في محاولة جديدة تستهدفُ تجاوزَ الخلافات التي تعيق عودة العلاقات الإستراتيجية بينهما إلى سابق عهدها، جاءت زيارة كل من وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، ورئيس جهاز الاستخبارات إبراهيم كالين إلى العاصمة الأميركية واشنطن، وهي الزيارة التي استغرقت يومين تم خلالهما عقد اجتماعات مكثفة بين الجانبين.

ملفات متعدّدة للتعاون

ووَفق ما تم إعلانه في وسائل الإعلام التركية والأميركية، فقد بحث الجانبان ملفات متعددة، مثل التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، والحرب على غزة، والحرب الروسية – الأوكرانية، والتعاون في مجال الدفاع والطاقة، وتطوير العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري بينهما.

إلا أن أهم الملفات تعقيدًا وأكثرها سخونة، والتي استغرقت جلّ اللقاءات بينهما فتمحورت حول الوضع في سوريا، ومعضلة دعم واشنطن اللامحدود وحدات حماية الشعب (قسد) وتأثيراته المباشرة على الأمن القومي التركي، بدا هذا واضحًا من الحضور المفاجئ لرئيس جهاز الاستخبارات التركي إلى واشنطن، الذي لم يتم الإعلان عنه من قبل، عكس زيارة وزير الخارجيّة التي جاءت بدعوة من نظيره الأميركي، وأُعلن عنها مسبقًا.

مظلة الآلية الإستراتيجيّة

الاجتماعات التركية – الأميركيّة جاءت على خلفية بوادر تحسن في العلاقات بينهما بعد تلبية أنقرة طلب واشنطن بالموافقة على عضوية السويد في حلف الناتو، والتي تلتها موافقة الكونغرس الأميركي على طلب إتمام صفقة بيع طائرات "إف – 16" لسلاح الجو التركي، وتحديث سرب طائرات "إف – 16″ الموجود لديه.

وجرت تحت مظلة " الآلية الإستراتيجية" التي وضع أساسها كلٌّ من الرئيسين الأميركي والتركي في عام 2021؛ بهدف حل أي خلافات بينهما سواء تلك القائمة بالفعل أو التي يمكن أن تنشأ نتيجة الاختلاف في وجهات النظر، أو تباين المصالح بينهما.

وبينما أعلنَ المسؤولون الأميركيون أنّ علاقات بلادهم مع قوات سوريا الديمقراطية، التي تتحفظ عليها تركيا، تأتي في إطار التحالف الدولي ضد الإرهاب، والقضاء على تنظيم الدولة (داعش)، شدَّد المسؤولان التركيان على ضرورة فك هذا الارتباط الذي يعد أحد أهم أسباب تراجع العلاقات التركية – الأميركية خلال العقد الأخير.

مع طرحهما آلية جديدة يمكن اعتمادها في التعاطي مع هذا الملفّ، وتكون نقطة ارتكاز لتوحيد وجهتَي نظر البلدين فيما يخص تطوراته، وتجنب القوات الأميركية في شمال شرق سوريا التعرّض لأي ضرر يمكن أن يصيبها خلال العمليات العسكرية التي تقوم بها تركيا لاجتثاث الإرهاب من المنطقة.

قلق حلفاء واشنطن

ورغم عدم إعلان أيّ من الطرفين عن النتائج التي رشحت عن هذه الزيارة، فإنه يمكن النظر إليها باعتبارها تطورًا مهمًا على طريق النهج الجديد الذي أصبح يميز علاقات البلدين، وتوقعات بإمكانية إحراز المزيد من التقدم على صعيد المجالات الأمنية والاقتصادية والسياسية، حتى ذهب تفاؤل البعض إلى التنبؤ بإمكانية قيام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزيارة إلى البيت الأبيض خلال وجوده في واشنطن لحضور اجتماعات قمة الناتو المقررة في الفترة من 9 – 11 يوليو/ تموز المقبل، والتي ستعقد بالتزامن مع الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس الحلف.

التعاطي بهذا الكمّ من الإيجابية تجاه ما تشهده العلاقات الأميركية – التركية من تطور في وسائل الإعلام التركية، أثار حالة من القلق لدى حلفاء واشنطن من الأكراد، المنضوين تحت لواء قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ومكونها الرئيس وحدات حماية الشعب، التي تعتبرها أنقرة فصيلًا تابعًا لحزب العمّال الكردستاني.

الذين يتابعون بدقة تطور المباحثات الثنائية بين البلدين، وما ستسفر عنه من نتائج، وانعكاساتها على علاقتهم بواشنطن، وعلى وجودهم في مناطق الشمال السوري، أبدوا تحفظهم على العديد من الخطوات التي تتخذها الإدارة الأميركية تجاه تحسين علاقاتها مع تركيا، وما تمثله من خطورة على وجودهم.

صمت أميركي مطبق

بدءًا من موافقة الكونغرس على صفقة الطائرات "إف – 16" المحدثة، ومرورًا باستمرار الحديث عن خُطة أميركية يتم مناقشتها في أروقة البيت الأبيض؛ لسحب الجنود الأميركيين البالغ عددهم 900 جندي من شرق سوريا، حيث يؤكد العديد من دوائر صنع القرار الأميركي قيام البنتاغون حاليًا بمراجعة خطط الانسحاب من سوريا، التي سبق إعدادها؛ تمهيدًا لاختيار الأنسب منها لبدء التنفيذ، وانتهاءً بالصمت الأميركي المطبق تجاه تصعيد القوات التركية عملياتها العسكرية في مناطق شمال وشرق سوريا، ردًا على هجمات متعددة قامت بها عناصر من حزب العمال الكردستاني ضد قواتها في شمال العراق، مما أسفر عن مقتل عدد منهم.

وهي العمليات التي تستهدفُ مواقع محددة لـ"قسد"، كمستودعات الأسلحة والمعسكرات التدريبية، والبنية التحتية لمقارّها الإدارية والمالية، وحقول النفط ومصافي التكرير، في المساحة الجغرافية الواقعة بين المالكية في أقصى الشمال الشرقي، وصولًا إلى مدينة تل رفعت في ريف حلب الشرقي؛ بهدف تجفيف كافة مصادر تمويل حزب العمال الكردستاني في سوريا، الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، والمتمثلة في حقول النفط والغاز بالمنطقة، التي تضم 95% من احتياطات النفط والغاز السوريين.

الاحتماء بالعباءة الروسية

حالة القلق التي انتابت حلفاء واشنطن من الأكراد دفعتهم لمطالبتها برفض إتمام صفقة طائرات "إف -16″، لاحتمالية قيام أنقرة باستخدامها ضدهم، والعمل على كبح جماح تركيا لوقف هجماتها على مواقعهم، إلا أن الرد بالرفض الذي تلقوه، ومحاولات طمأنتهم وتبديد مخاوفهم، زاد من شكوكهم حول إمكانية أن يكون مصيرهم نفس مصير حلفاء الولايات المتحدة من الأفغان، الذين تخلت عنهم إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2019 بصورة مفاجئة، ودون أي تخطيط مسبق، مما تسبب في حالة من الاضطراب والذعر.

خشية الأكراد من أن يتركوا بمفردهم ليصبحوا لقمة سائغة في أفواه الأتراك والإيرانيين الذين لن يتوانوا عن التقدم لدحرهم وإخراجهم من المنطقة، دفعت قادتهم للاجتماع سرًا مع قيادات روسيا في المنطقة، وبمشاركة مندوبين عن الأسد، وعناصر من قوات الحرس الثوري الإيراني الموجودين في تل رفعت بريف دمشق، وفق ما أوردته صحيفة "يني شفق" التركية، التي أكدت أنه تم الاتفاق بين الأطراف المجتمعة على عدد من الأمور الهامة.

اتفاق كردي – روسي

تشير في مجملها إلى موافقة الأكراد على الدخول تحت العباءة الروسية، والتعاون مع قوات الأسد، مثل:

1 –  تشكيل نقاط مشتركة في المنطقة الواقعة تحت سيطرة قوات الحرس الثوري الإيراني.

2 – ضمان عدم دخول قوات الجيش العربي السوري إلى منطقة الشهباء بحلب، وهي المنطقة الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد).

3 – ضبط تحركات عناصر قسد بالمنطقة، وتحجيمها، وإبلاغ القوات الروسية عنها أولًا بأول.

4 – تقديم جميع المعلومات حول عمليات قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المستقبلية التي تستهدف بها القوات التركية في المنطقة.

وهي التحرّكات التي أصبحت تشير بوضوح إلى أن قيادات قوات سوريا الديمقراطية تبحثُ عن حليف جديد يرعاها، ويضمن لها البقاء ضمن الأطراف الفاعلة في المنطقة، حتى لا تخرج صفر اليدين، بعد أن أصبحت على يقين بأنّ الولايات المتحدة الأميركية عازمة بالفعل على الانسحاب من سوريا، وإنها بصدد تحديد الموعد المناسب للقيام بهذه الخطوة؛ بهدف تحقيق مصالحها الخاصة، والتي من ضمنها إعادة زخم علاقاتها الإستراتيجية مع تركيا إلى سابق عهدها، حتى وإن كان هذا يعني التضحية بهم كحلفاء لها.

ليتحول التساؤُل الذي يجب أن يُطرح الآن للنقاش: هل ستغادر القوات الأميركية الأراضي السورية، وإلى متى ستكون هذه المغادرة، وكيف سيكون إعلان تخلّيها عن حلفائها من الأكراد علنًا؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات قوات سوریا الدیمقراطیة فی المنطقة

إقرأ أيضاً:

رايةٌ في الرمال.. مستقبل تنظيم الدولة في سوريا الجديدة

أعلنت القيادة المركزية الأميركية (سانتكوم) بتاريخ 21/12/2024، مقتل زعيم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) المدعو "أبو يوسف" في محافظة دير الزور شرق سوريا، قبل أن تُعدل الخبر الذي نشر على حساب القيادة على منصة x (توتير سابقاً) وتدعي أن المستهدف أحد قادة التنظيم ويدعى محمود "أبو يوسف" واثنين من مرافقيه.

يأتي هذا الإعلان بعد يومين من تاريخ تنفيذ هذه الضربة، مما يدلل على أن الخطأ لم يكن من استعجال في إيراد المعلومة، بل يعكس تخبطا في الإستراتيجية المتبعة في قتال التنظيم، ورغم الإعلانات المتكررة من التحالف الدولي ضد الإرهاب عن تقدم في تحييد قادة وعناصر التنظيم إلا أن وتيرة حركة التنظيم في سوريا لم تتغير إلا بعد سقوط النظام السوري السابق، ولذلك مسببات نحاول تفنيدها في هذه المقالة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2شتم نتنياهو وأعاد ترامب نشر كلامه.. من هو الاقتصادي جيفري ساكس؟list 2 of 2بعد سقوط الدولة المتوحشة .. أعين فرنسا مسمّرة على مسيحيي سورياend of list واقع التنظيم في سوريا

ينتشر التنظيم في سوريا في منطقتين منفصلتين، الأولى في الجزيرة السورية (شمال شرقي سوريا)، وتسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي، حيث يتحرك التنظيم في البادية الجنوبية لمحافظة الحسكة، والتي تتصل هي الأخرى بالجهة الشمالية الشرقية من مدينة البوكمال الحدودية وتحديداً عن بلدة الباغوز آخر معاقل التنظيم الحضرية، هذه المنطقة تتصل جغرافياً ببادية الحضر في محافظة نينوى العراقية، ورغم وجود الكتل الإسمنتية الفاصلة بين البلدين إلا أن التنظيم لا يزال يتنقل عبر الحدود، هذا ما أكده لنا أحد سكان ريف محافظة الحسكة.

إعلان

أما المِنطقة الثانية المعروفة باسم البادية الشامية، وتقع في محيط مدينة تدمر شرق محافظة حمص، وتتصف بأنها واسعة وتنتهي بأطراف معظم المحافظات السورية وتتصل أيضاً ببادية الأنبار العراقية التي تُعد معقلا أساسيا للتنظيم، استفاد التنظيم سابقاً من تقاسم النفوذ على طول الشريط الحدودي بين القوات الأميركية الموجودة في قاعدة التنف العسكرية والمليشيات الإيرانية التي كانت مسيطرة على مدينة البوكمال، وإضافة إلى خبرته الطويلة -نسبياً- في قتال الصحراء والتكيف معها، تمكن التنظيم من إبقاء حركته بين البلدين في هذه المنطقة.

تعدد الأطراف التي تقاتل التنظيم وحالة العداء أو الندية بينها خلق حالة مرتبكة ظهرت جلياً في الفترة الأخيرة (خلال عامي 2024-2023)، وساهم هذا الأمر في جعل المعلومات عن أعداد التنظيم وتحركاته غير دقيقة ومتفاوتة تفاوتا كبيرا، فحتى هذا الوقت لا يوجد رقم دقيق لأعداد عناصر التنظيم في سوريا، إلا أن بعض المصادر الميدانية رجحت أن تعداد عناصر تنظيم الدولة النشطين في سوريا يتراوح بين 900-1100 عنصر، الجزء الأكبر منهم في البادية الشامية بينما ينتشر الجزء الأقل في الجزيرة السورية (شمال شرق سوريا).

لماذا خفت وتيرة هجمات التنظيم في سوريا

خلال السنوات الأخيرة، بعد خسارة التنظيم آخر معاقله الحضرية، نفذت مجموعات التنظيم مئات العمليات العسكرية والأمنية في سوريا، معظمها كان على شكل هجمات سريعة تستهدف نقاط تمركز المليشيات الإيرانية وعناصر جيش النظام السوري السابق، إضافة إلى هجمات متتالية على صهاريج (خزانات) نقل النفط التي تحمل شحناتها من حقول الجزيرة السورية إلى مصفاتي حمص وبانياس.

وسجل عام 2024 أكثر عدد لهجمات التنظيم في سوريا، وارتفاع هذه الوتيرة تدريجياً يعود إلى الاعتيادية التي تطورت لدى قادة التنظيم في فهم تحركات المليشيات الإيرانية وطبيعة انتشارها وتمركزها، ويعزز هذا السبب أيضاً عدم وجود خطط هجومية من هذه المليشيات وجيش النظام السابق الذي اكتفى بوضعية الدفاع والتصدي وتحركات وقائية فقط، بينما التنظيم كان المبادر في أغلب المراحل نظرا لخبرته العالية في قتال الصحراء ضمن إستراتيجية حرب العصابات السريعة التي تعجز أمامها العقلية التقليدية للجيوش النظامية أو شبه النظامية، وتُعد هذه نقطة ضعف المليشيات الإيرانية، فرغم أن الطابع المؤسس لهذه المليشيات ذو حركية فاعلة إلا أن ارتباطها بجيش النظام السابق والتنسيق مع الطيران الروسي أضعف لديها المرونة المطلوبة لمجابهة التنظيم.

إعلان

ومنذ إعلان سقوط النظام السوري المخلوع، خفت هجمات التنظيم باستثناء الاعتيادية منها في منطقة الجزيرة السورية، وهجومين في البادية الشامية أحدهما استهدف حقل شاعر للغاز وأدى إلى مقتل مدير الحقل، هذا الاختفاء -النسبي- ليس بالضرورة أن يكون دائما، فعلى الأرجح مؤقت ويعود لأسباب عديدة، أهمها:

انتهاء وجود نقاط التمركز والإسناد التي كانت تشغلها المليشيات الإيرانية وعناصر جيش النظام السابق في البادية الشامية، فكان معظم هذه المليشيات أهدافا في متناول التنظيم، يُضاف إليها حركة الأرتال العسكرية بين محافظتي دير الزور والعاصمة دمشق مروراً بمدينة تدمر. تقدم مجموعات من جيش سوريا الحرة المدعوم من قاعدة التنف العسكرية إلى نقاط متقدمة في البادية الشامية، خاصة في شرق مدينة تدمر ومحطة نقل النفط T2 في بادية محافظة دير الزور. انتشار مجموعات عسكرية تتبع إدارة العمليات العسكرية والتي انتظمت حالياً في فرقة عسكرية (البادية) تتبع وزارة الدفاع في سوريا، كان لها الدور الأبرز في سد الفراغ في المنطقة وسيطرتها على مواقع إستراتيجية في البادية خاصة على الطريق الوحيد الذي يربط محافظتي دير الزور ودمشق. جندي لتنظيم الدولة يحمل رايتها (Getty) إستراتيجية دمشق اتجاه التنظيم

من المؤكد أن سقوط النظام السوري السابق ووصول هيئة تحرير الشام إلى دمشق لم يكن خبراً ساراً للتنظيم على الإطلاق، عبّر عن ذلك التنظيم بإصدار مرئي نشرته منصات مقربة من التنظيم بتاريخ 24/1/2025، هدد فيه الإدارة السورية الجديدة في حال طبقت قوانين وميثاق الأمم المتحدة في السلم والحرب، ويُعد هذا الإصدار هو الأول من نوعه بعد انقطاع طويل ويُعبر عن التخوفات من وصول القيادة الجديدة لدمشق ويعطي مبررات مسبقة لتصرفاته اللاحقة.

القيادات الجديدة في دمشق خاصة في وزارة الدفاع والأمن العام التابع لوزارة الداخلية وجهاز الاستخبارات معظمها من القيادات السابقة لهيئة تحرير الشام، والتي خبرت جيداً تنظيم الدولة من خلال سنوات من المعارك ضده في المنطقة الشرقية ودرعا ووسط سوريا وآخرها في إدلب، وتمكنت هذه القيادات من الإيقاع بخلايا التنظيم وحلقاته القيادية ومفارزه الأمنية، وتمتلك القيادة الجديدة مجموعات عسكرية متقدمة من ناحية التأهيل العسكري والأمني تمكنها من مجابهة التنظيم، ويبدو أن النهج الذي تتبعه القيادة الجديدة لن يكون متساهلا مع التنظيم، ويظهر ذلك في إقرار تشكيل أو فرقة في وزارة الدفاع وإسناد مهمة البادية لها وهو مؤشر لتوجهاتها في منع التنظيم من تحقيق أي تقدم له، ويمكن اختصار الإستراتيجية في أنها ستكون مواجهة وفق سياقاتها التالية:

إعلان الاستعداد العسكري الميداني والدخول في مواجهة مفتوحة ضد مجموعات التنظيم في البادية الشامية، مستفيدين من مزايا مجموعات فرقة البادية الذين في غالبهم يمتلكون مقومات قتال الصحراء ومحاكاة الطريقة التي يقاتل بها تنظيم الدولة. جهاز الاستخبارات سيكون له الدور الفاعل في متابعة التنظيم أمنياً، سابقاً تمكن جهاز الأمن العام التابع لحكومة الإنقاذ من اصطياد عشرات القادة وعناصر التنظيم. منع التنظيم من الحصول على مستلزماته العسكرية واللوجستية بتشديد التموضع لفرقة البادية على الطرقات الرئيسية وسط الصحراء، وينتظر أيضاً وضع خطة لضبط الحدود بين سوريا والعراق. السطوة المطلقة على مواقع انتشار التنظيم من وزارة الدفاع السورية ستكون مهمة لصالح القيادة من أجل سحب ذرائع وجود التحالف الدولي ضد الإرهاب في سوريا، لذلك ستركز دمشق في خططها في المستقبل القريب لدحر التنظيم. دور التحالف الدولي

في منطقة البادية الشامية اقتصر دور التحالف الدولي ضد الإرهاب الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية على تنفيذ ضربات جوية محدودة على مواقع التنظيم، دون أن تكون هناك أيُ عمليات برية متقدمة، إلا في حالات تمشيط في محيط منطقة 55 الملاصقة لقاعدة التنف العسكرية، وقد يكون مغزى هذه الإستراتيجية أمران، الأول: إبقاء انشغال التنظيم في مهاجمة المليشيات الإيرانية التي كانت تنتشر نقاطها بالعشرات في البادية، والثاني: عدم خلق مواجهة مفتوحة تضطر إليها القوات الأميركية لتغيير تموضعها القتالي في قاعدة التنف العسكرية التي ستكرن وقتها -حتماً- هدفاً للتنظيم، بينما في منطقة الجزيرة السورية  فشاركت القوات الأميركية قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بعشرات الحملات الأمنية وعمليات التوغل في البوادي (جنوب الحسكة).

جنود أميركان يشاركون في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة – أ ف ب
(الفرنسية)

لكن فاعلية هذه العمليات لم تكن بالمستوى الحرفي، نظرا لشح المعلومات أو الاعتماد على قوات الآسايش في جمع المعلومات التي في غالبها تكون غير دقيقة وكيدية ضد بعض مكونات المنطقة، ففشل بذلك عدد من عمليات الإنزال الجوي التي نفذها التحالف الدولي في ريف محافظة دير الزور، ورغم تكرار الإعلان من قيادة التحالف عن إنجازات كبيرة تحققت في قتال التنظيم في المنطقة إلا أن الوقائع على الأرض تشير إلى خلاف ذلك، ويبقى المحدد الأساسي في تبيان دور التحالف الدولي ميدانياً هو في تمكن التنظيم من إعادة السيطرة على المناطق الحضرية (بلدات ومدن) وهذا لم يحدث، بينما مسارات الحضور الأمني والظهور المتكرر لمجموعات التنظيم وخطره بقي حاضراً ويُشكل هاجساً قوياً للسكان المحليين.

إعلان

التصريحات الأميركية المتعلقة بالانسحاب من سوريا، والتزامها بضمان إنهاء تنظيم الدولة في المنطقة يقعان على طرفي نقيض نظرياً، وهذا ما يجعل التفاهم بين واشنطن ودمشق على خطط الحماية محتملة، يعترض هذا الاحتمال عدم وجود تعاون قائم بين الطرفين وتركيز واشنطن على مشاركة قسد في حربها ضد التنظيم، وهذا مغاير للمثال العراقي حيث دربت ودعمت واشنطن الجيش العراقي وفق برامج مشتركة لقتال التنظيم.

مستقبل تنظيم الدولة في سوريا

العتبة التي لم يستطع تنظيم الدولة التغلب عليها خاصة في سوريا هي الخطاب العام المتراجع، وتوقف مفردات هذا الخطاب عند مستوى غير جاذب على أقل تقدير في الأوساط المتماهية معه، وتزداد صعوبة هذا المشهد بالنسبة للتنظيم في تأمين حواضن آمنة له وجذب منتسبين جدد إليه، وأصبح اعتماد التنظيم على العناصر السابقة لديه وحالات تجنيد فردية غير مجدية أو فاعلة، يضاف إلى ذلك ضعف شديد ويكاد يكون معدوما كلياً في استقدام العناصر الأجنبية (من غير السوريين) التي يعد وجودها عاملاً أساسياً في بلورة خطاب التنظيم ودعم قطاعاته القتالية والتنظيمية.

ويُشكل الانتصار الذي حققته إدارة العمليات العسكرية بمعركة ردع العدوان التي قادتها هيئة تحرير الشام ووصولهم لدمشق ضربة قاسية للتنظيم لن يتمكن في الغالب من صياغة خطاب ملائم يبرر فيه فشله وانتصار (عدوه) في تحقيق النصر، وهذا يجعل الباب مفتوحاً لانشقاقات محتملة داخل صفوف التنظيم حالياً وانفضاض المروجين له لصالح المنتصر في دمشق، وأمام هذا المشهد قد يذهب التنظيم نحو استعداء مفضوح ضد القيادة السورية الجديدة وهذا الذي عبر عنه في الإصدار المرئي الأخير، والاعتماد على السياق الأمني لإثبات الحضور والوجود، دون أن يغير ذلك في المعادلة الأمنية والعسكرية للمنطقة.

السردية التي بنى عليها التنظيم خطابه العام عانت من تصدعات كبيرة، وجعلت مجمل تحركاته في حالة تراجع، انعكس ذلك جليا على عملية التجنيد أو بقاء الفاعلية قائمة في صفوفه، ويعاني التنظيم من تأمين الموارد المالية واللوجستية، وكل هذه الظروف تدفع باتجاه إضعاف النقطة التي يتفوق بها وهي حرب الصحراء، خاصة من وجود مقاتلين يتبعون لوزارة الدفاع السورية خبروا جيداً هذه المنطقة واعتادوا على أساليب القتال التي ينتهجها التنظيم، أي بات التنظيم يواجه طرفاً يحاربه بذات الأدوات التي يتفوق بها ذاته.

إعلان

يدرك التنظيم أنه لا مجال -مطلقاً- لأي مهادنة مع القيادة السورية الجديدة، وأن المستقبل في البادية الشامية لن يكون جيداً له، خاصة مع ورود أنباء عن تمركز مستقبلي للجيش التركي في قواعد عسكرية في المنطقة (مطار تدمر العسكري، مطار T4) وهذا يؤمن تغطية جوية ومسوحات استخبارية للبادية التي تمكن وزارة الدفاع في سوريا من إحراز تقدم واسع في تأمين البادية وانهاء أو إبعاد على أقل تقدير مخاطر التنظيم.

من جهة أخرى فإن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن مساعي حكومته لانسحاب قواته من سوريا قد يدفع بعض الجهات إلى تسهيل حركة التنظيم في المنطقة وخاصة في الجزيرة السورية  من أجل إجبار القوات الأميركية على إعادة التفكير في خطط الانسحاب إما بإلغائها أو تأجيلها، وحتماً التنظيم سيستجيب لأي تسهيلات يراها دون قراءة نتائج هذا التحرك.

على المدى القريب والمتوسط وبحسب القراءة الميدانية لوقائع التنظيم فإن التأثير الأمني المحدود سيبقى حاضراً أما التوسع أو التأثير المباشر في المعادلات الأمنية والعسكرية، فمن غير المتوقع أن تتمكن قيادات التنظيم من التأثير بها، ولعل البقاء بهذا المستوى تعتبره اللجنة المفوضة في التنظيم إنجازاً جيداً ومقبولاً تحاول الحفاظ عليه بغية انتظار تغيُر في الظروف تسمح له بإعادة السيطرة والانتشار من جديد.

مقالات مشابهة

  • ما هي الدول الأوروبية التي ستشارك في "تحالف الراغبين" من أجل أوكرانيا؟
  • لافروف: واشنطن ترغب في إنهاء الحرب لكن أوروبا تسعى لاستمرارها
  • كارلسون: نظام كييف باع أسلحة أمريكية في السوق السوداء بخمس ثمنها لحماس والقوات التي تسيطر على سوريا
  • رايةٌ في الرمال.. مستقبل تنظيم الدولة في سوريا الجديدة
  • مظلوم عبدي الخال جيلو قائد قوات سوريا الديمقراطية
  • إسرائيل تبلغ واشنطن رغبتها في بقاء القواعد الروسية في سوريا
  • قيادي بالجهاد : لا توجد قوات لنا أو لحماس في سوريا
  • واشنطن تعلن مقتل قيادي ارهابي بغارة جوية في سوريا
  • عاجل | القيادة الأميركية الوسطى: قتلنا قائدا بارزا تابعا للقاعدة بغارة شمال غربي سوريا
  • القيادة المركزية الأميركية تؤكد مقتل القيادي بالقاعدة “محمد يوسف زاي” بغارة في سوريا