إعداد: عمر التيس تابِع إعلان اقرأ المزيد

في خطوة تشكل تمهيدا لمرحلة ما بعد الحرب على غزة، يبدو أن إسرائيل حاولت جس نبض وجهاء عشائر وعائلات فلسطينية في القطاع لتتولى عملية توزيع المساعدات الإنسانية في الشمال المهدد بالمجاعة بعد خمسة أشهر من القصف المكثف، لكن هذه العائلات النافذة "رفضت التعاون مع سلطات الاحتلال".

في هذا الصدد، كشفت القناة الـ14 الإسرائيلية أن مدير المخابرات الفلسطينية ماجد فرج بدأ العمل على بناء قوة مسلحة بجنوب قطاع غزة.

وفي وقت سابق، قالت وسائل إعلام إسرائيلية بينها قناة "كان" بأن الدولة العبرية تدرس تسليح بعض الأفراد أو العشائر في غزة لتوفير الحماية الأمنية لقوافل المساعدات إلى القطاع في إطار مخطط أوسع لتنظيم الحكم في القطاع.

وتحدثت السلطات الإسرائيلية فيما بعد عن "مشروع تجريبي" لإدخال مساعدات إنسانية إلى غزة. ويوجد في غزة العديد من العشائر الكبيرة، المرتبطة بفصائل سياسية بما في ذلك حماس وفتح. ويُعتقد أن بعض هذه العشائر مسلحة بشكل جيد.

مراسلة فرانس24 متحدثة عن المساعدات؟ 02:10

ووفق الخبير الأمني والاستراتيجي عمر الرداد، فقد تحولت العشائر إلى "بدائل" للأحزاب السياسية في ظل غياب حياة حزبية بعد سيطرة حماس المطلقة على القطاع منذ 2007: "في الواقع، أفرز حكم حماس للقطاع مذاك العديد من المشاكل، فقبل سيطرة حماس على القطاع كانت بعض العائلات تتمتع بنفوذ كبير. لا نستطيع أن نقول بوجود عشيرة موالية ومخاصمة لحماس. لكن هناك عائلات معروفة بعدائها للحركة دخلت في صدامات معها كعائلة دغمش في مدينة غزة ومحيطها. في المجمل، العائلات المؤثرة لها تحفظات على حكم حماس".

بيان عائلة دغمش - غزة. © فرانس24 رفض للكيان "العشائري" ولكن..

وأكد بيان متداول عن تجمع "عائلات وعشائر المحافظات الجنوبية -قطاع غزة" ونقلته وسائل إعلام فلسطينية الأربعاء رفضها أن تكون "بديلا لأي نظام سياسي في قطاع غزة، لخلق كيان عشائري في غزة للتعاون مع إسرائيل في إدارة شؤون القطاع بعد الحرب". 

ورحب البيان برفض التعاون مع إسرائيل من قبل "عائلات المدهون والنجار والشوا والأغا والأسطل وحلس والودية التي كان موقفها واضحا بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وأن غزة جزء لا يتجزأ من فلسطين".

بيان "تجمع عائلات وعشائر غزة" © فرانس24

 

من جهتها، رحبت حركة حماس، الأربعاء "بالموقف المسؤول" لعائلات وعشائر غزة برفضها التجاوب مع "مخططات خبيثة للاحتلال" الإسرائيلي تهدف إلى "خلق أجسام شاذة عن الصف الوطني". كما أشادت حماس بتأكيد هذه العائلات والعشائر على "دعمها للمقاومة والحكومة وأجهزتها الشرطية والأمنية، ورفضها محاولات الاحتلال العبث بالصف الوطني الفلسطيني".

لكن الخبير الأمني والاستراتيجي عمر الرداد يقول إن الموقف لا يزال غامضا في القطاع خصوصا في خضم المجاعة التي تتربص بالفلسطينيين: "الوضع يحتاج لتحقق ميداني لمعرفة الموقف الحقيقي لهذه العائلات. أعتقد أن ظروف المجاعة ستساهم في بروز المزيد من العائلات التي لديها استعداد -ليس للتعاون مع إسرائيل- بقدر ما هو الحصول على مساعدات وتوزيعها بشكل مناسب في ظل التدافع الذي يجري اليوم".

ماذا عن رئيس المخابرات الفلسطينية؟

المحاولات الإسرائيلية لاختبار مدى قدرة العشائر الفلسطينية على توزيع المساعدات جاءت في خضم تقارير نقلتها قناة إي 24 نيوز الإسرائيلية تشير إلى أن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت اقترح تولي رئيس مخابرات السلطة الفلسطينية ماجد فرج إدارة قطاع غزة موقتا بعد انتهاء الحرب.

ويعلق الرداد قائلا: "الأخبار التي تتحدث عن توصيات الجيش الإسرائيلي لماجد فرج بتشكيل قوة عسكرية في قطاع غزة هي محل خلاف داخل إسرائيل. ربما يدخل ذلك في تنافس بالداخل الفلسطيني على الزعامة في خضم التقارير التي تفيد بدور بارز لمحمد دحلان المفصول من حركة فتح في مرحلة ما بعد الحرب. نتانياهو أعرب عن رفضه أن تكون السلطة الفلسطينية بديلا لحماس في غزة. لكن في كل الأحوال، السلطة يمكن أن يكون لها دور على الأقل خلال المرحلة الانتقالية في القطاع".

وفرج البالغ 61 عاما هو قيادي بارز في حركة فتح بعد أن كان ناشطا خلال شبابه في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. ومنذ تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية، تدرج فرج في عدة مناصب أمنية قبل أن يكلفه أبو مازن برئاسة جهاز المخابرات العامة الفلسطينية في 2009، وهو منصبه الحالي.

ودحلان البالغ 63 عاما كان بدوره عضوا سابقا في اللجنة المركزية لحركة فتح وتولى أيضا مناصب أمنية عليا في السلطة الفلسطينية بينها رئاسة جهاز الأمن الوقائي. قبل أن تقرر الحركة طرده منها في سنة 2011 بعد اتهامات بالفساد ليلجأ إلى الإمارات.

 حماس تتمسك بدور في القطاع

وتوحي كل المؤشرات أن حكم حماس للقطاع بالطريقة التي كان عليها قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول لم يعد مقبولا من واشنطن وتل أبيب وهو ما يفسر الترتيبات والخطط الإسرائيلية والأمريكية التي بدأت تتسرب بشأن مستقبل القطاع. لكن الحركة الإسلامية الفلسطينية تريد الحفاظ على دور حتى وإن كان نسبيا في غزة.

هنا، يشير الرداد إلى أن الترتيبات القادمة لمستقبل القطاع هي ما جعل حماس تطرح ورقة الشراكة "أي أن تكون جزءا من القيادات والفصائل الفلسطينية التي تدير قطاع غزة. حماس تريد التمسك بأن يكون لها دور مع قوى جديدة ستظهر في غزة سواء السلطة أو قيادات أخرى منافسة لها. كما تريد المشاركة في المرحلة الانتقالية في مجالات الإغاثة وإعادة الإعمار خلافا لخطط إسرائيل والولايات المتحدة".

ترتيبات أمريكية لمستقبل السلطة الفلسطينية

وتأتي هذه المحاولات لمنح دور لعشائر غزة في إدارة القطاع في ظل تحركات دولية "لإصلاح" السلطة الفلسطينية حيث صرحت الإدارة الأمريكية أنها تريد إعادة السلطة لإدارة القطاع. وتجلت هذه التغيرات مع تقديم رئيس الوزراء الفلسطيني محمد إشتية استقالته للرئيس محمود عباس في 26 فبراير/شباط الماضي تمهيدا لتغييرات كبيرة في السلطة.

ورحب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر "بالخطوات التي اتخذتها السلطة الفلسطينية لإصلاح وتنشيط نفسها". واصفا استقالة إشتية بأنها "خطوة مهمة لتحقيق إعادة توحيد غزة والضفة الغربية تحت قيادة السلطة الفلسطينية، لذلك سنواصل تشجيعهم على اتخاذ هذه الخطوات".

هنا، يشير الرداد إلى تفكك سلطات حماس في القطاع "إسرائيل رفضت أن تشرف الشرطة التابعة لحكومة حماس على توزيع المساعدات في القطاع رغبة منها في تفكيك حماس سياسيا عسكريا، لكن نتانياهو يرفض أصلا التعامل سواء مع حماس أو فتح في غزة وأطلق عليهما اسم "حماسستان" و"فتحستان" لكن الموقف الإسرائيلي يصطدم برفض أمريكي وعربي يطالب بالاستعانة بالسلطة الفلسطينية على الأقل خلال المرحلة الانتقالية.

ويذكر الخبير الاستراتيجي بأن "السلطة الوطنية الفلسطينية تملك أكثر من 40 ألف موظف أمني ومدني في غزة تصرف لهم رواتبهم. كما أن هذه السلطة تحافظ على وزن اعتباري باعتبارها الهيئة المعترف بها دوليا لتمثيل الفلسطينيين".

المصدر: فرانس24

كلمات دلالية: الحرب بين حماس وإسرائيل الحرب في أوكرانيا الانتخابات الرئاسية الأمريكية ريبورتاج الحرب على غزة فلسطينية قطاع غزة حماس فتح الحرب بين حماس وإسرائيل غزة حماس النزاع الإسرائيلي الفلسطيني قبائل حركة فتح السلطة الفلسطينية إسرائيل للمزيد الحرب بين حماس وإسرائيل إسرائيل الولايات المتحدة للمزيد النزاع الإسرائيلي الفلسطيني الجزائر مصر المغرب السعودية تونس العراق الأردن لبنان تركيا السلطة الفلسطینیة بعد الحرب فی القطاع قطاع غزة فی غزة

إقرأ أيضاً:

ثنائي الابادة

abdullahaliabdullah1424@gmail.com

بسم الله الرحمن الرحيم

حفل وسطنا الغنائي بثنائيات نشرت الطرب والبهجة منذ ميرغني جمعة وود المامون مرورا بثنائي العاصمة ووصولا للاخوات خيري. ومعلوم ان اداء الغناء بشكل ثنائي وجماعي هو اكثر صعوبة من الغناء الفردي، لاحتياجه لانسجام (هارموني) عالٍ بما يشبه توحيد المشاعر والاحاسيس، وإلا حدث نشاز يفسد البهجة والطرب. واذا ما فارقنا الغناء وعرجنا علي الرياضة، فهي بدورها حفلت بثنائيات او تفاهم وانسجام خاص بين لاعبين (حمد والديبة حاجة عجيبة) او اكثر، انعكس بصورة ايجابية علي مستوي المتعة والنتائج. اما من الناحية الدرامية فمن بمقدوره نسيان ابداعات فرقة الاصدقاء المسرحية.
ويبدو ان حالة الانسجام والتوافق العابرة للانشطة الفنية والرياضية والاجتماعية، كانت سمة لحياة لم تختبر ضنك العيش والتحول لسلسلة من الفواجع المتعاقبة كقطع الليلة المظلمة. وهو انحطاط في مستوي الحياة وانحدار في منسوب القيم، ارتبط بالصعود والسيطرة المطلقة لنظام الانقاذ الطالح. الذي لم يفسد الحياة السياسية فحسب، وانما كامل الحياة بعد افراغها من مضمونها بحجة تطهيرها واسلمتها. ليؤسس هذا الغلو في التعاطي مع السلطة والاستحقار للمواطنين والاستخفاف بمؤسسة الدولة كمنظومة محكمة وتقنية فنية، لما نعانيه الآن من حرب قذرة دمرت البلاد وافنت اهلها واظلمت المستقبل.
ومبرر (الرمية النوستالوجية) السابقة، انها عبرت عن مرحلة تاريخية لم تشهد انقطاعات فجائية عن ماضي البلاد وتراث وثقافتها وخبرات ومنجزات ومكتسبات اهلها. ولتعكس من باب المقارنة ما بلغناه في شأن الثنائيات من تفاهة وعمالة رخيصة واجرام دموي في حق الشعب وتدمير طاول بلاده، وذلك ممثل بثنائي الابادة حميدتي/البرهان. لتعبر هذه الثنائية الاجرامية بدورها خير تعبير عن مرحلة الانقاذ وما آلت اليه البلاد واحوال اهلها بعد حكمهم العضوض. والحال انه ومنذ صعود هذا الثنائي المتآمر الي صدارة المشهد السياسي والسلطوي عقب الثورة، وهو مزود بسجل حافل من الجرائم والارتزاق في دارفور واليمن والارتهان لمحور الشر والكيزان. تم اغراق الثورة في الدماء وبيعها بثمن بخس لاعداءها، الشئ الذي عجل بخراب ليس الثورة كمشروع خلاص وانما الدولة نفسها.
فمعلوم وبسبب تكوين الرجلين الاجرامي ومن يقف خلفهما، بالاضافة الي طموحات مالية وسلطوية مجنونة، انتقل السودان من الحرب الاهلية كما عاشها الجنوب، الي نمط حروب الابادة المستهدفة للاعراق كما حدث في دارفور. ومن يومها اصبح السودان دولة منبوذة وضيف دائم داخل اروقة مجلس الامن ومجالس حقوق الانسان، تتساقط عليها الادانات والعقوبات كدولة تهدد حياة مواطنيها. بل اصبح التدخل في شئونها كدولة قاصرة (عدو لنفسها والآخرين) هو المحرك لفعلها وردة فعلها، لدرجة اصبح وصف دولة نفسها لا ينطبق عليها إلا تجاوزا!
وكما اعتدنا علي هروب اهل الانقاذ وقادة الجيش من تحمل تبعات اعمالهم، مرة بالانكار والمغالطات والاكاذيب، ومرة بالتلاعب بالالفاظ وتوظيف المصطلحات والقوانين عكس غاياتها. تم تغيير اسم مليشيا الجنجويد الي قوات الدعم السريع ومنحها صفة شرعية داخل منظومة شرعة الانقاذ الاحتيالية، للابقاء عليها وتلافي اثر سمعتها السيئة. والشاهد في الموضوع ان الاستهتار وحب البقاء في السلطة باي ثمن، دفع قادة الانقاذ كعساكر ومدنيين التغاضي عن حرمة الامن القومي، ليفقدوا السلطة ونفقد بلادنا مع كم هائل من الانتهاكات المريعة والدمار غير المسبوق.
واكثر ما تمظهر خواء الانقاذ كمنظومة حكم شمولي، هو صراع السلطة الطفولي بين العسكر والمدنيين. والذي حسم بسهولة لصالح العسكر، مما يعكس ان المصلحة المحمية بالقوة هي الموجه لجل الاسلاميين وليس الله! وعليه، منذ سيطرة البشير علي الحكم اصبح الكل في الكل، وما يستتبعه من الكيزان وقادة الجيش مجرد كورس يبحث عن مصالحه، والاصح الحفاظ علي ما اغتنمه من ممتلكات الدولة، مع توفير الغطاء السياسي للبشير (من كان يقوي علي مواجهته ولا يطمح في شراء وده وعلي راسهم علي عثمان ونافع، فما بالك بناس قريعتي راحت!). والبشير كشأن غالبية قادة الجيش السوداني الذين ابتلينا بهم، فهو محدود الذكاء مفرط الشك والتوجس والنرجسية. حاول ان يتذاكي بغباء عبر الاستعانة بمليشيا الجنجويد كقوات همجية لا تعرف الرحمة، لتحجيم طموح السلطة لدي المنافسين سواء من داخل الجيش او جهاز الامن او الغرف السرية للاسلاميين.
وما لم يكن يتوقعه احد، ان هنالك اسوأ من البشير واكثر غباء وضعف وخواء ونفاق وتلاعب بمصير البلاد وشعبها إلا بعد الظهور المشؤوم للبرهان، الذي تجسدت فيه كل عبر الزمان. والمفارقة انه اتته فرصة تاريخية ليتحول لاسطورة تتحدث عنها الاجيال اذا ما اخلص للثورة وتخلص من اعداءها، ليعيد للدولة مسارها الصحيح والسياسة فضاء حرياتها والجيش هيبته. ولكن عوضا عن ذلك نسج تحالف وثيق مع الد اعداء الثورة، بل وارتضي لنفسه ان يكون مجرد محلل لمجمل نشاطات حميدتي المخربة للدولة والمهددة لحياة المواطنين! ومن هنا مصدر غموض وغرابة العلاقة التي ربطت بين الرجلين، ليصبحا وجهان لعملة واحدة عنونها المكر والغدر، والعمل من اجل السلطة بكافة الوسائل دون الاكتراث للنتائج. وبما ان كلا الرجلين لا يمثلان اكثر من ادوات لتمرير مشروع يتجاوز قدراتهم المتواضعة، بقدر ما يتلاءم مع طموحاتهم وميكافليتهم واجرامهم. فهذا ما جعل مصيرهما يتخذ ذات المسار سلما وحربا، غض النظر عن حقيقة المشاعر المتبادلة والخطابات المعلنة والاحاديث المرسلة. واذا صح اعلاه او لم يصح، فالمؤكد ان طبيعة الصلة الغامضة بين الرجلين، وكيفية تصدرهما المشهد دون استحقاق واهلية، هي ما حكم غموض هذه الحرب وجعلها كقصص اجاثا كريستي التي لا تُحل عقدت جرائمها الشائكة إلا في النهاية وبطريقة غير متوقعة؟! بدليل حرب تدخل عامها الثالث وما زال التخمين هو ما يحكم جل التحليلات والقراءات، او هي محكومة بالمواقف المسبقة او مصالح المتعاطين معها غض النظر عن الخبرات والمؤهلات.
المهم، منذ تكوين المليشيا باطورها المتعددة بتعدد اغراضها وارتباط البرهان بها، والي قيام الثورة وانتصار تحالف الرجلين في توجيه السلطة في مسار محدد، يخدم طموحاتهما السلطوية المتوافقة مع المشروع الاماراتي/الاسرائيلي، الضارب بجذوره منذ وصول جحافل حميدتي العاصمة واحاطتها بطريقة مدروسة، ووصولا للانقلاب علي الثورة. كانت العلاقة سمنا علي عسل، او وقوع البلاد تحت السيطرة المطلقة لحميدتي/الامارات/اسرائيل. وهو ما بدأ يتغير مع دخول الاسلامويين وزيادة نفوذ المصريين علي الخط بعد الانقلاب، الشئ الذي هدد طموحات حميدتي واكسب البرهان مساحة للمناورة للضغط علي الرعاة الخارجيين (الامارات مجرد مخلب قط).
وبعد فشل الاتفاق الاطاري واندلاع الحرب بدأ الغموض سيد الموقف، او في الحقيقة توضحت بعض الحقائق، وعلي راسها ان المليشيا ليست اكثر من اداة قذرة في يد الخارج، والمطلوب منها ارهاب واهانة ونهب المواطنين وتدمير مؤسسات البلاد لتهيئتها لما هو مخطط له دون اعتراض. ولكن السؤال اين موقع البرهان من هذه الحرب التي خلطت الاوراق؟ وما علاقته بالمشروع السالف ذكره؟ ما دوره في هذا الغموض الذي يكتنف الحرب، ويحكم علي كامل المشهد بالضبابية؟ وقبل ذلك يتجسد لب الغموض في التساؤل حول المكاسب التي يجنيها شخص يطمح في السلطة، من تقديم كل العون لاكبر منافس له؟!! وما يثير البلبلة ولا يبعث علي الاطمئنان، ليس ان حديث الرجل يخالف فعله، وكاننا امام اخطبوط متعدد الرؤوس او ممثل يلعب ادوار متعددة وجميعها مخادعة، ولكن لان بيئة المؤامرات والاجرام والفساد هي التي تناسب امثاله، بما ينذر بالشر المستطير لمجرد وجوده في المشهد باي شكل كان.
وما اثار الشجون والاصح الاسي والمواجع هو الحديث المنسوب اليه عن القاء مسؤولية تكوين وتضخم المليشيا علي نظام البشير! مع ان القاصي والداني وصولا للاجنة في بطون امهاتها، يعلمون يقينا ان ما قدمه البرهان للمليشيا يزيد عشرات الاضعاف عن ما قدمه ليس البشير وانما حميدتي نفسه للمليشيا؟! لانه ببساطة سلمه الجمل بما حمل، وتولي بصورة غريبة (محامي الشيطان)، عبء الدفاع عن هذه الخدمة المريبة؟! وهذا غير الاموال التي اغدقها عليها مجانا حتي شك البعض انه شريك فيها! اما عن تمتين علاقاته الخارجية فحدث ولا حرج، لدرجة امتلاك حميدتي لطائرة خاصة طاف بها ارجاء الكون لتمكين مخطط استيلاءه علي السلطة بقوة السلاح! فهل بعد كل ذلك ياتي ليتنصل من المسؤولية بكل سهولة، وكأن جرمه مجرد خدش في حادث حركة، وليس تدمير البلاد عن بكرة ابيها وقتل ونهب وتشريد اهلها؟! بل لو امتلك ذرة شجاعة واقل حظ من الاستقامة الاخلاقية والسوية الانسانية، لاعترف بالجرم الشنيع واعتذر عنه وبرره باي سبب، او اقل درجة من الذكاء تدعوه للتظاهر بعمل ذلك ولو بطريقة بهلوانية. ولكن واحدة من مصائب هذه البلاد اجتماع التفاهة والبلادة والتبلد، في كل من يتصدي لحكمها بالقوة المسلحة.
والحال كذلك، طالما البرهان يتهرب من مسؤولية تحمل تبعات اقواله وافعاله، فهذا مؤشر للاصرار علي المضي في ذات الطريق الذي اوردنا المهالك، مما يجعله غير مؤهل البتة للبقاء في منصبه، ناهيك ان يتحكم في مستقبل البلاد ومصير العباد. لكل ذلك تصبح هذه الحرب في احد جوانبها هي حرب البرهان للسيطرة علي البلاد، وكل ما ترتب عليها من دمار للبلاد واذلال للعباد يتحمل مسؤوليته كاملة دون ان ينتقص ذلك من جرم حميدتي شيئا. ومن هذه الزاوية هي ليست حرب كرامة ولا يحزنون، لانه لا كرامة لمن لا كرامة له، او من ظل عصا في يد اعداء الثورة يهشون بها علي الثوار ويجهضون بها احلام الثورة، وكذلك لمن ظل يتعرض لاهانات حميدتي واخيه دون ردة فعل رجولية (يكرب قاشه). ولكنها تظل حرب كرامة وبطولة ورجولة لكل مقاتل صادق يتصدي عن وطنية حقة، لهمجية واعتداءات المليشيا القذرة علي الممتلكات والاعراض واستقلال البلاد.
لكل ذلك يصبح الرهان علي البرهان للانتصار في هذه الحرب ودحر المليشيا هو امر مشكوك فيه، لما سلف ذكره من تناقضات تكتنف الاقوال والافعال وغموض يحيط بمجريات الحرب نفسها! وقبل كل شئ ما هي مصلحته في دحر مليشيا علمها الرماية وشد ساعدها علي الجيش. والذي للغرابة ما زال يتولي قيادته! إلا اذا كانت المليشيا مجرد اداة قذرة وتلعب دورها القذر وتنتهي بانتهاءه! خاصة ان راعي الضان في الخلاء يعلم ان عائلة دقلو المالك الحصري للمليشيا غير مؤهلة لا اخلاقيا ولا سياسيا ولا وطنيا للدور الذي تدعي انها نذرت مليشياتها له.
وعليه يصبح كل من يدعم البرهان او يتبني خطاباته المراوغة ووعوده العرقوبية، هو شريك له و يتحمل قسط من جرائمه. مع العلم ان الموقف من البرهان لا يعني ذات الموقف من الجيش باي حال من الاحوال، وهو يخوض هذه الحرب المفروضة عليه ضد المليشيا الهمجية. ولو ان الجيش كمؤسسة يتحمل بدوره وزر السماح بتكوين وتضخم هذه المليشبيا ووصولها لهذه المرحلة، سواء بصمته علي قيادته الانقلابية وهي تتآمر عليه، او بالتورط في العملية السياسية باسقاط النظم الديمقراطية، ومن ثمَّ ادخال البلاد في نفق مظلم يزداد ظلاما مع مرور الايام، خاصة مع زيادة توغل الجيش في السلطة، والتوسع في الانشطة الاقتصادية المدنية.
اما المجرم الآخر حميدتي شريك البرهان وشبيهه، فهو من النماذج التي تظهر كل عدة قرون وتقودها طموحاتها الطائشة وعقدها العرقية وتشوهاتها النفسية، الي ابادة الآلاف وهي علي استعداد للخوض في دماء الملايين دون ان يطرف لها جفن. فهو من صنف هتلر وموسوليني وهولاكو ونتنياهو إلا انه يفوقهم جهلا وتفاهة وتحللا من كل الاعراف والقيم وما يمت للحضارة بصلة. فهذا الاهطل الموهوم الذي صدق انه فريق بحق، بل ومؤهل للقيادة والحكم، وليس مجرد اداة تخريب، تصور ان اقرب طريق للقصر هو هدم القصر نفسه، وان الاسلوب الامثل لحكم البلاد هي نهبها وتحطيمها وقتل شعبها وتشريدهم، وان الاستعانة بسرديات الديمقراطية والدولة المدنية وقضايا الهامش والتحريض علي الجلابة بطريقة متخلفة ومقززة، هي الغطاء القادر علي اخفاء مشروعه الخاص/عمالته ومبرر لانتهاكات قواته.
ولذلك طبيعي ان لا نتوقع منه اعتذار جاد عن جرائمه ونهبه وانتهاكاته بحق الابرياء وتخريبه المنشآت الحيوية، لانه ببساطة لا يملك غيرها، بل هي نفسها سبب وصوله الي ما هو فيه. اي كاحد الادوات القذرة لحماية المافيا الاسلام/عسكرية، قبل ان يتحول الي خدمة اسياده الجدد في الخليج. لان الولاء لمن يدفع اكثر ويقدم المغريات ويرفع سقف الوعود بالاستفراد بحكم البلاد (وكانه لم يكن الحاكم الفعلي في ظل جبن وخوار نفس الزول، ولكنها حماقة الجُهال)!
ولكن ان يتجرأ حميدتي بالقاء كامل المسؤولية علي عاتق البرهان، ليخرج كالشعرة من العجين من تبعات ما احدثاه من تدمير للدولة لم يٌشهد له مثيل ( إلا حريق روما/نيرون وخراب سوبا/عجوبة) فهذا استهبال يفوق حدود الاحتمال. اما ظهور تسجيلات تحمل خطابات (مشروع سياسي) للمجرم حميدتي كل حين، وهي مدبجة بمداد ما يسمي مستتشارون وحلفاء، مع العلم ان حميدتي لا يفقه عنها شيئا سوي جهد القراءة المتعثرة! فهي المهانة عينها للسياسة والثقافة والفكر والقضايا الجادة والمسؤولية الوطنية، وهذا غير الاستهانة بعذابات الضحايا! وكأن كل ما شهدناه من فظائع حرب قذرة قضت علي الاخضر واليابس من جانب المليشيا علي وجه الخصوص، هي ثمن للتباري في منافسة انشائية لمن يكتب موضوع سياسي اجود جلبا للاعجاب والتصفيق! او كأنه من قلة البرامج والمشاريع المطروحة منذ استقلال الدولة الخاطئ. ولكن يبدو ان الاستثمار في هذه الخطب/الخطابات الحماسية علي قول محجوب شريف، هو مورد رزق للبعض ومداعبة طموح للبعض الآخر وتنفيس عن نفوس مكروبة لهؤلاء الحلفاء والمستشارين. لانه يستحيل علي شخص يحترم نفسه او مكانته او يتحلي باقل قدر من المسؤولية والكرامة والسوية البشرية، ان يقبل العمل او مجرد الاقتراب من مجرم محترف مثل حميدتي، ناهيك ان يتبني الاخير مشاريع وطنية او برامج خيرة وهو الغارق في العمالة والارتزاق حتي اذنيه، ويحفل سجله بجرائم ضد الانسانية، لا تضع له مكانا في المسقبل إلا امام المحكمة الجنائية الدولية (وهذا اذا صح انه عائش ولم يهلك كغيره من الطغاة رحمة بالعباد).
وعموما الاسوا من هذه الحرب القذرة المدمرة، ان لا يُعاقب من تسبب فيها وساهم في استفحالها وكساها بالغموض. اما الاكثر سوء من ذلك، ان يتحول الانقلابيان مجرما الحرب ومجهضا الثورة الي ابطال يقدم لها الدعم والمساندة للبقاء في سدة السلطة. اقلاه ان لم نستطع ازاحتهما بحكم اختلال توازن القوي مع الجهات الداعمة لكلا الرجلين، من اجل تمرير اجندتها الراعية لمصلحتها حصرا. فهذا لا يمنع ان لم يستوجب التصدي لطموحاتهما الخطرة وفضح مخططاتهما المشبوهة بكل الوسائل السلمية، مع السعي لفتح بلاغات ضدهما في كل المحاكم خارج البلاد، حتي ياتي اليوم الذي يتم فيه القصاص، لانصاف الضحايا ومنع تكرار مثل هذه الفظائع، وقطع الطريق علي نماذجهم من الوصول للسلطة.
اخيرا
هذه الحرب التي تدخل عامها الثالث تعادل ثلاثة حروب كل منها استمرت ثلاثة عقود من جهة الانتهاكات والتدمير. والسبب انها حرب تستهدف اولا المدنيين والبنية التحية وثانيا العسكر واحتمال عرضيا! وامر ذو دلالة كما اكد من لا اشك في قوله، ان الدمار الهائل الذي طال مصفاة الجيلي استثني مستودعات شركات البترول الخاصة! وعند ربط ذلك مع الحماية الي يوفرها الطرفان المتقاتلان لخط انابيب بترول الجنوب. يتضح ان هنالك تفاهمات واتفاقات بين الطرفين المتقاتلين علي تجنب الحاق الضرر بمصالح الراسمالية/الرؤوس من كلا الجانبين. والسؤال والحال كذلك، هل ارواح المدنيين او حماية البنية التحية لا تستحق مثل هذه التفاهمات؟ وهل ايقاف الحرب ومعالجة الخلافات ان وجدت تستعصي علي ذات التفاهمات؟ وهل نهب ثروات الشعوب اتخذت اسلوب جديد، كتدمير البلدان والرجوع مرة اخري لتعميرها بمبالغ طائلة، كما حدث في العراق، الذي تم فيه الشق الاول بنجاح (التدمير) ولم يحالف الحظ الشق الثاني (التعمير) بعد ان تم اهدار جل مخصصات التعمير/التنمية في الفساد؟
وخلاصة الامر يبدو حالنا كما قال حميد (لكن قدرك يا انسان بلدا هاص هيصة جبانة/ طال الناس التريانيين (الروبيضات) ضلو الله الما ضلانا). والله يصلح الحال ودمتم في رعايته.  

مقالات مشابهة

  • المرصد الأورومتوسطي: استهداف إسرائيل سفينة إغاثة متجهة لغزة انتهاك لميثاق الأمم المتحدة
  • أميركا تريد استئناف المساعدات الإنسانية إلى غزة بينما تواصل دعم الحرب
  • هل تريد إسرائيل إقامة كيان درزي انفصالي في سوريا؟
  • سويسرا تحظر حركة المقاومة الفلسطينية حمـ.ـاس
  • ثنائي الابادة
  • “يديعوت أحرنوت”: إسرائيل لم ترد بعد على طلب السلطة الفلسطينية المساعدة في إخماد حرائق القدس
  • رئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج يصل واشنطن.. عقد اجتماعات مهمة
  • "يديعوت أحرنوت": إسرائيل لم ترد بعد على طلب السلطة الفلسطينية المساعدة في إخماد حرائق القدس
  • انتقادات واسعة لعرض السلطة الفلسطينية المساعدة في إخماد الحرائق لدى العدو
  • السلطة الفلسطينية تعرض على الاحتلال المشاركة بإخماد الحرائق.. الأخير لم يرد