أصدر الدكتور مهندس سامر عصام خليل مستشار رئيس حزب المصريين الأحرار لشؤون المناخ، دراسة حول التغيرات المناخية ومدى التأثير الممتد علي العالم وفي القلب منها مصر.

وجاءت الدراسة متضمنة عدة أرقام وإحصائيات وتفاصيل شاملة من واقع بحوث دراسية واستقصاء وقراءة بشأن التغيرات والمسببات والتداعيات وتناولت الدراسة آليات الحد من التغيرات، وفندت ايضا بالأرقام حدوث كوارث طبيعية مرتبطة بصورة وثيقة بالتغير المناخى

وجاءت الدراسة كالتالي:-

تغير المناخ هو التحول في أنماط المناخ الناجم بشكل أساسي عن انبعاث غازات الاحتباس الحراري والتي تتسبب في احتفاظ الغلاف الجوي للأرض بالحرارة، وتلك هى القوة الدافعة الرئيسية وراء الاحتباس الحراري في العالم.

تنتج هذه الانبعاثات في المقام الأول عن طريق النظم الطبيعية والأنشطة البشرية، وتشمل النظم الطبيعية حرائق الغابات والزلازل والمحيطات والتربة الصقيعية والأراضي الرطبة والبراكين الطينية والبراكين، بينما تشمل الأنشطة البشرية في المقام الأول إنتاج الطاقة والأنشطة الصناعية وإزالة الغابات واستخدام الأراضي والتغيير في استخدام الأراضي.

ووفقًا لتقرير فجوة الانبعاثات الذي أعده برنامج الأمم المتحدة للبيئة في عام 2022 (عن نتائج عام 2021)، بلغ إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري باستثناء استخدام الأراضي وتغيير استخدام الأراضي والغابات 52.8 جيجا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، مسجلًا مستوى مرتفعًا جديدًا مقارنة بالسنوات الأخيرة. ويرجع ذلك في المقام الأول إلى انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الأحفوري من إنتاج الطاقة والأنشطة الصناعية عند 37.9 جيجا طن من ثاني أكسيد الكربون، على غرار نتائج عام 2019، على الرغم من أن عام 2020 شهد انخفاضًا طفيفًا إلى 36 جيجا طن من ثاني أكسيد الكربون بسبب التأثير قصير المدى لـ فيروس كورونا. أما الانبعاثات المتبقية فتتعلق بالميثان وأكسيد النيتروز والغازات المفلورة التي شهدت ارتفاعًا ثابتًا خلال السنوات السابقة.

ويوضح التقرير أن التعهدات الوطنية المحدثة منذ مؤتمر المناخ رقم 26 لها تأثير ضئيل على انبعاثات 2030 المتوقعة وأننا بعيدون عن هدف اتفاقية باريس للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى أقل من 2 درجة مئوية – والسعي للوصول إلى 1.5 درجة مئوية- كما تشير السياسات الحالية إلى زيادة درجة الحرارة بمقدار 2.8 درجة مئوية بحلول نهاية القرن. ولن يؤدي تنفيذ الالتزامات الحالية إلا إلى تقليص ذلك إلى زيادة في درجة الحرارة تتراوح بين 2.4 و2.6 درجة مئوية، من خلال التعهدات المشروطة وغير المشروطة على التوالي. ويخلص التقرير إلى أن التحول العاجل المنظم هو الوحيد القادر على تحقيق الانخفاضات الهائلة المطلوبة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بحلول عام 2030 بقدر 45٪ مقارنة بالتوقعات القائمة على السياسات الحالية للبقاء على المسار الصحيح عند 1.5 درجة مئوية و30٪ عند 2 درجة مئوية.

يعد استيعاب التأثير الشديد لتغير المناخ على النظم الطبيعية والبشرية وكذلك المخاطر ونقاط الضعف المرتبطة بها نقطة انطلاق مهمة في فهم حالة الطوارئ المناخية الحالية. وقد تم تسليط الضوء على التغيرات في مؤشرات المناخ وتحديدًا درجة الحرارة وهطول الأمطار وارتفاع مستوى سطح البحر وتحمض المحيطات والظروف الجوية القاسية في تقرير صدر مؤخرًا عن أمانة الأمم المتحدة لتغير المناخ تضمن المخاطر المناخية المبلغ عنها حالات الجفاف والفيضانات والأعاصير والعواصف الشديدة وموجات الحر وحرائق الغابات ونوبات البرد والانهيارات الأرضية.

ووفقًا لمركز أبحاث وبائيات الكوارث، فقد واجه العالم 387 حالة من الكوارث الطبيعية في عام 2022، تتعلق بشكل أساسي بالمناخ. وشمل ذلك 22 حالة جفاف، و12 حالة حرارة شديدة، و176 حالة فيضانات، و17 حالة انهيارات أرضية، و108 حالات عواصف، و15 حالة حرائق غابات. وقد بلغ عدد المتضررين من الكوارث الطبيعية في عام 2022 185 مليون شخص، وشكلت الفيضانات والعواصف والجفاف نحو 98٪ من إجمالي المتضررين. أما من حيث الخسائر الاقتصادية، فقد فُقِدَ اجمالي 223.8 مليار دولار في عام 2022 بسبب الكوارث الطبيعية، بالإضافة إلى العواصف (131 مليار دولار)، والفيضانات (44.9 مليار دولار)، والجفاف (34.2 مليار دولار)، وحرائق الغابات (1.1 مليار دولار) التي تمثل ما يقرب من 94٪ من إجمالي الخسائر. لذا، من الواضح أن تغير المناخ من صنع الإنسان وأنه قوة دافعة رئيسية وراء العديد من الكوارث الطبيعية التي تحدث على مستوى العالم.

ان لتغير المناخ تداعيات كبيرة على منطقة الشرق الأوسط بما في ذلك مصر، في حين أن التأثير الدقيق قد يختلف عبر البلدان، إلا أن هناك العديد من التحديات المشتركة التي من المحتمل أن تنشأ كما يلي:

1. ندرة المياه: وتعتمد مصر بشكل كبير على نهر النيل للحصول على المياه العذبة، ومن المتوقع أن يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم ندرة المياه في المنطقة. كما يمكن أن يؤثر ارتفاع درجات الحرارة وتغير أنماط هطول الأمطار على تدفق النهر مما يؤدي إلى انخفاض توافر المياه للري والاستخدام المنزلي وتوليد الطاقة الكهرومائية، مما قد يؤدي هذا إلى زيادة القلق بخصوص موارد المياه في المنطقة.

2. الظواهر الجوية الحادة: من المتوقع أن يؤدي تغير المناخ إلى زيادة تواتر وشدة الظواهر الجوية الحادة، مثل موجات الحر والجفاف والأمطار الغزيرة. وتواجه مصر بالفعل ظروفًا حارة وجافة، ويمكن أن تزيد هذه الأحداث من إجهاد موارد المياه والزراعة وصحة الإنسان. كما يمكن أن تكون موجات الحر خطيرة بشكل خاص حيث تؤثر على الصحة العامة وتزيد من خطر الإصابة بالأمراض المرتبطة بالحرارة.

3. الزراعة والأمن الغذائي: أصبح قطاع الزراعة في مصر عرضة لتأثيرات تغير المناخ لاعتماده بشكل كبير على الري. حيث يمكن أن تؤثر التغييرات في توافر المياه وزيادة درجات الحرارة والتغيرات في أنماط هطول الأمطار على غلة المحاصيل وإنتاجية الثروة الحيوانية. كما يمكن أن يؤدي انخفاض الإنتاج الزراعي إلى تعطيل الأمن الغذائي لما له من آثار اجتماعية واقتصادية لا سيما على المجتمعات الريفية.

4. ارتفاع مستوى سطح البحر: تعتبر دلتا النيل من المناطق المعرضة بشكل خاص لارتفاع مستوى سطح البحر، وهى منطقة مكتظة بالسكان في مصر ويقطنها ملايين الأشخاص. ومع ارتفاع درجات الحرارة العالمية، يساهم ذوبان الأنهار الجليدية والتوسع الحراري لمياه البحر في ارتفاع مستويات سطح البحر. وهذا يشكل تهديدًا للمدن الساحلية والبنية التحتية والزراعة في دلتا النيل، مما قد يؤدي إلى تشريد المجتمعات والتسبب في اضطرابات اقتصادية.

5. الآثار الصحية: يمكن أن يؤثر تغير المناخ أيضًا على الصحة العامة في مصر، حيث يمكن أن تؤدي موجات الحر وارتفاع درجات الحرارة إلى أمراض مرتبطة بالحرارة، لا سيما بين الفئات السكانية الضعيفة. كما يمكن أن تساهم التغييرات في أنماط هطول الأمطار في انتشار الأمراض المنقولة بالمياه، في حين أن زيادة العواصف الترابية وتلوث الهواء يمكن أن يؤدي إلى تفاقم أمراض الجهاز التنفسي.

6. التنوع البيولوجي والنظم البيئية: يستطيع تغير المناخ أن يعطل النظم البيئية ويهدد التنوع البيولوجي في مصر حيث يمكن أن يؤثر ارتفاع درجات الحرارة وأنماط هطول الأمطار المتغيرة على النباتات والحيوانات بما في ذلك الأنواع الشهيرة مثل تمساح النيل وأنواع الطيور المختلفة وفقدان مواطنها الأصلية. كما يمكن أن يكون لهذه التغييرات آثار متتالية على خدمات النظام البيئي مثل التلقيح ومكافحة الآفات الطبيعية والتأثير على السياحة والسياحة البيئية.

يمكن اتخاذ تدابير مختلفة للتكيف والحد من آثار تغير المناخ لمواجهة هذه التحديات

استراتيجيات الحد من تغير المناخ:

هناك ثلاث استراتيجيات رئيسية للحد من تغير المناخ تمت مناقشتها في جميع المؤلفات العلمية. الأولى، تستخدم جهود التخفيف التقليدية وتقنيات تقلل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، مثل الطاقة المتجددة واستخدام الوقود الحيوي وتقنيات ترشيد الطاقة والطاقة النووية، ومعظم هذه التقنيات معتمدة وتحمل مستوى مقبول من مخاطر التشغيل والاستخدام ويمكن تطبيقها في مصر والشرق الأوسط.

أما الاستراتيجية الثانية فهى عبارة عن مجموعة جديدة من التقنيات والأساليب التي تم اقتراحها مؤخرًا، والتي يتم استخدامها لإزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي. ولعل أشهر الطرق التي قد تكون مجدية ويمكن نشرها على الفور في مصر هي التشجير، على الرغم أنها ليست الوسيلة المثلى مقارنة بالطرق الأخرى لكنها الأبسط والأقل تكلفة. يليها اعتماد ممارسات الزراعة المستدامة لعزل الكربون في التربة. بينما أبرز الوسائل المعتمدة دوليًا حاليًا هى مشاريع إزالة الكربون القائمة على الفحم الحيوي، حيث تتميز بكفاءة إزالة أعلى ولها العديد من المميزات التطبيقية.

بينما تدور الاستراتيجية الثالثة والأخيرة حول مبدأ تغيير توازن اشعاع الارض من خلال التحكم في الإشعاع الشمسي والأرضي. والهدف الرئيسي من هذا النهج هو تثبيت درجة الحرارة أو خفضها على عكس تقنيات إزالة الكربون، حيث يتم تحقيق ذلك دون تغيير تركيزات غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي. وهذه التقنيات لا تزال نظرية أو في مراحل تجريبية مبكرة جدًا وتحمل الكثير من الشك والمخاطر من حيث التطبيق العملي على نطاق واسع. لذا، من غير المحتمل أن يتم تطبيق مثل هذه التقنيات في الوقت الحالي لأنها تفتقر إلى الجدوى الاقتصادية وهي مرحلة وليدة جدًا في التطوير التقني على نطاق عالمي.

وإلى جانب جهود الحد من تغير المناخ، يلعب التكيف أيضًا دورًا مهمًا في مواجهة تغير المناخ، وتتضمن بعض استراتيجيات التكيف الرئيسية التي يمكن نشرها في مصر ما يلي:

1. إدارة موارد المياه: من خلال تطوير تقنيات الحفاظ على المياه وتحسين أنظمة تخزينها وتوزيعها وتنفيذ ممارسات ري فعالة للتعامل مع أنماط هطول الأمطار المتغيرة وندرة المياه.

2. الزراعة المقاومة المناخ: من خلال تعزيز الممارسات الزراعية الذكية مناخيا مثل أصناف المحاصيل التي تتحمل الجفاف وتحسين إدارة التربة وتنويع المحاصيل لتعزيز الأمن الغذائي والتكيف مع الظروف المناخية المتغيرة.

3. المعلومات المناخية والتخطيط: من خلال تحسين الحصول على البيانات المناخية الدقيقة ودمج الاعتبارات المناخية في التخطيط العمراني وإدارة استخدام الأراضي واستراتيجيات الحد من مخاطر الكوارث.

4. أنظمة الإنذار المبكر: من خلال إنشاء أنظمة قوية للإنذار المبكر للكشف الأخطار المتعلقة بالمناخ والاستجابة لها، بما في ذلك العواصف وموجات الحر والجفاف من أجل تقليل الآثار المحتملة على حياة البشر والبنية التحتية.

5. مرونة البنية التحتية: من خلال دمج تدابير مقاومة المناخ في تصميم وإنشاء البنية التحتية بما في ذلك المباني والطرق وأنظمة حماية السواحل لمقاومة الظواهر الجوية الشديدة وارتفاع مستوى سطح البحر.

6. الصحة والحماية الاجتماعية: من خلال تعزيز أنظمة الرعاية الصحية لمواجهة المخاطر الصحية المتعلقة بالمناخ وتنفيذ شبكات الأمان الاجتماعي لدعم الفئات الضعيفة من السكان وتعزيز قدرة المجتمع على الصمود من خلال برامج التثقيف والتوعية.

7. التكيف القائم على النظام البيئي: من خلال الحفاظ على النظم البيئية الطبيعية واستعادتها لتوفير خدمات حيوية مثل الحماية من الفيضانات وتنقية المياه وعزل الكربون.

 

واستنادًا إلى الحالة الراهنة للطوارئ المناخية، فإن التطوير الفوري لآليات الحد والتكيف القابلة للتطبيق له أهمية قصوى. فمن المهم توضيح أنه لا يوجد حل مثالي لمعالجة تغير المناخ وأنه ينبغي تطبيق جميع الأساليب والتقنيات التي تمت مناقشتها إذا كانت مجدية فنيًا واقتصاديًا. لذلك، بات ضروريًا أن تبادر الحكومة المصرية لتسهيل تطوير سوق متكامل يشجع على الانخراط في تطوير صناعة خضراء محلية وكذلك بناء القدرة على التكيف وتعزيز المرونة الشاملة.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: رئيس حزب المصريين التغيرات المناخي غازات الاحتباس الحراری ارتفاع مستوى سطح البحر ارتفاع درجات الحرارة ثانی أکسید الکربون الکوارث الطبیعیة استخدام الأراضی درجة الحرارة ملیار دولار تغیر المناخ کما یمکن أن درجة مئویة بما فی ذلک إلى زیادة فی عام 2022 الحد من أن یؤدی من خلال فی مصر

إقرأ أيضاً:

"زراعة الأرز" بين توسع الإنتاج والتوازن في استهلاك المياه.. وزير الري يقرر تحديد 724 ألف فدان لموسم 2025.. دراسة: مصر تحولت من دولة مصدرة إلى مستوردة بسبب تقليص المساحة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أعلنت وزارة الموارد المائية والري عن تحديد مساحات زراعة الأرز لموسم 2025، وذلك بموجب قرار الدكتور هاني سويلم وزير الري والمواد المائية، الذي نشر في جريدة الوقائع المصرية في العدد رقم 27 بتاريخ 3 فبراير 2025، ويشمل القرار تحديد المساحات المخصصة لزراعة الأرز في مختلف محافظات الجمهورية، وذلك في إطار خطة الوزارة لتنظيم استهلاك المياه وتحقيق التوازن بين إنتاج المحاصيل الزراعية والحفاظ على الموارد المائية، في ظل التحديات التي تواجهها مصر في إدارة مواردها المائية، ولا سيما مع تزايد الطلب على المياه في القطاع الزراعي.

وتصطحبكم "البوابة نيوز" في جولة حول زراعة الأرز في مصر لموسم 2025.

يعد الأرز من المحاصيل الاستراتيجية في مصر، ويشكل جزءًا كبيرًا من الزراعة خاصة في محافظات الدلتا، إلا أن زراعة الأرز تتميز بأنها من المحاصيل ذات الاستهلاك العالي للمياه، حيث يحتاج فدان الأرز إلى ما يقرب من 5.000 متر مكعب من المياه طوال الموسم الزراعي، وهو الأمر الذي يضع ضغوطًا إضافية على موارد المياه الجوفية والسطحية، ويجعل من تنظيم استخدام المياه في هذه الزراعة ضرورة حتمية.

ونظرًا لأهمية الأرز في تلبية احتياجات الأمن الغذائي، عملت وزارة الموارد المائية والري على تطوير استراتيجية لإدارة المياه وتوزيعها بشكل يضمن استدامة الزراعة في ظل قلة الموارد المائية، وكان من بين الإجراءات التي تم اتخاذها تحديد المساحات المخصصة لزراعة الأرز، بما يتماشى مع خطة الحفاظ على المياه.

مساحات الأرز لموسم 2025

وفقًا للقرار الوزاري رقم 26 لسنة 2025، الذي صدر في 19 يناير 2025، تم تحديد المساحة الإجمالية لزراعة الأرز لهذا الموسم بـ724.200 فدان، ويأتي هذا القرار في إطار تنفيذ سياسة توزيع المياه بشكل أكثر كفاءة وتنظيم الاستهلاك المائي في الزراعة، وضمن خطة أوسع نطاقًا لتنظيم استهلاك المياه في الزراعة وتحقيق عدالة توزيع المياه بين المزارعين، وتشكل هذه الخطة جزءًا من الجهود المبذولة لتحقيق الاستدامة في القطاع الزراعي، الذي يعد من أكبر مستهلكي المياه في مصر، وتحديد وزارة الري المساحة المقررة لزراعة الأرز في الموسم المقبل بـ724.200 فدان، وهو ما يعتبر جزءًا من استراتيجية مستدامة تهدف إلى الحفاظ على الموارد المائية وتوجيهها نحو الاستخدام الأمثل، ورغم كون هذه المساحات أقل بكثير من الأرقام التي اعتاد عليها الفلاحون في السنوات الماضية، فإن القرار يحمل دلالة واضحة على التوجه نحو التحكم الأمثل في استهلاك المياه، وهي خطوة ضرورية في ظل أزمة المياه.

وضمن محاولات التوسع في تحسين إنتاج الأرز مع تقليل استهلاك المياه، كلف القرار الوزاري قطاع الري بوزارة الموارد المائية والري بالتعاون مع وزارة الزراعة لتنفيذ زراعة أصناف جديدة من الأرز تتحمل الجفاف والملوحة، حيث سيتم زراعة حوالي 200.000 فدان من الأرز الجاف، بالإضافة إلى زراعة 150.000 فدان على المياه ذات الملوحة المرتفعة نسبيًا في المناطق المصرح بها بزراعة الأرز في الدلتا، ومن خلال تحديد المساحات المقررة لزراعة الأرز، والاهتمام بتشجيع الأصناف المقاومة للملوحة والجفاف، يسعى قرار وزارة الموارد المائية والري إلى ضمان استدامة الإنتاج الزراعي في مصر، وتؤكد هذه الخطوات على ضرورة التوازن بين استهلاك المياه وتحقيق الأمن الغذائي، في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها مصر في إدارة مواردها المائية.  

ويعد التركيز على زراعة الأصناف الجديدة من الأرز التي تتحمل الجفاف والملوحة، أحد أبرز ملامح القرار الوزاري رقم 26 لعام 2025، فهو بمثابة خطوة استراتيجية لمواجهة التحديات البيئية والمناخية التي تهدد الاستدامة الزراعية، حيث نص القرار على تخصيص 200 ألف فدان لزراعة الأصناف الموفرة للمياه، مثل الأرز الجاف، وذلك في مناطق تجريبية تمتد عبر الدلتا، ما يعكس رغبة الحكومة في تبني تقنيات زراعية حديثة تهدف إلى تقليل الضغط على شبكة الري وتقليل استهلاك المياه.

كما وجه القرار بزراعة 150 ألف فدان في المناطق التي تعاني من ملوحة مرتفعة في مياه الري والتربة، وهو الأمر الذي من شأنه أن يحقق استدامة أكبر في استخدام الأراضي التي قد تكون غير صالحة للزراعة التقليدية، وتعتبر تلك الخطوة جزءًا من استراتيجية أوسع لتوسيع نطاق استدامة الزراعة في مناطق قد لا تكون ملائمة لزراعة الأرز باستخدام الأساليب التقليدية.

وتأتي هذه المبادرة في إطار التوجه نحو الزراعة المستدامة التي تهدف إلى تقليل استخدام المياه، وبخاصة في المناطق التي تواجه مشكلات بسبب ملوحة المياه أو ندرتها، وتشير التقارير إلى أن هذه الأصناف الجديدة ستمكن المزارعين من زراعة الأرز في ظروف أكثر صعوبة، مما يساهم في تحسين الإنتاجية دون استنزاف الموارد المائية.

حظر الزراعة في المناطق غير المصرح بها

كما شدد قرار وزير الري والموارد المائية، على ضرورة الالتزام بالقانون الذي يحدد المناطق المصرح لها بزراعة الأرز، حيث يحظر زراعة الأرز في المناطق غير المصرح بها وفقًا للمادة 28 من القانون رقم 147 لسنة 2021، وسيتم تطبيق غرامات مالية على المخالفين الذين يقومون بزراعة الأرز في مناطق غير معتمدة، بهدف الحفاظ على استدامة الموارد المائية وعدم استخدامها بشكل مفرط.

 

مواعيد توزيع المياه والمناوبات

أحد الجوانب التنظيمية الهامة في القرار هو تحديد مواعيد مناوبات الري، وهي خطوة تهدف إلى ضمان العدالة في توزيع المياه بين المزارعين، حيث حدد القرار بدء إعطاء المياه لمشاتل الأرز اعتبارًا من 1 مايو 2025، على أن تبدأ مناوبات الري للأرز في المناطق المقررة من 15 مايو وحتى 31 أغسطس 2025، مع تخصيص مواعيد خاصة لمناطق معينة مثل كفر الشيخ والدقهلية، وتساهم هذه التنظيمات في توزيع المياه بإنصاف وتجنب أي خلافات أو مشكلات قد تنشأ بسبب التوزيع العشوائي للمياه.

وبما أن الأرز من المحاصيل التي تستهلك كميات ضخمة من المياه، فإن قرار وزير الري، يكتسب أهمية خاصة في سياق الجهود المستمرة لتقليص استهلاك المياه في الزراعة، حيث يستهلك محصول الأرز ما يقرب من 5.000 متر مكعب من المياه لكل فدان، وهو ما يضع تحديًا كبيرًا أمام الحكومة في توفير المياه لهذه المساحات المقررة، في هذا السياق، يمكن ملاحظة أن القرار يعكس رؤية مستقبلية ترتكز على التوسع في استخدام التقنيات الحديثة مثل زراعة الأصناف المتحملة للجفاف والملوحة، التي تعد أملًا كبيرًا في تقليص استهلاك المياه.

تراجع المساحة المزروعة بالأرز بنسبة 56%

تراجعت المساحة المزروعة بالأرز بنسبة 56%، وفقًا لتحليل بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء للفترة من 2006 إلى 2021، حيث انخفضت المساحة المنزرعة من 1.676 مليون فدان إلى 1.105 مليون فدان، بتراجع بلغ 65.9%، كما تراجعت الإنتاجية من 6.677 مليون طن إلى 4.424 مليون طن، بنسبة انخفاض بلغت 61.6%.

وفي دراسة صادرة عن معهد بحوث الاقتصاد الزراعي في ديسمبر 2017، حذرت من استمرار هذا التراجع، حيث تمثلت مشكلة البحث في الاتجاه المتزايد لمتطلبات الاستهلاك المحلي كنتيجة للزيادة المضطردة لعدد السكان مع تناقص المساحة المنزرعة من الأرز وتناقص الإنتاج وزيادة الواردات منه، حيث تشير الإحصاءات الخاصة بالارز خلال الفترة (2000 - 2015) إلى تناقص المساحة من نحو 1568 ألف فدان عام 2000 الى نحو 1216 ألف فدان عام 2015 بمقدار 352 ألف فدان وبنسبة تناقص 22% تقريبا، وبالتالي تناقص الإنتاج من نحو 5817 ألف طن عام 2000 إلى نحو 5467 ألف طن عام 2015 بمقدار 350 ألف طن وبنسبة تناقص بلغت نحو 6% وبالرغم من التزايد في عدد السكان إلا أن حجم المستهلك من الأرز الابيض انخفض من نحو 3658 ألف طن تقريبا عام 2000 إلى نحو 2851 ألف طن عام 2015

بمقدار تناقص بلغ نحو 807 ألف طن وبنسبة تناقص بلغت نحو 22% عن عام 2000 وتناقص الكمية الموجة للتصدير من نحو 360 ألف طن عام 2000 إلى نحو 252.4 ألف طن عام 2015 بمقدار تناقص بلغ نحو 107.6 ألف طن وبنسبة تناقص 30% عن عام 2000 وهذا التناقص الملحوظ يرجع الى تناقص المساحة المزروعة وتناقص الإنتاج وبالتالي تناقص الاستهلاك والصادرات، ولكن في المقابل زادت كمية الواردات من محصول الأرز فبعد أن كانت مصر من أوائل الدول المصدرة للأرز أصبحت من الدول المستوردة له فقد زادت كمية الواردات من الأرز من نحو 1.069 ألف طن عام 2000 إلى نحو 45.877 ألف طن عام 2015 بزيادة تقدر بنحو 44.808 ألف فدان خلال فترة الدراسة، وهذه الزيادة يستعيض بها المستهلك عن الأرز المصري حيث قل استهلاك الأرز المصري وزاد استهلاك الأرز المستورد مما يؤثر على الميزان التجاري الزراعي والقومي.  

وزير الري

وشدد الدكتور هاني سويلم، على أهمية التزام المزارعين بزراعة الأرز فقط في المناطق المصرح بها، والتي تشمل محافظات الإسكندرية، البحيرة، الغربية، كفر الشيخ، الدقهلية، دمياط، الشرقية، الإسماعيلية، وبورسعيد، وأن الوزارة ملتزمة بتوفير المياه للمساحات المحددة لزراعة الأرز، داعيًا جميع أجهزة الوزارة إلى الالتزام بهذا التوجيه والتنسيق المستمر مع وزارة الزراعة في هذا الصدد، وأن مخالفة القرار الوزاري من بعض المزارعين وزراعة الأرز في مناطق غير مصرح بها تؤثر سلبًا على عملية توزيع المياه في المحافظة التي تم فيها المخالفة، وكذلك في المحافظات المجاورة ضمن شبكة الترع.

وأشار وزير الري إلى أنه وفقًا للمادة 28 من قانون الموارد المائية والري رقم 147 لسنة 2021 ولائحته التنفيذية، سيتم فرض غرامة على المخالفين وفقًا للمادة 104 من نفس القانون، بالإضافة إلى تحصيل قيمة المياه المهدرة نتيجة المخالفة طبقًا للائحة التنفيذية للقانون.

كما دعا وزير الري، المزارعين إلى التواصل مع الإدارة العامة للري أو الإدارة الزراعية في منطقتهم للتأكد مما إذا كانت أراضيهم ضمن المساحات المصرح بزراعتها بالأرز وفقًا للقرار الوزاري الصادر في هذا الشأن.

ويرى عددا من الخبراء والمختصين أنه من الضروري تحديد سياسة مستدامة للحفاظ على المياه، شريطة أن لا تؤثر سلبًا على صلاحية الأراضي الزراعية التي يجب أن تكون لها الأولوية في هذا الشأن، وأكدوا أن محصول الأرز يعد من المحاصيل الاستراتيجية التي تساهم في الحفاظ على أراضي الدلتا، خاصة في ظل التحذيرات الصادرة عن تقارير البنك الدولي بشأن تملح ثلث مساحة هذه الأراضي، كما أشاروا إلى أهمية الأرز في تعزيز التنوع البيولوجي، فضلًا عن الفوائد الاقتصادية الكبيرة التي يعود بها على الفلاحين، مما يساعد في تحسين ظروفهم المعيشية ورفع مستوى دخلهم من خلال تحقيق هامش ربح مستدام..

وأكد الدكتور نادر نورالدين، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، أن تحديد وزارة الري للمساحات المزروعة بالأرز يكون بناءً على كميات المياه المتاحة، وخصوصا في ظل معاناتنا من الفقر المائي، وهو ما يستدعي تقليل المساحات المزروعة وخصوصا المحاصيل التي تستهلك كميات كبيرة من المياه مثل الأرز وقصب السكر والموز، مؤكدًا أن الإحتياجات المائية للمحصول تتراجع عندما يبدأ موسم حصاد الأرز في شهر سبتمبر.

ويضيف نورالدين، انه من الضروري زراعة ثلث أراضي الدلتا بالأرز كل عام، بما لا يقل عن مليون ونصف فدان، والتي تبلغ مساحتها 4.5 مليون فدان، بنحو لا يقل عن مليون ونصف فدان، وذلك لحماية هذه الأراضي من التملح الذي يتسلل إلى شمال ووسط الدلتا بفعل البحر، مضيفًا أن الأرز يعتبر بديلًا هامًا للفيضان الذي كان يحدث قبل بناء السد العالي لغسيل ملوحة التربة، وذلك وفقًا لتوصيات البنك الدولي.

وأشار نورالدين، إلى أن تركيز وزارة الري على استهلاك المياه دون مراعاة تدهور الأراضي الزراعية أمر غير مقبول، ويستوجب إعادة النظر في تلك السياسة، فوظيفة وزارة الري يجب أن تكون الحفاظ على المياه والتربة معًا، حيث تأتي أهمية الحفاظ على صلاحية التربة الزراعية أولًا، ثم العمل على تقليل هدر المياه ثانيًا.

وأوضح نورالدين، أن الأرز محصولًا اقتصاديًا هامًا، وأن سعر الكيلوجرام منه يعادل ضعف سعر الكيلوجرام من القمح أو الذرة، وهو ما يساعد الفلاحين في تحسين دخلهم ورفع مستوى معيشتهم.

ويقول نورالدين، أنه يمكن اعتبار شهور يوليو وأغسطس وسبتمبر، هي الفترة التي تشهد أقصى احتياجات مائية للنباتات، خاصة في ظل تأثيرات الاحتباس الحراري، حيث تزرع المحاصيل الصيفية عادة في أواخر مايو بعد حصاد المحاصيل الشتوية، ويتم حصادها في شهري سبتمبر وأكتوبر، وخلال هذه الفترة والتي تمتد لنصفها تقريبًا، يصل النبات إلى مرحلة النضج مثل طرح السنابل، وتكون الاحتياجات المائية في ذروتها، خاصة في شهري يوليو وأغسطس، حيث ترتفع درجات الحرارة ويزيد فاقد المياه من أوراق النباتات وسطح التربة عبر التبخر.

ويقول الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا وخبير المياه، إن الأرز أهم محصول اقتصادى فى مصر بعد تدهور القطن المصرى طويل التيلة، حيث ينتج الفدان حوالى 4 أطنان فى 130 يوما، بعد جهد الزراعيين فى تحسين سلالة الأرز، وأن السوق المحلية يحتاج حوالى 5 ملايين طن سنويا.

وطالب "شراقي" بزيادة مساحة الأرز خاصة بعد تهديد بعض الدول المصدرة للغذاء بالتمهل فى التصدير، مؤكدًا أن زيادة المساحة سوف تشكل عبئًا على وزارة الرى ولكنها تستطيع، فهى أعرق مدرسة رى فى العالم وتدير بكفاءة أكثر من 50 ألف كم أطوال ترع ومصارف.

وأكد شراقي، أن زراعة مليون فدان اضافى على مياه الرى والصرف بعد المعالجة يوفر حوالى 4 ملايين طن يمكن استخدام جزء منها تعويضا عن القمح فى حالة تعثر استيراده، وإذا حصلنا على القمح دون مشاكل وبأسعار مناسبة يمكن أن نصدر الأرز بأسعار تفوق القمح، مؤكدًا أن نوع الأرز المصرى جيد ومطلوب فى الداخل والخارج، وقد وصلنا لزراعة 2 مليون فدان بالفعل عام 2008 ومتوسط مساحات الأرز من 2000 - 2015 كان 1.5 مليون فدان. 

قرار وزير الري بشأن تحديد مساحات الأرز لموسم 2025 2025-638742767321268041-126_page-0001 2025-638742767321268041-126_page-0002 2025-638742767321268041-126_page-0003 2025-638742767321268041-126_page-0004 زراعة الأرز 474441287_2285048955200388_5363291123308504166_n 474648469_2285049018533715_2793825304176638735_n 474550482_2285049075200376_7080746484726251582_n

مقالات مشابهة

  • دراسة: التفاؤل يعزّز سلوكيات الادخار
  • تغير المناخ يهدد “شوكولاتة عيد الحب”!
  • "زراعة الأرز" بين توسع الإنتاج والتوازن في استهلاك المياه.. وزير الري يقرر تحديد 724 ألف فدان لموسم 2025.. دراسة: مصر تحولت من دولة مصدرة إلى مستوردة بسبب تقليص المساحة
  • تغير المناخ يهدد شوكولاتة عيد الحب
  • دراسة جديدة تغير مفهوم الضوضاء وتكشف فوائد غير متوقعة
  • دعاء النصف من شعبان.. ردد أفضل صيغة تغير حياتك 180 درجة
  • «الأرصاد»: تغير مفاجئ في حالة الطقس بدءا من الغد.. واستقرار يستمر 4 أيام
  • 144 كيلو متر من الأمان.. مشروعات حماية الشواطئ في مصر خطوة نحو تأمين مستقبل مدننا الساحلية من التغيرات المناخية والبيئية
  • حزب المصريين الأحرار بالقليوبية يطلق مبادرة سندك لدعم الأطفال وذوي الهمم
  • أمين «المصريين الأحرار» تلتقي لجنة الحرف اليدوية لبحث تعزيز فرص العمل للشباب