية وتطبيقه فورا.

وأضاف بيترو في مقابلة خاصة مع الجزيرة إن هدف حرب الإبادة التي تمارسها إسرائيل في قطاع غزة هو منع قيام وطن للفلسطينيين، وقال: منذ أول قذيفة سقطت على غزة كنت أرى أن ما تنوي إسرائيل الشروع به هو تنفيذ إبادةٍ جماعية بحق الفلسطينيين لأسباب سياسية.

واعتبر الرئيس الكولومبي أن نتائج الحرب بين إسرائيل والفلسطينيين التي وصلنا إليها حتى اليوم تؤكد ذلك، مشددا على أن ما يجري في غزة والشرق الأوسط ليس مجرد حرب عابرة، إنها رسالة تهديد ونموذج مخيف من الغرب الى شعوب دول الجنوب.

ورأى أن رفض واشنطن قرارات الجنائية الدولية التي لم ترغب بالانضمام إليها يعني أنها مؤيدة للفظائع، لافتا إلى أن الدول الكبرى والدول التي تحلم بالسيطرة على العالم تضرب بعرض الحائط القانون الدولي وحقوق الإنسان والحضارة الإنسانية، وتزيد التوترات والحروب حفاظا على سيادتها وتحكمها.

وشدد بيترو على أن من راهنوا على الغرب سيشعرون أنهم وحدهم وتمت خيانتهم مثل أوكرانيا ودول في أوروبا الغربية.

وأضاف الرئيس الكولومبي أن شعبه يتأثر بهول مشاهد الإبادة التي يراها في غزة ويسترجع ذكريات قاسية، موضحا: "عانينا من الوحشية والقتل ولذا نشعر أكثر بمعنى الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني".

وكشف أن كولومبيا واجهت ضغوطا بسبب مواقفها تجاه الإبادة في غزة وتتحرك اللوبيات ضدها لا سيما لوبي البنوك، كما اتهمنا بمعاداة السامية بعد قطع علاقاتنا بإسرائيل وهم مخطئون فالفلسطينيون والعرب ساميون.

جوزيب بوريل قال إن قرار المحكمة الجنائية الدولية ليس سياسيا وجميع دول الاتحاد الأوروبي ملزمة بتنفيذه (رويترز) مواقف أوروبية

وفي أوسلو أكدت النرويج التزامها بقرارات الجنائية الدولية، وقالت إنها ستلقي القبض على نتنياهو وغالانت بمجرد دخولهما أراضيها.

وقال وزير الخارجية النرويجي إسبين بارث إيد إنه يجب تنفيذ أي مذكرة اعتقال من المحكمة إذا دخل المطلوبون إلى النرويج، مؤكدا أن بلاده ستتبع قرار المحكمة.

من جانبه قال أندرياس كرافيك نائب وزير خارجية النرويج إن أوسلو ستقوم بما يتماشى مع التزاماتها بموجب القانون الدولي إذا جاء نتنياهو أو أي شخص آخر أصدرت المحكمة بحقه مذكرة اعتقال أو مذكرة تسليم.

أما مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل فاعتبر أن قرار المحكمة الجنائية الدولية ليس قرارا سياسيا وجميع دول الاتحاد ملزمة بتنفيذه. وأضاف بوريل أن المحكمة الجنائية الدولية تسعى لوضع حد للإفلات من العقاب، ولن تكون هناك عدالة أو سلام من دون مساءلة.

وأضاف بوريل في كلمة السبت خلال مؤتمر حول إسرائيل وفلسطين عقد في قبرص الرومية أن المحكمة الجنائية الدولية تسعى لوضع حد للإفلات من العقاب، ولن تكون هناك عدالة أو سلام من دون مساءلة، وانتقد الدول التي لم تعرب عن دعمها لقرار المحكمة، داعيا إياها للالتزام بالقرار.

وأشار إلى أنه عندما قررت المحكمة إصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أعربت دول كثيرة عن تأييدها للقرار آنذاك، لكن بعض تلك الدول اليوم تلتزم الصمت إزاء قرار اعتقال نتنياهو.

أردوغان رحب بقرار الجنائية الدولية ووصفه بأنه قرار شجاع (الأناضول) تصريحات أردوغان

وفي سياق متصل رحّب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اليوم السبت بإصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتَي توقيف بحق نتنياهو وغالانت، معتبرا أنه "قرار شجاع".

وقال أردوغان في خطاب في إسطنبول إن تركيا تدعم مذكرة التوقيف، ودعا جميع الدول المعنية الموقعة على الاتفاق (معاهدة روما) للالتزام بقرار المحكمة بهدف تجديد ثقة الإنسانية بالنظام الدولي.

واضاف أن "من واجب الدول الغربية التي تعطي العالم دروسا حول القانون والعدالة وحقوق الإنسان منذ أعوام، أن تفي بوعودها على هذا الصعيد".

ومنذ اندلاع الحرب في غزة، أكد أردوغان مرارا ان بلاده ستبذل "ما في وسعها لمحاسبة" نتنياهو وحكومته.

وكانت المحكمة الجنائية الدولية أصدرت الخميس الماضي مذكرتي اعتقال دوليتين بحق نتنياهو وغالانت، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال الإبادة المتواصلة التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين بقطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وفي 20 مايو/أيار الماضي، طلب المدعي العام للجنائية الدولية كريم خان، إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت لمسؤوليتهما عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يرتكبها الجيش الإسرائيلي بغزة. كما طلب خان مرة أخرى في أغسطس/آب الماضي، من المحكمة سرعة إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت.

وترتكب إسرائيل إبادة جماعية بغزة خلفت أكثر من 148 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.

وتواصل إسرائيل مجازرها متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.

مقالات مشابهة

  • رئيس كولومبيا: سنعتقل نتنياهو وغالانت إذا زارا البلاد
  • القضية الفلسطينية محور رئيسي في محطات العلاقات العربية الأمريكية
  • «القاهرة الإخبارية»: القضية الفلسطينية محور رئيسي في العلاقات العربية الأمريكية
  • «مش مصدق ومصدوم».. تامر عاشور ناعيا الملحن محمد رحيم (صورة)
  • خبير قانوني: الشرطة البريطانية تؤكد أن الانفجار قرب السفارة الأمريكية كان جزءًا من عملية أمنية منظمة
  • أستاذ قانون: انفجار بريطانيا كان جزءًا من عملية أمنية قرب السفارة الأمريكية
  • دبلوماسي أمريكي..الاختراق الصيني لشبكات الاتصالات الأمريكية هو الأسوأ في التاريخ
  • ارتفاع أسعار النفط وسط مخاوف الإمدادات وتزايد المخزونات الأمريكية
  • بايدن.. أول رئيس أمريكي يبلغ 82 عامًا وهو في السلطة
  • حكم زراعة العدسات الملونة عن طريق العمليات الجراحية