تنطلق احتفالات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، فى 3 أغسطس المقبل، بمئوية ميلاد البابا شنودة الثالث، البطريرك الـ117 فى تاريخ باباوات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.. البابا الوطنى، رجل المواقف الصعبة، الذى حُفر اسمه بأحرف من نور فى تاريخ الوطنية المصرية والعربية، يحظى بمكانة كبيرة جدًّا فى قلوب الجميع من كل رموز مصر الإسلامية والمسيحية.

. كان يحب ويعشق تراب مصر، ومن أشهر أقواله: «مصر ليست وطنًا نعيش فيه، بل وطن يعيش فينا».

أخبار متعلقة

د. مينا بديع عبدالملك يكتب: في مئوية ميلاد البطريرك المُعلّم البابا شنودة الثالث

الكنيسة تحتفل بذكراه اليوم.. محطات في حياة البابا شنودة الثالث: جلس 40 عامًا على كرسى مارمرقس

«زى النهارده».. وفاة البابا شنودة الثالث 17 مارس 2012

البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية القبطية الأرثوذكسية، كان أول أسقف للتعليم المسيحى قبل أن يصبح البابا، وتم تتويجه بطريركًا على السدة المرقسية فى الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالقاهرة، فى 14 نوفمبر 1971، حتى يوم وفاته السبت 17 مارس 2012، عن عمر يناهز 89 عامًا. ومن خلال السطور التالية نتناول لمحات من وطنيته وحياته الثقافية والأدبية شاعرًا.

غلاف الكتاب

وُلد البابا شنودة الثالث باسم نظير جيد روفائيل، فى 3 أغسطس 1923 بمحافظة أسيوط فى قرية سلام، السنوات الأولى من حياة نظير، تحمل له صورة طفل يتيم صغير، ماتت أمه بحمى النفاس بعد ولادته، وكان أصغر إخوته، خمس شقيقات متزوجات وشقيقين هما روفائيل وشوقى. تُوفى والده، رباه أخوه الكبير روفائيل، وكما ورد فى كتاب «البابا شنودة الثالث الدنيا والدين» للصحفية والكاتبة سناء السعيد: «درس فى مرحلة ما قبل الابتدائى فى أسيوط، ودرس الصفين الثانى والثالث الابتدائيين فى الإسكندرية، ثم عاد إلى أسيوط فى السنة الرابعة، وذهب إلى بنها مع أخيه الأكبر، ومنها إلى القاهرة، متنقلًا مع شقيقه الأكبر روفائيل بحسب تنقلات عمله. التحق بمدرسة (الإيمان الثانوية) بجزيرة بدران- بشبرا مصر بالقاهرة، وأتَمَّ دراسته الثانوية بالقسم الأدبى بمدرسة بالفجالة. فى السنة الأولى الابتدائية كان يقرأ الصحف، وبعد ذلك كان يقرأ أى كتاب فى البيت. ويذكر البابا- كما جاء فى الكتاب- أنه قرأ كتاب قادة الفكر لطه حسين، بعد حصوله على الابتدائية، لم يكن لطفولته أى علاقة باللعب واللهو، كتب الشعر فى الثانية الثانوية، كان ينظمه على الفطرة، وكان يخجل من أن يسميه شعرًا، واعتبره شعرًا منثورًا أو نثرًا مشعورًا، إلى أن درس قواعد الشعر وكان عمره وقتئذ ستة عشر عامًا، وبدأ ينظم القصائد موزونة. بدأ خدمته فى مدارس التربية الكنسية بكنيسة العذراء بمهمشة بالقاهرة عام 1939م، وفى العام نفسه تعَلَّم قداسته قواعد الشعرِ.

التحق نظير جيد بجامعة فؤاد الأول، فى قسم التاريخ، وبدأ بدراسة التاريخ الفرعونى والإسلامى والتاريخ الحديث، وعندما كان طالبًا فى السنة النهائية بكلية الآداب، كان طالبًا وفى الوقت نفسه مدرسًا فى مدرستين، وطالبًا فى السنة الأولى بالكلية اللاهوتية. حصل على الليسانس بتقدير (ممتاز) عام 1947، وبعد تخرجه فى الكلية الإكليريكية عمل مدرسًا للتاريخ، حضر فصولًا مسائية فى كلية اللاهوت القبطى، وكان تلميذًا وأستاذًا فى الكلية نفسها فى الوقت نفسه. كان يحب الكتابة، وخاصة كتابة القصائد الشعرية، ولقد كان، ولعدة سنوات، محررًا، ثم رئيسًا للتحرير فى مجلة مدارس الأحد، وفى الوقت نفسه كان يتابع دراساته العليا فى علم الآثار القديمة. كان من الأشخاص النشطين فى الكنيسة، وكان خادمًا فى مدارس الأحد. التحق نظير جيد بالجيش، وكان ضابط احتياط، وتخرج فى سنة 1947م، وحدثت حرب سنة 1948م، ولكن لم يتم استدعاؤه، وشاء القدر ألّا يذهب للقتال لأن الجيش استدعى الضباط الجامعيين، الذين التحقوا بسلاح المشاة فقط.

وكان نظير يتردد على الأديرة، وخاصة وادى النطرون، وبالذات دير العذراء الشهير بالسريان.. وقاده قلبه إلى حياة النسكية والرهبنة.. ورُسم راهبًا باسم أنطونيوس السريانى، فى 18 يوليو 1954، ثم أسقفًا للتعليم 1962، ثم بطريركًا للكرازة المرقسية 14 نوفمبر 1971. وبعد سنة من رهبنته تمت سيامته قِسًّا، أمضى 10 سنوات فى الدير دون أن يغادره. عمل سكرتيرًا خاصًّا للبابا كيرلس السادس فى عام 1959. رُسِّم أسقفًا للمعاهد الدينية والتربية الكنسية، وكان أول أسقف للتعليم المسيحى، عميد الكلية الإكليريكية، وذلك فى 30 سبتمبر 1962. وعندما تنيح البابا كيرلس فى الثلاثاء 9 مارس 1971 أُجريت انتخابات البابا الجديد فى الأربعاء 13 أكتوبر، ثم جاء حفل تتويج البابا شنودة الثالث للجلوس على كرسى البابوية فى الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالقاهرة فى 14 نوفمبر 1971، وبذلك أصبح البابا رقم (117) فى تاريخ البطاركة.

عُرف عن البابا شنودة ولعه بالقصائد والأشعار منذ صغره، وله العديد من القصائد القصيرة التى تحولت أغلبها إلى ترانيم، ونُشر بعضها فى ديوان يحمل اسم «ديوان البابا شنودة» من تقديم الكاتب الدكتور محمد سالمان، نُشر بعد وفاته، صدر عام 2012، عن الهيئة العامة للكتاب، ويضم نحو 38 قصيدة ومقطوعة ونحو 600 بيت شعرى، كتبها البابا على مدار نحو سبعين عامًا، إذ يعود تاريخ أقدم قصيدة إلى عام 1939، أما القصيدة الأخيرة فتعود إلى عام 2009. ومن أشهر قصائد البابا شنودة: ترنيمة أبواب الجحيم، ذلك الثوب، هذه الكرمة، أنت لم تنصت، هو ذا الثوب خذيه، ومن روائع البابا شنودة التعبير عن حرمانه من أمه فى قصيدة «أمى»: »أحقًّا كان لى أمٌّ فماتت؟«.

مد البابا شنودة جسورًا مع الصحافة قبل توليه البطريركية، بدأت علاقة الطالب نظير جيد بالصحافة، حتى إن البعض قال عنه لولا أنه اتجه للرهبنة لصار واحدًا من كبار الصحفيين فى مصر والعالم العربى، فى عام 1947 عند صدور العدد الأول لمجلة «مدارس الأحد»، التى عمل بها محررًا، فمديرًا، ثم رئيسًا لتحريرها حتى عام 1954. ومن خلال مجلة مدارس الأحد، كتب أكثر من 150 مقالًا، بالإضافة إلى 25 قصيدة شعرية، كانت كلها تعبر عما يجيش فى صدره من سعى لإصلاح الكنيسة والاهتمام بالمشاكل الروحية للشباب وواجبات الخادم فى مدارس الأحد، واكتسبت مقالاته بعنوان «انطلاق الروح» شهرة واسعة، ما شجعه على جمعها فى أول كتاب له. كما امتدت أنشطة البابا شنودة مع صاحبة الجلالة إلى الكتابة فى الصحافة وممارسة العمل الصحفى، حيث عمل محررًا، ثم رئيس تحرير، وكان يكتب فى جريدة الأهرام، ومنحت نقابة الصحفيين «الأنبا شنودة» عضوية النقابة عام 1966م، وكان رقم عضويته «156»، أى قبل تنصيبه بطريركًا للكنيسة الأرثوذكسية بـ5 سنوات، باعتباره رئيسًا لتحرير مجلتى «مدارس الأحد» و«الكرازة».. قدرت نقابة الصحفيين الدور الوطنى للبابا شنودة فى العديد من المواقف، التى ظهرت فى العديد من مقالاته التى صدرت فى جريدة «وطنى» وقتها. ودُعى إلى حضور ندوة فى النقابة فى العام نفسه بعنوان «إسرائيل فى المسيحية»، وتحولت المحاضرة إلى مؤتمر شعبى حضره أكثر من 12 ألف مواطن، ليظهر مواقفه وشجاعته بالنسبة للقضية الفلسطينية والتطبيع مع إسرائيل. وقال الدكتور رامى عطا، فى كتابه «البابا شنودة والصحفى المثالى»، وهو عبارة عن رصد ودراسة وتحليل لمجموعة مقالات صحفية كتبها قداسة البابا شنودة الثالث: «مارس قداسة البابا شنودة الثالث (1923- 2012)، البطريرك الـ(117) من بطاركة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية 1971- 2012م، العمل الصحفى كأحد مجالات الخدمة الدينية الكنسية، والعمل الوطنى العام، حيث كتب مقالات كثيرة ومتنوعة منذ شبابه حتى رحيله، فى عدد من الصحف الدينية والعامة، وكان يعتز بكونه عضوًا فى نقابة الصحفيين، التى اعتزت من جانبها بانتسابه إليها، كما أتاح المجال أمام المرأة للكتابة فى مجلة الكنيسة، وهى مجلة الكرازة، حيث سمح لنبيلة ميخائيل يوسف بكتابة باب (روائع العلم)، وهى نفسها أول امرأة عضو فى المجلس الملى العام منذ عام 1989».

نعلم جميعًا ‏عن‏ ‏قداسة‏ ‏البابا‏ ‏شنودة‏ ‏أنه إذا بكى‏ أبكى‏ ‏الجميع‏، ‏وإذا‏ ‏ضحك‏ أضحك‏ ‏الجميع‏، وسرعة‏ ‏البديهة‏ ‏العالية‏ مصطحبة‏ ‏بخفة‏ ‏ظل‏، ‏حتى‏ ‏إنه‏ ‏عندما‏ ‏سُئل‏ ‏عن‏ ‏الصفة‏ ‏المشتركة‏ ‏بين‏ ‏الخادم‏ ‏نظير‏ ‏جيد‏ ‏والراهب‏ ‏أنطونيوس‏ ‏السريانى‏ ‏والأسقف،‏ ‏ثم‏ ‏البطريرك‏ ‏البابا‏ ‏شنودة‏-‏ قال‏ ‏دون‏ ‏تردد: روح‏ ‏المرح‏. ‏وكذلك‏ ‏فى‏ أحد‏ ‏احتفالات‏ ‏الكنيسة‏ ‏الأرثوذكسية‏ ‏بعيد‏ ‏جلوسه،‏ ‏قال‏: «‏فيه‏ ‏حاجتين‏ ‏مقدرش‏ ‏أقاومهم‏ ‏الأطفال‏ ‏والضحك»‏..‏ أما‏ ‏عن‏ ‏خفة‏ ‏ظل‏ ‏البابا‏ ‏وسرعة‏ ‏بديهته‏ ‏وإجادته‏ ‏استخدام‏ ‏الكلمات،‏ ‏فالأمثلة‏ ‏على ‏ذلك‏ ‏كثيرة‏، ‏حتى‏ إن‏ ‏البابا‏ ‏قال‏ ‏أيضًا‏:‏ «الناس‏ ‏افتكروا‏ ‏إنى‏ ‏لما‏ ‏هابقى‏ ‏بطريرك‏ ‏هابطل‏ ضحك‏..‏ مقدرش»‏. ووصل الأمر إلى تأليف كتب عن نكات البابا، وردوده الطريفة خلال الاجتماعات الأسبوعية.

كانت المواقف والأحداث والأيام تشهد بوطنية وحكمة ومحبة البابا شنودة الثالث، شديد المصرية، عميق المودة والعشق لوطنه، لم تغب الكنيسة عن أحداث مصر يومًا.. وكانت فى مقدمة الصفوف وقت الشدة.. قام البابا شنودة بزيارة جبهة الحرب أكثر من مرة قبل حرب أكتوبر المجيدة 1973 وبعدها، وقام بزيارة جنودنا الجرحى فى المستشفيات، ودعمت الكنيسة جيشنا فى الحرب بالدعم الروحى والمعنوى والمادى من أدوية ومهمات، كما كتب قداسة البابا شنودة عدة مقالات دعمًا لمصر فى حربها وصراعها من أجل أرضها.. كان البابا شنودة يقول دائمًا: إن مصر ليست وطنًا نعيش فيه، بل هى وطن يعيش فينا. خاطب أثناء زيارته الجبهة المصرية الجنود الرابضين على خط النار، وزار الأبطال الجرحى فى المستشفيات العسكرية- مسلمين وأقباطًا- وقدم لهم الهدايا التذكارية. وفى أيام الحرب قام قداسة البابا شنودة بعقد اجتماع مع الكهنة والأساقفة فى جميع الإيبارشيات والجمعيات القبطية لحثهم على الإسهام فى دعم المجهود الحربى.

من الجدير بالذكر أيضًا عن البابا شنودة أنه هو أول بابا يقيم حفلات أفطار رمضانية لكبار السياسيين وفعاليات المجتمع المصرى السياسية منذ عام 1986، والتى بدأت فى عهد الراحل قداسة البابا شنودة الثالث، لأول مرة عام 1986 بمقر الكاتدرائية، وتم تحويلها إلى عادة سنوية يجتمع فيها الجميع بروح الأخوة والمحبة والود، وبعدها انتقلت إلى جميع الطوائف والكنائس فى مصر وكذلك الإيبارشيات والكنائس فى مختلف الأحياء على مستوى مصر، فضلًا عن تنظيم تلك الموائد فى إيبارشيات الكنيسة بالخارج، والتى كان يدعو لها السفراء والدبلوماسيين ومجموعة من المصريين فى الخارج.

ثقافة البابا شنودة الثالث الكنيسة القبطية الأرثوذكسية مئوية ميلاد البابا شنودة الثالث

المصدر: المصري اليوم

كلمات دلالية: زي النهاردة شكاوى المواطنين ثقافة البابا شنودة الثالث الكنيسة القبطية الأرثوذكسية مئوية ميلاد البابا شنودة الثالث زي النهاردة بطریرک ا

إقرأ أيضاً:

بتكليف من البابا تواضروس... سيامة كاهن جديد ودياكونين لشيكاغو

 

سام نيافة الأنبا كاراس أسقف بنسلڤانيا وديلاوير وميريلاند ووست فيرچينيا، بتكليف من قداسة البابا تواضروس الثاني، كاهنًا جديدًا على كنيسة القيامة المقدسة والقديس مار مرقس الرسول بشيكاغو في ولاية ألينوي بالولايات المتحدة الأمريكية.

جاء ذلك خلال القداس الإلهي الذي أقيم صباح أمس في الكنيسة ذاتها، وخلاله تمت سيامة الشماس جورج أقلاديوس في درجة القسيسية باسم القس جورج.

كما تمت سيامة اثنين من خدام الكنيسة شمامسة بدرجة دياكون.

شارك في صلوات القداس والسيامة من أحبار الكنيسة صاحبا النيافة الأنبا أنجيلوس أسقف لندن والأنبا كيرلس الأسقف العام بإيبارشية لوس أنچلوس، كما شارك في الصلوات القمص صموئيل ثابت وكيل كنائس منطقة شيكاغو وعدد من كهنة المنطقة.

هذا والمقرر أن يسافر الكاهن الجديد إلى مصر لقضاء فترة الأربعين يومًا التالية للسيامة في دير القديس الأنبا بيشوي بوادي النطرون

 

 

 

 

 

مقالات مشابهة

  • رحلة تطور العلاجات النفسية من العصور القديمة إلى العصر الحديث
  • البابا تواضروس: نهر النيل هو الأب للمصريين.. والأرض المحيطة به أما لهم
  • البابا تواضروس الثاني يستقبل سفير إثيوبيا
  • أخطر جاسوس مصري حيّر إسرائيل.. محطات في حياة رفعت الجمال
  • الكنيسة الأرثوذكسية تحتفل بذكرى نياحة البابا القديس كردونوس الرابع
  • تزامنا مع ذكراه.. لمحات عن حياة القديس القوي الأنبا موسى الأسود
  • بتكليف من البابا تواضروس... سيامة كاهن جديد ودياكونين لشيكاغو
  • مواقف تاريخية للأقباط فى ثورة 30 يونيو
  • البابا تواضروس ينعى شيخ كهنة أسوان.. خدمته امتدت لـ52 عامًا
  • البابا تواضروس يطيب جسدي القديسين الأنبا موسى والأنبا إيسيذوروس