لا تعتبر القمة الأمنية التي تشهدها بغداد الخميس "حدثا اعتياديا" بين العراق وتركيا كما ينظر إليها مراقبون من كلا البلدين، ويرتبط ذلك بما سبقها من تمهيد وتلميح وزيارات انطلقت في غالبيتها من أنقرة ووصلت قبل يومين إلى الحدود التي دائما ما تشكّل أساس التوتر بينهما.

ويحضر القمة من الجانب التركي وزير الخارجية، حقان فيدان ورئيس الاستخبارات، إبراهيم قالن ووزير الدفاع، يشار غولر، بالإضافة إلى أحد نواب وزير الداخلية التركية، كما ذكرت وسائل إعلام رسمية.

ومن الجانب العراقي يشارك في القمة وزير الخارجية، فؤاد حسين ووزير الدفاع، ثابت محمد العباسي، ومسؤولون كبار من عدد من المؤسسات بما فيها الاستخبارات، وفق وسائل إعلام عراقية.

ستكون نتيجة المحادثات "مهمة" من حيث إظهار المسار الذي ستتبعه القوات التركية في عملية جديدة بشمال العراق، وفق ما ذكرت صحف مقربة من الحكومة  في تركيا بينها "حرييت".

وذكر موقع "سي إن إن تورك" من جانبه أن المسؤولين سيناقشون زيارة الرئيس رجب طيب إردوغان المقررة إلى بغداد في أبريل المقبل، وأنها ستكون الأولى منذ 12 عاما.

وعلاوة على ذلك سيبحثون على "الطاولة الأمنية" قضايا أساسية هي: "اعتراف بغداد بحزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية، ومشروع طريق التنمية، وملف مياه نهري الفرات ودجلة".

"تلميحات تركية"

ورغم أن القمة الحالية ليست الأولى أمنيا بين بغداد وأنقرة حيث كانت الأولى في تركيا ديسمبر 2023، تثير النتائج التي ستتمخض عنها اهتمام المراقبين، ولاسيما أن إردوغان مهد للملفات التي ستتناولها في وقت مسبق.

الرئيس التركي قال في الرابع من مارس الحالي إنهم "بصدد إتمام الطوق الأمني لتأمين الحدود التركية مع العراق"، وقال: "أوشكنا على إتمامه، وخلال الصيف القادم سنكون قد قمنا بحل هذه المسألة بشكل دائم".

وبينما أكد أن "تركيا لاتزال مصممة على المضي قدما في إنشاء حزام أمني بعمق 30-40 كم على حدودها" أشار إلى ذلك وزير دفاعه غولر قبل أن يصل إلى بغداد لحضور القمة بيومين.

الوزير أعلن أيضا أن "تركيا بحاجة الآن إلى الانتقال إلى مرحلة أخرى"، وأوضح أنه سيتم الانتهاء من عملية "المخلب القفل" صيف عام 2024، وسيتم توسيع العمليات لتشمل المناطق التي تحتاج إليها.

وأضاف أن الهدف هو "إنشاء ممر أمني لوقف الهجمات ضد تركيا من هذه المنطقة بشكل كامل".

وجاء حديثه بعد وصول رئيس الاستخبارات قالن في زيارة سابقة إلى بغداد وأربيل من أجل إجراء مناقشات، وفي أعقاب سلسلة هجمات تعرض لها الجيش التركي في شمال العراق ما أسفر عن مقتل عناصر على يد "حزب العمال الكردستاني".

هل من تغيّر طرأ؟

وتمتلك تركيا قواعد عسكرية في شمالي العراق، تقدرها وكالة رويترز بـ"العشرات"، وتبدأ من الحدود العراقية التركية وتنتشر عبر الجبال وحتى مناطق متقدمة من محافظة نينوى، على بعد 200 كيلومتر تقريبا من الحدود بين البلدين.

وانتقدت الحكومة العراقية تكرارا طوال سنوات الوجود التركي، لكنها لم تأخذ خطوات عملية حذرا كما يبدو من تهديد العلاقات مع تركيا، حسب ذات الوكالة.

وتقول تركيا إن وجودها العسكري في شمال العراق إنه يأتي بهدف تأمين حدودها من "حزب العمال الكردستاني" المدرج على قائمة "المنظمات الإرهابية" التي وضعتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة.

ويتواجد الحزب المحظور هناك منذ ثمانينيات القرن الماضي، وحتى الآن لم تتوصل تركيا والعراق إلى تفاهم أو اتفاق يضمن تبديد المخاوف التركية وكبح الهجمات، التي تصاعدت في الفترة الأخيرة على نحو كبير. 

ويعتقد الباحث السياسي التركي والزميل غير المقيم في "المجلس الأطلسي"، عمر أوزكيزيلجيك أن ما يجري على خط العلاقة بين أنقرة وبغداد يعتبر نتاج "نجاح السلطات في تركيا في إقناع العراق بزيادة مستوى تعاونه".

ومع ذلك يرى أوزكيزيلجيك "تغيرا أكثر أهمية" يمكن التماسه من ما يحصل بين البلدين وهو مشروع "طريق التنمية"، الذي في حال تنفيذه سيدر 4 مليارات دولار سنويا، وسيحسن الأهمية الجيواستراتيجية والاقتصادية للعراق.

الباحث يعتبر أن "حزب العمال الكردستاني يشكل تهديدا أمنيا خطيرا وعقبة أمام تنفيذ المشروع"، ويرى أنه "لدى بغداد الآن حافظ للتعاون على خلاف الموقف الذي كانت عليه في السابق".

ما هو "طريق التنمية"؟

يعتبر مشروع "طريق التنمية" أكثر فعالية من حيث التكلفة من الممر التجاري بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، كما يراه الباحث التركي.

ويقول: "ممر الهند والشرق الأوسط وأوروبا يهمش كلا من العراق وتركيا، ولذلك من مصلحة البلدين تنفيذ المبادرة".

وتم الإعلان لأول مرة عن "طريق التنمية" خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى تركيا، في مارس 2023، حيث كشف عنه في مؤتمر صحفي مشترك للسوداني والرئيس التركي، إردوغان.

وأكد السوداني حينها اتخاذ خطوات جادة تجاه "تعزيز العلاقات بين البلدين في المجالات كافة وخاصة المجال الاقتصادي ووضع أسس تعزيز التعاون مع الأشقاء والجيران في هذا المجال الاقتصادي"، بحسب تقرير سابق لوكالة الأنباء العراقية "واع".

وأشار إلى أن "مشروع طريق التنمية.. ليس فقط للعراق وتركيا وإنما للمنطقة والعالم، وهو الممر العالمي لنقل البضائع والطاقة ويربط الشرق بالغرب"، لافتا إلى أن "هذا الممر سينقل البضائع والطاقة".

وكشف أن "طريق التنمية" يتضمن "خط للسكك الحديدية ينقل البضائع، في المرحلة الأولى بسعة 3.5 مليون طن، لنصل في المرحلة الثانية إلى 7.5 مليون طن، وطريق التنمية (القناة الجافة) سيشتمل على النقل البري وخطوط نقل الطاقة، فضلا عن ميناء الفاو".

وهناك أعمال قائمة حاليا لتأهيل ميناء الفاو في أقصى جنوب العراق والمجاور لدول الخليج والذي سيكون محطة أساسية لتسلم البضائع قبل نقلها برا.

ويسمح هذا المشروع للعراق باستغلال موقعه الجغرافي والتحول إلى نقطة عبور للبضائع والتجارة بين الخليج وتركيا ثم أوروبا، ناهيك عن إعادة تأهيل البنية التحتية في البلاد، بحسب تقرير سابق لوكالة "فرانس برس".

ويهدف المشروع كذلك إلى بناء 15 محطة قطار للبضائع والركاب على طول الخط، تنطلق من البصرة جنوبا مرورا ببغداد وصولا إلى الحدود مع تركيا.

وعلى مدى الأشهر الماضية لطالما أكد إردوغان عزم بلاده على إنجاز المشروع بالشراكة مع العراق، وفي تصريحات له أواخر العام الماضي قال: "سواء الإمارات أم قطر أم السعودية أم العراق، كلهم مصممون بشدة على هذا الموضوع (المشروع)".

كما أكد أنه "لمس ذات التصميم حيال المشروع من الولايات المتحدة وألمانيا واليابان".

ما الأصداء في العراق؟

ينظر إحسان الشمري رئيس مركز "التفكير السياسي" وأستاذ السياسات العامة في جامعة بغداد إلى التحركات النشطة أمنيا ودبلوماسيا تركيا وعراقيا بأنها "تعود إلى الملفات العديدة التي تربط البلدين، وما تزال التفاهمات بشأنها عالقة".

الملفات تبدأ من "قضية مكافحة الإرهاب" والمتمثل بـ"حزب  العمال" حسب وجهة النظر التركية، حسب الشمري، وقضية الوجود العسكري التركي في شمال العراق وقضية المياه التي تشكل ملفا ضاغطا على بغداد بشكل كبير. 

إضافة إلى ملف "مشروع طريق التنمية" وما يمكن أن يحققه من زيادة روابط بين البلدين وملف تصدير النفط مرة أخرى عبر الأراضي التركية وتوسيع حجم التبادل التجاري.

ويقول الشمري لموقع "الحرة": "هذه الملفات هي من تقرّب الأطراف، مع الأخذ بعين الاعتبار التنافس وصراع المشاريع الاقتصادية في المنطقة".

ويدفع الصراع الذي أشار إليه أستاذ السياسات العامة العراقية كلا من بغداد وأنقرة إلى "تكثيف مستويات التنسيق"، وأردف بالقول: "نتحدث عن الطريق الأخضر من الهند عبر الإمارات وطريق الحرير ومن هنا تنبع أهمية طريق التنمية".

ولا يمكن فصل ما يحصل بين أنقرة وبغداد عن المشهد العام في المنطقة، وفق الشمري.

ويضيف: "البلدان يريدان أن يكون لهما موقف ورؤية موحدة، وخاصة أن الحرب في غزة باتت ترسم ملامح التسوية في المنطقة".

ماذا عن الحدود؟

وتحافظ تركيا على وجود عسكري شامل في شمال العراق وشمال سوريا ضمن نطاق "القضاء على المشكلة من مصدرها في الحرب ضد الإرهاب".

وما تزال تؤكد حتى الآن على نيتها إطلاق حملات عسكرية إضافية، عبر البر والجو.

ووصلت قبل زيارة المسؤولين الأتراك إلى بغداد إلى حد إعادة الحديث عن "منطقة أمنية بعمق 40 كيلومترا"، حسبما صرح وزير الدفاع يشار غولر.

كما عقد قائد الجيش الثاني الترطي الفريق متين توكل والوفد المرافق له اجتماعا أمنيا على الحدود مع المسؤولين المحليين العراقيين، قبل يومين.

وقالت وزارة الدفاع التركية في بيان إن "الاجتماع حصل داخل حدود منطقة عملية المخلب، وتمت مناقشة أمن الخط الحدودي العراقي التركي فيه وإجراءات زيادة أمن المواطنين العراقيين".

وانتشر الجيش العراقي مؤخرا في منطقة استراتيجية في شمال العراق لمساعدة الجيش التركي ضد "حزب العمال الكردستاني"، وبدأ القادة على الأرض في تنسيق تحركاتهم، كما يشير الباحث التركي، عمر أوزكيزيلجيك.

ومع ذلك يقول إنه "لا يزال الحذر ضروريا، حيث يمكن لإيران أن تلعب دورا مفسدا كبيرا وتقوض هذا الزخم والخطط الجديدة".

أوزكيزيلجيك يرى أن "تركيا في القضاء على معظم وجود حزب العمال الكردستاني بالقرب من منطقة الحدود التركية، مما جعل الحدود التركية العراقية آمنة". 

لكنه يوضح أن "الوجود المتبقي لحزب العمال الكردستاني يقع الآن جنوبا في جبال جارا، وجبال سنجار، وجبال مخمور، وجبال قنديل".

ويضيف: "لمقاتلته هناك يحتاج الجيش التركي إلى دعم استخباراتي ولوجستي وعسكري من قوات البيشمركة الكردية والجيش العراقي، وبدون دعمهم، قد تكون أي عملية عسكرية مكلفة للغاية".

"مقايضة وأوراق"

بدوره يقول أستاذ السياسات العامة العراقي، إحسان الشمري إن "العراق يريد أن ينظم علاقته الأمنية العسكرية مع تركيا خصوصا أن التواجد التركي كقواعد وبشكل عملياتي يحرج بغداد بشكل كبير جدا".

ولذلك "قد تجد بغداد أن مقايضة ملف المياه بالملف الأمني يمكن أن يحقق لها مكاسب كبيرة جدا".

ويعاني العراق بشدة من نقص المياه، وتقول بغداد إن هذه الأزمة سببت بتصحر نحو 70 بالمئة من الأراضي الزراعية في البلاد، بينما تلقي باللوم على كل من تركيا وإيران بشأن إقامة السدود التي قللت الحصة المائية للعراق بشكل كبير.

ومنذ سنوات، يحاول العراق الحصول على إطلاقات مائية أكبر من الأنهار التي تنبع من كلا البلدين، لكن مشاريع السدود التي يقيمها البلدان على تلك الأنهار تسببت بانخفاض واردات العراق المائية بشكل كبير.

الشمري يرى من جانب آخر أن "تركيا تستغل الانشغالات في المنطقة نتيجة حرب غزة وتريد أن تعمل على تصفير ملف حزب العمال عسكريا على أقل تقدير"، ويضيف أنها "قد تذهب مع العراق بتنسيق أعلى يصب في صالحها من خلال مذكرة تفاهم".

ومن الجانب العراقي "قد تكون المذكرة من أهم القضايا التي يمكن أن يقدمها كتنازل لتركيا، لغرض أن تخوض حرب التصفير مع حزب العمال في شمال العراق".

ويتابع الشمري أنه "يجب أيضا الأخذ بالاعتبار أن طريق التنمية بحاجة بيئة أمنية في شمال العراق، ولذلك قد يكون هناك اتفاق ضمن المذكرة بأن تقوم تركيا بتوفير هذه البيئة ما بين سنجار والحدود التركية العراقية".

"الملف الأمني في الصدارة والزيارة الحاصلة أمنية بامتياز، ونحن أمام استراتيجية لاستخدام كل الأوراق التي يمكن أن تحقق مكاسب الدولتين"، حسبما أكد الشمري في ختام حديثه مع "الحرة".

ويشير الباحث التركي أوزكيزيلجيك إلى أنه "من المقرر أن يزور الرئيس إردوغان العراق، ليصبح أول رئيس تركي يقوم بذلك منذ تورغوت أوزال"، مضيفا أن كل ذلك يأتي "بعدما اتخذ وزير الخارجية والدفاع التركيان مبادرة دبلوماسية تجاه العراق، في خطة لتنسيق الجهود بين الأتراك والأكراد والعرب لمحاربة حزب العمال".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: حزب العمال الکردستانی الحدود الترکیة فی شمال العراق طریق التنمیة بین البلدین فی المنطقة بشکل کبیر إلى بغداد یمکن أن

إقرأ أيضاً:

ما أبرز التحديات التي ستواجهها إيران وحزب الله في مرحلة ما بعد نصر الله؟

قال معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى إن "وكيل إيران" يواجه  تحديات كبيرة على الصعيدين القيادي والعسكري، وبإمكان المجتمع الدولي أن يتصرف الآن بقوة لـ "تحرير" لبنان من قبضته.

وأكد المعهد في تحليل موجز أن اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله على يد "إسرائيل" يشكل "لحظة مفجعة للحزب، يمكن أن تغير المشهد السياسي اللبناني وكذلك الديناميات في جميع أنحاء المنطقة".

وأوضح أن "مقتل نصرالله  جاء في نهاية أسبوع وحشي لحزب الله، الذي فقد الآن معظم قيادته العسكرية، بالإضافة إلى نظام اتصالاته ومجموعة من مستودعات الأسلحة والمرافق الأخرى، وكل هذا أصبح ممكنا بفضل اختراق المخابرات الإسرائيلية لقيادة حزب الله وبنيته العسكرية".

واعتبر أنه "لأسباب متعددة، بما في ذلك النمو الهائل لحزب الله، ستكون ديناميات الخلافة اليوم أكثر تعقيداً مما كانت عليه قبل ثلاثة عقود عندما قُتل سلف نصرالله، عباس الموسوي".

الخلافة السياسية
أكد المعهد أنه على الورق على الأقل، لن يكون استبدال نصرالله صعبا، وسيتولى حزب الله هذه المهمة إلى جانب "الحرس الثوري الإسلامي" الإيراني، ومن بين الخلفاء المحتملين نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم، ورئيس المجلس التنفيذي هاشم صفي الدين، الذي هو أيضا ابن شقيق نصرالله. 


ومع ذلك، فعلى مستوى أعمق، سيكون من الصعب جدا استبدال هذا الزعيم الكاريزماتي الذي استمر بمنصبه لفترة طويلة، فقد أصبح نصرالله لا ينفصل عن "العلامة التجارية" للحزب، ويُعرف بنجاحات مثل انسحاب "إسرائيل" من لبنان في عام 2000 و"النصر الإلهي" المفترض ضد في صيف عام 2006

. وكان نصرالله بمثابة شخصية الأب للعديد من الشيعة اللبنانيين، الذين اعتبروه مزوّدهم وحاميهم، ومن يخلفه سيكون في موقف لا يُحسد عليه نظرا لـ"الحالة المتدهورة للحزب والأيام المظلمة المحتملة التي تنتظره"، ومع ذلك، فإن الفراغ الناتج عن ذلك سيوفر فرصاً للمجتمع الدولي للدعوة إلى قيادة أفضل للشيعة اللبنانيين وللأمة بأكملها، بحسب المعهد.

الآفاق العسكرية
وقال المعهد أنه منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، عندما "التزم حزب الله بدعم قتال حماس ضد إسرائيل، فقد تم قتل ثلاثة من قادته من الصف الأول، وهم فؤاد شكر، وإبراهيم عقيل، وعلي كركي، بالإضافة إلى معظم قادته من الدرجة الثانية، ونظراً لهذه الخسارة في الأفراد، إلى جانب الضربات التي لحقت بالبنية التحتية وضعف الثقة المرتبط بها، فسوف تكون مهمة إعادة بناء القدرات العسكرية للحزب شاقة وستستغرق سنوات".

 وعلاوة على ذلك، لعب نصرالله نفسه دورا رئيسيا في إعادة هيكلة الأنشطة العسكرية لحزب الله والتنسيق مع المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، وبالتالي، تم الآن قطع النسيج الرابط بين لبنان وإيران.

الديناميات الإقليمية
وبين المعهد أنه في وقت مبكر من الحرب الأهلية في سوريا، التي بدأت في عام 2011، دعم حزب الله نظام بشار الأسد، حيث عمل مباشرة تحت قيادة قائد "فيلق القدس" التابع "للحرس الثوري" الإيراني، قاسم سليماني. 

وبعد ذلك، برز حزب الله كذراع إقليمي "للحرس الثوري"، حيث "قدم الدعم اللوجستي والتدريب والقيادة للميليشيات في العراق وسوريا واليمن، وعندما قُتل سليماني في أوائل عام 2020، توسع دور حزب الله في المنطقة بشكل أكبر، وحتى وقت قريب أمضى قادته وقتا أطول في تلك البلدان في الخارج مما قضوه في لبنان".


ومع تعرض "حزب الله" لأضرار جسيمة الآن، يجب على "فيلق القدس" أن لا يستبدل قيادة "حزب الله" في لبنان فحسب، بل أيضاً الدور الذي لعبه في جميع أنحاء المنطقة. وبالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها، توفر هذه الفترة الانتقالية فرصة كبيرة للتخفيف من التهديد في المنطقة الذي تقوده إيران.

خيارات لإيران
وقال المعهد إن "لدى الجمهورية الإسلامية خياران واسعان للرد على ضربة نصرالله، وهما: التصعيد أو التراجع".

واعتبر المعهد أن "التصعيد يكون إذا اختارت إيران التصعيد، فقد تتبنى نهجا مباشرا في قيادة قوات حزب الله القتالية، وهو مسار غير فعال في أفضل الأحوال نظرا لغياب القيادة العسكرية المتمركزة في لبنان حاليا. أو بدلاً من ذلك، يمكن أن تسهل إيران إطلاق صواريخ "حزب الله" الموجهة بدقة قبل أن تدمرها إسرائيل، أو توجّه وكلاء مثل الميليشيات الشيعية المتمركزة في العراق والحوثيين في اليمن للاشتباك عسكريا مع إسرائيل. ولكن هذا الخيار أيضاً يواجه تحديات، بما في ذلك المخاطر الشخصية التي يتعرض لها القادة الإيرانيون المتمركزون في لبنان، والذين على أي حال ليسوا على دراية بالبلاد وتعقيداتها الأمنية والسياسية. وقد يؤدي التصعيد في النهاية إلى حملة إسرائيلية أوسع نطاقاً ضد أصول إيران في المنطقة".

وبين أنه "بدلاً من ذلك، قد تتراجع إيران في الوقت الحالي للحفاظ على وكيلها من تكبد المزيد من الخسائر. وقد يستلزم ذلك قبول المبادرة الدبلوماسية الأمريكية-الفرنسية، وتوجيه حزب الله للانسحاب عسكريا إلى شمال نهر الليطاني. كما يعني هذا التراجع الفصل بين جبهتي الحرب في لبنان وغزة. وكل هذا من شأنه أن يوفر للحرس الثوري الإيراني الوقت والمساحة لإعادة بناء ترسانة حزب الله وإعادة هيكلة قيادته العسكرية. ومع ذلك، فإن التراجع يحمل مخاطر أيضا، بما في ذلك التعرض لحملة عسكرية إسرائيلية مستمرة تشمل إضعاف أو القضاء على صواريخ حزب الله الموجهة بدقة".

وأكد المعهد أنه "مع مقتل نصرالله وتضرر جماعته، سوف يشعر حزب الله والمجتمع الشيعي اللبناني - فضلاً عن جميع اللبنانيين - بالانكشاف وعدم الحماية. وحتى الآن، لم يهب أي طرف فعلياً لمساعدة "حزب الله"، سواء من النظام الإيراني أو من أي جهات فاعلة متعاطفة أخرى في المنطقة".


وأشار إلى أنه "هنا تكمن فرصة للمجتمع الدولي للاستثمار بجدية في مستقبل لبنان، وهو التعهد الذي سوف ينطوي على أكثر كثيرا من إرساء إطلاق النار أو إعادة تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701 الذي أنهى حرب لبنان في عام 2006".

وقال  "تتمتع الولايات المتحدة بالفعل بنفوذ قوي على لبنان من خلال برنامجها للمساعدة للجيش اللبناني، ولكن على الجيش اللبناني أن يكون مسؤولاً أمام حكومة لبنانية مستقلة، وليس لحكومة خاضعة لسيطرة "حزب الله". وبعد وقف إطلاق النار يجب أن يكون لبنان مرتكزاً في المقام الأول على سيادة الدولة واستقلالها. علاوة على ذلك، بإمكان المجتمع الدولي الآن أن يعمل على دعم ائتلاف موثوق وشامل من الشخصيات والقوى المعارضة - والذي يجب أن يشمل المجتمع الشيعي بكل تنوعاته - لمواجهة "حزب الله"وحلفائه والنفوذ الإيراني في لبنان".

مقالات مشابهة

  • هجوم إيراني واستنفار أمنى بالقواعد العسكرية الأمريكية فى سوريا والعراق
  • دويتشه بنك يتوقع دخول الاقتصاد التركي في مرحلة التباطؤ
  • تركيا تواصل ضرباتها الجوية لمواقع العمال الكردستاني شمال العراق
  • ما أبرز التحديات التي ستواجهها إيران وحزب الله في مرحلة ما بعد نصر الله؟
  • إصابات بين المدنيين باشتباكات بين حزب العمال والقوات التركية في دهوك
  • تركيا تحيّد قيادياً في حزب العمال الكردستاني شمال العراق
  • إسرائيل تحت القلق: صواريخ ومسيرات اليمن والعراق تهدد الجبهة الداخلية
  • حزب العمال التركي: مقتل نصر الله يهدف لإضعاف المقاومة وكسرها
  • إيران لم تعلن الحداد على مقتل ذراعها نصرالله والعراق يعلنه
  • "تصاعد التوتر في بغداد".. إجراءات أمنية مشددة حول السفارة الأمريكية بعد اغتيال حسن نصر الله