عملياتنا العسكرية بلغت هذه المرة مديات غير مسبوقة ووصلت ثلاث عمليات إلى المحيط الهندي إجمالي السفن المستهدفة والبارجات خلال الأسبوع الأخير بلغ 73 سفينة وبارجة في البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن موقفنا في تصاعد وقدراتنا في تطوير مستمر ومعركتنا لن تتوقف طالما لم يتوقف العدوان والتجويع على أهلنا في غزة تأثيرات الغارات والقصف الأمريكي منعدمة تجاه القدرات الصاروخية والمسيّرة لبلدنا وتجاه استمرار العمليات بفاعلية لا خيار أبداً للأمريكي ولا للبريطاني إلا وقف العدوان على غزة ووقف التجويع على أبنائها

الثورة/

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.


اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
وَتَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكُمُ الصِّيَامَ وَالقيَامَ وَصَالِحَ الأَعمَال.
هذه الكلمة هي متعلقة بالمستجدات الأسبوعية، في العدوان الإسرائيلي الهمجي، الإجرامي، الوحشي، على الشعب الفلسطيني في غزة، ونحن في الشهر السادس، وللأسبوع الثالث والعشرين على التوالي، وفي اليوم المائة والستين والعدو الإسرائيلي مستمرٌ في عدوانه الإجرامي على قطاع غزة، يمارس أبشع الجرائم، يرتكب جريمة الإبادة الجماعية بكل ما تعنيه الكلمة، إضافةً إلى الاعتداءات اليومية ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس.
وقد بلغ عدد الشهداء والمفقودين: (أكثر من تسعةٍ وثلاثين ألف شهيد ومفقود)، وعدد الجرحى: (أكثر من ثلاثة وسبعين ألفاً)، في الضفة: (أربعمائة واثنين وثلاثين شهيد، وأربعة آلاف وسبعمائة جريح)، وبلغ عدد المخطوفين في الضفة: (سبعة آلاف وخمسمائة وخمسة وستين).
هؤلاء ليسوا مجرد أرقامٍ تَعْبُر على مسامع الناس، بل هي أرواح بشرٍ تزهق، وتهدر حياتهم، وجراحات ومعاناة شعبٍ يباد، واستهدافٌ شاملٌ للحياة بكل إجرامٍ وتوحشٍ وعدوان، وهذه الأرقام الهائلة، التي معظم الشهداء فيها من الأطفال والنساء، ومعظم الجرحى- كذلك- من الأطفال والنساء، هي عارٌ على عالم يدَّعي التحضر، ويتغنى بالحقوق، وفضيحةٌ لما يسمى بالمجتمع الدولي.
والمسؤولية الإنسانية، والدينية، والأخلاقية، كبيرةٌ في المقدِّمة على المسلمين قبل غيرهم، الذين يفترض بهم أن يتحركوا تحركاً جاداً وفعلياً لنصرة الشعب الفلسطيني، ومنع الاستمرار الإجرام الصهيوني، الذي يمارس جرائم الإبادة الجماعية بكل الوسائل: بالقتل،وبلغ عدد المجازر الجماعية: (أكثر من ألفين وثمانمائة وأربعين مجزرة)، وصلت إلى متوسط تسع مجازر كل أربعٍ وعشرين ساعة، إضافةً إلى الاستهداف بالقتل للشعب الفلسطيني في الطرقات، والشوارع، والمدارس، ومخيمات النازحين، وفي كل مكان، مع المعاناة الكبيرة جداً للأسرى والمخطوفين الفلسطينيين في سجون العدو الإسرائيلي، حيث يستهدفهم بالقتل، يقتل البعض بدمٍ بارد، ويقوم بإعدامهم، والبعض يعذبهم حتى القتل، حتى يقتلهم، البعض ينتهك كرامتهم الإنسانية بالاغتصاب، ويمارس كل أنواع التعذيب ضدهم.
أمَّا سعي العدو الإسرائيلي لإبادة الشعب الفلسطيني في غزة بالحصار والتجويع، فقد بلغت المأساة إلى مستوى كارثي، والآلاف من أهالي غزة لم يجدوا وجبة طعام يفطرون عليها، وهناك تصريحٌ ملفت في لجنة الطوارئ في بلدية غزة، قال: [سيكون لدينا شهداء بسب العطش].
المعاناة الكبيرة من التجويع والحصار أدَّت إلى وفيات يومية من الجوع، وأكثر هذه الوفيات من الأطفال، والاستهداف للأهالي أيضا بالقتل أثناء تجمعهم للحصول على المساعدات، أو الوجبات النادرة، والقليلة، والشحيحة، التي تصل إليهم في بعض الشاحنات، التي تدخل في الحالة النادرة، أو الوجبات التي يلقى بها من الطائرات، في المسرحية الأمريكية، التي تسيء إلى كرامة الشعب الفلسطيني، يستهدفهم أيضاً العدو الإسرائيلي بالقصف بالدبابات، والقناصة، وإطلاق النار؛ لقتلهم أثناء تجمعهم، وهم في حالةٍ شديدةٍ من الجوع والمعاناة، يريدون أن يحصلوا على الطعام لأنفسهم ولأطفالهم، فيباشر الاستهداف لهم بالقتل.
يستهدفهم أيضاً بجرائم الإعدام بدمٍ بارد في منازلهم، ومن ذلك جريمة إعدام الفلسطيني الطاعن في السن، وهو على سرير نومه، وانتشرت مشاهد للجنود الصهاينة وهم يتبادلون التهاني، ويفتخرون بجريمتهم، في أنهم قتلوا رجلاً طاعناً في السن، على سرير نومه، أعزل من السلاح، يتفاخرون بأنهم قتلوه، ويهنئون الذي نفَّذ تلك الجريمة، وهو يتفاخر بأنه قتله بأربع طلقات.
التفاصيل الإجرامية لممارسات العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في غزة كثيرة، وطالت كل مناحي الحياة، ومظلومية الشعب الفلسطيني لا مثيل لها، والعدو الإسرائيلي الذي يُنَفِّذ ما يُطلق عليه كوصفٍ حقيقي (جريمة القرن)، جريمة القرن بكل ما تعنيه الكلمة، هو يُنَفِّذ تلك الجريمة، ويشاركه الأمريكي، والمساهمون معه من الدول الغربية وبعض العرب؛ أمَّا الإسهام الآخر فهو للتخاذل، التخاذل والتفريط من المسلمين، وفي مقدمتهم العرب، إلَّا القليل.
الأمريكي يزيد من إسهامه ومشاركته في استمرار الإجرام والعدوان الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في غزة، بمنعه من وقف العدوان، وإصراره على استمرار العدوان، واستمرار الحصار، ومساعيه الالتفافية، التي يحاول أن تكون هي وسيلةً مساعدة لاستمرار العدوان واستمرار الحصار؛ لأن الاستحقاق الشرعي، الطبيعي، الواضح، هو: وقف العدوان، ووقف جرائم الإبادة الجماعية، وإنهاء الحصار، وفتح المنافذ البرية، لدخول المساعدات، والغذاء والدواء، إلى الشعب الفلسطيني في غزة، هذا هو الموقف الصحيح، والموقف الطبيعي، والحق المستحق للشعب الفلسطيني، لكن الأمريكي يصر على استمرار جرائم الإبادة الجماعية والعدوان، ويصر على استمرار الحصار والتجويع، ومنع فتح الممرات البرية لدخول المساعدات، ولا يريد أن يكون هناك ممرات إضافية بحرية؛ لأنه ليس هناك ما يغني عن فتح الممرات البرية أبداً، وليس هناك من مبرر لإغلاقها، ومنع دخول المساعدات عبرها، ولكن الأمريكي يحاول أن يتعامل بطريقة مخادعة، فلا فتح كامل للممرات البرية، ودخول مستمر للشاحنات التي تحمل الغذاء والدواء للأهالي في غزة، ولا إضافة منافذ أو ممرات بحرية حقيقية، تتدفق عبرها الاحتياجات الضرورية للشعب الفلسطيني، وتكون إضافية إلى الممرات البرية، هو يتحدث عن ميناء بحري عائم، تصل عبره- بإشرافه هو، وسيطرته هو- القليل القليل من المساعدات الغذائية.
فالأمريكي حوَّل المسألة من دخول ما يكفي أهالي القطاع، ما يكفي الشعب الفلسطيني في القطاع من غذاء ودواء، إلى بدائل أخرى: تقديم القليل جداً، الذي لا يوقف حتى وفيات الجوع، لا يوفر الاحتياج، ولا القليل من الاحتياج، يعني: نسبة ضئيلة جداً، يلقي عدداً يسيراً من الوجبات عبر الطائرات، لا يصل إلى ما يقارب أربع شاحنات، مما يمكن أن يأتي عبر المنافذ البرية، ثم هو يسعى من خلال هذا إلى خداع الرأي العام، وإلى إلهاء الشعوب المسلمة في العالم العربي وغيره، وفي محاولة للاستمرار في الإجرام، يُقَدِّم هذه البدائل التي ليست حلاً، ليست حلاً، ولا تغطي الاحتياج للشعب الفلسطيني في غزة، ولا توفر مقداراً محترماً من الغذاء والدواء للشعب الفلسطيني، بل على العكس من ذلك، شيء قليل جداً ونادر، تستمر معه المأساة بحجمها الكبير، بحجمها الكبير بكل ما تعنيه الكلمة، يستمر الجوع، وتستمر الوفيات من الجوع، تستمر كذلك حالة الانعدام للأدوية، تبقى المأساة كما هي، يكون في الصورة أن هناك مساعدات تقدم، وهناك أغذية تصل، يلقى بها من الطائرات، أو عبر ميناءٍ بحريٍ عائم، يكون هذا شيء ظاهر في الصورة، لكن في الحقيقة والواقع الجوع مستمر، الحالة السائدة والغالبة هي: حالة الجوع والمعاناة الشديدة، وانعدام الغذاء على معظم السكان، واستمرار وفيات الأطفال من الجوع؛ ولذلك فهو خداع يعتبر جزءاً من العدوان.
هذه الأساليب الالتفافية الأمريكية، التي يريدها أن تكون بديلاً عن المستحق المشروع للشعب الفلسطيني، وعن الحلول الصحيحة، وعن الإجراءات الصحيحة، هي بحد ذاتها جزءٌ من العدوان على الشعب الفلسطيني، وجزءٌ من الاستمرارية في العدوان، والاصرار على استمرار المأساة التي يعاني منها الشعب الفلسطيني؛ فالأمريكي يُصر على مواصلة الجريمة، يصر على استمرار التجويع ومنع إدخال الغذاء عبر الممرات، وحتى الصناديق التي يلقيها في أعداد بسيطة محدودة من الطائرات، يقتل بها الشعب الفلسطيني، ويحاول أن يثير بها الفتنة بين أوساط الشعب الفلسطيني، يحاول أيضاً أن يقدم المساعدات المحدودة جداً، التي يمنع من خلالها وصول المساعدات الحقيقية، التي هي بالقدر الكافي للشعب الفلسطيني، بطريقة يمتهن بها كرامة الشعب الفلسطيني.
في مقابل هذا الحجم الهائل للإجرام، والتدمير الشامل، والقصف بإعداد هائلة جداً، من أطنان القنابل والمتفجرات التي يقدِّمها الأمريكي لقتل أهل غزة، ولإبادة الأطفال والنساء والأهالي في غزة، هناك في المقابل استمراريةٌ للصمود والثبات للمجاهدين في غزة، وللشعب الفلسطيني في غزة بشكلٍ عام، صمودٌ عظيم بكل ما تعنيه الكلمة، وصبرٌ وثباتٌ وتماسكٌ لا مثيل لها، بالرغم من حجم المعاناة الشديدة.
المجاهدون في قطاع غزة، من كتائب القسام، وسرايا القدس، وبقية الفصائل الفلسطينية، يواصلون القتال في مختلف محاور القتال: في خان يونس، ووسط القطاع، وبقية المحاور، ويفاجئون العدو بالكمائن، ويستهدفونه بمختلف أنواع الأسلحة المتوفرة في العادة لديهم: بقذائف الهاون، بالمسيرات، بالقنَّاصة، يستهدفون أيضاً المدرعات والآليات العسكرية باستمرار، بل يفاجئون العدو بتكتيكات إضافية وجديدة، ويتكيفون مع الواقع الصعب جداً.
صمودهم بفاعلية وثبات، وهم يُكَبِّدون العدو الخسائر بشكلٍ مستمر، بالقتل لجنوده، والجرح لجنوده، والاستهداف لآلياته، ويواصلون القتال بفاعلية وتماسك عظيم، هذا بحد ذاته- كما كررنا في كل الكلمات- حجة كبيرة على كل المسلمين؛ لأنهم لو اتجهوا بجديَّة لتقديم الدعم للمقاومة الفلسطينية، ولو بمستوى لا يقارن بما تقدمه أمريكا والغرب للعدو الإسرائيلي، ولو بالحد الأدنى من الدعم؛ لكان هناك صورة مختلفة للمعركة وللأحداث في غزة.
نحن نرى هذا الصمود للمجاهدين في غزة، هذا الاستبسال، هذه الفاعلية، هذا التأثير على العدو، إلى درجة أن يفشل العدو ويخفق بشكلٍ كبير في السيطرة التامة، وفي التخلص من المجاهدين، وفي إنهاء المعركة معهم، ولكن مع الظروف الصعبة جداً، والإمكانات المحدودة للغاية التي بأيديهم، لماذا؟
لأننا عندما نأتي إلى واقع المسلمين، ومستوى الدعم الذي يقدمونه للمقاومة الفلسطينية، مَن مِن الخمسين دولة يُقدِّم السلاح للمقاومة الفلسطينية في غزة؟ على مستوى الدول، الحالة الوحيدة الفريدة هي: الجمهورية الإسلامية في إيران، من يقدِّم السلاح للمقاومة الفلسطينية في غزة، لماذا؟ لماذا لم تتجه بقية الدول لدعم المقاومة الفلسطينية بالسلاح، وهي تجاهد في سبيل الله دفاعاً عن شعبها، وعن أرضها، وعن حقها المشروع، ودفاعاً عن الأمة بكلها، هي في الخندق الأول، هي تخوض معركة لكل الأمة، ولمقدسات الأمة، التي على رأسها المسجد الأقصى الشريف؟ لماذا أصبحت المسألة وكأنه من المعيب أن يتحدث أحد عن ذلك، وكأنه لا ينبغي أبداً أن يُقدِّم أحدٌ السلاح للمقاومة الفلسطينية، أو الإمكانات التي تساعدها على مواصلة المعركة؟
أمَّا العدو الإسرائيلي فلا يتحرج الأمريكي، ولا تتحرج الدول الغربية أن تُقدِّم له أفتك أنواع السلاح، وأحدث أنواع السلاح؛ ليقتلالأطفال، وليقتل النساء، ليقتل أبناء الشعب الفلسطيني في غزة، دون تمييز بين مقاتل أو غير مقاتل، في قتلٍ جماعيٍ، وتدميرٍ شامل، وإبادة جماعية، واحتلال في قضية ظالمة، العدو الإسرائيلي لا يمتلك قضيةً عادلة، هو محتلٌ، غاصبٌ، مجرمٌ، سفاح، ومع ذلك في ما هو فيه من احتلال، وإجرام، وطغيان، وظلم بكل أشكال الظلم، وممارسة لكل أنواع الجرائم، يقدِّمون له الدعم المفتوح، يقدِّمون له كل أنواع السلاح، بسخاء كبير، واهتمام كبير، ويحرِّضونه على مواصلة قتل الأطفال والنساء، ويدعمونه سياسياً، وإعلامياً، ومالياً، وبالسلاح بشكلٍ مباشر، يُقدِّمون له القنابل، والقذائف، ومختلف أنواع السلاح، بالرغم مما يمتلكه هو من تِرْسَانة حربية ضخمة، ومصانع للأسلحة، وغير ذلك، ومع ذلك يدعمونه.
ليس الأمر عند هذا الحد بالنسبة للمسلمين في تقصيرهم الكبير جداً تجاه المقاومة الفلسطينية، والمجاهدين في فلسطين، فلا يدعمونهم لا مالياً بشكلٍ رسمي، ولا يقدِّمون لهم الدعم بالسلاح وغير ذلك من الإمكانات، هناك إساءة إليهم، وتشويه لهم من بعض الأنظمة العربية، وإدراج لهم في قوائم الإرهاب، وإلى حد الآن لم تتجه بعض الدول العربية إلى تغيير موقفها، بعد أن أدرجتهم سابقاً في قوائم الإرهاب، إلى هذه الدرجة، يعني: هناك تجريم لجهادهم، إساءة إلى جهادهم، تشويه لجهادهم، إساءة إليهم، منع للتبرعات لدعمهم، وهذا موجود في بعض الدول العربية، لا تزال فيها حالات اعتقال، أو معتقلين من المراحل الماضية على خلفية الدعم لهم، وحتى الدعم الإنساني. هذا على مستوى الصمود من جهة المجاهدين.
لو أن المسلمين يتجهون بجديَّة إلى دعم المجاهدين في فلسطين، الدعم الكافي ولو بالحد الأدنى من متطلباتهم الضرورية؛ لكانت صورة المعركة مختلفة تماماً؛ ولذلك هناك تقصير كبير، ومسؤولية كبيرة، وحجة كبيرة على المسلمين في تقصيرهم في هذا الأمر.
مع صمود المجاهدين في فلسطين، هناك صمود الأهالي في قطاع غزة، مجتمع قطاع غزة يصمد، ويثبت، ويصبر، وهو في معاناة لا مثيل لها في أي بقعةٍ في العالم، مليون نازح من الشعب الفلسطيني يعيشون أقسى الظروف:
• الاستهداف بالغارات والقتل، القتل بكل أشكاله: جواً، وبراً، وبحراً؛ يقتلهم العدو الإسرائيلي من الجو، بما يلقيه عليهم من القنابل؛ يقتلهم في البر، بقذائف المدفعية، والدبابات، وإطلاق النار من قبل جنوده، يقتلهم من البحر.
• ويجوِّعهم، ويمنع عنهم الطعام، والغذاء، والدواء، والاحتياجات الضرورية للحياة.
• ويدمِّر عليهم حتى آبار المياه، وخزانات المياه، وشبكات المياه.
• ويعيق عليهم حركتهم في العمل لتوفير متطلبات حياتهم الضرورية.
مع كل ذلك هم صامدون، وثابتون، ولم يتغير موقفهم في احتضان المقاومة والمجاهدين، هم يواصلون هذا الاحتضان للمجاهدين والمقاومة، لم يتغير موقفهم تجاه العدو القاتل، المجرم، المحتل، وهذا شيء طبيعي، يعود إلى إنسانيتهم، وقيمهم، وأخلاقهم، ووعيهم، وبصيرتهم.
بل من الشيء الطبيعي أن يكونوا أكثر صلابةً تجاه العدو الإسرائيلي، وجرائمه بحقهم أكثر من أي وقتٍ مضى، هم يعيشون المأساة، هم يشاهدون ما يفعله بهم العدو الإسرائيلي، هل ينتظر منهم العدو الإسرائيلي أن تنكسر إرادتهم، أو عزمهم؟ بقدر ما قد ارتكبه من إجرامٍ ضدهم وبحقهم، وصنعه من المأساة لهم، بقدر ظلمه لهم، الظلم الذي لا مثيل له؛ بقدر ما تكون إرادتهم، وعزمهم، ووعيهم، أكثر بضرورة مواجهة ذلك العدو، بوحشيته تلك، وجرائمه تلك، وفظائعه تلك.
النتيجة الطبيعية للناس جميعاً، وليس فقط لأهل غزة: أن تترسخ لديهم هذه النظرة، وأن يكون لديهم هذا القرار تجاه العدو الإسرائيلي: أنه عدو خطير وسيء، يشكِّل خطورة على البشرية، على الحياة، على الإنسانية، وينبغي من الجميع أن يكونوا ضده.
المجتمع في قطاع غزة صامد وثابت، حاول الأعداء أن يثيروا الفتنة في أوساطه، بطريقة إلقاء المساعدات، أو يصال المساعدات، أو توزيع المساعدات القليلة جداً النادرة، النادرة للغاية، ولكن لم يؤثِّر فيه ذلك؛ لأنه يحمل الوعي، يحمل الإيمان والبصيرة، وفي نفس الوقت يدرك أهداف العدو.
حاولوا أن يربطوا تقديم القليل القليل، حاول الأمريكي وحاول الإسرائيلي أن يربط تقديم القليل القليل جداً من المساعدات التي تصل، أو الوجبات التي تصل، عبر العملاء الموالين للعدو الإسرائيلي، ويحاول أن يُكَرِّس بذلك سيطرة الاحتلال على القطاع، سيطرة العدو الإسرائيلي على القطاع، وأن يزيح الدور لحكومة غزة، الجهة الرسمية المعنية بتقديم المساعدات، ولكنه فشل، وكان موقف وجهاء العشائر والعشائر نفسها في غزة موقفاً مشرفاً، نحن نُوَجِّه لهم التحية بإكبار وتقدير وإعزاز؛ لوعيهم بمؤامرة العدو في هذه المسألة الحساسة والخطيرة؛ لأنه يحاول أن يستغل حجم المعاناة، والجوع الذي يوصل إلى درجة الوفيات؛ لابتزازهم، وإخضاعهم لعملائه، ولأعدائهم، ويحاول بذلك أن يزيح الدور الصحيح، الدور الطبيعي، الدور الرسمي، الدور المعني بتوزيع المساعدات، أو الإشراف على توزيعها، وهو: لحكومة غزة؛ فوعيهم بهذا أمرٌ مهمٌ جداً، وهو جزءٌ من صبرهم، وصمودهم، وثباتهم.
ولذلك بقدر ما هناك من إجرام من جهة العدو وعدوان، وقابله ذلك الصمود العظيم من قبل المجاهدين في غزة، في مختلف الفصائل التي تجاهد في غزة، ومن قبل المجتمع في غزة، والأهالي في غزة، من قبل أبناء الشعب الفلسطيني، هناك فعلاً فشلٌ مستمرٌ للعدو الإسرائيلي، وإخفاقٌ يكبر بحجم إجرامه، وفي مقابل حجم الصمود الفلسطيني.
العدو الإسرائيلي لم يستفد من حجم إجرامه الشنيع الفظيع، ولا من حجم الدعم الأمريكي، والمشاركة الأمريكية، والإسهام الأمريكي، لم يتمكن في أن يكسر إرادة الشعب الفلسطيني في غزة، لا المجاهدين، ولا بقية الأهالي، الكل على هذا المستوى من الصمود والثبات، ولم يستطع العدو الإسرائيلي إلى اليوم، في مقربةٍ من نصف عام، مع حجم ذلك الإجرام، والدمار، والعدوان، والتجويع، والحصار، لم يتمكن من تحقيق أهدافه المعلنة، هل استعاد أسراه؟ إنما يقتلهم. هل تَمَكَّن من تفكيك المجاهدين، وإنهاء صمودهم، ومقاومتهم، وجهادهم؟ لم يتمكن من ذلك. هل وصل إلى تحقيق أهدافه في تهجير الشعب الفلسطيني من القطاع؟ لا يزال الشعب الفلسطيني متمسكاً ببقائه في القطاع، بالرغم من أن العدو حاول أن يصنع واقعاً غير قابلٍ للحياة، يُدَمِّر كل معالم الحياة، حتى المزارع يُجَرِّفها، يستهدف المزارع بالفسفور، يحاول حتى التربة ألَّا تبقى صالحةً للزراعة، مع كل الجرائم، مع حجم العدوان، هو فاشل ومخفق، وهزيمته لائحة وواضحة، وبشائر النصر للشعب الفلسطيني لائحة.
ومع ذلك هو يحاول أن يُقَدِّم إجرامه الهائل والفظيع كإنجاز، إنجاز عسكري. ليس إنجازاً، ولا يمثل صورة نصر أبداً؛ بل العدو الإسرائيلي وهو في فشل مستمر، وإخفاق مستمر، يعاني أيضاً من كلفة رهيبة جداً لعدوانه:
• خسائر اقتصادية مهولة، وتتصاعد باستمرار، ومثَّلت مشكلة حقيقية عليه.
• مشاكل داخلية مستمرة، وهي واضحة.
• وأيضاً الوضع النفسي والمعنوي، الذي وصل إلى انهيار لدى مئات الآلاف منهم (من الأعداء)، يعانون من صدمة نفسية كبيرة جداً، أمراض نفسية واسعة، وتهرُّب واضح من التجنيد، تهرب، وأصبحت مشكلة التهرُّب من التجنيد مشكلة يعاني منها العدو من ضمن مشاكله البارزة.
فهو في فشل، وكلفة باهظة للعدوان، ومع ذلك استمراره يعود بالدرجة الأولى إلى الإسهام الأمريكي والمشاركة الأمريكية، وإلىمستوى الخذلان المؤسف من جانب المسلمين للشعب الفلسطيني.
وهنا نؤكِّد على حجم المسؤولية، للمسلمين في كل البلدان الإسلامية؛ لأن تخاذلهم جزء من إسهامهم في صنع تلك المأساة، ومن جرأة الأمريكي، وجرأة الإسرائيلي على الاستمرار.
للأسف الشديد على المستوى الرسمي- سواءً الحكومات والأنظمة، أو المؤسسات، مثلما هو الحال بالنسبة لمنظمة التعاون الإسلامي، أو جامعة الدول العربية، كذلك على المستوى العام بالنسبة للحكومات والأنظمة- لم يتجه الجانب الرسمي في العالم الإسلامي من قبل الحكومات، والمنظَّمات، والزعماء، إلى اتخاذ موقف عملي جاد، لمساندة الشعب الفلسطيني، ولا في الحد الأدنى، كما قلنا في كل الكلمات الماضية: مجرد بيانات، بيانات، بيانات، لا أكثر، هذه حالة مؤسفة جداً، وحالة خطيرة للغاية، وتفريط رهيب؛ لأنه ليس هناك لا خطوات اقتصادية، ولا خطوات فعلية على المستوى السياسي والدبلوماسي، ولا إجراءات للضغط على الأمريكي، ولا للضغط على العدو الإسرائيلي، فهذا شيء مؤسف! لم يرق موقف الكثير من الحكام والزعماء في العالم الإسلامي من العرب وغيرهم، إلى مستوى موقف بعض الدول غير الإسلامية في أمريكا اللاتينية أو في غيرها، شيء مؤسف جداً!
علينا أن نعي جميعاً أنَّ العدو الإسرائيلي بكل ما نراه عليه، من همجية، وإجرام، وعدوان، وطغيان، وتوحش، هو عدوٌ لكل المسلمين، ونفس حجم العداء الذي يتجلَّى في جرائمه، وممارساته العدوانية ضد الشعب الفلسطيني، هو يحمله ضد المسلمين بشكلٍ عام، هو عدوٌ للأمة بكلها، ونفس الهمجية الأمريكية التي رأيناها ضد الشعب الفلسطيني، ضد أطفاله، ضد نسائه، هي همجية متأصِّلة في الأمريكي في سياساته، في رؤيته، في استراتيجيته، في توجهاته ضد أمتنا الإسلامية بشكلٍ عام؛ ولذلك فالمعركة هناك هي تعنينا، هي تعنينا بكلنا، وما نراه من قِبَل الأمريكي، ومن قِبَل إسرائيلي هناك، هو يشكِّل خطورةً على الأمة بكلها، والله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بيَّن لنا في القرآن الكريم عن من هم أعداء الأمة، عمَّا يحملونه من عداوة وحقد على هذه الأمة؛ ولذلك- للأسف الشديد- بالرغم من أنَّ القرآن كشف قبل ألف وأربعمائة سنة تلك الروح العدوانية، تلك الهمجية، تلك النزع الإجرامية، إلَّا أنَّ المسلمين تجاهلوا ذلك، لم يتعاملوا بشكلٍ جاد بناءً على ذلك؛ لمنع العدو الإسرائيلي من أن يصل إلى ما وصل إليه اليوم، من إمكانات، وتمكُّن، واحتلال في فلسطين، يساعده على أن يكون بهذا المستوى من الإمكانات والوسائل؛ لارتكاب جرائم إبادة جماعية، وإلحاق ضرر كبير بالشعب الفلسطيني، الذي هو جزءٌ من هذه الأمة.
العدو الإسرائيلي- بهمجيته وعدوانيته تلك- هو امتداد للخط المنحرف عن رسالة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأسلافهم هم قتلة أنبياء الله، هم الذين يحملون قسوة القلوب {كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}[البقرة: من الآية74]، هم الذين لا يحملون لا مشاعر إنسانية، ولا قيم أخلاقية أو دينية، يتباهى جنودهم بقتل مسنٍ أعزل من السلاح، طاعنٍ في السن، مريض، على سرير نومه، يفتخرون بذلك، ويتباهون بذلك! هل هناك حالة في الواقع البشري كهذه، وبمجاهرة، وتنشر بالفيديوهات؟!
سياسيوهم وقادتهم يثنون على جنديٍ؛ لأنه قتل طفلاً، وقام بإعدامه بإطلاق النار عليه بدمٍ بارد، فيشيدون بذلك، ويعتبرونه إنجازاً، هم متوحشون وإجراميون، كشفهم القرآن الكريم في عدوانيتهم، في إجرامهم، في قسوة قلوبهم، في خطورتهم، فهم يشكِّلون خطراً على الأمة بكلها، توجهاتهم، سياساتهم كلها عدوانية، تشكِّل خطراً على الأمة، وعلى المسلمين مسؤوليةً في التصدي لهم:
• باعتبارهم أعداء، يشكِّلون خطراً على المجتمع البشري بشكلٍ عام، وعلى المسلمين قبل غيرهم، في المقدِّمة.
• وأيضاً باعتبار المسؤولية الإيمانية والدينية على المسلمين، تجاه الشعب الفلسطيني الذي هو جزءٌ منهم، تجاه المقدَّسات في فلسطين، وعلى رأسها: المسجد الأقصى الشريف.
• وأيضاً المسؤولية الأخلاقية والدينية والإيمانية، في التصدي للطغيان، والإجرام، والظلم، والطاغوت، والاستكبار، في التصدي لأولياء الشيطان، واليهود الصهاينة هم أولياء الشيطان، وجنوده، وهم الذين يتحركون تحركاً شيطانياً، إجرامياً، مفسداً في الأرض.
فأين هي مسؤولية الجهاد في سبيل الله؟ لماذا تترك الأمة الإسلامية هذه المسؤولية، وتتنصل عنها؟ لماذا تركت راية الجهاد ولم تحملها؟ إذا لم يحمل المسلمون راية الجهاد في سبيل الله؛ للتصدي للعدو الإسرائيلي، في عدوانه، وإجرامه، ووحشيته، وإفساده في الأرض، وطغيانه، واحتلاله؛ فلمن سيتصدون، ومتى سيحملون هذه الراية، متى سيقفون موقفاً مشرفاً؟ هل بقي اعتبارٌ عندهم لمقدساتهم، لمسؤولياتهم الإيمانية والأخلاقية، لأمنهم القومي، لمصالحهم؟ العدو الإسرائيلي هو عدوٌ لهم في دينهم ودنياهم، ويشكِّل خطراً حقيقياً عليهم في كل أمورهم، وفي كل مصالحهم الحقيقية.
نحن في شهر رمضان المبارك، الذي يربينا على التقوى؛ لنحمل مشاعر التقوى لله، والإحساس بالمسؤولية، ولنكتسب قوة العزم والإرادة، ولنتروَّض على الصبر، الشهر الذي نعود فيه إلى القرآن بأكثر من غيره، في التلاوة لكتاب الله، وآيات الله، أوليست آيات الله تذكِّرنا بالمسؤولية؟ أوليس في القرآن الكريم أكثر من خمسمائة آية تحثنا على الجهاد في سبيل الله؟ وضد من؟ ضد مثل هذا النوع الذي نراه من الإجرام، والطغيان، والاستكبار، والإفساد في الأرض، الذي يمارسه العدو الإسرائيلي؛ أو أنَّ العرب لا يفعِّلون ذلك إلا في إثارة الفتن في واقعهم الداخلي، يأتي الحديث عن الجهاد، ويأتي الحديث عن الموقف، وتأتي الإجراءات الحازمة، وتأتي العناوين والعبارات القوية؛ أمَّا في الاتجاه الصحيح حيث ينبغي أن تكون فتغيب تماماً.
في شهر رمضان يجب أن نكون أكثر إحساساً بالمسؤولية، وأن تستفيق الضمائر من سباتها، أن ندرك مسؤوليتنا أمام الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وفي جوعنا وظمئنا مع الصيام، أن نتذكر جميعاً كمسلمين، في كل البلدان الإسلامية، ما يعانيه الشعب الفلسطيني في غزة من الجوع، بل ومن الظمأ، يجب أن تحيا فينا المشاعر الإنسانية والإيمانية، وأن تحيا ضمائرنا، وأن تستفيق ضمائرنا؛ لندرك ذلك.
علينا مسؤولية كبيرة، مسؤولية دينية نُسأَل عنها يوم القيامة، في التحرك تجاه الشعب الفلسطيني، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” الذي يقول لنا في القرآن الكريم: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ}[النساء: من الآية75] مَا لَكُمْ؟! ما لكم أيها العرب؟! ما لكم أيها المسلمون لم تتحركوا- دع عنك مستوى القتال- ولا بمستوى أقل بكثير في مستوى أن تكونوا في إطار موقف عملي، موقف سياسي، موقف اقتصادي، موقف فعلي، أن يكون لكم صوتٌ بارز، سعيٌ جاد في مستوى أن تقدِّموا الغذاء والدواء للشعب الفلسطيني في غزة؟! ليس هناك مساندة حتى إلى هذا المستوى من الموقف.
بل من العار على المسلمين، من العار على العرب في المقدِّمة، من العار على البلدان المجاورة لفلسطين، أن يأتي الأمريكي بأسلوب خداع، ولأهداف أخرى، ليست إنسانية، ليقدِّم نفسه وكأنه يلقي القليل من الوجبات، وباستطاعة البعض أن يفتحوا ممرات برية، وأن يدخلوا الشاحنات المحملة بالأغذية، أو أن يتحرَّكوا في اتجاه موقف قوي وجاد.
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” يخاطبنا في القرآن الكريم: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[التوبة: الآية41]، متى ستنفر الأمة وتتحرك؟! ماذا تريد أن يصل إليه الوضع في قطاع غزة؟! أن يصل إليه حال الشعب الفلسطيني المظلوم في غزة؟! هل يريدون أكثر من تلك المشاهد المأساوية جداً؟! هل يريدون أن يصل حجم المظلومية بأكثر من ذلك؟! متى سيتحركون؟! الاختبار كبير وخطير.
نحن في مرحلة اختبار لكل مسلم، ولكل شعب، لكل بلد، لكل دولة في العالم الإسلامي، في الوطن العربي وغيره، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” حينما قال في القرآن الكريم: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً}[التوبة: من الآية16]، {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا}، أنتم أمام اختبار، أين هو موقفكم؟ أين هو إسهامكم؟ أين هو تحرككم الجاد؟ مسؤولية كبيرة جداً يسأل عنها الجميع يوم القيامة، {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}[محمد: الآية31].
في شهر الصيام على الجميع أن يراجع نفسه وحساباته، وأن يقيِّم موقفه، ما حجم هذا الموقف؟ الكثير خارج إطار الموقف، ليسوا في إطار موقف أصلاً بأي مستوى، يعني: البعض لم يصل إلى درجة المقاطعة للبضائع الأمريكية والإسرائيلية، لم يصدر أي موقف رسمي وقرار حاسم من الدول العربية والإسلامية في هذا الشأن، ليس هناك تحرك حتى في الحد الأدنى، قاطعوا في مراحل معينة بعض الأنظمة وبعض الدول لأسباب خصام تافه مع بعض الدول العربية أو الإسلامية، لكن تجاه قضية كهذه، ومظلومية كهذه، لا نرى شيئاً من هذا التحرك.
علينا كمسلمين أن ندرك أننا مسؤولون أمام الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، عن أن يكون لنا موقف تجاه ما يحصل على الشعب الفلسطيني، وأن لا نكون إلى درجة التفرج والتجاهل لما يجري ويحدث، على الإنسان أن يسعى لبراءة ذمته، هذه قضية كبيرة، من الخطير جداً على الإنسان أن يحشر يوم القيامة، وأن يحسب ضمن المساهمين في تلك المظلومية، وذلك الإجرام، وذلك الطغيان، فيحسب مشاركاً للعدو الإسرائيلي، ومساهماً معه في تمكينه من فعل ما يفعل، وما يرتكبه من جرائم بحق أهل غزة، هذه مسألة خطيرة جداً، ولندرك أنَّ هناك عقوبات في الدنيا، الموقف المخزي، والتجاهل المستمر من معظم الأنظمة العربية والإسلامية، لمأساة الشعب الفلسطيني ومظلوميته، وما يرتكبه العدو الإسرائيلي من جرائم إبادة جماعية، له تبعات، وعليه عقوبات، والذين نسوا أن يتقوا الله، وكان همهم أن يداروا أمريكا، عليهم أن يدركوا أنَّ العواقب خطيرة، والتدبير الإلهي يأتي في إطاره الكثير من المتغيرات، وتحصل أمور لم تكن في الحسبان، وكانت خارج التوقع لدى الكثير من الناس، الذين تصوَّروا أنهم قد عملوا حساباتهم ليكونوا بمعزل ومأمن من المخاطر والتحديات، المسألة ليست كذلك.
أمَّا جبهات الإسناد المستمرة، وعلى رأسها جبهة لبنان، التي هي في اشتباك مستمر مع العدو الإسرائيلي، وضربات منكِّلة ويومية، وجبهة اليمن.
في جبهة اليمن، قواتنا المسلحة، وشعبنا العزيز، وبلدنا رسمياً وشعبياً يواصل- بتوفيق الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”- معركته (معركة الفتح الموعود والجهاد المقدَّس) في إسناد الشعب الفلسطيني، والعمليات العسكرية مستمرة، بالقصف الصاروخي، والعمليات التي هي لاستهداف السفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي، وكذلك مع تورط الأمريكي، السفن المرتبط به، والمرتبط بالبريطاني؛لعدوانهما على بلدنا إسناداً منهما للعدو الإسرائيلي، العمليات مستمرة، والاستهداف مستمر بفاعلية عالية بتوفيق الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
نحن في هذه العمليات قدَّمنا الشهداء، ولدينا ما يقارب الأربعة وثلاثين شهيداً، دون الجرحى، مع أنَّ هذه العمليات هي- بالدرجة الأولى- تعتمد على القصف الصاروخي، وتعتمد أيضاً على القصف بالمسيَّرات، والعمليات البحرية، ونحن نعتبر كل ما قدَّمناه من الشهداء في سبيل الله، نفتخر، ونتشرف بأن نقدِّم شهداء في هذه المعركة المقدِّسة، والموقف المشرِّف، الذي حمل فيه شعبنا راية الجهاد في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
عمليات الإسناد في هذا الأسبوع كانت: (اثنا عشر عملية)، لاستهداف السفن والبارجات، نُفِّذت بعدد (ثمانية وخمسين صاروخ بالستي ومجنح، وطائرة مسيَّرة)، في البحر الأحمر، والبحر العربي، وخليج عدن، وبلغت هذه المرة إلى مديات غير مسبوقة، حيث وصلت منها ثلاث عمليات إلى المحيط الهندي بتوفيق الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ليصل إجمالي السفن المستهدفة والبارجات إلى (ثلاثٍ وسبعين سفينة). هذا على مستوى العمليات العسكرية، هي مستمرة، بتصاعد، بفاعلية، بتأثير، وبحمد الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” آثارها ونتائجها معروفة.
أمَّا على مستوى الأنشطة الشعبية، والتي في مقدِّمتها: المسيرات والمظاهرات، والخروج المليوني الأسبوع، في يوم الجمعة الماضي، في السابع والعشرين من شهر شعبان، كان الخروج في (مائة وستة وأربعين ساحة) في مختلف المحافظات؛ أمَّا على مستوى الوقفات، والأنشطة، والفعاليات الأخرى، فهي بأعداد هائلة جداً، لا يتَّسع الوقت للحديث عنها تفصيلياً.
فيما يتعلق بتعنت الأمريكي، وإصراره على استمرار العدوان والحصار على غزة، واستمراره أيضاً في حماية الإجرام الصهيوني، وبدلاً من أن يتفهم الخطوة الصحيحة، والموقف الصحيح، بإيقاف العدوان على غزة، وإيقاف الحصار عن الشعب الفلسطيني في غزة، اتَّجه للعدوان على بلدنا، وتنفيذ الغارات، ويستمر في ذلك، هو لا يلبِّي صوت العقل والمنطق والإنسانية والضمير، بإيقاف العدوان على غزة، وإيصال الغذاء والدواء إلى أهل غزة، بل يتَّجه إلى العدوان على بلدنا بالقصف المستمر، وما قام به في هذا الأسبوع: نفَّذ عدداً من العمليات، عمليات القصف بالغارات والقصف البحري، وصلت إلى (اثنين وثلاثين) عملية قصف وغارة، وهي- كالعادة- فاشلة، تأثيراتها منعدمة تجاه القدرات الصاروخية والمسيَّرة، وتجاه استمرار العمليات بفاعلية، في التصدي له، وفي منع السفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي.
نحن في هذا الأسبوع نؤكِّد- كما في كل الأسابيع الماضية- أنَّ تعنُّت الأمريكي والبريطاني، ومواصلتهما للعدوان على بلدنا؛ إسناداً منهما للعدو الإسرائيلي، وإصراراً منهما لاستمرار إجرامه ضد أهل غزة، لن يوقف عملياتنا، ولن يحدَّ من قدراتنا، ولن يؤثِّر على مسار العمليات التصاعدي في المديات، وفي الزخم، وفي الدقة، وفي القوة.
عملياتنا مستمرة طالما استمر العدوان والحصار على غزة، ما يمكن أن يوقف عملياتنا البحرية، هو: فقط وقف العدوان والحصار على غزة، ليس للأمريكي أي حق أبداً في إصراره وتعنُّته على مواصلة الإجرام الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني في غزة، وتجويع أهل غزة، ومنع الغذاء والدواء عن غزة، التعنُّت الذي يتَّجه فيه بدلاً عن الموقف الصحيح إلى تصعيد العدوان، هو ينتج نتيجةً واحدة، هي: اتِّساع الصراع، واتِّساع دائرة الحرب والأحداث، وتوتير الوضع على مستوى المنطقة بشكلٍ عام.
ولذلك فنحن- بتوفيق الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”- في توجهٍ جاد، نابعٍ من الشعور بالمسؤولية أمام الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وبقناعةٍ تامة بأننا نخوض معركةً مقدَّسة، وفي موقف حق، وندعم قضيةً عادلةً تعنينا بكل الاعتبارات الإنسانية والأخلاقية والدينية، هي: مناصرة الشعب الفلسطيني المظلوم، الذي تُرتكب بحقه جرائم الإبادة الجماعية في غزة، ويباد بالتجويع والحصار، توجهنا الجاد، قناعتنا هذه: أن نستمر وأن نواصل بفاعلية، وبتوسيع مدى عملياتنا هذه، لتصل إلى مناطق، وإلى مواقع لم يتوقعها العدو أبداً، وطبعاً معركتنا الأساسية في هذا، هي: منع السفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي، ليس فقط من المرور عبر البحر العربي، والبحر الأحمر، وخليج عدن؛ إنما نتجه- بتوفيق الله “تَبَارَكَ وَتَعَالَى”، وبمعونته سُبْحَانَهُ- إلى منع عبورها حتى عبر المحيط الهندي، ومن جنوب أفريقيا، باتِّجاه طريق الرجاء الصالح، وهذه الخطوة المهمة والمتقدِّمة والكبيرة بدأنا ننفذ عملياتنا المرتبطة بها.
لا خيار أبداً للأمريكي، ولا للبريطاني، إلَّا وقف العدوان على غزة، ووقف التجويع للأهالي في غزة، استمرار الأمريكي في تقديم الغطاء الكامل، والدعم الكامل للعدو الإسرائيلي؛ لتجويع أهل غزة، لتجويع الشعب الفلسطيني في غزة، وتلك المشاهد المأساوية للأطفال يموتون جوعاً، لن نسكت عنها، ولن نتفرَّج عليها، ضميرنا الإنساني، ديننا، أخلاقنا، كرامتنا، عزتنا، انتماؤنا للإسلام، يحرِّم علينا أن نتفرَّج على ذلك، أو أن نسكت عن ذلك.
ولذلك فنحن في تطويرٍ مستمر للقدرات، وفي توسيع مستمر للموقف، في مداه، وفي فاعليته، وفي تأثيره؛ ولذلك نحن نعلن المنع للسفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي من العبور ولو عبر المحيط الهندي، بالاتجاه المحاذي لجنوب أفريقيا، باتجاه العدو الإسرائيلي،لابدَّ من إيقاف الحصار على أهل غزة، لابدَّ من إيقاف التجويع لأهل غزة، لابدَّ لإيقاف تلك المأساة في موت الأطفال جوعاً في غزة، هي مأساة رهيبة جداً، لا يجوز التفرج عليها، فموقفنا في تصاعدٍ مستمر، وقدراتنا- بتوفيق الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”- في تطويرٍ مستمر، والأمريكي لو فعل ما فعل، ولو فكر ما فكر، ولو اتَّجه لأي خطوات؛ لن يتمكن من إيقافنا عن مساندة الشعب الفلسطيني في غزة، طالما استمر العدوان على غزة، طالما استمر الحصار على غزة، طالما استمر التجويع للشعب الفلسطيني في غزة؛نحن ثابتون على موقفنا، مستمرون في موقفنا، ونواصل موقفنا على كل المستويات.
ولذلك يجب أن يبقى الزخم الشعبي موازياً لهذا المستوى والموقف على مستوى العمليات العسكرية، التي تستهدف العدو الإسرائيلي، يجب أن يكون هناك استمرارية في الخروج المليوني الأسبوعي.
نحن في شهر الصيام، في شهر التقوى، في شهر الجهاد، في شهر (يوم الفرقان)، في الشهر الذي نستذكر فيه غزوة بدرٍ الكبرى، التي سمَّها الله بيوم الفرقان، في الشهر المبارك الذي فيه ذكرى فتح الفتوح (فتح مكة) في تاريخ الإسلام وجهاد رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”.
في شهر رمضان المبارك، في السنة الثانية للهجرة النبوية، واجه رسول الله “صلى الله عليه وآله وسلم” ومعه المسلمون تحدي المواجهة، مع جبهة الشرك والطاغوت الظالمة آنذاك، في ظروفٍ صعبة للمسلمين، وقلةٍ من العدد والعدة، وظروف المعتمد فيها بعد الله تعالى على إيمان ووفاء وعزم وشهامة وإباء المجاهدين والأنصار، على مقربةٍ من البحر الأحمر، في موقع بدر، على مقربةٍ من البحر الأحمر تشاور رسول الله “صلى الله عليه وعلى آله وسلم” مع أصحابه من المهاجرين والأنصار؛ فبرز موقف بين أوساط المهاجرين لمجاهدٍ ينتمي لليمن، ومن اليمن، هو (المقداد بن الأسود)، وفي الأنصار موقف (سعد بن عبادة)، المقداد الذي قال: (يا رسول الله، لن نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنَّا هاهنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنَّا معكم مقاتلون)، وموقف الأنصار الذي كان على رأسه (سعد بن معاذ) معبراً عن نفسه وعنهم، والذي قال لرسول الله “صلى الله عليه وعلى آله”: (والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر)، وهو يعني البحر الأحمر، (لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا)، فندب رسول الله “صلى الله عليه وعلى آله وسلم” الناس للذهاب إلى المعركة فانطلقوا.
شعبنا العزيز، يا أحفاد الأنصار، ويا يمن الإيمان: أدعوكم بدعوة الله في آياته المباركة، التي تتلونها وتسمعونها في هذا الشهر الكريم، بدعوة القرآن، بدعوة الإسلام، أناديكم بنداء الأقصى الشريف، وآهات وأوجاع وجوع الشعب الفلسطيني في غزة، للخروج المليوني المشرِّف عصر غد الجمعة، في صنعاء وبقية المحافظات، حسب الترتيبات والإجراءات المعتمدة، من المؤمَّل فيكم يوم الغد أن تعيدوا إلى أسماع العالم موقف المقداد، وموقف سعد بن معاذ، في غزوة بدرٍ الكبرى.
المعركة مستمرة، ليس من الدين، ولا من الوفاء، ولا من الشهامة، ولا من الرجولة، ولا من الشرف، طرح الرايات، ولا إخلاء الساحات، ولا تجاهل مأساة الشعب الفلسطيني، وأنتم- يا شعبنا العزيز- أنتم أهل المروءة، والوفاء، والشهامة، أنتم يمن الإيمان، أنتم أهل الثبات، أنتم اليوم أمل المستضعفين والمظلومين؛ فليكن خروجكم بقدر الأمل فيكم، وبما يجسِّد هذا الانتماء لهذه القيم العظيمة وللإيمان.
نَسْألُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُعَجِّلَ بِالفَرَج وَالنَّصر لِلشَّعبِ الفِلَسْطِينِي المَظْلُوم، وَأَنْ يَنصُرَنَا بِنَصرِه، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنصُرَنَا بِنَصرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

المصدر: الثورة نت

كلمات دلالية: السفن المرتبطة بالعدو الإسرائیلی جرائم الإبادة الجماعیة الشعب الفلسطینی فی غزة للشعب الفلسطینی فی غزة ضد الشعب الفلسطینی فی للمقاومة الفلسطینیة العدو الإسرائیلی من الجهاد فی سبیل الله بکل ما تعنیه الکلمة الله علیه وعلى آله للعدو الإسرائیلی فی القرآن الکریم الأطفال والنساء العدوان على غزة الغذاء والدواء الحصار على غزة الدول العربیة المحیط الهندی صلى الله علیه البحر الأحمر أنواع السلاح المجاهدین فی على المسلمین طالما استمر على استمرار وقف العدوان هذا المستوى ا على مستوى فی قطاع غزة تجاه العدو على مواصلة یحاول أن ی لا مثیل له فی العالم رسول الله على بلدنا بعض الدول فی فلسطین فی التصدی ت ع ال ى س ب ح ان ه لیس هناک من الجوع إلى درجة ومع ذلک أکثر من أن تکون أن یکون أهل غزة ل الله من قبل الذی ی ولا من یجب أن فی هذا فی شهر من ذلک نحن فی أن یصل

إقرأ أيضاً:

الأيديولوجية الدينية في الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي

#الأيديولوجية_الدينية في #الصراع_الفلسطيني ـ #الإسرائيلي

الدكتور #حسن_العاصي

أكاديمي وباحث في الأنثروبولوجيا

تمثل القومية ـ باعتبارها مرجعاً قوياً للهوية ـ عنصراً مهماً في تطور وتصاعد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. علاوة على ذلك، وضمن السرديات الأوسع للقومية، تلعب القومية الدينية خاصة، والتي تتمثل في دمج الدين في السرد القومي، دوراً رئيسياً أيضاً، لأنها تضيف الشرعية الأخلاقية إلى القومية وافتراضها المرتبط بالقيمة العليا والمقدسة للدولة القومية.

مقالات ذات صلة في حب الملك..! 2025/04/23

إن دور الدين في السياسات الوطنية أخذ في التصاعد منذ تسعينيات القرن الماضي. لقد انتقل دور الدين في الشرق الأوسط ـ بصورة عامة ـ بشكل متزايد إلى صدارة التاريخ منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول عام 2001. وقد أثيرت أسئلة مهمة بشأن الدور الذي يلعبه الدين في تعزيز فرص السلام أو إدامة وتصعيد الصراع. بلا شك إن الديانات التوحيدية الثلاثة: الإسلام واليهودية والمسيحية عززت تاريخياً الصراع والسلام، مما يجعلها متناقضة. فحين تعكس كل هذه الديانات سرداً وقيماً للسلام، إلا أنها أصبحت أيضاً طرفاً في العديد من الصراعات عبر التاريخ. وكانت الكراهية القائمة على الاختلافات العرقية والدينية في جذر العديد من الحروب عبر التاريخ، بما في ذلك الحروب الصليبية في العصور الوسطى (المسيحيون الأوروبيون مقابل المسلمين العرب)، وحرب الثلاثين عاماً (الكاثوليك مقابل البروتستانت)، والتي دمرت أوروبا في القرن السابع عشر. لقد أصبح الدين متشابكاً مع تكثيف الصراع والعنف في مختلف أنحاء الشرق الأوسط على وجه الخصوص. وينعكس هذا الاتجاه أيضاً في جوانب الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

يمكن بوضوح الإشارة إلى اليهود الأرثوذكس والصهاينة المتدينون المتشددون كمجموعة أدرجت الدين في هويتها الوطنية ورؤيتها للصراع بما يتجاوز الأطر القومية التي جعلت الصراع الإسرائيلي الفلسطيني طويل الأمد. بحيث أصبح فيها الدين محفزاً للصراع، وأداة إضافية للتحريض على قتل وإبادة الفلسطينيين ومصادرة أملاكهم وطردهم من وطنهم.

مراجعة الأدبيات

إن فهم دور الدين في الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي يتطلب فهماً للصراع القومي الأوسع الذي يدور حول العرق بين الجانبين. ويوفر هذا الأخير السياق للبحث في الطرق المختلفة التي يتعامل بها أتباع الديانتين اليهودية والإسلامية على التوالي مع وظيفة دينهم في الصراع. ولا بد من الإشارة أيضاً إلى أنه في حين أن القومية ونهجها العرقي تجاه الدولة يشكلان محركاً مركزياً في تاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فإن القومية ليست فريدة من نوعها بالنسبة للجانب الإسرائيلي أو الفلسطيني، حيث إن القومية هي سرد رئيسي يربطه العلماء بالتطور التاريخي للحداثة وظهور الدول القومية. ولهذا السبب، من الضروري مراجعة الأدبيات حول الخصائص الأساسية للقومية كحجر أساس للتركيز على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ووظيفة الدين في داخله.

إن موسوعة الهوية تعد أحدث مجموعة من الأعمال العلمية حول هذا الموضوع، تسلط الضوء على القومية باعتبارها أحد المراجع المركزية للهوية. وتشير الموسوعة إلى مجموعة واسعة من المراجع المتعلقة بالهوية، من الطبقة إلى العرق إلى الجنس، إلخ. ومع ذلك، باعتبارها سرداً حداثياً لتكوين الهوية، فإن القومية لها دور بارز في الصراع من خلال ارتباطها بالدولة القومية.

وسواء كانت في الرؤى العلمانية أو الدينية، ينظر العلماء إلى القومية باعتبارها واحدة من أقوى القوى في العالم الحديث. فما هي الخصائص الرئيسية لهذه السرد القوي؟

إن مفهوم القومية متأصل في الحياة اليومية لمواطني الدول القومية الحديثة. إن الفخر الذي يشعر به الناس تجاه الإنجازات الوطنية، والتعبيرات التي يبديها السياسيون عن “المصالح الوطنية” في تبرير السياسات، والرموز التي تستخدمها الدول للتعريف بالذات (مثل الأعلام، والأناشيد الوطنية، والآثار) هي إشارات سائدة للقومية باعتبارها هوية جماعية، وتساعد في خلق وعي وطني بين الأفراد المختلفين. وفي حين كانت القومية ضرورية لبنية الدول القومية الحديثة ويمكنها أن تلعب دوراً حتمياً عندما تواجه المجتمعات أوقات الأزمات، فإنها يمكن أن تدفع الناس وقادتهم أيضاً إلى النظر إلى دولتهم على أنها معصومة عن الخطأ ولا تشوبها شائبة، مما يبرر استخدام القوة والعنف للتعامل مع الخصوم الحقيقيين أو المفتعلين.

وقد تضاعف الاهتمام البحثي بمفهوم القومية بشكل كبير خلال الثمانينات واستمر حتى يومنا هذا. ركزت الدراسات السابقة على القومية الأوروبية باعتبارها القوة الدافعة التي أدت إلى الحربين العالميتين، ولكن في الآونة الأخيرة كان هناك المزيد من التركيز على الأمثلة غير الغربية، وخاصة في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط. في الشكل الكلاسيكي للقومية، والذي ينطوي على إنشاء الدول ذات السيادة والحفاظ عليها، فإن الولاء للأمة له الأسبقية على جميع الولاءات الأخرى، مثل الروابط الإقليمية أو المحلية أو القرابة. وعلى النقيض من القومية الكلاسيكية، من المرجح أن تثير الدول ما بعد القومية حقوق الفرد والإبداع وتنوع المجتمعات داخل الأمة باعتبارها أساسية للديمقراطية.

في القومية، تتمتع فكرة الأمة بالسيطرة على الناس والتي ربما يمكن فهمها بشكل أفضل على أنها نتيجة للخصائص المبالغ فيها التي يروج لها العقل القومي ويمنحها للدولة القومية. وبصرف النظر عما إذا كانوا يرون القومية كقوة إيجابية أو سلبية، فإن العلماء عادة ما يعترفون بأن الأمة في القومية تحتل أعلى مرتبة، وتُنظر إليها باعتبارها الوكالة العليا للأهمية والهوية الجماعية والتبرير الأخلاقي. لقد لاحظ المفكر اليساري البريطاني “إريك هوبسباوم” Eric  Hobsbawm بشكل نقدي أن إحدى الطرق القوية التي تكتسب بها القومية صفة الإثبات التاريخي هي من خلال افتراضها أن الأمة مقدسة. فيما ذهب البعض إلى اعتبارها بديلاً للدين. ويمكن تطبيق هذا التصريح على القوميات التي جسدت الدين التقليدي كجزء من بنيتها العقلية للقيم (على سبيل المثال، القوميات الصربية واليونانية والهندوسية والإسلامية والأيرلندية البروتستانتية والأيرلندية الكاثوليكية) وكذلك على القوميات العلمانية التي تهدف إلى إلغاء الدين التقليدي من هياكل قيمها للهوية الوطنية (على سبيل المثال، القوميات التركية والفرنسية والمصرية والسورية).

وفيما يتصل بالنهج القومي للتاريخ، فقد تم إضفاء طابع طقوسي على إسناد القداسة إلى فكرة الأمة في تمثيل الزعماء الوطنيين، وفي الاحتفالات العامة ذات التوجه العرقي، وفي السرديات الرئيسية للأعمال الشجاعة الوطنية التي تركز على الإنجازات غير العادية، والتي تسلط الضوء عليها الثورات والحروب وقصص الأعمال البطولية. وتدمج هذه السرديات القومية للتاريخ حقائق تاريخية مختارة في أساطير المجد الوطني والعظمة والمصير الملزم والعظمة، وتربط بين هذه الأساطير والحكايات. إن القومية، من خلال تصور مبالغ فيه للأمة، تبرز صورة مجيدة للأمة، وتضعها في ماضٍ بدائي فائق، تحول بالضرورة إلى حاضر مقنع ملزم بالواجب، ومستقبل لا نهائي وعظيم. بكل هذه الطرق، تُطور القومية مفهوماً أحادي المركز ونرجسياً لعالم حياة الأمة، وتصمم صورة لتاريخ الأمة تحدد “الخير” بأمتها و”الشر” بـ “الآخر”، وتحديداً “العدو الآخر”.

كان الجانب الأكثر إشكالية في القومية على المستويين الوطني والدولي هو قدرتها على ربط التفكير الأخلاقي واستخدام القوة / العنف، وخاصة في وقت الصراع. بطريقة فريدة من نوعها. لقد أسست القومية تاريخياً الحق في استخدام القوة/العنف في المنطق الأخلاقي القائل بأن الأمة هي القيمة الجماعية النهائية والأساس الضروري للمجتمع، والهوية، والأمن، والرفاهية. وقد جعل هذا التكوين من المعتقدات والأفعال القومية مُشرعاً قوياً لاستخدام القوة والعنف طوال التاريخ الحديث ومعظم تاريخ ما بعد الحداثة. تكشف أبرز رموز القومية، بدءًا من الأناشيد الوطنية والأعلام الوطنية والآثار والتأريخ، عن رموز وتتضمن سرديات الحرب والثورة والبطولات وسفك الدماء كمراجع عليا للهوية الوطنية والمجد والشرف.

تعمل القومية على افتراض أن بنية الهوية هي عرقية أحادية البعد بشكل حصري وأساسي. ويوضح المؤرخ الكندي “مايكل إغناتييف” Michael Ignatieff وهو باحث مشهور في القومية العرقية، أن: “القومية، باعتبارها مثالاً ثقافياً، هي الادعاء بأن الرجال والنساء لديهم هويات عديدة، ولكن الأمة هي التي تزودهم بالشكل الأساسي للانتماء”. ويشير إغناتييف كذلك إلى أن القومية هي أقوى حافز وشرعية للعنف المميت واستخدام القوة المميتة. كما يؤكد أنه على عكس المراجع الأخرى للهوية والانتماء، مثل الأسرة أو المهنة، تقدم القومية سردًا يمكنه اللجوء بسهولة إلى مبررات للعنف. ويشير إلى أنه ليس من الواضح “لماذا يجب أن تكون الهوية الوطنية عنصراً أكثر أهمية للهوية الشخصية من أي عنصر آخر؛ ولا من الواضح أيضاً لماذا يبرر الدفاع عن الأمة استخدام العنف”. وهذا يعني ضمناً أنه على عكس جوانب أخرى من الهوية، تفسر القومية الهوية الوطنية على أنها عليا ومقدسة، وبالتالي تستحق التضحية البشرية.

عند النظر إلى الحروب والعنف الذي اجتاح الشرق الأوسط في حقبة ما بعد 11 سبتمبر/أيلول، باعتبارها السياق الأوسع للصراع الإسرائيلي الفلسطيني المتكشف، نلاحظ تكثيف القوميات المتنافسة داخل المجتمعات وبينها. وقد شكل انتكاس القومية في المنطقة، وبشكل أكثر تحديداً صعود القومية الدينية والتشدد، تحديات جديدة خاصة في مواجهة الجهادية العابرة للحدود الوطنية، وفي بعض الأحيان في التحالف معها.

عند الحديث عن الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي على وجه التحديد، تدور صراعات الهوية حول تكوينات الهوية الوطنية للمجموعات المعنية. نؤكد على فكرة أن الصراعات القائمة على الهوية تحتوي على عناصر أساسية تستند إلى الرفض المتبادل لشرعية الجانب الآخر خوفاً من أن يؤدي هذا الاعتراف إلى تقويض شرعية المرء وقيمه ومطالباته. في الماضي غير البعيد، كان الإسرائيليون يخشون أن يؤدي اعتبار المطالبات الفلسطينية مشروعة أو تؤخذ على محمل الجد إلى تقويض المطالبات الإسرائيلية. وكان لدى الفلسطينيين نفس المخاوف بشأن الإسرائيليين. وبالتالي، كان يُنظر إلى الوضع والتنازل عن الموارد والأراضي على أنهما محصلتهما صفر، وذلك في المقام الأول بسبب المخاوف والشكوك المتبادلة بشأن الاعتراف بالهوية. لكن الإسرائيليون يتناسون أن الفلسطينيين هم أصحاب الأرض الأصليين، وأن الصراع بينهم وبين الفلسطينيين ليس على أشياء مُتنازع عليها، إنما هو صراع بين مُستعمر مُحتل، يُحاول أن يبني سرديته فوق الأرض التي يحاول أن يدفن تحتها الرواية الحقيقية لمظلومية الشعب الفلسطيني.

أن الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي هو صراع على أصول مادية حقيقية، مثل الأراضي والمياه والحدود والأمن وما شابه ذلك. وفيما يتعلق بكون الصراع الإسرائيلي الفلسطيني صراعاً على الهوية، فإن هذا الصراع هو صراع يرى فيه كل جانب الهوية الوطنية للجانب الآخر كتهديد، أو كترجمة لهذه الهوية إلى المجال السياسي – أي إلى “دولة قومية” – كخطر على هويتها الوطنية المستقلة. وبالتالي فإن أحد الجانبين يرفض بالتالي التعريف إذا كان الجانب الآخر كأمة، أو على الأقل، ينكر حقه في تحقيق هذه الهوية في سياق الدولة الوطنية. إن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ـ في جوهره ـ ليس فقط صراع على الهوية لأن أصله وسبب استمراره متجذران في إنكار كل جانب لقومية الجانب الآخر، ومطالبة كل جانب بالحق في إنشاء دولته القومية العرقية، بل هو صراع سببه قيام إسرائيل باحتلال وسرقة الأراضي الفلسطينية وطرد السكان الأصليين ومصادرة ممتلكاتهم بغير وجه حق.

وبشكل أكثر تحديداً يتم وضع دور ووظيفة الدين في سياق الإطار المذكور أعلاه للصراع القومي الإسرائيلي الفلسطيني، لذلك من الطبيعي أن يتخذ دين الجانبين علاقة معينة بالقومية. هناك نوعين رئيسيين من القوميين الدينيين: العرقي والأيديولوجي. يهاجم القوميون الدينيون العرقيون الأعراق المنافسة، بينما يهاجم القوميون الدينيون الإيديولوجيون العلمانية داخل بلدهم (الحكومة والمؤيدين) أو الأديان المنافسة. فإذا كان النهج العرقي للقومية الدينية يسيّس الدين من خلال استخدام الهويات الدينية لأغراض سياسية، فإن النهج الإيديولوجي للقومية الدينية يفعل العكس: إنه يضفي طابعًا دينياً على السياسة. ومن الضروري فهم هذا الأمر لأنه يشير إلى الطريقتين الأساسيتين اللتين يتم بهما دمج الدين في السياسة الوطنية، وتشكيلات الهوية الوطنية.

الهجرة الدينية والاتجاهات الصاعدة

يحاول بعض الباحثين إقناع الجمهور في أن الإيديولوجيات الدينية في كل من القوى الدينية الفلسطينية واليهود الأرثوذكس تمثل عنصراً رئيسياً في كيفية نظرهم إلى سياساتهم فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي. والتأكيد بشكل متكرر على أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يتعلق بشعبين يتقاتلان على نفس قطعة الأرض، وبالتالي فقد تم اعتباره أيضًا صراعاً جيوسياسياً دينياً ووطنياً. لكن الحقيقة التي يتم تجاهلها أن فلسطين كانت تسكنها تاريخياً اغلبية عربية مطلقة، ويعيش بجوارها اقلية قليلة من اليهود. وبسيطرة بريطانيا على فلسطين بعد هزيمة الإمبراطورية العثمانية، التي كانت تحكم هذا الجزء من الشرق الأوسط، في الحرب العالمية الأولى وفي نفس العام أي في 1917 أرسل “آرثر جيمس بلفور” Arthur James Balfour وزير الخارجية البريطاني رسالة إلى البارون “ليونيب وولتر دي روتشيلد” Lionel Walter Rothschild وفي هذه الرسالة قدم بلفور تعهداً بدعم بريطاني لإقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، أي أن بريطانيا قدمت فلسطين التي لا تملكها إلى الحركة الصهيونية التي أعلنت قيام دولة إسرائيل عام 1948 وطرد مليون فلسطيني من منازلهم ومصادرة ممتلكاتهم بما يعرف بالنكبة.  ولكن الدين في تلك الفترة لعب دوراً ثانوياً نسبياً قبل أن يصبح أكثر حضوراً بعد حرب 1967. وسيكون من الخطأ القول إن الدين كان غائباً تماماً عن الصراع لأن عدداً من اليهود انتقلوا إلى فلسطين لأسباب دينية.

بعد الهزيمة التي مني بها العرب عام 1967 بدأ اليهود المتدينون يعتقدون أن انتصاراتهم كانت علامة من الله على أن المسيح في طريقه. لقد اعتقدوا أن انتصارهم كان علامة من الله لمضاعفة جهودهم في استيطان كل الأراضي لإقامة دولة إسرائيل الكبرى. وجد العديد من اليهود المتدينين المعروفين بالصهاينة اليمينيين تمثيلهم أثناء تشكيل حركة “غوش إيمونيم” Gush Emunim وهي حركة ناشطة إسرائيلية يمينية ملتزمة بإنشاء مستوطنات يهودية في الضفة الغربية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان. نشأت حركة غوش إيمونيم بعد هزيمة عام 1967، وشجعت الاستيطان اليهودي في الأرض على أساس الاعتقاد بأن الله أعطاها للشعب اليهودي وفقًا للتوراة” لم تعد حركة غوش إيمونيم موجودة رسمياً، لكن آثار نفوذها لا تزال قائمة في المجتمع الإسرائيلي.

تسببت هزيمة حرب عام 1967 موجات صدمة في العالم العربي، وأُجبر الفلسطينيون على ترك منازلهم دون أي استحقاق للعودة. لقد أدرك الفلسطينيون أنهم لم يعد بإمكانهم الاعتماد على جامعة الدول العربية، ولجأوا في النهاية إلى تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية (PLO) عام 1964. ووضع الشعب الفلسطيني كل آماله على منظمة التحرير في محاولته لاستعادة أرضه. لكن التحرير بدا أمراً معقداً تدريجيًا في الزقت الذي بدأ فيه المستوطنون الإسرائيليون يبنون المزيد من المستوطنات في غزة والضفة الغربية. ولقد ازداد عدد المستوطنين بسرعة على مر السنين، من أقل من 1200 مستوطن في الضفة الغربية في عام 1972، إلى أكثر من 44 ألف بحلول عام 1985. أصبحت منظمة التحرير الفلسطينية غير فعّالة في نظر جزء من الشعب الفلسطيني، فبدأوا تدريجياً في البحث عن قيادة أقوى. ثم انطلقوا بحثاً عن حركة جديدة تعالج حاجتهم إلى استعادة ما اعتبروه وطنهم الشرعي. وهكذا تحول جزء من الفلسطينيين إلى الإسلام السياسي. وفي شكل القومية الدينية، انفجر الإسلام السياسي في طليعة التاريخ مع الثورة الإيرانية وتأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية في أعقاب الإطاحة بالشاه في عام 1979. مما أدى إلى ترسيخ القومية الإسلامية الشيعية التي حفزت المسلمين المتدينين في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك عدد كبير من الفلسطينيين على الرغم من حقيقة أنهم كانوا من المسلمين السنة.

 تم تشكيل حركة الجهاد الإسلامي في الفترة ما بين عامي 1985 و1986وتأسست حركة حماس (التي تعني اختصاراً “حركة المقاومة الإسلامية”) في عام 1988، وكانت فرعاً من جماعة الإخوان المسلمين، ونمت نتيجة رد الفعل على الاحتلال الإسرائيلي القمعي وعنف المستوطنين اليهود في الضفة الغربية. نمت حماس واشتدت بشكل مطرد بحيث فازت بالانتخابات الفلسطينية في عام 2006 بحصولها على 76 مقعداً في المجلس التشريعي البالغة من أصل 132 بينما حصلت حركة فتح على 43 مقعداً، والجبهة الشعبية على ثلاثة مقاعد.

يعود فوز حركة حماس إلى عدة أساب أبرزها:

أولاً: ضعف منظمة التحرير الفلسطينية، وعدم فعاليتها في تخفيف ظلم الاحتلال الإسرائيلي، وفشلها في بذل أي جهد لوقف نمو المستوطنات. بحلول عام 2006، زاد عدد المستوطنين في الضفة الغربية إلى ما يزيد عن 260 ألف. وعلى النقيض من منظمة التحرير الفلسطينية، كان يُنظر إلى حماس باعتبارها قوة ضد المستوطنين وباعتبارها أثرت على القرار الإسرائيلي بالانسحاب من غزة في عام 2005.

ثانياً: خلقت السلطة الفلسطينية سمعة سلبية لنفسها بسبب الفساد والمحسوبية، وعلى النقيض من حماس التي طورت سمعة من الصدق والنزاهة.

ثالثاً: قيام حماس ببناء أساس متين من الثقة المتبادلة بينها وبين فئات عديدة من الشعب الفلسطيني. لقد كان من الممكن أن يؤدي هذا إلى إحداث تغييرات إيجابية في حياة الفلسطينيين من خلال تشغيل برامج اجتماعية مثل المساجد، والمدارس، ومطاعم الحساء، والعيادات.

وبحلول الوقت الذي نشطت فيه حماس، كانت الصهيونية الدينية اليمينية حاضرة بقوة وبشكل كامل على الجانب الإسرائيلي، ترتكب أشنع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني، وتدعو إلى إبادته. كان الصهاينة المتدينون المتطرفون ينظرون إلى اللجوء إلى العنف على أنه مبرر أخلاقياً. ويعتقد قادتهم أن الله يؤيد أجندتهم الوطنية، وأن الله أعطاهم كل أراضي المنطقة، وأن الله يريد أن يؤمنوا الأرض ودولتهم من خلال جميع الوسائل بما في ذلك القوة المميتة والعنف. مثل هذه الافتراضات في السرديات القومية الصهيونية جعلت من السهل نزع الصفة الإنسانية عن “الآخر” وتبرير قتله.

دور الدين في إسرائيل ـ الأيديولوجية الصهيونية الدينية

يعتبر الفصيل اليهودي الأرثوذكسي الجماعة الدينية الأصولية في إسرائيل. وداخل مجموعة اليهود الأرثوذكس، هناك ما يسمى بالصهاينة. لا تمتلك الصهيونية أيديولوجية موحدة، ولكنها تطورت من خلال التفاعل بين عدد كبير من الأيديولوجيات، إحداها الصهيونية الدينية. فقبل تأسيس دولة إسرائيل، كان الصهاينة الدينيون في الأساس يهوداً ملتزمين (يهود يلتزمون بقواعد وأهداف التوراة) الذين دعموا الجهود الصهيونية لبناء دولة يهودية في فلسطين.  تركزت هذه الأهداف أولاً على إنشاء دولة يهودية في عام 1948 تم استخدام الحجج التاريخية واللاهوتية والوطنية والوجودية والسياسية والمجتمعية والثقافية لتبرير هذه الأهداف، وتبرير احتلالها لفلسطين وطرد سكانها العرب الأصليين.

الأرض كانت ولا زالت هي محور الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي. وهي قضية مهمة للغاية لدرجة أن الهيئات الدولية تناولتها. حيث يعتبر المجتمع الدولي المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي التي تحتلها إسرائيل غير قانونية بموجب القانون الدولي، وذلك بموجب اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، وبموجب الشرعية الدولية أيضاً. ومع ذلك، ففي نظر القوميين المتدينين الصهاينة، فإن التفسيرات الدينية تتجاوز القانون الدولي.

إن وجهات النظر من المنظور الصهيوني الديني تلعب دوراً هاماً في التعامل مع الحقوق الإقليمية في المنطقة، وخاصة من جانب الشخصيات الصهيونية السياسية. ومن الأمثلة على ذلك “مائير كاهانا” Meir Kahane الحاخام الإسرائيلي الأمريكي الأرثوذكسي، والسياسي القومي المتطرف، ومؤسس حزب «كاخ» اليميني المتطرف الذي طالب برنامجه بضم جميع الأراضي المحتلة وتهجير الفلسطينيين قسراً. وكان كاهانا أيضاً حاخاماً أرثوذكسياً مُرسَماً، دعا إلى تفجير المسجد الأقصى وإعادة بناء الهيكل الثالث. وشغل أيضاً منصب عضو في الكنيست الإسرائيلي. وكان جزء كبير من أيديولوجية كاهانا هو أن إسرائيل لا ينبغي لها أبداً أن تبدأ حرباً من أجل الأراضي، ولكن إذا شُنت حرب ضد إسرائيل، فيجب ضم الأراضي التوراتية. كما عرّف كاهانا الأراضي التوراتية بأنها الحدود الجنوبية التي تصل إلى العريش (أكبر مدينة في شبه جزيرة سيناء)، والتي تضم كل شمال سيناء. وإلى الشرق، تمتد الحدود على طول الجزء الغربي من الضفة الشرقية لنهر الأردن، ومن ثم فهي جزء مما يُعرف الآن بالأردن. كما تشمل أرض إسرائيل جزءًا من لبنان وأجزاء معينة من سوريا وجزءًا من العراق، وصولاً إلى نهر دجلة. كما ذكر كاهانا أن “المعجزات لا تحدث من تلقاء نفسها”. لقد شعر أن الطريقة الوحيدة لعودة المسيح هي عندما يخلق اليهود الظروف السياسية المناسبة.

مثال آخر يمثله الصهيوني المتطرف “بتسلئيل سموتريتش” Bezalel Smotrich الذي يحفل سجله بالتصريحات المتطرفة والعنصرية التي يتماهى فيها مع الإرهاب اليهودي وأعمال العنف التي تقوم بها عصابات المستوطنين المتطرفين مثل “شبيبة التلال” و”تدفيع الثمن”. سموتريتش من أصل أوكراني ترعرع في المستوطنات وفضل تعلم التوراة على الخدمة في الجيش، الذي التحق به في سن متأخرة وخدم فيه مدة 16 شهرا فقط. مواقف سموتريتش وتصريحاته العنصرية كثيرة جداً، ولكن ربما من أبرزها اعتباره في العام 2015 أن إحراق ثلاثة أشخاص من عائلة دوابشة حتى الموت من قبل مستوطنين يهود “لا يعد عملا إرهابيا” وأن الإرهاب هو “العنف الذي يوجه إلى اليهود من قبل العرب فقط”، وهي تصريحات تكررت عند قيام ميليشيات من المستوطنين بإحراق عشرات المنازل والمركبات والمحال التجارية في قرية حوارة التي دعا إلى “محوها”. ومنذ أن أصبح وزيراً للمالية في حكومة “بنيامين نتنياهو” شنّ حرب الاستيطان على الشعب الفلسطيني. فقد شرع بتنفيذ خطط ابتلاع 60% من أراضي الضفة الغربية المحتلة، تنفيذًا لوعده بالقضاء على حل الدولتين وتوافقاً مع عقيدة “إسرائيل الكبرى” التوسعية، كما يُطلَق عليها. وفي أكثر من مناسبة، لوّح سموتريتش بتوسيع الاستيطان، حتى إنّه رسم معادلة قوامها إقامة مستوطنة جديدة باسم كل دولة تعترف بشكل أحادي بالدولة الفلسطينية، بل إنّه يقول إنّ مهمّة حياته هي “إحباط إقامة دولة فلسطينية”.

وهناك مثال آخر على هو وزير الأمن القومي الصهيوني المتطرف “إيتمار بن غفير” Itamar Ben-Gvir الذي أوعز لأجهزة الجيش والشرطة بكف يدها عن عنف المستوطنين الذين شنوا مئات الهجمات ضد الفلسطينيين للاستيلاء على أراضيهم ومزارعهم. أسس حركة “العظمة اليهودية” (عوتسما يهودت)، وأصبح عضوًا في الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي عام 2021.  وينحدر بن غفيرلوالدين من جذور عراقية كردية. ويستمد أفكاره المتشددة من الحاخام مائير كاهانا، مؤسس حركة “كاخ” الذي فاز بمقعد في الكنيست الإسرائيلي عام 1984، قبل أن تُصنف حركته “إرهابية وفاشية. وصفت صحيفة هآرتس العبرية فوزه مع حزبه في انتخابات الكنيست عام 2022 بأنه “اليوم الأسود في تاريخ إسرائيل”. ينتمي بن غفير لليمين المتطرف، الذي يرى أن إسرائيل دولة يهودية قومية وصهيونية، ويناهض تأسيس دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل. ويدعم عنف المستوطنين الإسرائيليين ضد الفلسطينيين، ويدعو إلى الطرد القسري للمواطنين العرب “غير الموالين” من البلاد، وفق “تايمز أوف إسرائيل”، مما جعله صاحب شعبية كاسحة.

أما أدبيات حزب الليكود الإسرائيلي فتتضمن “إن حق الشعب اليهودي في أرض إسرائيل أبدي ولا جدال فيه ويرتبط بالحق في الأمن والسلام؛ وبالتالي، لن يتم تسليم يهودا والسامرة إلى أي إدارة أجنبية. وبين البحر والأردن لن تكون هناك سوى السيادة الإسرائيلية”.

تغلغل التطرف الديني

وفقًا للمنظور الصهيوني الديني، فقد عهد الله بالأرض (الأرض التوراتية) إلى الشعب اليهودي وأنه لم تكن هناك دولة فلسطينية قط. وبدلاً من ذلك، يُنظر إلى الفلسطينيين على أنهم يعيشون على أرض ليست لهم. ويتمثل طموح القوميين المتدينين في تحقيق إقامة “إسرائيل الكبرى”. ويتطلب تفسيرهم الديني توسيع الحدود الحالية لإسرائيل أكثر فأكثر. وينضم عدد متزايد من اليهود المتدينين إلى جيش الدفاع الإسرائيلي في السنوات الأخيرة، بحيث أن التغيير الأكثر أهمية الذي شهده جيش الاحتلال الإسرائيلي هو عمل الدين داخل ثقافته المؤسسية. إن الزعماء والقادة الدينيين الصهاينة المتطرفين قد أدخلوا أنفسهم في الجيش كلاعبين رئيسيين. وقد احتل هؤلاء محل القادة العلمانيين في الجيش، وينتقلون إلى مناصب أعلى وأكثر قوة. وكلما ارتفعت أصواتهم، كلما كان تأثير الدين على جيش الدفاع الإسرائيلي أكبر. وهذا يعني ضمناً أن الجيش الإسرائيلي يعمل كشريك للتأثيرات الدينية في استخدامه للقوة والعنف في الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي.

لقد نشأت القومية الدينية الصهيونية من عدم الرضا عن هيمنة الثقافة الغربية الحديثة، والتي يبدو أنها تسير بالتوازي مع القومية العلمانية الإسرائيلية. وما اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي “إسحاق رابين” Yitzhak Rabin عام 1995إلا مثال مهم على قوة هذه الجماعات. فقد اغتيل رابين على يد طالب لاهوتي يهودي شاب يدعى “ييجال أمير” Yigal Amir الذي ادعى أنه تصرف بناءً على أوامر الله. وقال: “كل ما فعلته، فعلته لمجد الله”. ادعى أمير أنه كان في سلام وأنه شعر بأنه طبيعي. زعم أمير أن مقتل رابين كان أمراً يستحق الثناء وفقاً لقراءات الشريعة الدينية. وقد زعم أن أحد هذه القوانين يسمح بقتل أولئك الذين يمكنهم تدمير الأمة.

مقالات مشابهة

  • عاجل - الرئيس الفلسطيني يشكر السيسي والملك عبد الله الثاني على مواقفهم في دعم القضية الفلسطينية
  • الأيديولوجية الدينية في الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي
  • الاحتلال الإسرائيلي يستهدف مدرسة يافا التي تؤوي نازحين بحي التفاح
  • لقاءات قبلية في صعدة إسناداً لغزة وإشهار وثيقة الشرف القبلية
  • حماس: الجرائم الصهيونية لن تُثني الشعب الفلسطيني عن التمسك بأرضه ومواصلة المقاومة حتى نيل حقوقه المشروعة
  • غضب يمني عارم إزاء تمادي العدو الأمريكي في استهداف المدنيين والأحياء السكنية:الفعاليات الوطنية تحمّل الأمم المجتمع الدولي مسؤولية صمتها على الانتهاكات الجسيمة بحق الشعبين الفلسطيني واليمني
  • الهلال الأحمر الفلسطيني: التحقيق الإسرائيلي في مقتل المسعفين "مزيف"
  • لقاء موسع لأبناء النادرة والسدة في إب لمواجهة التصعيد الأمريكي الإسرائيلي
  • محلل سياسي يكشف الأوضاع الكارثية التي يمر بها الشعب الفلسطيني
  • وقفة قبلية في مديريات الصعيد تأكيداً على ثبات الإسناد اليمني لغزة