فرص مبادرة "الحزام والطريق" في المنطقة العربية
تاريخ النشر: 14th, March 2024 GMT
د. محمد زريق **
تهدف مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها الصين في عام 2013، إلى ربط آسيا وأوروبا وأفريقيا من خلال شبكة من الطرق البرية والبحرية، وبالتالي تعزيز التجارة العالمية وتعزيز النمو الاقتصادي. وتلعب المنطقة العربية، التي تقع في موقع استراتيجي على مفترق الطرق بين هذه القارات، دورا حاسما في هذا المشروع الضخم.
نظرة عامة على مبادرة الحزام والطريق في المنطقة العربية
تعود جذور مبادرة الحزام والطريق في المنطقة العربية إلى استراتيجية التعاون “1+2+3” التي اقترحتها الصين في عام 2014، والتي تركز على الطاقة وتطوير البنية التحتية وتسهيل التجارة. الهدف الأساسي هو إنشاء منطقة اقتصادية متماسكة من خلال تعزيز الاتصال وإقامة علاقات أوثق، وبالتالي تحقيق المنفعة المتبادلة لكل من الصين والدول العربية. ولتحقيق هذه الأهداف، تم توجيه استثمارات كبيرة نحو المشاريع الرئيسية. على سبيل المثال، اجتذبت المنطقة الاقتصادية لقناة السويس في مصر مليارات الدولارات، بهدف تحويل المنطقة إلى مركز صناعي ولوجستي عالمي.
وبالمثل.. كانت دولة الإمارات العربية المتحدة نقطة محورية، خاصة فيما يتعلق بالاستثمارات في ميناء خليفة والمنطقة الحرة في جبل علي. علاوة على ذلك، تعد المملكة العربية السعودية مشاركًا رئيسيًا آخر في مشاريع مثل مدينة جيزان الاقتصادية، التي تهدف إلى تنويع اقتصاد المملكة. وتشمل الدول المشاركة الأخرى عُمان والكويت والأردن، ولكل منها مشاريع محددة تتراوح بين تطوير الموانئ ومحطات الطاقة المتجددة. وترمز هذه المشاريع مجتمعة إلى شراكة استراتيجية تساهم في تطوير البنية التحتية والتنويع الاقتصادي وخلق فرص العمل في المنطقة العربية.
مصر: المنطقة الاقتصادية لقناة السويس
تعد المنطقة الاقتصادية لقناة السويس (SCZone) واحدة من أهم المشاريع ضمن تعاون مصر مع مبادرة الحزام والطريق. تهدف المنطقة الاقتصادية لقناة السويس إلى التطور لتصبح مركزًا لوجستيًا عالميًا ومركزًا للمعالجة الصناعية على مستوى عالمي. حصل المشروع على التزام استثماري بحوالي 40 مليار دولار من شركة TEDA الصينية وحدها. وتهدف المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، التي تضم 4 مناطق صناعية و6 موانئ، إلى زيادة إيرادات مصر السنوية من قناة السويس من 5.3 مليار دولار في عام 2014 إلى 13.2 مليار دولار بحلول عام 2023.
وتوظِّف المنطقة أكثر من 30 ألف شخص وتهدف إلى خلق مليون فرصة عمل على المدى الطويل. ولا تشير هذه الأرقام إلى التنمية الاقتصادية فحسب؛ بل تشير أيضًا إلى التقدم الاجتماعي، من خلال توفير فرص العمل لبلد يبلغ معدل البطالة فيه 7.3% اعتبارًا من عام 2021 (بيانات البنك الدولي).
المملكة العربية السعودية: مدينة جيزان الاقتصادية
وتعد مدينة جيزان الاقتصادية في المملكة العربية السعودية مشروعًا رئيسيًا آخر في إطار مبادرة الحزام والطريق. تتمتع مدينة جدة الاقتصادية بموقع استراتيجي بالقرب من البحر الأحمر، وهي جزء من خطة رؤية المملكة العربية السعودية 2030 لتنويع اقتصادها. وباستثمارات متوقعة تبلغ 27 مليار دولار، تم تصميم المدينة الاقتصادية لتشمل منطقة صناعية وميناء ومناطق سكنية. وتعد المصفاة التي تبلغ طاقتها 400 ألف برميل يوميا، والتي تديرها شركة أرامكو السعودية، حجر الزاوية في المشروع.
ووفقًا لوزارة الاستثمار السعودية، من المتوقع أن يوفر المشروع 500 ألف فرصة عمل. يمكن أن تؤثر فرص العمل هذه بشكل كبير على بلد يعاني من معدل بطالة بين الشباب يبلغ 36.5% بين السعوديين الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و24 عامًا، اعتبارًا من عام 2019 (الهيئة العامة للإحصاء، المملكة العربية السعودية).
الإمارات العربية المتحدة: ميناء خليفة
وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة لاعبًا رئيسيًا في مبادرة الحزام والطريق من خلال مشاريع البنية التحتية الرئيسية مثل ميناء خليفة. ويعد ميناء خليفة، الذي يقع في العاصمة أبوظبي، أحد أسرع الموانئ نموًا في العالم باستثمارات تبلغ حوالي 7.2 مليار دولار. وتهدف إلى زيادة قدرتها على المناولة من 2.5 مليون حاوية نمطية (وحدات مكافئة لعشرين قدمًا) إلى 8.5 مليون حاوية نمطية بحلول عام 2030.
يستضيف الميناء محطة الحاويات لموانئ الشحن COSCO، باستثمارات إجمالية قدرها 300 مليون دولار. ويعزز هذا الاستثمار ربط الميناء بدول مبادرة الحزام والطريق الأخرى، وقد أدى بالفعل إلى زيادة حجم التجارة بين الإمارات العربية المتحدة والصين بنسبة 14.7% على أساس سنوي في عام 2020، ليصل إلى 49 مليار دولار (المركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء في الإمارات العربية المتحدة).
وتمثل دراسات الحالة هذه علاقة تكافلية بين المنطقة العربية ومبادرة الحزام والطريق الصينية. وتهدف المشاريع واسعة النطاق، المدعومة باستثمارات كبيرة، إلى تعزيز التنمية الاقتصادية، وخلق فرص العمل، والتقدم الاجتماعي في الدول العربية المشاركة. وتؤكد البيانات التجريبية، التي تشير إلى قيم الاستثمار والنتائج المتوقعة من حيث فرص العمل وحجم التجارة، الإمكانات التحويلية للمبادرة في المنطقة العربية.
بعض االتحديات التي يمكن أن تواجه مبادرة الحزام والطريق:
عدم الاستقرار السياسي في بعض الدول العربية
أحد التحديات الرئيسية التي تواجه مبادرة الحزام والطريق في المنطقة العربية هو عدم الاستقرار السياسي. في بلدان مثل ليبيا واليمن وسوريا، يمكن أن تؤدي الصراعات المستمرة وغياب الحوكمة إلى تعريض الاستثمارات ونتائج المشاريع طويلة الأجل للخطر. ولا يؤدي هذا التقلب إلى زيادة مخاطر هذه المشاريع فحسب، بل يثبط أيضًا الاستثمارات الجديدة المحتملة.
الاستدامة الاقتصادية
وهناك شاغل آخر يتمثل في الاستدامة الاقتصادية، وخاصة فيما يتعلق بمستويات ديون البلدان المشاركة. غالبًا ما تتطلب المشاريع في إطار مبادرة الحزام والطريق نفقات رأسمالية كبيرة، مما يستلزم الاقتراض. وتعاني دول مثل الأردن ولبنان من ارتفاع معدلات الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي؛ حيث تبلغ 97% و174% على التوالي اعتبارًا من عام 2021 (بيانات البنك الدولي). وهناك خطر يلوح في الأفق من احتمال وقوع البلدان في “فخ الديون”، مما يعرض سيادتها المالية واستقرارها الاقتصادي للخطر.
العوامل الاجتماعية والثقافية
ومن الممكن أن تشكل الاختلافات الاجتماعية والثقافية بين الصين والدول العربية تحديات أيضًا. ظهرت قضايا حقوق العمال والمخاوف البيئية في العديد من مشاريع مبادرة الحزام والطريق، مما أثار ردود فعل عامة عنيفة وأدى في بعض الأحيان إلى التأخير. علاوة على ذلك، كان نشر العمالة الصينية في هذه المشاريع- كما رأينا في حالة المنطقة الاقتصادية لقناة السويس- سببًا في إثارة السخط المحلي إزاء فرص العمل التي يحتكرها العمال الأجانب.
التوترات الجيوسياسية
وأخيرًا، تزيد التوترات الجيوسياسية في المنطقة من تعقيد عمليات مبادرة الحزام والطريق. إن المنطقة العربية عبارة عن نسيج معقد من المنافسات والتحالفات، سواء داخل الدول المُكوِّنة لها أو مع قوى خارجية مثل الولايات المتحدة وروسيا.
الآفاق المستقبلية والتوصيات
تقدم مبادرة الحزام والطريق فرصًا كبيرة لتعزيز التعاون بين الصين والمنطقة العربية. ولا تزال قطاعات مثل الطاقة المتجددة والبنية الأساسية الرقمية والرعاية الصحية غير مستغلة إلى حد كبير ويمكن أن تستفيد من استثمارات مبادرة الحزام والطريق. على سبيل المثال، توفر موارد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح الوفيرة في المنطقة العربية أوجه تآزرٍ محتملة مع الخبرة الصينية المتنامية في مجال تكنولوجيات الطاقة المتجددة. وتشكل البنية التحتية الرقمية سبيلًا واعدًا آخر، نظرًا لتزايد أعداد الشباب في العالم العربي وزيادة معدلات انتشار الإنترنت.
ومع ذلك، فإن تعظيم هذه الفرص يتطلب اتخاذ إجراءات سياسية مستهدفة. وتتمثل إحدى التوصيات في إنشاء إطار سياسي عربي صيني مشترك يهدف إلى تحديد القطاعات ذات الأولوية للاستثمارات المستقبلية، وبالتالي تبسيط الأهداف وتقليل التكرار. علاوة على ذلك، ومن أجل معالجة المخاوف المتعلقة بالاستدامة الاقتصادية، من الضروري اعتماد ممارسات إقراض شفافة والتأكد من أن المشاريع مجدية اقتصاديا على المدى الطويل. ويمكن أن يشمل ذلك إجراء دراسات جدوى مشتركة بين خبراء عرب وصينيين لتقييم مدى استدامة ديون المشاريع المقترحة.
وتتمثل إحدى التوصيات الرئيسية الأخرى في إنشاء منتديات متعددة الأطراف لا تشمل الحكومات الصينية والحكومات العربية فحسب؛ بل وأيضًا أصحاب المصلحة المحليين، بما في ذلك القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني. ويمكن لهذه المنتديات أن تكون بمثابة منصات للحوار، وتعزيز المزيد من التفاهم وحل القضايا الاجتماعية والثقافية والمتعلقة بالعمل. ومن خلال اعتماد هذه التدابير السياسية، من الممكن التخفيف من التحديات القائمة وفتح الإمكانات الهائلة لمبادرة الحزام والطريق في المنطقة العربية.
** أستاذ جامعي وباحث في الشؤون الصينية
************
ننشر المقال بالتعاون مع مركز الدراسات الآسيوية والصينية في بيروت- لبنان.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
حكومة الفنادق.. استمرار اللعب بالورقة الاقتصادية والانهيار المأساوي
تقرير: جميل القشم
في خطوة تظهر المزيد من العجز والهشاشة، أقدمت حكومة الفنادق على التهديد بنقل “السوفت” من صنعاء إلى عدن في الثاني من أبريل المقبل، كمناورة تهدف إلى إخفاء فشلها المتواصل في إدارة الشؤون الاقتصادية، وتغطية على المشاكل الحقيقية التي تواجهها المناطق المحتلة.
هذا الفشل يأتي فيما تعيش المناطق المحتلة وضعا اقتصاديا متدهورا، وسط تصاعد المظاهرات والاحتجاجات الشعبية التي تعكس حالة السخط العام تجاه الأوضاع المعيشية المتردية.
حيث لم يعد المواطنون في المناطق المحتلة قادرين على تحمل تداعيات الوضع الاقتصادي الكارثي الذي يفرضه الارتفاع الجنوني للدولار، والذي وصل إلى مستويات غير مسبوقة، إذ أصبح الحصول على أبسط الحقوق الأساسية كالماء والكهرباء، بعيد المنال.
ورغم الأزمة الاقتصادية الحادة في المحافظات المحتلة، فإن حكومة المرتزقة التي تروج لنفسها من فنادق الخارج، لا تزال تسعى لتبرير هذه الانتكاسات الاقتصادية وتحاول استثمار القرار الأمريكي للتغطية على فشلها وغياب أي حلول حقيقية للمشاكل الاقتصادية، حيث بدأت هذه الحكومة في استخدام هذا القرار كأداة لتحقيق أهداف سياسية انتقامية تضر بمصالح الشعب.
حكومة الفنادق لا تكتفي بذلك، بل تحاول الركوب على موجة الحظر الأمريكي، لأهداف سياسية ضيقة، بينما يزداد الفقر في مختلف المناطق، وتفضل استثمار الأزمات كالعادة لصالحها، على حساب معاناة الشعب وتدهور الوضع المعيشي.
هذه الخطوة تهدف إلى الضغط على البنوك والمصارف للانتقال إلى عدن، لكن ما تغفل عنه حكومة الفنادق هو أن هذا القرار لا يعدو كونه تهديدا فارغا ومبنيا على فشل ذريع في إدارة الملفات المالية، والاقتصادية، والشؤون الداخلية بشكل عام.
حكومة الفنادق، التي لا تكاد تتوقف عن ترويج الأكاذيب حول العقوبات الأمريكية وما سيحصل من تأثيرات على الاقتصاد، تحاول استخدام هذه الذرائع لتغطية عجزها في التعامل مع الأزمات المتتالية التي تعصف بالمواطنين في المناطق المحتلة.
عندما يتحدثون عن تأثير العقوبات الأمريكية على المشتقات النفطية، يغفلون عن حقيقة أن العقوبات ليست جديدة وأن اليمن قد تخطاها بنجاح طوال سنوات العدوان، كما أن هذه الحكومة لم تقدم أي حلول حقيقية للتخفيف من الأوضاع المعيشية الصعبة في المناطق التي تسيطر عليها، بل ظلوا يلهثون وراء شعارات فارغة في محاولة لتبرير فشلهم المستمر.
من جهة أخرى، ما يعتقده البعض من أن نقل “السوفت” سيكون له تأثير إيجابي على الوضع الاقتصادي في عدن هو محض أوهام، فحكومة المرتزقة التي تعاني من تدهور العملة وارتفاع الأسعار، لن تتمكن من تغيير واقعها بهذا القرار، الذي لن يزيد الوضع إلا تعقيدا.
المظاهرات الشعبية في المناطق المحتلة كانت بمثابة مؤشر قوي على حجم الفشل الذي تعيشه هذه الحكومة، وتأكيد على أن المواطنين قد فقدوا الثقة تماما في قدرتها على تقديم حلول حقيقية.
المعركة الاقتصادية في اليمن اليوم هي معركة إرادة، ومعركة تخطيط واستعداد لمواجهة التحديات، وهو ما أثبتته القيادة في صنعاء على مر السنوات، والتي اكتسبت خبرة واسعة في مواجهة الحصار والعقوبات، ولديها القدرة على التعامل مع أي تداعيات قد تنجم عن أي قرار اقتصادي، ولن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي محاولات للعب بالنار.
وفي الوقت الذي يسعى فيه المرتزقة إلى تصوير قرار نقل “السوفت” على أنه نصر اقتصادي سيقلب الموازين لصالحهم، فإن الواقع سيظل يثبت عكس ذلك، والفارق الكبير بين الواقع الاقتصادي في المناطق المحتلة وتلك التي تديرها صنعاء سيظل جليا أمام الجميع، كما أن محاولات حكومة الفنادق لتغطية فشلها الاقتصادي ستظل بلا جدوى.
ويؤكد خبراء اقتصاد أن محاولة نقل “السوفت” إلى عدن لن يكون إلا خطوة جديدة نحو الفشل، وأن صنعاء اليوم بما تملكه من القدرة على المواجهة والتخطيط، ستكون دائما في موقف أقوى من أي محاولة للضغط الاقتصادي على الشعب اليمني.
كما تشير تقارير، إلى أن الأزمة الاقتصادية التي يواجهها المواطن ليست مجرد تداعيات لحرب أو مؤامرة خارجية، بل هي نتيجة مباشرة للفساد المستشري في حكومة الفنادق التي تتحكم في الموارد في وقت تواجه موجة احتجاجات متواصلة تطالب بحياة كريمة وبسلطة حرة لتوفير الخدمات والحقوق بعيدا عن سيطرة الأجنبي وفساد المسؤولين.
إن الواقع الاقتصادي المرير الذي يعكسه تدهور الخدمات العامة في المناطق المحتلة يؤكد أن الأسباب الرئيسية وراء الأزمة هو الفشل الذريع لحكومة المرتزقة في إدارة الموارد وتحقيق التنمية الاقتصادية، إذ أن الاحتلال، الذي يفرض سيطرته على القرار الاقتصادي والسياسي في مناطقها، أصبح هو اللاعب الأساسي في تحديد السياسات الاقتصادية، دون أن تكون هناك إرادة حقيقية لتغيير الواقع أو تحسنه.