عربي21:
2024-06-30@03:16:44 GMT

مانيفستو عزَّتبيغوڤيتش الإسلامي

تاريخ النشر: 15th, March 2024 GMT

في فجر الثالث والعشرين من آذار/ مارس، عام 1983م؛ اقتحم أحد عشر ضابط استخبارات يوغوسلاڤيا مسكن علي عزَّتبيغوڤيتش، مسوقين بأمرٍ لتفتيش مسكنه واعتقاله. وقد انتزعوا كُتبه من فوق الأرفف، وألقوها على الأرض في أكوام، وصادروا أكثر من مئة كتاب، جُلها لا علاقة له بالإسلام!

وقد أُرسِلَ المحامي عزَّتبيغوڤيتش إلى مخفر الشرطة، بينما لا زالوا يفتشون مسكنه.

وقد اكتشفوا أثناء هذا التفتيش أعداد صحيفة سياسية كرواتيَّة، مما كان يصدُر في المهجر مُناهضا للنظام اليوغوسلاڤي. وحين أُعيد الأستاذ إلى مسكنه بعد التحقيقات الأوليَّة؛ التقط له الضباط صورة وهو يَحملُ الصحيفة "المعادية"! وقد استمرَّت التحقيقات الرسميَّة حوالي ستة شهور، وانتهت إلى إدانة ثلاثة عشر مُتهما؛ كان علي عزَّتبيغوڤيتش على رأسهم، وذلك بتهمة: "تشكيل تنظيم يهدف إلى ارتكاب أنشطة إجراميَّة مُعادية للثورة، وتهديد السلم الاجتماعي اليوغوسلاڤي"!

وقد مُنعَ المتهمون من لقاء ذويهم، أو تلقي أي طعام من منازِلهم، وذلك في بيئة السجون والمعتقلات اليوغوسلاڤية، التي كان المسلمون يُعاملون فيها أسوأ معاملة؛ فيُقدَّم لهم لحم الخنزير، ويُسلَّط عليهم المسجونين الآخرين بسبب ديانتهم. وكان الطعام النظيف، الذي يخلو من لحم الخنزير؛ يُدَّخرُ للمسلمين الذين "يتعاونون" مع السلطة. كذلك، لم يكن يُسمح لهم بالنوم أكثر من ساعتين يوميّا، غالبا في وضع الجلوس على مقعد غير مريح، حيث تتناهى إليهم أصوات صراخ من يُعذَّبون في الزنازين المجاوِرَة. وقد عُذِّب بعض المتهمين، وقُتل بعضهم الآخر، وبدأت "العقوبة الاجتماعيَّة" أثناء التحقيق وقبل المحاكمة؛ فجمَّدوا كل الحسابات البنكية لعزَّتبيغوڤيتش وأفراد أسرته، وحالوا بينهم وبين مالهم القليل؛ لزيادة الضغط على رب الأسرة المعتَقَل.

يُطالعنا في هذا الإعلان/ المانيفستو/ البيان؛ الوجه الحركي لعلي عزَّتبيغوڤيتش رحمه الله، وهو ما أدركه النظام الشيوعي الحاكم في يوغوسلاڤيا؛ فقرَّر معاقبته عليه. ورغم أن هذا الجانب لم يكُن -إبَّان محاكمته- قد تبلور بعد في نشاط سياسي مُكتمل، يُهدد النظام القائم تهديدا حقيقيّا، بل كان هذا النشاط يتوهج حينا ويخفُت أحيانا، لأسباب شتَّى؛ فإن الدولة المتألهة قد أدركت أن هذا الإعلان، يُرادُ به مزاحمة "البيان الشيوعي" -على المدى البعيد- وإزاحته
وإبَّان فترة التحقيق، شنَّت آلة الدعاية الشيوعيَّة حملة غير مسبوقة على المتهمين وأسرهم وأصدقائهم. وأخذت الصحف تنشر دعاياتها تحت مانشيتات مثيرة مثل: "غايتهم جمهوريَّة إسلاميَّة"، "أشباح الماضي في عباءة إرهابيَّة"، "مُناهضة الدستور باسم القرآن"، "الطهوريَّة القذرة"، "إعلانٌ ظلامي يبُثُّ الكراهية"؛ في إشارة واضحة إلى النص الإشكالي: "الإعلان الإسلامي"(1).

* * *

يُطالعنا في هذا الإعلان/ المانيفستو/ البيان؛ الوجه الحركي لعلي عزَّتبيغوڤيتش رحمه الله، وهو ما أدركه النظام الشيوعي الحاكم في يوغوسلاڤيا؛ فقرَّر معاقبته عليه. ورغم أن هذا الجانب لم يكُن -إبَّان محاكمته- قد تبلور بعد في نشاط سياسي مُكتمل، يُهدد النظام القائم تهديدا حقيقيّا، بل كان هذا النشاط يتوهج حينا ويخفُت أحيانا، لأسباب شتَّى؛ فإن الدولة المتألهة قد أدركت أن هذا الإعلان، يُرادُ به مزاحمة "البيان الشيوعي" -على المدى البعيد- وإزاحته، وذلك بالإجابة عن الأسئلة التي صاغتها ماديَّة ماركس وإنغلز -وورثتهما- إجابات مختلفة، مما يُهدد شرعيَّة النظام نفسه، ولو كان هذا التهديد بعد نظريّا محضا في طور التصورات.

وقد عبَّر المؤلف -إبَّان محاكمته- عن تفضيله نشر هذا الإعلان مموها بادئ الأمر ودون اسم؛ لسببين: أولهما أن النصوص التي تُنتج في بيئة قمعيَّة، مثل البيئة اليوغوسلاڤية؛ يتعامل معها المسلمون في أنحاء العالم بريبة، واﻵخر أنه كان يخشى عين المآل الذي انتهى إليه: المحاكمة والإدانة في ظلِّ هذا النظام. وقد بيَّن في طيَّات دفاعه؛ أن غايته الأولى كانت هي ترجمة النص، أولا إلى العربية والإنكليزية، ثم إلى التركية والألمانية. وقد ذكر بعض الدارسين أنه تُرجم كذلك إلى الفارسية والفرنسية. والثابت أن الكتاب قد نُشر -آنذاك- في الكويت وپاكستان وماليزيا والجزائر، بيد أن نسخته البوسنويَّة كانت قد نُسخَت على الآلة الكاتبة، ووزع منها ست نسخ فحسب! وقد كان هذا مما احتُجَّ به على أن الكتاب لم يكن موجها لمتلقٍّ يوغوسلاڤي، خصوصا مع إشارته إلى "العالم الإسلامي" و"البُلدان الإسلامية" ما يربو على الأربعين مرة في هذا النص القصير، مُقررا أنه ما من موطن في الكتاب، يدعو فيه إلى "بوسنة نقيَّة عرقيّا" أو إلى "جمهورية إسلامية بوسنويَّة".

بل إن الموضوعين الرئيسيين في هذا النص؛ هُما: نقد الهوَّة بين النخبة والجماهير في المجتمعات المسلمة، والتوكيد على أن العالم الإسلامي لا يُمكن أن ينصلح حاله بغير الإسلام، علاوة على نقده لموقف المسلمين الطاغي من الحضارة الغربيَّة، وحمله على نظام التعليم في بُلداننا.

ومن هذه الصورة الإجماليَّة، يُمكننا أن نستقي عُنصرين لا يُمكن للقارئ أن يُدرِك دونهما طبيعة هذا النص القصير، وطبيعة المراد به؛ أولهما أن هذا النص محاولة لترجمة الإطار النظري والفلسفة الأخلاقيَّة، التي بلورها في مؤلفه العمدة: "الإسلام بين الشرق والغرب"؛ إلى برنامج حزبي عملي، واعيا بالمسافة الكبيرة التي تفصل فلسفته الأخلاقيَّة-الدينيَّة عن البرنامج الحزبي، فيما دوَّن وفي الواقع سواء بسواء، والآخر هو تجسيد هذا الإعلان لمواجهة النُخبة المتدينة مع الأيديولوجية الشيوعية الرسمية، ومزاحمتها، ومحاولة إزاحتها في مجالات ومساحات؛ تسمح للمسلمين البوشناق بالعمل على حفظ دينهم وتنزيله واقعا، مع ما في ذلك من مشقَّة ليس أقلها مخالفة ذلك كُليّا للأيديولوجية الرسميَّة وسرديتها المادية.

وكلا هذين العنصرين إذا تضافرا -كما يتجلَّى في هذا النص- يجب أن يُولِّدا في الذهن اليقظ إدراكا بعدَّة مؤثرات مهمة، أطلَّت برأسها بارزة من بين السطور؛ لعلَّ أهمها هو شدَّة تأثُّر المؤلف بسياقه وأسئلته وأيديولوجياته، وهو أثر كشف عنه كاتب تصدير الطبعة البوسنويَّة في تكييفه لهذا النص الإشكالي بأنه طوباوي، وإن كان قد أرجع ذلك للمؤثرات المثاليَّة في فكر عزَّتبيغوڤيتش فحسب، غافلا عن السياق الشيوعي الطوباوي؛ "المثالي" بتعريفه!

وعندي أن لجوء عزَّتبيغوڤيتش للغطاء الأممي الإسلامي في هذا الإعلان، يُعبِّرُ عن تأثّره بالأممية الشيوعيَّة، ورغبته في مواجهتها بسلاحها، بأكثر مما يُجسد تعبيرا تلقائيّا عن الأممية الإسلامية الفطرية، التي لم يصطنعها هو ولا غيره؛ إذ هي -لحُسن طالعنا- جزءٌ لا يتجزأ من مسيرة الفكر الإسلامي وتاريخه الحركي، منذ المبعث النبوي الشريف. وبين التعبيرين بون شاسع لا يتسع المقام لبيانه، بيد أن بُرهاننا على ما نذهب إليه ليس هو السياق الشيوعي اليوغوسلاڤي وحده، الذي وَلَّد ما سمَّاه كاتب التصدير: "ليبرالية محكومة"، تُراعي صداقة البُلدان المسلمة بعدم "الإفراط" في قمع المسلمين البوشناق فحسب؛ وإنما لأن التأثُّر بالنسق الشيوعي -أو أي نسق مُهيمن على الواقع- يبني في نفس المفكر ميلا (وأولوية) إلى توظيف فعاليَّة الأدوات نفسها التي يئن الواقع لوطأتها، وإن كان ذلك التوظيف مقلوبا نظريّا يَقلِب معه النتيجة في روعه!

هذه المحاولة -مهما اختلفنا معها ومع ثمارها- كانت خطوة على الطريق (ولو مشوَّشة)، ومرحلة من مراحل البحث عن حلول للواقع المأزوم داخل إطار الإسلام. وبالمثل، فسواء أكان إعجابه بالتحديث الياباني -مُقارنة بالتركي الكمالي!- انعكاسا لثقافته الحداثية الأوروپية أم لا، فإن صدقه مع نفسه لم يسمح له بإغفال كوارث هذا التحديث
وسواء اطَّردنا مع تصريح المؤلف -إبَّان محاكمته- بأن هذا النص أممي؛ موجَّه لشعوب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، أو أخذنا بالقرائن والأدلَّة العمليَّة، التي استفزَّت مخاوف الصرب ووحشيتهم؛ فإنه في كل الأحوال وليد شرعي لسياقه، وشديد الارتباط به؛ فلا يُمكن قراءته بمعزل عنه. وربما صحَّ -نسبيّا- توصيف كاتب التصدير مُعتذرا عن الأستاذ بأنه مفكر محاصَر، بيد أنه يصحُّ إلى المدى الذي يُبين لنا ارتباط النص بسياقه، ولا يصحُّ أبدا بوصفه عُذرا عمَّا يعُدُّه بعضهم من عيوب النص والنسق! فإن المفكر الأصيل والمثقف الملتزم، لا يستخرج أفضل ما جُبِلَ فيه إلا تحت ضغط الحصار ووطأة الاختبار.

وسواءٌ أكانت شدَّة عناية عزَّتبيغوڤيتش بالزكاة -في هذا الكتاب- انعكاسا للسياق الشيوعي، وذلك كما كانت عناية جيله من ذراري العرب بـ"اشتراكيَّة الإسلام" وليدة سياق مشابه؛ فالشاهد أن هذه المحاولة -مهما اختلفنا معها ومع ثمارها- كانت خطوة على الطريق (ولو مشوَّشة)، ومرحلة من مراحل البحث عن حلول للواقع المأزوم داخل إطار الإسلام. وبالمثل، فسواء أكان إعجابه بالتحديث الياباني -مُقارنة بالتركي الكمالي!- انعكاسا لثقافته الحداثية الأوروپية أم لا، فإن صدقه مع نفسه لم يسمح له بإغفال كوارث هذا التحديث؛ إذ يسرد علينا -في كتابه الماتع: "الإسلام بين الشرق والغرب"- وقائع المجتمع الياباني المأزوم بسبب التحديث، وضخامة مُعدلات انتحار الفنانين والأدباء اليابانيين، ويُبين لنا المعنى الإنساني لذلك.

لقد وضع المؤلف، عبر هذا الدليل الحركي، أو "المانيفستو"؛ أسس خُطَّة عمل، تنقل القارئ من تشريح القضايا والإشكالات واستيعابها، إلى نهج للعمل؛ يرسمه الأستاذ لتنزيل فلسفته وفكره في المجال العام. وفيه يتجلَّى إدراكه -رحمه الله- لكيفية تنزيل تصوراته إلى الواقع، والمسافة التي تفصلهما. وهو ما يجعل من هذا "الإعلان الإسلامي" نصّا أيديولوجيّا حارّا؛ دُبِّج للاشتباك مع الواقع العملي، لا مع جذوره النظريَّة.
__________
[1]- Anto Knežević: “Alija Izetbegović’s Islamic Declaration; its substance and its western reception”, Islamic Studies, Vol. 36, No. 2/3, 1997, pp. 483-521.

twitter.com/abouzekryEG
facebook.com/aAbouzekry

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه كتب البوسنة الاسلام الاعلان الاسلامي مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة اقتصاد سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هذا الإعلان هذا النص کان هذا أن هذا فی هذا

إقرأ أيضاً:

ذياب بن محمد بن زايد يشهد الإعلان عن البرامج الصيفية لصندوق الوطن

أبوظبي- وام
شهد سموّ الشيخ ذياب بن محمد بن زايد آل نهيان، نائب رئيس ديوان الرئاسة للشؤون التنموية وأسر الشهداء، الإعلان عن البرامج الصيفية لصندوق الوطن، بحضور الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح والتعايش رئيس مجلس إدارة الصندوق.
وأشاد الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان في كلمة له خلال مؤتمر صحفي عقد، الخميس، للإعلان عن البرامج الصيفية التي ينظمها الصندوق في المدارس والجامعات هذا العام، بتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بأهمية الاعتزاز بهويتنا الوطنية بما تضمه من قيم ومبادئ وما تشير إليه من حرص على تمكين الإنسان.. وثمن دعم سمو الشيخ ذياب بن محمد بن زايد لصندوق الوطن كونه أداة فاعلة لتمكين الشباب وتعزيز انتمائهم للوطن.
وقال: «يشرفني أن أعبر عن اعتزازنا الكبير في صندوق الوطن بحضور سمو الشيخ ذياب بن محمد بن زايد آل نهيان.. إننا إذ نرحب كثيراً بسموه فإننا نتقدم إليه بعظيم الشكر وفائق الامتنان والتقدير.. نشكر سموه، لدعمه القوي، لصندوق الوطن، ونعتز بتوجيهاته المهمة، في أن يكون الصندوق - بعون الله - أداةً فاعلة، لتأكيد الانتماء والولاء للوطن، ولتعميق قدرة أبنائه وبناته، على التعامل الذكي والناجح، مع القضايا والتحديات كافة.. والآن، فإنني أرحب بكم جميعاً ممثلي الصحافة ووسائل الإعلام، في هذا اللقاء الذي نعلن فيه عن البرامج الصيفية التي ينظمها صندوق الوطن، في المدارس والجامعات، لهذا العام، وذلك تجسيداً لرسالته المقررة، في تنمية القيم الإنسانية، والصفات المجتمعية والثقافية، إضافة إلى الخصائص الاقتصادية والعملية، التي تتميز بها الهوية الوطنية، لأبناء وبنات الإمارات».
وأضاف: «أشكركم كثيراً على اهتمامكم بمتابعة أنشطة صندوق الوطن، التي تهدف جميعها إلى الإسهام في دعم سياسات وخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة بالدولة، يحفزنا في ذلك اعتزاز كامل بتعاليم الدين الحنيف، وحرص كبير على مكانة اللغة العربية في المجتمع، والتفاف قوي حول القيم والمبادئ الإنسانية الأصيلة – إننا نحمد الله كثيراً، أن لدينا في هذه الدولة الرائدة، اهتماماً قوياً بالحاضر، وتفاؤلاً كبيراً بالمستقبل، كما أن لدينا شعباً أصيلاً، وقيادة واعية، وارتباطاً قوياً للشعب بقادته، ولنا دور مهم في تحقيق السلام والرخاء، في المنطقة والعالم – دولتنا ولله الحمد، مركز عالمي ممتاز ومتميز، للتجارة والاستثمارات، وأصبحت بحمد الله، النموذج الأمثل، ولعله الفريد، في التسامح والتعايش والأخوة الإنسانية، والسعي الجاد إلى تنمية العلاقات الطيبة، بين الأمم والشعوب».
وأكد أن جميع هذه الخصائص والصفات، في مسيرة دولتنا العزيزة، إنما تتجلى بكل وضوح، في توجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، الذي يدعونا دائماً، إلى الاحتفاء بالقيم والمبادئ، التي تشكل مسيرة هذا الوطن الغالي، الذي يسكن في وجداننا، ويجري في عروقنا – إننا نحمد الله كثيراً أن القيادة الحكيمة لصاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، قد أرست دعائم دولة قوية ومتطورة، تتمتع بالرخاء والأمان والاستقرار وتنفتح بذكاء وثقة على معطيات العصر كافة.
وقال: «إنه يشرفني في هذه المناسبة، أن أرفع باسم جميع العاملين في صندوق الوطن لصاحب السمو رئيس الدولة، أسمى معاني الإجلال والاعزاز، وأصدق دلائل الاحترام والولاء عرفاناً برؤيته الثاقبة، لحاضر ومستقبل الوطن، وبجهوده الرائدة، في تعزيز مسيرة الدولة، والتمكين لموقعها الفريد والرائد، بين دول العالم – إننا في صندوق الوطن، إنما نتقدم إلى سموه، بالعهد والوعد.. بأن نكون دائماً جنوداً مخلصين في مسيرة الدولة، والوعد بأن نبذل كل الجهد، من أجل الإسهام، في تأسيس بيئة وطنية ناجحة، تتسم بالإبداع والإنجاز، وتسهم في تحقيق كل ما ترجوه الدولة، من أهداف، في سبيل تنمية الوطن، ورفعة شأن المواطن.
وأضاف أن توجيهات صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، إنما تؤكد لنا أن الحفاظ على مسيرة الإمارات، لتكون دائماً نابضة بالنجاح والحيوية، إنما يبدأ بالاعتزاز بهويتنا الوطنية، وما تتضمنه من قيم ومبادئ راسخة وأصيلة، بل وكذلك، ما تشير إليه، من حرصٍ كامل، على تمكين الإنسان، وتنمية قدراته، على الإبداع والإنتاج والمبادرة، والإنجاز والتفوق، في كافة المجالات، وأيضاً القدرة على تحقيق التنمية المستدامة، وحماية البيئة، والتعامل الذكي، مع كافة المتغيرات والتطورات.
وأوضح أن صندوق الوطن، في إطار هذه التوجيهات الحكيمة، يلتزم الآن في كافة برامجه وأنشطته بأن يكون تعزيز الشعور بالهوية الوطنية، على هذا النحو الشامل، هو محور التركيز، وأساس العمل، على جميع المستويات منوهاً بأن الصندوق اتخذ في سبيل ذلك، شعاراً جديداً، تنتظم في إطاره، كافة البرامج والأنشطة – هذا الشعار هو «هوية وطنية قوية ومستدامة ركائزها: التمكين، والإنتاجية، والمسؤولية».
وقال: «سوف نقوم الآن بتوزيع وثيقة، تشرح لكم أبعاد هذا الشعار، الذي سوف يكون بإذن الله، مظلة فسيحة وممتدة، تنتظم في إطارها جميع أنشطة وبرامج الصندوق.. إن البرامج الصيفية لطلبة المدارس والجامعات التي نتحدث عنها اليوم تعكس ما يمثله هذا الشعار من احتفاء بالإنسان، في هذه الدولة العزيزة، والعمل على تعميق إدراكه بنبض الوطن، وتأكيد قدراته، على الإبداع والإنجاز، التي تؤكد لديه الانتماء والولاء لهذا الوطن، لأرضه، ومائه، وسمائه، لتاريخه ولغته وتراثه، وحضارته ورموزه، لتقدمه وإنجازاته، بل وأيضاً، لشعبه وقادته، وكذلك ما يمثله هذا الشعار، من سعيٍ جاد، لتطوير قدرة الإنسان على الإنتاجية وتحمل المسؤولية، والإتقان في العمل، وكذلك الحرص على دعم مكانة العلوم والتقنيات والاكتشافات، في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، في ربوع الوطن كافة».
وأضاف أن البرامج الصيفية لطلبة المدارس والجامعات، التي نعلن عنها اليوم، إنما تجسد كل هذه الأهداف والطموحات ولعلكم تذكرون أن صندوق الوطن، كان قد بدأ في تنفيذ بعض هذه البرامج، لطلبة المدارس في العام الماضي، وتم إطلاق برنامجين بالذات هما برنامج «قدوتي»، وبرنامج «فكرتي» يركز برنامج «قدوتي»، على تعزيز عناصر الهوية الوطنية، لدى الطلبة المشاركين، بينما يهتم برنامج «فكرتي»، بتنمية القدرة على الإبداع والابتكار والمبادرة، في كافة مجالات النشاط الإنساني في الدولة.. إننا نحمد الله كثيراً، أن التجربة الأولى لهذين البرنامجين، في العام الماضي، كانت ناجحة تماماً، وكان الإقبال عليهما كبيراً للغاية.. كما أننا نحمد الله، أن برامج هذا العام، سوف تشهد تطوراً ملحوظاً، في المحتوى وطرق التنفيذ، كما أنها تحظى بإقبال كبير من الطلبة – لدينا حتى الآن، ما يقرب من خمسة عشر ألف طالب، قد تم تسجيلهم في هذه البرامج.
وأوضح أنه في ضوء الإقبال الواسع، على برامج الصندوق، وبناءً على اهتمامات الطلبة وأولياء الأمور، سيتم هذا العام، إضافة برنامج ثالث، لطلبة المدارس هو برنامج «لغة القرآن» الذي يهتم باللغة العربية باعتبارها جزءاً أساسياً في الهوية الوطنية ويعمل على تنمية مهارات القراءة والمحادثة والكتابة بها، في إطار الاعتزاز بالمبادئ والقيم السامية، في ديننا الحنيف منوها بإقبال كبير على الالتحاق بهذا البرنامج الذي سينمو وتزداد أهميته، في المستقبل.
وشدد الشيخ نهيان بن مبارك على أن هذه البرامج الثلاثة في مدارس الدولة، يتم تنفيذها على نحوٍ يحقق جميع الأهداف والغايات، وذلك من خلال خطط ملائمة للتنفيذ وتعاون كامل مع المدارس المشاركة فيها التي يبلغ عددها 18 مدرسة إضافة إلى مشاركة نشطة من جميع فعاليات المجتمع بل ووعي مجتمعي كبير بأهمية هذه البرامج واعتزاز أكبر بالدولة وقادتها وجميع أبنائها وبناتها.
وقال:«إننا نتطلع لأن تزداد هذه البرامج وتتوسع، في الأعوام المقبلة، وذلك في ضوء نتائج التطبيق العملي، واحتياجات الطلبة والمدارس» موضحاً أن صندوق الوطن سيقوم بالعمل مع المدارس المشاركة على تشجيع الطلبة الدارسين في هذه البرامج على تشكيل نوادٍ مدرسية يقومون من خلالها بمشاريع لخدمة البيئة والمجتمع خلال العام الدراسي تكون مجالاً يحتفي فيه الطلبة بهويتم، وقيمهم، ومبادئهم، ويظهرون التزامهم القوي، بالأخلاق الحميدة، والسلوك الكريم، في الحاضر والمستقبل، على السواء..هذا عن طلبة المدارس أما عن طلبة الجامعات فسيبدأ صندوق الوطن هذا العام وللمرة الأولى، في طرح برنامج «فرسان القيم» الذي يتألف من برنامج دراسي لمدة ثلاثة أسابيع، حول القيم الإنسانية، التي تشكل مسيرة الإمارات، ودورها في ترشيد السلوك الشخصي والمهني للطالب، يتبعه اشتراك هؤلاء الطلبة، في نوادٍ للهوية الوطنية في جامعاتهم وكلياتهم، يقومون من خلالها، بتنظيم أنشطة لخدمة البيئة والمجتمع، أثناء العام الدراسي، كما تتاح أمامهم فرصة الاشتراك في مشاريع مهمة، للخدمة العامة، خلال فصل الصيف والعطلات المدرسية.. وسيبدأ هذا البرنامج هذا العام، على سبيل التجربة، في كليات التقنية العليا، وجامعة نيويورك، وجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، ومعهد التكنولوجيا التطبيقية.
ونوه بأن صندوق الوطن سيطرح اليوم بيانات تفصيلية عن هذه البرامج.. مشيراً إلى أنه تم إطلاق موقع إلكتروني يضم جميع المعلومات في هذا الصدد وأعرب عن أمله في أن يمتد تأثير هذه البرامج الصيفية إلى حياة الطالب في العام الدراسي كله وأن تكون تجسيداً مهماً لشعار صندوق الوطن الذي يحرص على تأكيد مبادئ التمكين والإنتاجية والمسؤولية في الهوية الوطنية، والإسهام في تنمية قدرات أبناء وبنات الوطن على تحقيق حياة أفضل، لأنفسهم، ولمجتمعهم، وللعالم من حولهم.
وقال في ختام كلمته: «أتوجه بالشكر والتقدير إلى مدارس الدار التي بدأت معنا هذه البرامج في العام الماضي وكان لالتزامها القوي، وعزمها الواضح الأثر الأكبر في تحقيق النجاح لها، وتأكيد المستقبل الواعد، الذي ينتظرها.. أشكر كذلك جميع المدارس والجامعات، بل وجميع مؤسسات المجتمع، التي تشارك معنا، في تنفيذ هذه البرامج أرحب كذلك بالطلبة المشاركين وأعتز كثيراً بدعم الآباء والأمهات وأولياء الأمور لها، وكذلك الشكر موصول للصحافة ووسائل الإعلام وآمل أن تكون العلاقة بين صندوق الوطن وممثلي وسائل الإعلام دائماً على نحوٍ يحقق التغطية الإعلامية الفعالة لبرامجه وأنشطته وفي الوقت نفسه القيام بدوركم المهم في خدمة المجتمع والإنسان في هذا البلد العزيز».. داعياً الله سبحانه وتعالى، أن يوفقنا جميعاً إلى كل ما ينفع دولتنا العزيزة، لتظل دائماً دولة الخير والنماء، في ظل القيادة الحكيمة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله.

مقالات مشابهة

  • صاحبة فيديو رقصة التخرج باكية: ملابسي كانت محتشمة ولم تكن خارجة عن المألوف
  • منظمة التعاون الإسلامي تدين بشدة مصادقة حكومة الاحتلال على شرعنة بؤر استيطانية
  • "التعاون الإسلامي" تدين مصادقة الاحتلال الإسرائيلي على بؤر استيطانية
  • عمل غنائي بعنوان «أولالا» يعكس معاناة اللآجئين السودانيين العالقين بأثيوبيا
  • عاجل- قبل إعلان التشكيل الوزراي الجديد.. تابع تطورات حركة المحافظين 2024
  • تحالف لصد إسرائيل.. لماذا الآن؟
  • ذياب بن محمد بن زايد يشهد الإعلان عن البرامج الصيفية لصندوق الوطن
  • "الجهاد الإسلامي" عملية جنين رد على جرائم الاحتلال
  • الصورة الشعريّة الحديثة
  • 30 يونيو في الميزان.. كيف أكلت أولادها ووأدت مطالبها وتفردت بحكم مصر؟