الدكتور أحمد ممدوح يكتب: رؤية الهلال بين الفلك والتنجيم
تاريخ النشر: 14th, March 2024 GMT
جعل الشرع الشريف من التعرف على بدايات الشهور القمرية بظهور هلالها بعد غروب الشمس تكليفاً لازماً، لأنه يرتبط به إيقاع جملة من العبادات فى وقتها الشرعى، وقد قال تعالى: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِىَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ» [البقرة: 189].
وإثبات ظهور الهلال بعد غروب الشمس من عدمه يمكن تحقيقه إما بالرؤية البصرية أو بالحساب الفلكى، ففى الصحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «صُوموا لرؤيته وأَفطِروا لرؤيَتِه».
والمراد برؤيته: مشاهدته بالعين بعد غروب شمس يوم التاسع والعشرين من الشهر السابق ممن يُعتَمَد خبره وتُقبَل شهادته.
وأما الحساب الفلكى فقد نصَّ كثير مِن الفقهاء على اعتباره؛ وممن نُقِل ذلك عنه: التابعى الجليل مُطَرِّف بن عبدالله بن الشِّخِّير.
وذكر القرافى فى «الفروق» أن هناك قولين فى مذهب مالك فى إثبات الأهلّة بالحساب. وهو أيضاً أحد الأَوجُه فى مذهب الشافعية، قالوه فيما إذا عرف رجل بحساب المنازل أن غداً من رمضان فإنه يصوم، وبهذا قال ابن سُريج، والقفال الشاشى، وأبوالطيب الطبرى.
وقد نصر مشروعيةَ الأخذِ بالحساب الفلكى فى إثبات الأهلَّة جماعة من العلماء المتأخرين؛ منهم: العلامة المرجانى والشيخ محمد بخيت المطيعى والشيخ محمد مصطفى المراغى، والشيخ أحمد شاكر.
وقد دل على اعتبار الحساب الفلكى قوله تعالى: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ» [البقرة: ١٨٥]، والظاهر أن شهود الشهر بمعنى العلم بوجوده؛ فإن الشهود بمعنى العلم هو سبب وجوب الصوم.
وفى «الصحيحين» مرفوعاً: «إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له»، وهذا الحديث دال على أصل مشروعية الأخذ بالحساب الفلكى؛ لأنه قد علق الصيام والفطر بالرؤية، والمتبادر منها الرؤية البصرية، والتعليق بالرؤية البصرية إنما جاء رحمة بالمكلفين وتيسيراً عليهم، خطاباً لهم بالأمر الظاهر الذى يعرفه كل أحد ولا يغلط فيه، بخلاف الحساب فإنه لا يعرفه إلا القليل من الناس.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «إنّا أُمَّة أُمِّيَّة لا نَكتُب ولا نَحسُب» فليس فيه نهىٌ عن الكتابة والحساب ولا إشارة إلى إبطال علم الفلك، إنما هو يذكر الصفة الغالبة لمن كانوا فى زمانه، وليس معناه أن صفة الأمية صفة ملازمة للأمة فى جميع الأعصار والأمصار.
وهذا يعنى أن الأمة إذا خرجت عن أميتها وصارت تكتب وتحسب يعنى صارت فى مجموعها ممن يعرف هذه العلوم، وأمكن الناس أن يَصِلُوا إلى اليقين والقطع فى حساب أول الشهر، وأن يثقوا بهذا الحساب ثقتهم بالرؤية فلهم حينئذ أن يأخذوا فى إثبات الأهلة بالحساب الفلكى.
وأما قول بعض الناس إن اعتبار الحساب مذهب باطل؛ لأنه قائم على علم النجوم، والشرع قد حذر من مثل هذا فيما رواه مسلم: «مَن أَتى عَرّافاً فسأله عن شىء لم تُقبَل له صلاة أربعين ليلة»، فهذا خلط بين العرافة والتنجيم والكهانة من جهة وبين حساب النجوم الذى هو علم الفلك من جهة أخرى، وعلم الفلك حتى لو كان قديماً قد اختلط بالعرافة والكهانة عند المشتغلين به، فإنه الآن منفصل عنهما تماماً، وتخلص من شبهة التنجيم التى توحى بالتكهن بالغيب، وأصبح علم الفلك مبنياً على علوم دقيقة، وهو من أسباب معرفة الله ومعرفة النظام المستدَل به على وجود الله.
ولذلك اتفقت المؤتمرات الفقهية على الاستئناس بالحسابات الفلكية القطعية مع الاعتماد على الرؤية البصرية الصحيحة، فهى المعتمدة إلا إذا خالفت الحساب الفلكى المقطوع بدقته، فلا تُعتَمَد حينئذ، ولا تُعتَبر حينئذ شهادة مَن شَهِد برؤية الهلال لمخالفتها الحساب، وبهذا يتم الجمع بين الأصل وهو الرؤية البصرية المأمور بها كأصل للمسألة، والحساب الفلكى المقطوع بدقته فى عصرنا.
*أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: رؤية الهلال الرؤية الشرعية الفلك والتنجيم علم الفلک
إقرأ أيضاً:
نائب محافظ بني سويف يترأس اجتماعاً لمتابعة مستجدات مشروع الهوية البصرية
ترأس السيد بلال حبش، نائب محافظ بني سويف، اجتماع اللجنة المكلفة بمتابعة مشروع تنفيذ وتعميم الهوية البصرية للمحافظة، التي شكلها الدكتور محمد هاني غنيم محافظ بني سويف لهذا الغرض.
ويأتي هذا الاجتماع ضمن الجهود المستمرة للمحافظة في إطار المشروع القومي لنشر وصياغة الهوية البصرية الملائمة لكل محافظات مصر، بهدف تعزيز الانتماء وإبراز المميزات الحضارية والتاريخية للمحافظة.
و شهد الاجتماع حضور عدد من القيادات التنفيذية وأعضاء اللجنة، منهم: علي يوسف رئيس مدينة بني سويف، المهندس أحمد رمزي وكيل وزارة الإسكان، الدكتور محمد جلال عميد كلية الفنون الجميلة بجامعة بني سويف، الدكتور هبة الله السمري عميدة كلية الإعلام بجامعة النهضة، الدكتور محمد ماضي من كلية الفنون التطبيقية بجامعة بني سويف، المهندس رامي رجب مدير التخطيط العمراني، شيرين حسين مدير المكتب الفني، ونهى محمد مدير التعاون الدولي والعلاقات العامة بالمحافظة، وسعيد رمضان مدير الإعلام بالمحافظة.
ناقش الاجتماع مجموعة من المقترحات لتطبيق الهوية البصرية على معالم المحافظة المختلفة، منها تطوير البوابات الرئيسية ومداخل المدن باستخدام شعار المحافظة الجديد،وتحديث واجهات المباني والمحلات التجارية في شارع أحمد عرابي، وتضمنت المناقشات مقترحات لتطوير أعمدة الإنارة، المقاعد العامة، وأماكن الانتظار بما يعكس الهوية البصرية، إضافة إلى مشروع تصميم مبنى مديرية التربية والتعليم.
وطرح نائب المحافظ مقترح تطوير طريق الكورنيش ليكون نموذجًا يعكس الهوية البصرية المميزة للمحافظة،مؤكدًا على أهمية اختيار مواقع استراتيجية لتطبيق المشروع بشكل تجريبي، مع مراعاة التكاليف التقديرية وأليات التنفيذ.
في سياق متصل، تم استعراض دور الجامعات في تنفيذ المشروع، حيث وجه نائب المحافظ بإرسال خطابات رسمية إلى كليات الهندسة والفنون الجميلة للتعاون في توزيع الأعمال المطلوبة ودراسة إمكانية أليات وامكانية المشاركة من كل جامعة ، وتم تكليف أعضاء اللجنة بإعداد دراسات تفصيلية لدعم الجامعات في وضع خطط التنفيذ.
وفي ختام الاجتماع تم التأكيد على أهمية التنسيق المستمر بين الجهات المشاركة لضمان تطبيق المشروع وفق المعايير المطلوبة، بما يسهم في تحسين الصورة الذهنية للمحافظة وتعزيز هويتها البصرية بشكل يعكس مكانتها الحضارية والسياحية.