الوطن:
2024-07-07@07:40:39 GMT

الدكتور أيمن الحجار يكتب: قصة حديث

تاريخ النشر: 14th, March 2024 GMT

الدكتور أيمن الحجار يكتب: قصة حديث

 لا شك أن أحاديث المصطفى، صلى الله عليه وسلم، مصدر هدى وضياء لكل مؤمن، فهى التطبيق العملى لهدى القرآن الكريم، وهى النموذج الأمثل لحياة النبى مع أصحابه وأهل بيته، وتعكس تعامله الجميل كذلك مع غيرهم.

فهذه الأحاديث التى جاءت ونُقلت لنا عن المصطفى صلى الله عليه وسلم لها دورها الكبير فى خَلْق إيمان صحيح، وتهذيب لسلوك الإنسان وأخلاقه، وقد وقعت هذه الأحاديث النبوية القولية أو الفعلية فى مواقف متعددة، منها ما كان بسبب، كأن تكون القصة كانت بسبب جواب لسؤال سائل، ومنها ما كان توجيهاً لسلوك، أو تصحيحاً لخطأ صدر من بعض الناس، ولكن ربما يصلنا الحديث القولى أو الفعلى، وتغيب عنا ملابسات الحديث وأسباب وروده عن النبى صلى الله عليه وسلم، فأردت من خلال هذا البرنامج أن يتعرَّف المشاهد على تلك الأسباب وتلك الملابسات كأنه يعيش القصة ويحضرها، فيستطيع أن يفهم الحديث النبوى فى ضوء أسباب وروده عن النبى صلى الله عليه وسلم، وذلك للاستفادة منه فى المواقف المشبهة لتلك القصة، ومن النماذج التى قُدمت فى هذا البرنامج، قول النبى صلى الله عليه وسلم: «إنما بُعثتم ميسِّرين، ولم تُبعثوا معسِّرين، إنما بُعثتم مُبشِّرين، ولم تُبعثوا مُنفِّرين» رواه البخارى.

وقصة هذا الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم كان جالساً فى المسجد فدخل أعرابى، فبال فى المسجد، فهمَّ الصحابة ليمنعوه من إكمال فعله هذا حتى لا يُنجِّس المسجد، وصاحوا به، فلما رأى النبى صلى الله عليه وسلم هذا الموقف، قال لهم: دعوه، وأهريقوا على بوله سَجْلاً من ماء، أى صُبُّوا على مكان بوله دلواً ممتلئاً بالماء، ثم توجه النبى عليه الصلاة والسلام لأصحابه بهذا الخطاب، قائلاً لهم: «إنما بُعثتم ميسِّرين، ولم تُبعثوا معسِّرين، إنما بُعثتم مُبشِّرين، ولم تُبعثوا مُنفِّرين».

والمتأمل فى هذا الموقف يتبين له كيف كان النبى عليه الصلاة والسلام يعالج الأخطاء، فالنبى عليه الصلاة والسلام لم يُغرق فى الحَدَث وتفاصيله التى ربما تُبعد عن حل للمشكلة، ولكن بدأ بإجراء عملى وهو أنه أولاً نظر إلى ما يمكن أن يترتب على قطع هذا الأعرابى لبوله من آثار طبية بدنية من حبسه للماء فى جسده، لا سيما بعد أن قام بالفعل وصار واقعاً لا يمكن درؤه، كما راعى النبى عليه الصلاة والسلام ثقافة وعقل هذا الأعرابى الذى جاء من البادية، والتى ربما خالفت طبيعتهم فى التعامل أهلَ الحضر، لا سيما أن هذا الأعرابى قبل أن يقوم بهذا الفعل قد أحدث تصرفاً قبله جعل النبى صلى الله عليه وسلم يفهم طبيعة تفكيره، وقدرته العقلية فى التعامل مع الأحداث والأشخاص، حيث دخل الأعرابى قبل ذلك فصلى ركعتين، ودعا الله بصوت مسموع، اللهم ارحمنى ومحمداً، ولا ترحم أحداً غيرنا، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم بعد أن انتهى الأعرابى من صلاته: «يا هذا لقد حجَّرت واسعاً».

ثم بعدها بقليل قام الأعرابى فبال فى المسجد، غير مراعٍ لآداب المسجد وحرمته عن جهل منه، فكان توجيه النبى صلى الله عليه وسلم لهذا الأعرابى يتناسب مع ما فهمه النبى من طبيعته الخاصة مستصحباً تلك الأمور فى هذا التوجيه، داعياً الصحابة وموجهاً لهم الالتزام باللين والتيسير، وعدم التعانف والتنفير، وقد صدق رب العالمين حينما وصف نبيه بقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } [الأنبياء: 107]، والله تعالى أعلم.

*الباحث بالأمانة العامة لهيئة كبار العلماء

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الأحاديث النبوية الشريفة الهدى الرحمة هيئة كبار العلماء

إقرأ أيضاً:

دروس على أعتاب السنة الهجرية الجديدة

وأنت على أعتاب السنة الهجرية الجديدة تَعبر في مخيلتك حادثة الهجرة الشريفة والمشاهد التي رسمها بالكلمات كُتَّاب السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، فيلُوح لك سُراقة ابن مالك وهو مقبل من بعيد على فرسه وعند اقترابه من الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر الصديق تغوص قدما فرسه في الأرض، كما تتراءى لك خيمة أم معبد، وتستمع إليها وهي تُحدّث زوجها عن صفة الرجل المبارك الذي زارهم في وصف بديع، وتستذكر دخول الرسول العظيم هو وصاحبه إلى غار ثور، وحزن أبي بكر وخوفه على الرسول صلى الله عليه وسلم من أن ينظر أحد المشركين إلى الأسفل فيراهم.

كل هذه المشاهد وغيرها من أحداث الهجرة النبوية تستحضرها الأمة الإسلامية وهي تمر بظروف استثنائية من تسارع الأحداث وحدتها خاصة في الحرب الدائر بين المجاهدين في غزة وفلسطين وبين العدو الصهيوني، والصّراعات والتحزّبات الدولية، فما أحوجنا في هذه الفترة من استخلاص الدروس والعبر والمواقف وطرق التفكير من تلك الرحلة التي نقلت الإسلام من الضعف إلى القوة، وشكلت النواة الحقيقية للدولة الإسلامية، وأصبح العالم الإسلامي يوثق أحداثه وتاريخه ابتداء من تلك الحادثة وهي حادثة الهجرة النبوية من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة. ومع كل سنة جديدة تعلوا المسلم الهمّة لإحداث التغيير في نفسه وفي مجتمعه وفي أمته وفي العالم من حوله، فهي فرصة تمثّل انطلاقة للتغيير.

اختيار الصاحب

في تلك الرحلة اختار الله لنبيه أن يكون رفيقه في تلك الرحلة أبو بكر الصديق، نسّابة العرب، وأعرف أهل قريش بأنسابها، الذي صدق الرسول صلى الله عليه وسلم عندما كذّبه أهل قريش في الحادثة المشهورة للإسراء والمعراج، فنال بعد تلك الحادثة لقب الصدّيق، وقد قام بمهمة الصحبة خير قيام، فكان أحرص على النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من حرصه على نفسه، وقد نال شرف لقب صاحب رسول الله من قبل الله عز وجل في كتابه الكريم في قوله تعالى في سورة التوبة «لَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِىَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَٰحِبِهِۦ لَا تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُۥ بِجُنُودٍۢ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِىَ ٱلْعُلْيَا ۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»، وكذلك من قبل نبيه الكريم عندما قال للصحابة: «فهل أنتم تاركو لي صاحبي»، فعلى المسلم أن ينتقي أصحابه وخاصة في السفر، فلك أن تتخيل الشرف والمنزلة التي نالها الصديق بصحبته للرسول صلى الله عليه وسلم، فقد فداه بماله وأولاده ونفسه، فقد فداه بماله عندما اشترى ناقتين من أجود النوق، وأخذ يعلفهما ويغذيهما أشهر قبل الرحلة، وقد فداه بأولاده الذين كانوا ينقلون له الأخبار ويحضرون له الطعام أثناء الرحلة، ولم يعبأ أن تأتي قريش وتقتل أولاده أو أن يتم تعذيبه لو تم اكتشاف دورهم في نقل الأخبار وإحضار الطعام، وقد فداه بنفسه عندما دخل الرسول صلى الله عليه وسلم غار ثور، فأخذ أبو بكر يغلق الفتحات الصغيرة في الغار خوفا على الرسول صلى الله عليه وسلم من الحيات والعقارب، وقد سدّ أحد الفتحات بيديه ورجليه، ولسعته عقرب في قدمه ولم يوقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما أحس بحرارة دمع أبي بكر التي نزلت من شدة ألم سم العقرب، فرقاه عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وبرأ من السم.

الفأل الحسن

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل الحسن، وهذا طبع أصيل في الصفات المحمدية، وقد أخبر عنه أصحابه في الحديث الشريف الذي يقول فيه: «لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر، ويعجبني الفأل قيل: يا رسول الله! وما الفأل؟ قال: الكلمة الطيبة»، وكان هذا طبع وديدن الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الرحلة الصعبة، فعلى الرغم من مشقتها وصعوبتها وما يكتنفها من حالات الخوف والقلق وحالات المطاردة التي كانت تساور أبا بكر الصديق حرصا منه وخوفا على الرسول صلى الله عليه وسلم، وتجلى هذا الخوف عندما قال للرسول صلى الله عليه وسلم داخل غار ثور، وكان المشركون فوق الغار: «لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا» ولكنّ الرسول الكريم كطبعه في الفأل وفي صِدق وعد الله له، ورعايته وعنايته به قاله: «يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما».

وتكرر هذا الفأل الحسن في هذه الرحلة، بل وتجاوزه إلى وعد صادق يتحقق في المستقبل، فعندما أقبل سُراقة بن مالك -وكان ممن يشتهر باقتفاء الأثر- أخذ يتتبّع أَثر الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه بعد أن نما إليه أنهم قد سلكوا ناحية معينة، وكان يطمع في 100 من الإبل قد وعدت بها قريش أي أحد يأتي بالرسول صلى الله عليه وسلم حيا أو ميتا، فعندما أقبل عليهم ورآه الرسول صلى الله عليه وسلم دعا ربه، فساخت قدما فرسه في التراب، وسقط منها، فطلب الآمان فأمّنه الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك أقبل عليهم مرة أخرى فساخت قدما فرسه مرّة أخرى في التراب، فأيقن أن الله مانعه من الوصول إلى الرسول الكريم وصاحبه، فطلب الآمان وأدرك يقينا أن هذا نبي كريم، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم كشف الله له حادثة مستقبلية، وأدرك أن سراقة بن مالك سوف يدخل الإسلام، قال له: «كيف بك يا سراقة إذا لبست سواري كسرى». فلك أن تتصور حال الرسول صلى الله عليه وسلم يُطارد من قبل أهل مكة، وهنالك جائزة على من يُحضره وهو يمشي في تعب وشدة وجوع، ولكنّه ينظر إلى الغيب الذي كشفه الله له، ويوَعد به أن هذا الدين الذي لم تبدأ دولته بعد سوف يصل الآفاق ويسيطر على دولتي الفرس والروم، اللتين كانتا أعظم قوتين في العالم في ذلك الوقت، ولكن مع ذلك يوَعد هذا الأعرابي بكنوز وسواري كسرى ابن هرمز، فهذا هو الفأل الحسن.

وقد تكرر هذا الفأل الحسن والنبوءة الصادقة في غزوة الخندق عندما اعترضت صخرة عظيمة الصحابة الذين كانوا يحفرون الخندق، فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل بنفسه إلى الخندق، فضربها ثلاثا، وفي كل ضربة كانت تترأى له قصور الروم والفرس واليمن، فهذه النبوءات تتكرر عندما يشتد الأمر ويضيق، لكن تكون حادثة فأل تعين الصحابة على الصبر والتحمل.

التخطيط والتجهيز

وقد سبق هذه الرحلة مجموعة من التدابير التي اعتنى بها أبو بكر الصديق، قام هو وعائلته ومساعدوه بمجموعة من الإجراءات التي كفلت لهذه الرحلة تمامها بعد توفيق الله عز وجل لهم، فقد قام بشراء ناقتين قويتين، ولم يركبا الراحلتين وإنما أعطاها الرسول صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن أريقط كي يحضرهما عند غار ثور.

كما أن أبو بكر الصديق أخذ كل ماله في هذه الهجرة وكان معه 5 آلف درهم، كما أن أبا بكر الصديق قام بتقسيم المهام فطلب من ابنه عبدالله أن يأتيهما بالأخبار في غار ثور، كما طلب من مولاه عامر بن فهيرة أن يرعى الأغنام كي يمحو أثر مسيرهما، وأوكل إلى ابنته أسماء أن تأتيهما بالطعام في فترة المساء، فكل هذه التدابير كانت معدة مسبقا ومتفق عليها.

فعلى من يريد أن يخرج رحلة أن يستعد لها جيدا من كل النواحي وأن يسبقها التفكير والتخطيط والتدبير؛ لكي تكون رحلة آمنة تحقق الغاية منها.

ومع دخول هذا العام الجديد أرجو أن يكون عام خير على الأمة الإسلامية وأن تنعم بالظفر وتحرير أراضيها من يد المعتدين الغاصبين.

مقالات مشابهة

  • وزير الأوقاف يشهد احتفال الوزارة بالهجرة النبوية المشرفة بمسجد السيدة زينب
  • الدروس المُسْتَفادة من الهجرة النبويّة
  • د. يوسف عامر يكتب: قصة مهاجرة
  • خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي
  • خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف
  • دعاء دخول المسجد كما ورد عن النبي.. «اللهم افتح لي أبواب رحمتك»
  • سنن الجمعة المهجورة.. أعمال مستحبة لها فضل عظيم
  • دروس على أعتاب السنة الهجرية الجديدة
  • فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
  • الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم..آداب يوم الجمعة