تسليع الصحة وإجراءات التمويل الذاتي للرعاية الصحية في مصر
تاريخ النشر: 14th, March 2024 GMT
"الخير جاي" كانت تلك هي البشرى الإعلامية للشعب المصري؛ بعد صفقة رأس الحكمة مع دولة الامارات، وبعد موافقة صندوق النقد الدولي على القرض الجديد، ولكن يبدو أن الرياح قد أتت بما لا تشتهى السفن؛ حيث تم الإعلان عن تحرير سعر صرف العملة الوطنية، ثم صدر قرار الحكومة ببدء تطبيق تعليمات صندوق النقد الدولي وتنفيذ التقشف في الانفاق الحكومي مع مراعاة الأولويات، وصحبها تصريحات وردية من رئيس الوزراء حول تنفيذ التوجيهات الرئاسية في الاهتمام بالصحة والتعليم في المرحلة المقبلة.
إضافة أعباء جديدة على المرضى في الانفاق الصحي شملت جميع المصريين
أولا ـ وزير الصحة يصدر القرار رقم 93 لسنة 2024 بالمشاركة مع وزارة التنمية المحلية، والذي يضم حزمة من الإجراءات شملت: زيادة أسعار جميع الخدمات التي تقدمها للمرضى الفقراء وعامة الناس من الطبقات العاملة والكادحة، ويبلغ عددهم أكثر من 40 مليون مواطن، والذين لا يحظون بمنظومة تأمين صحي من أي نوع، وتشمل تلك الإجراءات جميع المستشفيات العامة والمركزية والنوعية، والوحدات الصحية الحكومية، في جميع أنحاء مصر، حيث تراوحت الزيادات الجديدة ما بين 100% و400% دفعة واحدة بحسب نوع الخدمة الطبية المقدمة، والتي شملت أيضا تقليص نسبة أسِرَّة العلاج المجاني بالمستشفيات من 60% لتصبح 25% فقط من إجمالي عدد الأسرة بكل مستشفى، إضافة إلى مضاعفة تذكرة الكشف والعلاج بالعيادات الخارجية لعشرة أضعاف القيمة السابقة مع التشديد على صرف صنف دواء فقط بالمجان من قائمة العلاج وترك المريض حائرا لتوفير بقية الأصناف الهامة للعلاج في حين يوجد نقص حاد في كثير من أصناف الدواء إضافة الى الارتفاع المستمر في الأسعار .
إضافة إلى أن اللائحة الجديدة منحت مجلس إدارة المستشفى صلاحيات التعاقد مع جهات أخرى لتقديم الخدمات، وحق التعاقد على خدمات الأمن والصيانة والأثاث والإدارة بشكل عام، وهو قرار يزيد من توغل القطاع الخاص في هذه المستشفيات، ولتخلي وزارة الصحة عن مسؤوليتها نحو تقديم الرعاية الصحية بوفرة وبتكلفة تناسب 32% من المصريين تحت خط الفقر حسب التقارير الرسمية.
وصرحت وزارة الصحة أن تلك القرارات تهدف إلى زيادة الموارد المالية الذاتية للمنشآت الصحية، بزعم توفير مستلزمات تشغيل المستشفيات، وتقديم الخدمة الطبية المتميزة لجميع المواطنين، مع الإشارة إلى أن 59 % من المواطنين لن يتأثروا بتلك الزيادات حيث تشملهم مظلة التأمين الصحي.
ثانيا ـ أصدر مجلس إدارة الهيئة العامة للتأمين الصحي القرار رقم 200 لسنة 2024، بفرض رسوما وأسعارا مستجدة على 24 خدمة طبية كانت تقدم مجانا، من خلال 377 عيادة على مستوى الجمهورية، منها على سبيل المثال فرض رسوم للكشف تشمل الأطفال دون السن المدرسي والطلبة وباقي الفئات شملت عيادات الممارس والاستشاري بنسب متفاوتة إضافة إلى التقارير الطبية وغيرها من الخدمات، وهذا يعنى عدم واقعية تصريحات وزير الصحة نحو وجود بديل متاح يخفف عن المواطنين عبء المعاناة من قرارات زيادة أسعار الخدمات الصحية الجديدة.
ثالثا ـ اعتماد التأمين الصحي الشامل الجديد على التمويل الذاتي:
اللائحة الجديدة منحت مجلس إدارة المستشفى صلاحيات التعاقد مع جهات أخرى لتقديم الخدمات، وحق التعاقد على خدمات الأمن والصيانة والأثاث والإدارة بشكل عام، وهو قرار يزيد من توغل القطاع الخاص في هذه المستشفيات، ولتخلي وزارة الصحة عن مسؤوليتها نحو تقديم الرعاية الصحية بوفرة وبتكلفة تناسب 32% من المصريين تحت خط الفقر حسب التقارير الرسمية.وتلك هي ثالثة الأثافي؛ حيث أشار رئيس هيئة الرعاية الصحية إلى أن حجم الإنفاق على الخدمات الطبية لمنتفعي منظومة التأمين الصحي الشامل خلال النصف الأول من العام المالي 2024/2023 شمل تقديم خدمات طبية بتمويل ذاتي ما يقرب من المليار جنيه للمنتفعين، وتحقيق إيرادات وموارد ذاتية أكثر من 2,9 مليار جنيه بزيادة نسبة 63% عن النصف الأول من العام المالي السابق؛ وأشاد مجلس إدارة الهيئة، باستقرار الأداء المالي ونمو عوائد الهيئة من السياحة العلاجية والمصادر الأخرى للنقد الأجنبي.
وهذا في حين أن تطبيق المنظومة مازال متعثرا في مرحلته الأولى وبنسبة تغطية 5% فقط من إجمالي سكان مصر بالرغم من مرور ست سنوات على إصدار قانون التأمين الصحي في يناير 2018.
تسليع الصحة والاعتماد على التمويل الذاتي نتيجة حتمية لتدني الانفاق الحكومي على الرعاية الصحية
تراجع عدد المستشفيات التابعة للقطاع الحكومي من 691 مستشفى عام 2019 لتصبح 662 مستشفى فقط عام 2022 حسب بيان الجهاز المركزي للإحصاء ، ، في حين يستفيد من عيادتها الخارجية نحو 9 ملايين مواطن سنويا ، والمشكلة هي في معاناة المستشفيات الحكومية من نقص الموارد المالية بسبب تدنى نسبة الانفاق الحكومي على الصحة في مصر أدى إلى اتساع الفجوة بين الإتاحة والاحتياج؛ وأبرز مفهوماً جديداً كارثيا هو مفهوم "تسليع الصحة" بمعنى تحويلها إلى سلعة تخضع لقواعد العرض والطلب، وتخرج الأمر كله من خانة التنافسية في جودة الخدمة إلى خانة الحصول على أكبر ربح ممكن من كل مريض.، وهو أمر خطير جدا، ويؤدى إلى تشوهات بالغة الخطورة في البنية الصحية المجتمعية؛ وتنفيذ إجراءات سحب أكبر قدر من الأموال من مدخرات المواطنين ومن قوت يومهم تحت مسمى خادع وهو "التمويل الذاتي " لخدمات الرعاية الصحية.
ومع إقرار الموازنة المالية للصحة للعام المالي الحالي 23/2024؛ زعمت الحكومة بأنه تم ضخ أموال في موازنة قطاعات الصحة تفوق الاستحقاقات الدستورية، وكانت المغالطة صريحة والتدليس واضحا في التوصيف وفى الأرقام وفى المعدلات، حيث تبين أن وزير المالية يقصد إجمالي مخصصات القطاعات الصحية وتشمل وزارة الصحة، ومستشفيات الجيش والشرطة والهيئات العامة، وهيئة المياه والصرف الصحي بالإضافة الى نسبة ما يخص قطاع الصحة من خدمات الدين العام والقروض، ومن ناحية الأرقام فقد كلن يقصد ماورد في )مادة 18 ( من دستور 2014 بتوفير نسبة 3% من إجمالي الناتج المحلى لموازنة الصحة، ولكنه أهمل عن قصد واضح أن يستكمل ما تنص عليه (مادة18) من ضرورة" زيادة تلك النسبة سنويا لتصل إلى النسبة العالمية"؛ وهي 9.1% في المتوسط بحسب توصيات منظمة الصحة العالمية ، خاصة وأنه قد مضت عشر سنوات على هذا الدستور المشار إليه حتى الآن .
وبدأت المخصصات الحقيقية لوزارة الصحة تتضح من خلال تصريحات رسمية أخرى وتبين أنها في حدود 148 مليار جنيه فقط وبنسبة أقل من 1.4 % من إجمالي الناتج المحلى، أي أن النسبة الحقيقية لموازنة وزارة الصحة تعتبر أقل من نصف المستحقات الدستورية لعام 2014، ومتدنية جدا مقارنة بالنسبة العالمية وهي 9.1 %، وهذا يعنى المخالفة الصريحة لمواد الدستور وبالتالي عدم القدرة على تقديم خدمات الرعاية الصحية الحكومية بجودة مناسبة، وزيادة الاعتماد على شراء خدمات القطاع الخاص الطبي لتلبية الاحتياجات الصحية للمواطنين.
الرعاية الصحة أصبحت خارج أولويات الدولة وتسبب ذلك في إضافة أعباء جديدة على المواطنين
تلك القرارات الصعبة جاءت في التوقيت الخاطئ وسوف تضيف المزيد من الأعباء على غير القادرين الذين يتلقون العلاج في المنشآت الصحيّة العامة، في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها البلاد، وسوف يضطر أصحاب الدخول المنخفضة لشراء الخدمات الصحية بتكلفة السوق، وبيع الخدمات للمواطنين بالقطعة، ورفع الأسعار والتربح وتوزيع العوائد بدعوى توفير الاحتياجات للمستشفيات من خلال التمويل الذاتي من قوت المواطنين، وهذا يعني أنه لا توجد سياسة صحية ولا أهداف عامة ولا منظومة تحكم هذه الأهداف، مما يؤثر سلبا على أمن وصحة وسلامة شعب مصر .
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المصري الصحة دواء مصر صحة ميزانية دواء رأي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد سياسة سياسة مقالات اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الرعایة الصحیة التأمین الصحی وزارة الصحة مجلس إدارة من إجمالی
إقرأ أيضاً:
وزير الصحة: تصنيع أجهزة السونار في مصر يُمثل خطوة نحو تعزيز الاكتفاء الذاتي
التقى الدكتور خالد عبدالغفار نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة والسكان، الدكتور إيلي شاليوت الرئيس والمدير التنفيذي لشركة جنرال إلكتريك هيلث كير GE Health care"،والوفد المرافق له، وذلك لتعزيز أطر التعاون المشترك في دعم وتطوير القطاع الصحي.
جاء اللقاء على هامش فعاليات مؤتمر الصحة العربي Arab Health Expo، الذي يُعقد خلال فترة من 27 إلى 29 يناير، بدولة الإمارات العربية المتحدة، والذي يُعد منصة مثالية لتقديم أحدث التقنيات الطبية، ومناقشة التطورات المستقبلية، وبناء شراكات استراتيجية تعزز من جودة الرعاية الصحية عالميًا.
وزير الصحة يلتقي نظيره القطري لبحث سبل تعزيز التعاون وتبادل الخبراتتوجيه عاجل من وزير الصحة بشأن صرف مستحقات الطبيب الراحل أحمد ماهروزير الصحة يشهد افتتاح معرض الصحة العربي Arab Health Expoوزير الصحة يوجه بسرعة رفع كفاءة قسم الطوارئ بمستشفى غرب النوبارية المركزيوفي مستهل الاجتماع، رحب الوزير بوفد الشركة، مؤكدًا أهمية ترابط العلاقات بين القطاعين العام والخاص، لأثره البالغ في تحسين جودة الرعاية الصحية، وتعزيز الخدمات الطبية المقدمة، مما يضمن وصول الخدمات إلى أكبر عدد من الأشخاص، حرصًا على تحقيق الرفاه الصحي للمواطنين.
وأوضح الدكتور حسام عبدالغفار، المتحدث الرسمي لوزارة الصحة، أن نائب رئيس مجلس الوزراء، أعرب عن تقديره ودعمه لاعتزام الشركة تصنيع أجهزة «السونار» في مصر، وذلك في إطار جهود الدولة المصرية، لتوطين صناعة الأجهزة الطبية، لتلبية احتياجات السوق المصري، ومن ثم التوسع والتصدير إلى دول العالم، مشيرًا إلى أن هذا التعاون يعد خطوة جوهرية في تحقيق رؤية الوزارة لتوفير رعاية صحية شاملة للمواطنين.
ونوه إلى أن الاجتماع تناول مناقشة توطين صناعة الأصباغ الإشعاعية بأنواعها المختلفة في مصر، باعتبارها خطوة استراتيجية هامة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي، وتعزيز القدرة التصنيعية المحلية في قطاع الصناعات الدوائية والطبية، وتقليل تكاليف الرعاية الصحية، حيث تعد الأصباغ الإشعاعية من المواد الأساسية المستخدمة في التصوير الطبي، والاختبارات الإشعاعية مثل الأشعة بالرنين المغناطيسي (MRI) والأشعة السينية.
وقال «عبدالغفار» إن الاجتماع تضمن مناقشة ابتكارات الشركة، وكيفية الاستفادة منها في دعم المبادرات الصحية الوطنية، مثل الكشف المبكر عن الأورام السرطانية، ورعاية أمراض القلب، وتحسين خدمات الأشعة، بالإضافة لاستعراض سبل تعزيز البنية التحتية للتشخيص والتصوير الطبي، لتحسين جودة الرعاية الصحية وتقديم تشخيصات دقيقة وسريعة.
وتابع «عبدالغفار» أن الاجتماع بحث إجراءات الأمان عند استخدام صبغات التصوير، بما في ذلك بروتوكولات التعامل مع الحساسية والأعراض الجانبية، إلى جانب اقتراح مبادرات وطنية، للفحص باستخدام التصوير المحسّن بصبغات التصوير، للكشف عن السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية، واضطرابات الجهاز العصبي، فضلًا عن قيام الشركة بتوريد مليون قارورة صبغة تصوير للوزارة، بتكلفة إجمالية 10 ملايين دولار.
وأضاف «عبدالغفار» أن الاجتماع تناول سبل التعاون الثنائي، في البحث والتطوير، في مجال الأشعة، باعتبارها خطوة أساسية لتعزيز فعالية الخدمات الطبية، وتحقيق تقدم ملموس في تشخيص الأمراض وعلاجها، بالإضافة لمناقشة كيفية دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI) في تحليل نتائج التصوير المحسّن بصبغات التصوير.
وأوضح المتحدث الرسمي لوزارة الصحة والسكان، أن اللقاء تناول استعراض مستجدات مشروع تصنيع أجهزة «السونار» في مصر، فضلاً عن مناقشة آليات توفير أحدث تقنيات التشخيص والتصوير الطبي، بما في ذلك أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي، والأشعة المقطعية، والأشعة السينية، والموجات فوق الصوتية، بما يضمن تحسين القدرات التشخيصية بالقطاع الصحي، ويعزز جودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين.
وأشار «عبدالغفار» إلى أن الجانبين ناقشا خلال الاجتماع توفير برامج تدريبية للعاملين بالرعاية الصحية، لضمان الاستخدام الأمثل للأجهزة الطبية المقدمة من شركة جنرال إلكتريك، بما يسهم في رفع كفاءة وصقل مهارات الكوادر البشرية الطبية، وتأهيلهم للتعامل مع أحدث التقنيات، كما تضمن اللقاء بحث تعزيز فرص التعاون في مجالات التحول الرقمي بالقطاع الصحي، وتعزيز خدمات التطبيب والتشخيص «عن بُعد» وذلك في إطار الجهود المستمرة للتحول الرقمي وتطوير الخدمات الصحية.
وتابع «عبدالغفار» أن الاجتماع تضمن مناقشة إطلاق وحدات صحية متنقلة مزودة بتقنيات متقدمة من إنتاج شركة جنرال إلكتريك، بهدف تقديم خدمات الفحص الطبي الشامل للكشف عن أمراض السرطان، والسكري، وأمراض القلب والأوعية الدموية، وذلك في إطار تعزيز الخدمات الصحية المجتمعية، كما تطرق اللقاء إلى بحث سبل تعزيز نظم الرعاية الصحية ودعم البنية التحتية الصحية بالقطاع الطبي.
حضر الاجتماع السيد ستاماتيوس كارامبيلس، المدير العام، الأسواق غير المباشرة، أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا، والسيد فارس شاهين، المدير العام، الشرق الأوسط وإفريقيا وتركيا، والسيد هشام مرتضى، مدير المبيعات والعمليات، شمال شرق إفريقيا.
يذكر أن شركة جنرال إلكتريك للرعاية الصحية (GE Health Care)، هي شركة متخصصة في مجال التكنولوجيا الطبية، يتم توزيع منتجاتها في أكثر من 140 دولة، وتقدم مجموعة منتجات شاملة، تتناسب مع تقنيات التصوير المختلفة، بما في ذلك، التصوير المقطعي المحوسب (CT)، التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI)، والأشعة السينية و(Fluoroscopy)