ألقى العدوان الوحشي الذي يتعرض له قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول /أكتوبر الماضي، بظلاله على الانتخابات المحلية التركية المزمع إجراؤها نهاية الشهر الجاري، حيث سارع السياسيون في المعارضة والحكومة على حد سواء إلى طرح "ورقة غزة" خلال حملاتهم الانتخابية، وسط تراجع ملحوظ في حدة خطاب الكراهية ضد العرب واللاجئين.



وانقسمت المكونات السياسية في تركيا مع اقتراب موعد فتح صناديق الاقتراع، في مواقفها إزاء العدوان المتواصل على قطاع غزة، فبينما يواصل الرئيس رجب طيب أردوغان الذي يقود "تحالف الجمهور" المكون من عدد من الأحزاب المحافظة الإدلاء بتصريحات حادة ضد قادة الاحتلال، تهاجم الأحزاب المحافظة خارج تحالف أردوغان موقف الحكومة الرسمي بسبب تواصل التجارة مع "إسرائيل".

وتنتقد أحزاب محافظة مثل حزبي "المستقبل" بقيادة رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو، و"الرفاه من جديد" بقيادة فاتح أربكان، الحكومة التركية بشدة بسبب ما تراه "تقاعسا" في أخذ زمام المبادرة وقطع التجارة المتواصلة مع الاحتلال الإسرائيلي، في ظل اتساع رقعة المجاعة التي تفتك بأهالي قطاع غزة جراء الحصار المطبق.

والشهر الماضي، قال داود أوغلو مخاطبا أردوغان  في كلمة أمام الهيئة العامة لحزبه: "سيدي الرئيس، لا يمكننا أن نتسامح مع السفن التجارية المتوجهة إلى إسرائيل من الموانئ التركية".

وأضاف: "بينما كان المسلمون يُذبحون في غزة، سوف يتذكره الناس باعتباره (أردوغان) القائد الذي أرسل الفولاذ والطعام ووقود الطائرات إلى إسرائيل".

وكانت الشركات التركية تصدرت قائمة الدول التي استمرت في تصدير الخضار والفواكه إلى دولة الاحتلال خلال الفترة التي تلت العدوان على قطاع غزة، بحسب بيانات رسمية من وزارة زراعة الاحتلال الإسرائيلي.


وفي شهر كانون الأول/ يناير الماضي، كشفت بيانات صادرة عن جمعية المصدرين الأتراك عن زيادة في المواد الغذائية المصدرة من تركيا إلى دولة الاحتلال.

بدوره، وضع فاتح أربكان، نجل السياسي التركي الراحل نجم الدين أربكان، ما وصفه بـ"سوء تعامل الحكومة فيما يتعلق بالأحداث في غزة"، ضمن قائمة أسباب انشقاقه عن "تحالف الجمهور" الذي يقوده أردوغان، معلنا دخوله الانتخابات المحلية بمفرده دون الانضواء تحت راية التحالفات.

وامتدت آثار العدوان على غزة لتشمل اليسار التركي المعارض الذي يمثله حزب "الشعب الجمهوري"، حيث بدأ أبرز السياسيون بتصدير تصريحات تشدد على تضامنهم مع أهالي قطاع غزة في ظل حرب الإبادة الجماعية التي يتعرضون لها من قبل الاحتلال للشهر السادس على التوالي.

وقبل أيام، شدد زعيم حزب "الشعب الجمهوري"، أوزغور أوزيل، على أن القضية الفلسطينية هي "قضية حزب الشعب الجمهوري واليسار التركي"، مؤكدا إدانته للجرائم الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

وأشار أن "ما فعلته حماس (في السابع من أكتوبر) كان عملا إرهابيا. وما فعلته إسرائيل بعد ذلك كان إرهاب دولة، وكان بمثابة إبادة جماعية، وأنا أدينهما معا"، على حسب تعبيره.

كما قام أكرم إمام أوغلو، وهو ورئيس بلدية إسطنبول الحالي ومرشح "الشعب الجمهوري" لولاية ثانية، بإطلاق قافلة مساعدات إغاثية إلى قطاع غزة مكونة من خمس شاحنات، وشدد على "مواصلة التضامن مع غزة حتى ينتهي الظلم".



وقال خلال كلمة له قبيل انطلاق قافلة المساعدات الشهر الماضي،  إن "غزة تشهد واحدة من أكبر المآسي الإنسانية في الشرق الأوسط"، موضحا أنه "لا يمكن لأي مبرر أن يخفف من حدة جريمة قتل الأطفال الأبرياء والأطفال والنساء والمسنين والمدنيين".

ووجه إمام أوغلو انتقادات لمنافسه مراد كوروم، دون ذكر اسمه بشكل مباشر، قائلا إن "رخص ثمن الحصول على الأصوات من المأساة الإنسانية لا ينبغي أن يظل جزءا من السياسة".

وأشار إمام أوغلو، الذي ظهر متشحا بالكوفية أمام إحدى شاحنات المساعدات، إلى ضرورة "إبقاء هذه القضايا الحساسة خارج جدول أعمال الانتخابات".

وكان مراد كوروم، مرشح "تحالف الجمهور" الحاكم لرئاسة بلدية إسطنبول، شدد على أن "نتيجة الانتخابات في إسطنبول ستُبهج المظلومين في غزة"، في تصريح أثار انتقادات لدى مراقبين بسبب ما وصفوه بأنه "استخدام للمأساة في غزة من أجل أهداف سياسية".

"توظيف لأجل أهداف سياسية"
في هذا السياق، يرى الباحث في الشأن التركي، محمود علوش، أن مراد كوروم سعى إلى استغلال قضية غزة من أجل استقطاب الأصوات المحافظة في إسطنبول، لافتا إلى أن "القضايا الخارجية الحساسة بالنسبة للأتراك أصبحت تحظى بشكل متزايد بجانب كبير من الاستثمار السياسي الداخلي لدى مختلف الأحزاب السياسية خصوصا في الفترات التي يكون فيها انتخابات".

وأضاف في حديثه لـ"عربي21"، أن "هناك انعكاسات للحرب في غزة على سياق الانتخابات المحلية لأن غزة كانت حاضرة النقاش السياسي الداخلي المرتبط بالانتخابات"، مستدركا بالقول: "لكن هذه الانعكاسات تبقى محدودة مقارنة بالعوامل الأخرى الأكثر تأثيرا على الناخب التركي".

وأوضح أن هذه الانعكاسات "تتمثل في كيفية تقييم الناخب التركي، لاسيما المحافظين المهتمين بقضية غزة، لموقف الحكومة في هذه الحرب وما إذا كان هذا الموقف قويا أم لا، لذلك هذا الأداء سينعكس على السلوك التصويتي للناخب التركي، لكن تبقى هذه الانعكاسات محدودة مقارنة بالقضايا الأخرى الأكثر أهمية للناخب".

وأشار إلى أن "جانب أساسي من خطاب الرئيس التركي القوي المندد بإسرائيل هو موجه إلى الداخل التركي لأن أردوغان يدرك أن هناك غالبية كبيرة من الأتراك لا سيما المحافظين يريدون من الحكومة أن تتبنى موقفا قويا تجاه إسرائيل".

وعلى صعيد المعارضة، لفت علوش إلى أنها "سعت إلى توظيف الانتقادات لموقف الحكومة من الحرب على غزة من أجل تحقيق مكاسب سياسية داخلية مع اقتراب الانتخابات"، موضحا أن "هناك نوع من المزايدات لاسيما بالنسبة للأحزاب المحافظة التي انتقدت موقف الحكومة في هذه الحرب واعتبرته ضعيفا فيما يتعلق برد الفعل على إسرائيل".

وشدد الكاتب على "عدم وجود حزب سياسي في تركيا يمكن أن يتبنى موقف أقوى من المواقف التي تتبناه حكومة العدالة والتنمية تجاه إسرائيل".


في المقابل، يرى الباحث المختص بالشأن التركي علي أسمر، أن "المواطنين الأتراك يهتمون بالملفات الخارجية ولكن يهتمون أكثر بتخفيض معاناتهم اليومية في المدينة التي يعيشون بها من تأخر الباصات وتراجع خدمة شبكات المترو وانقطاع الغاز والكهرباء والمشاكل الخدمية الاخرى".

وأوضح في حديثه لـ"عربي21"، أن "هذه الانتخابات هي انتخابات خدمية والشعب التركي سيختار من يخدمه بشكل أفضل بغض النظر عن سلوكه اتجاه الملفات الخارجية إن كان ملف غزة أو الملف السوري على سبيل المثال".

وفي ما يتعلق بتعامل المعارضة مع ملف العدوان على غزة، شدد أسمر على أن "وظيفة المعارضة هي التقاط الأخطاء والهفوات للحكومة وهذا شي طبيعي في الدول الديمقراطية"، لافتا إلى أن "المعارضة لا توفر موضوع واحد للنيل من الحزب الحاكم، والآن الموضوع الأكثر رواجا هو غزة لذلك يحاولون توظيف هذا الملف لأهداف سياسية".

وعن طرح مراد كوروم، مرشح أردوغان لبلدية إسطنبول، لقضية غزة خلال حملته الانتخابية، قال أسمر في حديثه لـ"عربي21"، إن "كوروم شخصية من صلب حزب العدالة والتنمية، وهذا الحزب يعد من الأحزاب المحافظة الداعمة للقضية الفلسطينية ورأينا مؤخرا إصرار الرئيس أردوغان على أن حماس هي حركة مقاومة وليس تنظيم إرهابي على عكس حلفاء تركيا في حلف الناتو الذين يصفون حماس بتنظيم إرهابي وبسبب هذا الموقف زادت شعبية حزب العدالة والتنمية من الطبقة المحافظة التي ترى أن الأقصى لا يقل أهمية عن مكة".



هل تسببت غزة في تراجع خطاب الكراهية؟
على عكس ما هو متوقع، تراجع خطاب الكراهية الموجه ضد العرب واللاجئين في تركيا الذي كان يجري طرحه بشدة في الشارع التركي مع اقتراب كل استحقاق انتخابي بشكل ملحوظ.

وتزامن ذلل مع استمرار الشعب التركي في تصعيد فعالياته المتضامنة مع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، عبر تنظيم معارض وندوات ووقفات احتجاجية بوتيرة شبه يومية ضد عدوان الاحتلال الإسرائيلي، فضلا عن المقاطعة الشعبية الواسعة للشركات المرتبطة بـ"إسرائيل".

وكان ملف العرب واللاجئين، على رأس أجندة تحالف المعارضة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي شهدتها تركيا منتصف عام 2023، وأسفرت عن استقطاب شديد في الشارع التركي امتد إلى نهاية شهور الصيف الماضي، فضلا عن حوادث الاعتداء العديدة التي طالت لاجئين وعربا مقيمين في تركيا.

في هذا الصدد، يؤكد علوش في حديثه لـ"عربي21"، أن "هناك تراجعا في الخطاب المناهض للاجئين والعرب مقارنة بما كان عليه الحال في الانتخابات العامة 2023"، مرجحا أن تكون غزة ضمن الأسباب التي أدت إلى هذا التراجع.

لكن علوش استدرك موضحا أن "هناك أسباب أخرى أكثر أهمية، على رأسها أن هذا الخطاب لم يحقق الفوائد السياسية التي كانت تعول عليها المعارضة في الانتخابات الفائتة، ونتيجة لذلك لم تستثمر المعارضة اليوم فيه بشكل كبير مقارنة بعام 2023".

وفي سبب آخر، لفت الباحث السياسي إلى "طبيعة الانتخابات المحلية التي ترتبط بقضايا أكثر تعلقا بالشؤون المحلية للمدن على مستوى الخدمات والتحول الحضري"، مشددا على أن "هذه القضايا مهيمنة بشكل أكبر على القضايا السياسية العامة في هذه الانتخابات، لكن نعم هناك تراجع ملحوظ في الخطاب المناهض للعرب واللاجئين في هذه الانتخابات".


من جهته، تطرق أسمر إلى تراجع حدة الخطاب المعادي للاجئين والعرب، موضحا أن "السبب الحقيقي وراء تضخيم موضوع معين هو تركيز الإعلام عليه، فعند جائحة كورونا كان يموت الآلف من أمراض السكري والقلب والاكتئاب يوميا ولكن الإعلام كان يركز فقط على أعداد موتى كورونا وكأن فيروس كورونا هو السبب الوحيد للموت في هذا العالم"، حسب تعبيره.

وبيّن أسمر خلال حديثه لـ"عربي21"، أنه "قبيل وبعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الماضي ركز الإعلام على موضوع العنصرية وكأن كل الأتراك عنصريين والآن الإعلام يركز على موضوع غزة فقط"، مضيفا: "لذلك أعتقد أن السبب الرئيسي لتخفيف الخطاب المعادي للعرب واللاجئين هو أنه استخدم كثيرا وأصبح ورقة محروقة لم تعد تؤتِ ثمارها، بالإضافة إلى ما يجري في قطاع غزة".

ومن المقرر إجراء الانتخابات المحلية في 31 آذار/ مارس الجاري، حيث ستفتح صناديق الاقتراع في 81 ولاية وقضاء تركيًا أمام الناخبين، من أجل انتخاب رؤساء البلدية الكبرى والفرعية وأعضاء المجالس المحلية.

وتحظى الانتخابات المحلية في تركيا باهتمام عال من الأحزاب السياسية؛ لكونها أولى درجات سلم الفوز بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية، كما يرى مراقبون أتراك.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي منوعات تركية غزة تركيا أردوغان الفلسطينية تركيا فلسطين أردوغان غزة الانتخابات التركية سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الانتخابات المحلیة الشعب الجمهوری خطاب الکراهیة فی حدیثه لـ مراد کوروم قطاع غزة فی ترکیا موضحا أن فی غزة إلى أن فی هذه من أجل غزة من على أن

إقرأ أيضاً:

أستاذ علوم سياسية: على العالم التدخل لإنقاذ حالة التجويع التي تشهدها غزة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

قال الدكتور عماد البشتاوي أستاذ العلوم السياسية، إن الأوضاع المأساوية في قطاع غزة تتفاقم بشكل كبير، مؤكداً أن المسؤولية تقع على عاتق الجميع.

وأوضح أن "كلما طال الوقت، زادت إسرائيل من إجراءات الحصار والتجويع"، داعيًا المجتمع الدولي إلى التدخل الفوري وعدم ترك الأمور تحت سيطرة إسرائيل التي تتحكم في دخول الماء والغذاء والدواء للشعب الفلسطيني.

وأضاف البشتاوي، خلال مداخلة هاتفية على فضائية "القاهرة الإخبارية"، أن قطاع غزة يمر بحالة تجويع غير مسبوقة في التاريخ، مشيراً إلى أن إسرائيل تشن حرباً على شعب أعزل لا يمتلك حتى قوت يومه، مما يجعلها تتهرب من كافة التزاماتها القانونية والسياسية والأخلاقية.

وشدد البشتاوي على ضرورة تحرك المجتمع الدولي قائلاً: "من المؤسف أن يقف العالم متفرجاً وصامتاً أمام ما يحدث من تجويع وتدمير ممنهج في غزة".

وأكد أن الأمم المتحدة والدول الكبرى، خاصة الإقليمية والولايات المتحدة، عليها دور كبير في التدخل. كما أشار إلى أنه لا يوجد أي مبرر يمنع الولايات المتحدة من التحرك الإنساني لوقف القتل والإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني.

مقالات مشابهة

  • حذيفة عبد الله: سوف تسقط قريباً الدعاوي “الزائفة” التي تسوق خطاب حكومة المنفى
  • وزير خارجية تركيا يكشف الملفات التي ناقشها مع الشرع في سوريا
  • أستاذ علوم سياسية: على العالم التدخل لإنقاذ حالة التجويع التي تشهدها غزة
  • بنغازي | مبادرة “الشباب يشارك”: خطوات نحو الحد من خطاب الكراهية وتعزيز العملية السياسية
  • شياب ليبيا يناقشون سبل النهوض بالعملية السياسية والتصدّي لخطاب الكراهية
  • ما قصة والد الطفلة إقبال والنوادي الليلية التي أصبحت حديث الشارع التركي؟
  • خبير يشرح الصيغة التي ستقلل معدل البطالة في تركيا
  • غيرترود بِيل.. الجاسوسة التي سلّمت العرب للإنجليز
  • رانيا يوسف: «أنا ست مش قوية.. وشهرتي أثرت على حياتي الشخصية»
  • مؤشر "ستوكس 600" الأوروبي يسجل أسوأ تراجع أسبوعي منذ سبتمبر