انتشرت مؤخرا كتابات عبر منصات التواصل حول عدم قدرة كثيرين على التواصل الاجتماعي عبر اللقاءات أو المكالمات الهاتفية، مكتفين بالرسائل النصية التي يراها بعضهم كافية للغاية بين الأصدقاء والأزواج وضمن علاقات العمل، بينما تقتصر المكالمات الصوتية فقط على الأبوين، وخصوصا الأم، التي لا تزال تحمل علاقتها بأبنائها قدرا من الحميمية.

غير أن وفاة الأم المفاجئة جعلت نهاد منصور (38 عاما) تفتقد الحديث اليومي، ويمتلئ يومها بمزيد من الرسائل النصية، من الإخوة والأصدقاء ورفاق العمل. رسائل لا تعني شيئا، فقط نص واحد لا يحمل كثيرا من التفاصيل على شاكلة: "كيف الحال.. الحمد لله". لكن نهاد افتقدت الحديث الممتد بلا نهاية مع أمها، حديث يبدأ بـ"متى استيقظتِ"، وينتهي عند "تصبحون على خير".

على الرغم من تعدد التطبيقات التي يستخدمها الأفراد في الرسائل النصية، وإمدادها بمزيد من التفاعلات والتعبيرات الحيوية والصور، وعلى الرغم من وجود خاصية الاتصال المباشر صوتيا وعبر الفيديو في غالبية التطبيقات، فإن اللجوء إليها يأتي في المرتبة الثانية دوما، إذ حتى الأصدقاء لا يتواصلون هاتفيا كل يوم.

وكما تقول نهاد، التي تعمل مدرِّسة ثانوية، فإن جميع أصدقائها يفضلون إبقاء المكالمة الهاتفية الوحيدة في اليوم لأهلهم وذويهم. أما الأصدقاء، فلهم الرسائل النصيّة أو المجموعات. تروي نهاد أن لها صديقة أنشأت مجموعة خاصة على تطبيق "واتساب" (WhatsApp)، لا يوجد فيها أحد سواهما، وعندما سألتها عن السبب، أخبرتها أنها لا تود العزلة في حديث خاص، فالمجموعة تُشعرها بالحميمية وبأنها جزء من كل.

حسب الدراسات، تُعد الرسائل النصية من أهم الأسباب المؤدية إلى تعميق العلاقات بين البشر أو إنهائها، فكيف أثرت تلك الرسائل على علاقاتنا، ولا سيما العاطفية منها؟

الرسائل النصية وحدها غير قادرة على توصيل المعاني المقصودة، والتي يتحكم في ثباتها الصوت ودرجة علوّه أو انخفاضه، والنبرة إذا ما كانت هادئة أو متوترة، الآراء المطروحة هل هي أمر يجب تنفيذه أم نقاش يحتمل الموافقة أو الرفض.

كل هذا قد يدفع العلاقات إلى مراحل خطيرة من التدهور بلا قصد، حسب المعالجة النفسية جيرالدين كيه، التي كتبت في مقالها على موقع "سيكولوجي توداي" (Psychology today) أن غياب الإشارات غير اللفظية، مثل الإيماءات بالعين أو حركة اليدين في أثناء الحديث أو التواصل البصري المباشر، لا يهم في المحادثات الواقعية أو العلنية، لكن ذلك الغياب في المحادثات العاطفية قد يؤدي إلى سوء الفهم، خصوصا عندما يتعلق الأمر بحل النزاعات الشخصية.

لا تنخدع في الرسائل من دون لقاء أو اثنين حتى تصل إلى حُكم قاطع عن الشخص المحتمل (شترستوك)

"فكرة جيدة".. كان هذا هو الرد الذي أصاب امرأة شابة بالصدمة، بعدما أجابها زوجها عن حديثها بشأن بدء ممارستها الرياضة بهدف إنقاص وزنها. شعرت الشابة أن ذلك يبدو رغبة منه في فعل ذلك وأن وزنها يضايقه بالفعل. وبالطبع، لم يخطر كل هذا في بال زوجها الذي فاجأه رد فعلها العنيف على جملته المكونة من كلمتين: "فكرة جيدة".

تقول جيرالدين، في مقالها، إن أهمية السلوك غير اللفظي تعود إلى عقود مبكّرة من البحث حول أهمية لغة الجسد والصفات الصوتية التي لا تقل في أهميتها عن الكلمات، وهو ما افتقده بشدة عصر التحولات الرقمية الحالي.

هل جربت رؤية سياق الحديث في محادثة بين زوجين في أثناء خلاف بينهما، كيف يُحمّلان سياقات الحوار ما لا تحتمل، لأن كلاً منهما لا يرى الآخر، وأن المشكلة كانت سهلة الانتهاء لو كان مسارها طبيعيا، وجها لوجه، وليس عبر صندوق الرسائل.

تقول جيرالدين إن تبادل الرسائل النصية مبتور وخال من الإشارات غير اللفظية، وإنه في حال ترك أحد الزوجين هاتفه وواجه الآخر مباشرة، سيجد ملامح وجهه لا توحي أبدا بسوء فهم زاد المشكلة تعقيدا.

في رسالتك، كن واضحا ومختصرا، سواء كانت موجّهة إلى شريك أو صديق أو زميل عمل (شترستوك) كيف تقلل من أثر الرسائل على العلاقات؟

في مقال نشره موقع "فيري ويل مايند" (Verywellmind)، حذّرت خبيرة العلاقات شيري جوردون من الاستخدامات الخاطئة للرسائل النصية، معتبرة أنه يمكن للرسائل أن تحتوي أشياء أخرى غير النصوص، مثل الصور الكوميدية التي تعبّر عن سياق الحديث، أو مقاطع من أفلام أو أغنية. وهنا بعض النصائح التي من شأنها أن تحسّن العلاقة من خلال تفعيل التعامل الإيجابي:

تجنب الرسائل الطويلة: في كل الأحوال، كن واضحا ومختصرا في رسالتك، سواء كانت موجّهة إلى شريك أو صديق أو زميل عمل، فالرسائل المفرطة في الطول غالبا ما تنم عن شخص يعاني مشكلات في الثقة ويفتقد الأمان في العلاقة.

لا تحكم من الرسائل الأولى: يحاول بعض الناس من خلال الرسائل الأولية أن يبدو مثيرا أو جذابا. لا تنخدع في الرسائل من دون لقاء أو اثنين حتى تصل إلى حُكم قاطع عن الشخص المحتمل.

تجنّب الأسئلة الكثيرة: سؤال واحد أو اثنين من الممكن أن يثير اهتمام الطرف الآخر، لكن الكثير من الأسئلة سيكون مريبا ويجعله يبدو وكأنه خاضع لتحقيق.

الرسائل النصية من أجل الرسائل فقط: الرسالة النصية موجزة وقصيرة تحمل خبرا، أو تسأل عن الأحوال، أو تنبئ بوصول، أو سؤال قصير للاطمئنان، لكنها لا تصلح أبدا للموضوعات العميقة. هذا ما تؤكده جوردون، معتبرة أن الرسائل في هذه الحالة ستكون علامة على جودة العلاقة وقوتها.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

البابا تواضروس الثاني: "استثمر حياتك في السماء"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

ألقى قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، عظته الأسبوعية في اجتماع الأربعاء مساء أمس، من كنيسة القديس الأنبا أنطونيوس بالمقر البابوي بالكاتدرائية العباسية، وبُثت العظة عبر القنوات الفضائية المسيحية وقناة C.O.C التابعة للمركز الإعلامي للكنيسة على شبكة الإنترنت.

واستكمل قداسته سلسلة "ثنائيات في أمثال السيد المسيح"، وقرأ جزءًا من الأصحاح السابع من إنجيل معلمنا متى والأعداد (٢٤ - ٢٧)، وكذلك جزءًا من الأصحاح السادس من إنجيل معلمنا لوقا والأعداد (٤٦ - ٤٩)، وتناول مَثَل بيت العاقل وبيت الجاهل، وأوضح أن المقصود بالعاقل والجاهل هنا هو فلسفة وأسلوب الحياة التي يختارها الإنسان لنفسه.

وأشار قداسة البابا إلى أن الصخر في الكتاب المقدس هو السيد المسيح، "وَجَمِيعَهُمْ شَرِبُوا شَرَابًا وَاحِدًا رُوحِيًّا، لأَنَّهُمْ كَانُوا يَشْرَبُونَ مِنْ صَخْرَةٍ رُوحِيَّةٍ تَابِعَتِهِمْ، وَالصَّخْرَةُ كَانَتِ الْمَسِيحَ" (١ كو ١٠: ٤)، لذلك تعبير الصخرة في مَثَل اليوم يعني الإنسان الذي يبني حياته على أساس طاعة وصايا السيد المسيح والعمل بها.

وشرح قداسته أن بناء البيت والحياة يتطلب أن يتسم بالوضوح وأن يكون السيد المسيح هو أساس كل الربط التي تربط الإنسان بالحياة من حوله، "مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ، الَّذِي فِيهِ كُلُّ الْبِنَاءِ مُرَكَّبًا مَعًا، يَنْمُو هَيْكَلًا مُقَدَّسًا فِي الرَّبِّ. الَّذِي فِيهِ أَنْتُمْ أَيْضًا مَبْنِيُّونَ مَعًا، مَسْكَنًا للهِ فِي الرُّوحِ" (أف ٢: ٢٠ - ٢٢)، وتعبير "حَجَرُ الزَّاوِيَةِ" هنا لأن السيد المسيح جمع في خلاصه اليهود والأمم.

كما أشار قداسة البابا إلى أن البيت يُقصد به حياة الإنسان، نفسه، أسرته، خدمته... إلخ، فإذا كان مؤسّسًا على الصخر٨ وحضور السيد المسيح وسكنى الروح القدس كان الإنسان عاقلًا، "فَإِنَّكُمْ أَنْتُمْ هَيْكَلُ اللهِ الْحَيِّ، كَمَا قَالَ اللهُ: «إِنِّي سَأَسْكُنُ فِيهِمْ وَأَسِيرُ بَيْنَهُمْ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلهًا، وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا" (٢كو ٦: ١٦)، أما الجاهل هو الذي يبني بيته على الرمل غير الثابت، ويشير البناء على الرمل إلى ارتباط حياة الإنسان بالأرضيات.

وأكد قداسته على أن يستغل الإنسان فترة الصوم الكبير ويراجع نفسه في مخدعه، لكي يستطيع تصحيح ميزان حياته طوال العام، وأن ينتبه إلى بنائه.

وناقش قداسة البابا: ماذا حدث لبيت العاقل وبيت الجاهل أمام الظروف؟ وأعطى الإجابة كالتالي: 
١- فَنَزَلَ الْمَطَرُ: يُقصد بها الرذاذ الخفيف الذي يرمز إلى المشكلات اليومية والتي تَعبُر سريعًا، وقد يُقصد به المطر الشديد الذي يرمز إلى المُعطلات الشديدة التي تعوق الحياة الروحية، وعندما يسقط المطر على بيت الإنسان العاقل الذي بنى بيته على الصخر وحياته صامدة فلا يؤثر عليه المطر، "أَنْتَ سِتْرٌ لِي. مِنَ الضِّيقِ تَحْفَظُنِي. بِتَرَنُّمِ النَّجَاةِ تَكْتَنِفُنِي" (مز ٣٢: ٧). 
٢- جَاءَتِ الأَنْهَارُ: يُقصد به الفيضان ويرمز إلى الكوارث التي تقابل الإنسان كفقْد شخص عزيز مثلًا، أو الخطايا الموجعة كالخيانة، والتي تدمر حياة الإنسان، وعندما تواجه الكوارث الإنسان العاقل لا يفقد إيمانه ويجتاز التجربة،  "اَللهُ لَنَا مَلْجَأٌ وَقُوَّةٌ. عَوْنًا فِي الضِّيْقَاتِ وُجِدَ شَدِيدًا. لِذلِكَ لاَ نَخْشَى وَلَوْ تَزَحْزَحَتِ الأَرْضُ، وَلَوِ انْقَلَبَتِ الْجِبَالُ إِلَى قَلْبِ الْبِحَارِ" (مز ٤٦: ١، ٢).

٣- هَبَّتِ الرِّيَاحُ: والتي إما أن تكون خفيفة أو شديدة، وترمز إلى الكلام، وقد يكون كلام مديح أو كلام نقد، "اَلْمَوْتُ وَالْحَيَاةُ فِي يَدِ اللِّسَانِ" (أم ١٨: ٢١)، والإنسان العاقل يتجاهل الكلام الموجع ويعطي اهتمامه لكلام الله، "لأَنَّ كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ" (عب ٤: ١٢).

واختتم قداسته أن الإنسان العاقل عندما تواجهه ظروف الأمطار والأنهار والرياح فإنه يسمع ويعمل بكلمة الله ويبني نفسه ونفوس المحيطين به، لأن كلمة الله تجعل الإنسان يستطيع التمييز بين البر والخطية، أما الإنسان الجاهل لا يعمل بكلمة الله لأنه بدون أساس ويعتمد على ثروات الأرض الزائلة، لذلك سقوطه يكون عظيمًا.

مقالات مشابهة

  • آخر ساعة قبل الفجر في رمضان.. غير حياتك لأفضل مما تمنيت بـ5 أعمال
  • البابا تواضروس الثاني: "استثمر حياتك في السماء"
  • البابا تواضروس: "استثمر حياتك في السماء"
  • جوجل تكشف عن إضافة مزايا جديدة لهواتف أندرويد
  • القنصل الفرنسي في جدة يستقبل موسى ديابي: متفائل بابن بلدي
  • جوابات للأحباب (4)
  • من قيم المجتمع في رمضان
  • ما هي الرسائل السياسية التي تحملها زيارة الرئيس اللبناني إلى السعودية اليوم؟
  • دعاء قبل الإفطار.. يجبر الله به خاطرك وينصرك في حياتك
  • صفورية التي كانت تسكن تلال الجليل مثل العصفور.. جزء من هوية فلسطين