الدكتور عبداللطيف سليمان: مقام الإخلاص
تاريخ النشر: 14th, March 2024 GMT
مقام الإخلاص مطلب ضرورى فى كل تفاصيل علاقاتنا، وتشتد الحاجة إليه فى شهر رمضان، ومعناه: تصفية السر والقول والعمل. وقيل: هو عمل يعين على الخلاص، وقيل: الخلاص عن رؤية الأشخاص، ومن معانيه ألا تطلب لعملك شاهداً غير الله، بمعنى تخليص العمل من الشوائب. ومن معانيه التبرّى عن كل ما دون الله تعالى، قال عنه الفضيل بن عياض: «ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل لأجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما»، وهو التزام حيوى أكثر من كونه نظرياً، والوصول إلى ذلك يستلزم عدة أمور.
أول تلك الأمور الاستمرارية بدوام تذكر طلب الإخلاص، والتكامل بمعنى كونه بمحبة كاملة لله وللحق، والتكامل بين النية والفعل، كذلك العلم والوعى اللذان لا يتم بدونهما معرفة الأشياء التى تحقق الإخلاص، والتدرج، وهو جهد بشرى من أجل الوصول إلى الكمال الإنسانى فى تحقيق العبودية، كذلك الأمانة، وهى رعاية حق الله وأداء الفرائض وعدم الخيانة وحفظ الحقوق والبعد عن حظ النفس، فهناك صلة بين الإخلاص والصدق، حيث إن الصدق أصل والإخلاص فرع؛ والصدق فى النية، وذلك قبل الدخول فى العمل، والإخلاص بعد الدخول فى العمل.
وفى القرآن الكريم، أمر الله المؤمنين بالإخلاص، قال تعالى: «فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ»، وفيه أن المؤمنين لم يؤمروا إلا به: «وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ». وتوجد سورة فى القرآن تسمى سورة الإخلاص، ولأهمية الإخلاص، قال النبى الكريم: «إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء». وجاء أن الصدِّيق -رضى الله عنه- استعبر وبكى، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لم تؤتوا شيئاً بعد كلمة الإخلاص مثل العافية، فسألوا الله العافية». وقال النبى الكريم: «ما قال عبد لا إله إلا الله قط مخلصاً، إلا فتحت له أبواب السماء حتى تفضى إلى العرش، ما اجتنب الكبائر».
والله سبحانه وتعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً له. وقال الرسول الكريم: «إن الله عز وجل يقول أنا أغنى الشركاء عن الشريك، من عمل عملاً أشرك فيه غيرى تركته وشركه»، وجاء فى حديث النبى صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وإلى أعمالكم».
ومع الإخلاص فى النية يعطى العبد أجراً عظيماً، كما قال النبى الكريم: «إن الله كتب الحسنات والسيئات، فمن همَّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة كاملة، وإن همَّ بحسنة فعملها كتبها الله له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة». وكان زين العابدين -رضى الله عنه- يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل ويوزعه على الفقراء، ويقول: صدقة السر تطفئ غضب الرب.
يقول «ابن عيينة»: أصابتنى رقة من تلاوة القرآن فبكيت، فقلت فى نفسى: لو كان أصحابى معى لشاركونى، فغفوت إغفاءة، يعنى نمت، فجاءنى رجل يقول: يا سفيان، خذ أجرك ممن أحببت أن يراك. وجاء رجل إلى تميم الدارى قال: كيف حالك بالليل؟ فغضب منه تميم، ثم قال: ماذا قلت؟ لأن أصلى ركعة فى السر لا يعلمها إلا الله أحب إلىَّ من أن أقوم الليل كله وأقص ذلك على الناس. وكان ابن أبى ليلى يصلى بالليل، فإذا دخل عليه داخل نام حتى لا يراه أحد فى قيام، فالإخلاص سر بين العبد وربه جل جلاله، حيث يطلب به رضا الله وحده، دون الالتفات إلى الناس. فاللهم اجعلنا ممن أخلصوا لك، وتقبَّل منا يا رب العالمين.
*من علماء الأزهر الشريف
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الصيام الإخلاص الرياء الصدق
إقرأ أيضاً:
الإفتاء توضح أفضل أوقات قراءة لقرآن الكريم
أوضحت دار الإفتاء المصرية أن أفضل وقت لقراءة القرآن الكريم كما يقول بعض العلماء بعد صلاة الفجر وحتى موعد شروق الشمس، من يفعل ذلك له أجر عظيم عند الله- عز وجل، إذ ورد في قوله تعالى : ( وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) الآية 78 من سورة الإسراء .
وقالت الإفتاء إن المراد من قوله تعالى : ( وقرآن الفجر ) أي صلاة الفجر، وقد اثبتت السنة النبوية المطهرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تواترا من أفعاله وأقواله بتفاصيل هذه الأوقات، على ما عليه عمل أهل الإسلام اليوم ، مما تلقوه خلفا عن سلف.
وجاء في تفسير قوله عز وجل : ( إن قرآن الفجر كان مشهودا ) قال الأعمش ، عن إبراهيم ، عن ابن مسعود - وعن أبي صالح ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية : ( إن قرآن الفجر كان مشهودا ) قال : " تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار " .
وقال البخاري : حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن أبي سلمة - وسعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة ، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر " . ويقول أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم : ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ) .
وقال الإمام أحمد : حدثنا أسباط ، حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم - وحدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ) قال : " تشهده ملائكة الليل، وملائكة النهار ".
حكم قراءة سورة السجدة في الفجر
أوضحت دار الإفتاء المصرية أن قراءة سورة السجدة في صلاة فجر يوم الجمعة سنةٌ حافظ على أدائها النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وسار عليها الصحابة والسلف من بعده صلى الله عليه وآله وسلم.
حكم قراءة سورة السجدة في صلاة الفجر
وقالت الإفتاء إن قراءة سورة السجدة في صلاة الفجر يوم الجمعة من السنن التي كان يفعلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما ورد ذلك في "الصحيحين"، بل جاء في رواية الطبراني أنه صلى الله عليه وآله وسلم "كان يُديم ذلك"، وهذا يدفع اعتراض مَن ينكر المداومة على ذلك، أو من يدَّعي أن من السنة ترك السنة؛ فإن هذا كلام غير صحيح على عمومه، ولو فُهِم على ظاهره لكان تناقضًا؛ إذ حقيقة المستحب والمندوب والسنة هو ما أُمِر بفعله أمرًا غير جازم؛ فهو مأمور به وليس بمستحبٍّ تركُه أصلًا، بل المستحبُّ تركُه إنما هو المكروه الذي نُهِيَ عن فعله نهيًا غير جازم، فصار تركُه لذلك مستحبًّا.