جميل جداً أن نسمع ممن بلغ هذا الشهر المبارك عبارة: (رمضان غيرني)، فرمضان جاء ليعيد بناء أرواحنا وقلوبنا وأخلاقنا وسلوكنا وقيمنا، رمضان مَحطَّة إيمانية نروِّض وندرب أنفسنا فيها على الخير في القول والعمل، نتوجَّه إلى الله بجميع جوارحنا حتَّى إذا ما انتهى رمضان خرجنا منه أُناسًا عظماء.
رمضان يا كرام فرصة للتغيير الإيجابي نحو الأفضل، تغيير في العبادة، والسلوك، والأخلاق، والمعاملات، والجوارح، والعادات، كم نرى ونشاهد ممن يدرك رمضان ويدخل عليه الشهر وحياته كما هي لم تتغير للأفضل، بل بعضهم ربما تغيرت للأسوأ فازدادت سيئاته وذنوبه، نسأل الله العفو والعافية، يمر علينا رمضان أعوامًا عديدة، ليسأل كل واحد فينا نفسه، هل أثر فيه رمضان؟ هل غير من حياته نحو الأفضل؟ هل استفاد منه؟ ما أجمل أن يتغير المرء ويغير من حياته كلها، فيرجع المذنب إلى ربه، ويقترب البعيد، ويزداد الصالح صلاحًا، والمؤمن إيمانًا، كلنا يتمنى التغيير ولكن منا من يطلبه ويسعى إليه، ومنا من يتمناه ولكن دون عمل ولا فعل، يقول تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الأنفال: 53]، فالتغيير يحتاج إلى إرادة وعزيمة وإصرار ومواصلة جادة وقوية.
غير قلبك في رمضان، وطهره من أمراض الشهوات والشبهات كالحسد، والحقد، والبغض، والرياء، والعجب، والكبر، لنطهر قلوبنا من هذه الآفات، ونملأه بالتقوى واليقين والخوف والرجاء والحب لله عز وجل، كم نسمع بمن حقد على أخيه المسلم فقطعه بسبب أمر دنيوي، شهورًا بل سنوات، يدخل عليه رمضان ويخرج وهو قاطع هاجر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: « تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ». رواه مسلم.
غير علاقتك بربك في رمضان، إن الهدف الأعظم من الصيام هو تحقيق التقوى، لنقترب من الله أكثر، بطاعته وعبادته، والبعد عن معصيته.
غير صلاتك في رمضان، صلي صلاة مختلفة في هذا الشهر، أقبل على صلاتك، وحافظ عليها في وقتها في المساجد، بخشوع وطمأنينة، وبكر إلى بيوت الله، واجلس فيها لتنل فضائل وأجورًا عظامًا، وأكثر من النوافل والسجود وتلذذ بهما، وصل صلاة مودع، ستجد أن للصلاة لذة وراحة وسعادة، فنبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان ينادي الصحابي بلال رضي الله عنه، ويقول له: «أرحنا بالصلاة يا بلال».
غير علاقتك مع القرآن، فرمضان شهر القرآن، كم ابتعد البعض منا عن القرآن، وهجره إما هجرًا لتلاوته، أو هجرًا لتدبره، أو هجرًا للعمل به، أو الاستشفاء به، أقبل على كتاب ربك بالإكثار من تلاوته، وتدبر آياته، حرك به قلبك كما تحرك به لسانك، اختمه عدة ختمات، نظم أوقات قراءتك بين الصلوات، وستجد أن الأمر سهل ويسير، وتذكر دائمًا أن القرآن تجارة رابحة، تفوز فيها بملايين الحسنات.
غير أخلاقك في رمضان، رمضان شهر الصبر، والحلم، والأناة، والعفو والصفح، فالصوم يهذب الأخلاق ويسمو بها، ويزكيها، قال صلى الله عليه وسلم: (فإن سابه أحدٌ فليقل: إني امرؤ صائم). رواه البخاري.
نعم فالصوم يمنعه من أن يرد على كل جاهل ومعتد وظالم.
وغيروا سلوككم وعاداتكم السيئة كالتدخين، وكثرة الأكل والشرب، وأذية الجيران، وأكل أموال الخدم والعمال وغيرها، واهتموا بالرياضة اليومية، والأكل الصحي المفيد، والإحسان إلى الجيران، وإعطاء الناس أجورهم.
غير حواسك وجوارحك في رمضان، لسانك وعيناك، وأذناك، ويداك ورجلاك، اجعل هذه الجوارح شاهدة لك لا عليك في هذا الشهر، قال تعالى: ﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36]، وقال تعالى: ﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النور: 24]، فلسانك اجعله رطبًا بذكر ربك بالأذكار والقرآن، وعيناك وأذناك لا تنظر بهما ولا تسمع إلا ما يرضي ربك.
غير تعاملك مع برامج التواصل الاجتماعي في رمضان، خفف وقلل منها وابتعد عنها قليلًا، اجعلها معينة لك على الطاعة والقرب من الله، اقرأ فيها وتصفح ما يفيدك ويزيد من إيمانك، كن داعيًا إلى الخير بنشر كل خير ومفيد، وغض بصرك وجوارحك عن كل معصية.
كم نحن بحاجة إلى استشعار أن الجنان فتحت في رمضان، والنيران غلقت، والرحمات والخيرات تتنزل، والحسنات في رمضان مضاعفات، وفي مكة خاصة تضاعف كذلك، والذنب في رمضان وفي مكة يعظم، فمن استشعر ذلك ازداد قربًا وإيمانًا، ويقينًا بما عند مولاه، ومن غاب عن ذهنه ذلك، فحياته في رمضان كما هي لن تتغير كثيرًا.
وقفة:
يقول الأديب الرافعي رحمه الله: (رمضان ما هو إلا فترة راحة وهدوء، يعبر المؤمن من خلالها إلى مرافئ الصعود في درجات الإيمان، فمن استفاد من هذه الفترة في إصلاح حاله، وتجديد إيمانه، ومراجعة نفسه، فقد وجد للتغيير طريقاً).
وتذكروا أن شهر رمضان أيامه قليلة، وستنقضي بسرعة {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: ١٨٤]، فغيروا أنفسكم للأفضل والأحسن.
المصدر: صحيفة صدى
كلمات دلالية: فی رمضان
إقرأ أيضاً:
في ذكرى ميلاد السيد المسيح عليه السلام.. تعرف على مكانته في الإسلام
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
لقد تحدث القرآن عن السيد المسيح عليه السلام في 38 آية توصف مولده ومعجزاته وصفاته.
قال تعالى: {إِذْ قَالَتِ المَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ المَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ المُقَرَّبِينَ. وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي المَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران:45-46].
وقال تعالى: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا. وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا. وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا. وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا. ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ} [مريم:30-34].
ولقد احتفى سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بأخيه المسيح عليه السلام بذكر عدد من الأحاديث التي تدل على مكانته ومقامه ،،،،
فقال صلى الله عليه وسلم: " (أنا دعوة أبي إبراهيم، وبُشرى أخي عيسى) رواه ابن حبان فى صحيحه.
ويصف لنا أخاه المسيح، فيقول: “رِبعة ( يعنى لا طويل ولا قصير ) أحمر كأنما خرج من ديماس”. أيْ حَمّام، وفي ذلك إشارة إلى جماله ونقائه ووضاءته وإشراق وجهه،،،
رواه مسلم.
ومِن شدَّة محبته له، يصفه مرة أخرى، فيقول: “بينما أنا جالس عند الكعبة، فرأيتُ في أجمل ما يرى الرائي؛ رأيتُ رجلًا أدم سبط الشعر يُهادَى بين رجُليْن، وكأنَّ رأسه يقطر ماءً، فقلتُ مَن هذا؟ قالوا: هذا أخوك ابن مريم”. صحيح ابن حبان.
ويدافع عن المسيح عليه السلام ويقول: أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة؛ فليس بيني وبينه نبيّ”. صحيح مسلم.
ويفتخر بأخيه المسيح، قائلًا: (كيف تهلك أُمّةٌ أنا في أولها وأخي عيسى في آخرها). رواه الحاكم.
وفي مناسباتٍ كثيرة، يُشبِّه (نبيّ الرحمة) بعض أصحابه بالمسيح في عطفه، وشفقته، ورحمته، فمثلًا: يقول لأبى ذر: مثلكَ يا أبا ذر في أصحابي كمثل المسيح بن مريم بين الناس”
وعلى هذا فالاحتفاء بميلاد السيد المسيح ليس حرامًا كما يدّعى أهل الغلو والجفاء !
بل هو سلام كما ذكر القرآن " والسلام عليّ يوم ولدت".