«مصر التى صدَّرت علم الإسلام إلى الدنيا كله»، تلك هى المقولة الخالدة للإمام محمد متولى الشعراوى، رحمه الله، والتى تدل على أن مصر كانت وما زالت حاضرة بقوة فى التعريف بالدين الإسلامى ونشر الوعى الدينى الصحيح ليس فقط فى داخلها بل إلى العالم أجمع، فمصر هى من علمت جميع الدول تلاوة القرآن الكريم، وكان لكبار القراء ومشاهير دولة التلاوة المصرية حضور مميز فى كافة المناسبات حول العالم، وتتلألأ أصوات مشاهير القراء عبر كافة المنابر، لاسيما أن مدرسة التلاوة المصرية تضم العديد من الأسماء البارزة التى تعدت شهرتها حاجز الزمان والمكان، منهم الشيخ على محمود من رواد التلاوة والإنشاد، والشيخ محمد رفعت والملقب بقيثارة السماء، والشيخ محمود خليل الحصرى، والشيخ عبدالباسط عبدالصمد، والشيخ مصطفى إسماعيل، وأبوالعينين شعيشع من عباقرة المقرئين، والشيخ محمود على البنا وغيرهم من عباقرة التلاوة المصرية، أصواتهم من الذهب الخالص، فبمجرد سماع أصواتهم تجدها كأصوات من السماء تشدو على الأرض، يمتازون بحلاوة الصوت ووضوح المخارج والتمكن من الأحكام والضوابط.
فمصر هى مهد التلاوة، وغالبية مشاهير القراء مصريون علموا العالم الإسلامى أصول وفن التلاوة بأصوات عبقرية متفردة، وأرسى العديد منهم أسس التلاوة، وكانت تلاوتهم لآيات القرآن الكريم مثار إبهار وتعظيم لكل من استمع إليهم، واستمد من أصواتهم شغفاً لفنون التلاوة والإنشاد الدينى الجميل، وعلى مر العصور لم يقف هذا المدد من الأئمة والقراء، حيث أطلقت الشركة المتحدة منذ العام الماضى برنامج سفراء دولة التلاوة، والذى يذاع عبر قناة الناس فى موسمه الثانى، يعرض خلالها على مدار شهر رمضان وينقل أصوات سفراء التلاوة المصريين فى جميع أنحاء العالم، وبجانب نقل الصلاة، يتم نقل ندوات ومحاضرات دينية لعلماء وأئمة الأوقاف لجميع الجنسيات فى العالم، فالشكر كل الشكر لمن ساهم وخطط وأبدع لإخراجه بهذه الصورة التى تليق بمصر وسفرائها من دولة التلاوة حول العالم.
وبلا شك تأتى هذه الخطوة التزاماً بسياسة قناة الناس واهتمامها بكل ما يهتم بالنفس وسمو الروح، وتناول قضايا الناس، ووضع الحلول لكل المشكلات، ليس فقط من خلال هذا البرنامج بل بمجموعة وباقة مميزة من البرامج تجاوزت 50 برنامجاً، بعضها يعرض عبر شاشة قناة الناس وبعضها يذاع على منصاتها الإلكترونية مساهمة منها فى صناعة الوعى الدينى، الذى يحتاج إلى التحلى بالشجاعة لطرح تساؤلات ورؤى جديدة حول تراث الأمة الدينى على كافة المستويات وتعليم الناس أمور دينهم ودنياهم وتجديد الفكر الدينى، وتجديد علوم الدين.
فتحقيق الوعى الدينى الصحيح وبناء عقول تفهم صحيح الدين يجعلنا نخطو خطوات صحيحة نحو مستقبل مشرق وآمن، فى ظل وعى وتطبيق صحيح الدين، بما يدفعنا إلى أن نتقدم ونملك زمام أمورنا بأيدينا بعيداً عن تسلط الآخرين، فنحقق بتلك القوة الواعية احترام العالم لنا ولديننا، لاسيما أن العصر الرقمى يفرض تحديات إعلامية واتصالية ودينية يجب أن تواجه بوسائل وأساليب هذا العصر وليس بوسائل وأساليب عصر سابق وأفكار ووجوه قديمة تجاوزها الزمن، وهو ما تخطو به وإليه قناة الناس لتحقق شعارها دائماً «قناة الناس ما ينفع الناس».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: قناة الناس قناة الناس
إقرأ أيضاً:
منال الشرقاوي تكتب: عندما يتحول الزمن إلى لغز في عالم الأفلام
ماذا لو أن زمن القصة أصبح بطلًا في الفيلم؟ ماذا لو كان بمقدور الزمن أن يتحرك للخلف، أو يلتف على نفسه، أو يقفز بنا من لحظة إلى أخرى دون تفسير؟ هكذا، تأخذنا السينما إلى عوالم لا تقيدها قوانين الزمن؛ حيث تتجاوز حدود السرد التقليدي لتصبح اللعبة الزمنية هي عمود القصة، ووسيلة لتحدي عقل المشاهد وتفكيره.
في أفلام مثل "Memento" و "Inception" و "Tenet"، لا يعد الزمن مجرد سياق للأحداث، بل يصبح أداة رئيسة لرسم مسار القصة وتحفيز المتفرج على الانخراط والتركيز. فنجد أن كلاً من هذه الأفلام يستعرض الزمن بأسلوب خاص ومتفرد؛ حيث يستخدم Memento السرد العكسي ليضعنا في نفس مأزق بطل القصة ونحاول تجميع الأحداث معه، بينما ينقلنا Inception إلى طبقات متداخلة من الأحلام والأزمنة، فلا يعود الزمن مجرد خط ثابت، بل متاهة تزداد تعقيدًا مع كل لقطة جديدة من الحلم. هنا، يصبح الزمن "بطلا" تتغير معه قواعد القصة، مما يُشعر المتفرج بتداخل الواقع والخيال، وكأنه في دوامة بين الحاضر والمستقبل والماضي. أما في فيلم "Tenet"، يأخذ مفهوم الزمن بُعدًا أكثر تحديًا، حيث تتشابك الأحداث في ظاهرة "العكس" الزمنية، ما يجبر المتفرج على التفكير في كل مشهد على أنه جزء من لغز أكبر يحتاج إلى حل. وبذلك، يصبح الزمن هنا محركًا يعيد تشكيل الأحداث وتغيير مساراتها، لتخلق رحلة سينمائية مليئة بالتشويق لا يمكن فيها الاعتماد على التوقعات المسبقة. هذا التلاعب لا يعتبر مجرد حيلة سردية، بل هو تحدٍّ لإدراكنا ذاته؛ حيث ندخل تجربة مشاهدة تضعنا في اختبار مستمر: كيف نستوعب مفهوم الزمن؟ كيف نبني تصوراتنا عما هو "حقيقي" و"خيالي"؟
ورغم أن السرد التقليدي يهيمن على السينما العربية، إلا أن بعض الأفلام نجحت في كسر هذا القالب بأساليب مبتكرة وغير مألوفة، مستلهمة جزئيًا من الأفلام التي تتلاعب بالزمن وتخلق سرديات غير خطية. فعلى سبيل المثال، فيلم "الفيل الأزرق" (2014 و2019) لمروان حامد، يوظف عناصر الحلم والذاكرة ليأخذ المشاهد في رحلة تتقاطع فيها أبعاد نفسية وزمنية، مما يضفي على القصة عمقًا وغموضًا بعيدًا عن التسلسل الزمني التقليدي. أما فيلم "أسوار القمر" (2015) لطارق العريان، فيستخدم حادثة مفصلية ليعود بنا إلى الماضي، مستعرض الأحداث من وجهة نظر البطلة في استرجاعات زمنية متداخلة.
إضافة إلى ذلك، نجد فيلم "فاصل ونعود" (2011) للمخرج أحمد نادر جلال، الذي يتقاطع جزئيًا مع فكرة "Memento" في استكشاف فقدان الذاكرة كوسيلة للبحث عن الحقيقة، حيث يفقد البطل ذاكرته ويبدأ في إعادة تجميع شتات حياته بعد الحادث. وعلى الرغم من أن "فاصل ونعود" يتبع سردًا خطيًا تقليديًا مع -محاولات- استعادة الذاكرة، إلا أنه يشترك مع "Memento" في كونه ينطلق من الذاكرة المفقودة لإعادة بناء الأحداث وفك شفرات الغموض. إلا أن هذه المحاولات تواجه تحديات كبيرة في تقديم سرد زمني معقد وجاذب، في ظل قلة الإنتاجات التي تجرؤ على تجاوز الأنماط المألوفة.
إن التلاعب بالزمن في السينما ليس مجرد استعراض فني، بل هو أداة متفردة لإشراك المتفرج في تجربة غير تقليدية تجعله شريكًا -فعليًا- في فك ألغاز القصة. لكن هذا لأسلوب يتطلب من المشاهد انتباهًا خاصًا، وتركيزا عاليا، ليعيد ترتيب أحداث القصة المتفرقة ويكتشف تسلسلها الصحيح. وهنا يأتي السؤال، ما الذي يميز تجربة المشاهدة في الأفلام التي تتلاعب بالزمن عن الأفلام التقليدية؟
في الحقيقة، إن الأفلام التي تتلاعب بالزمن، تمنح المشاهد تجربة مختلفة تضيف أبعادًا فكرية وعاطفية، إذ تجعله يتجاوز دور المتلقي "السلبي" ليصبح مشاركًا فعّالًا في أحداث القصة. مما يجعل تجربة المشاهدة أشبه برحلة عقلية تتطلب تركيزًا وتأملًا لإعادة بناء تلك الأحداث، وربط التفاصيل للوصول إلى الصورة الكاملة. على عكس الأفلام التقليدية التي تروي حكاية بخط زمني واضح، تكسر هذه الأفلام القواعد المعتادة، فتفتح أبواب التأويل وتجعل من الزمن عنصرًا متغيرًا يوجه مسار القصة بطرق غير متوقعة. إن التجربة التي يحظى بها المشاهد تتجاوز المتعة البصرية ؛ إذ يحفزه هذا الأسلوب السينمائي على التأمل في طبيعة الزمن وارتباطه بالذاكرة والواقع، مما يضفي على تلك الرحلة البصرية، طابعًا معقدًا وجاذبًا.
هذه الأفلام تترك بصمة طويلة الأمد، إذ تستمر آثارها في ذهن المشاهد حتى بعد انتهاء الفيلم.
هذه النوعية من الأفلام تكشف عن بُعد جديد في السرد السينمائي، حيث يتحول الزمن إلى عنصر محوري يقلب حدود الواقع ويعيد تشكيل القصة. هنا، يصبح السرد وسيلة لاختبار حدود الخيال، ويقدم لنا تجربة تتجاوز مجرد المشاهدة. فتترك هذه الأفلام أثرًا ممتدًا حتى بعد انتهاء القصة، لتبقى تفاصيلها حية في أذهاننا، تمامًا كما تدور حول محورها الزمني المتشابك.