أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد إليها عبر موقعها الرسمي مضمونه:"ما حكم تَركُ الصيام لفوات السُّحُور؟ فقد سمعتُ أنه يجوزُ تَرْك الصيام في رمضان بعد نيته مِن الليل في حالةِ فوات السُّحُور؛ لعدم الاستيقاظ ليلًا، فهل هذا صحيحٌ؟".
لترد دار الإفتاء موضحة: أن تركُ السُّحُور في حَد ذاته غير مبيحٍ للفِطْر في رمضان، علمًا بأنَّ تَحمُّل مشقة الصيام مِن أعظم القُرُبات التي اختص الله الجزاء بها، فقد جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسَلَّم قال: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْم، فَإنَّه لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، ولَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ».
رواه الشيخان، واللفظ للبخاري.
وفي واقعة السؤال: لا يجوزُ ترك الصوم تحت مبرر فوَاتِ السُّحُور، ومَن تعَدَّى بفطره في صومٍ واجبٍ بغير عذرٍ مُبيحٍ للفطرِ كان آثمًا، ووجبَ عليه القضاء.
تفسير معنى البركة في السحور وبيان حكمه
السُّحُورُ سُنَّةٌ مندوبٌ إليهِ، ومَرغُوبٌ فيهِ، وقد أخبَرَ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم أَنَّهُ سَبَبٌ لحُصُولِ البركة للصَّائم؛ فعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً» أخرجه الشيخان.
والبَرَكةُ في السُّحُور -كما يُفَسِّرها العَلَّامة تقي الدِّين ابن دقيق العيد في "إحكام الأحكام" (2/ 9، ط. مطبعة السنة المحمدية):- [يجوز أن تعودَ إلى الأُمُورِ الأُخرَويَّة، فإِنَّ إقامةَ السُّنَّة تُوجِبُ الأَجر وزِيَادَتَهُ، ويُحتَملُ أن تعودَ إلى الأُمُورِ الدُّنيَوية؛ لقوةِ البدنِ على الصومِ، وتيسِيرِهِ مِن غيرِ إجحَافٍ بِهِ] اهـ.
حكم ترك الصيام لفوات السحور
مع كون السُّحُورِ من المستحبات إلَّا أنَّ الصومَ لا يُترَكُ بفوَاتِهِ، إلَّا إذا لَحِقَت بالمكلَّف مَشَقَّةٌ لا يتحمَّلُها، بحيث يَشُقُّ عليه الصوم، ويُؤثِّر فيه تأثيرًا شديدًا يضر جسدَه بشكل يصعب عليه احتمالُه، أو قد يَهلك ويَلْحَقُه شديدُ أذًى، أو يكون صومه سببًا في حصول المرض له، فحينئذٍ يكون الفِطْرُ رخصةً في حَقِّه؛ لحصولِ المشقَّةِ، لا بسببِ فَوَاتِ السُّحُورِ؛ لأنَّهُ لا يجوزُ تَركُ الصومِ الواجبِ بعدَ دُخولِ وقتِهِ والشروعِ فيهِ إلَّا بعُذرٍ مُبيحٍ للفطرِ.
نصوص الفقهاء في هذه المسالة
هذا ما تواردت عليه عبارات الفقهاء، حيث نَصُّوا على أَنَّهُ لا يجوزُ الخروج مِن الصومِ الواجبِ بعدَ عقدِ النيَّةِ عليه والشروعِ فيهِ إلَّا بعذرٍ، وأَنَّ مَن تعدَّى بفطرهِ كان آثِمًا، ووجب عليه القضاء، وزاد بعضهم الكفارة.
قال الإمام ابن عبد البر في "الاستذكار" (1/ 77، ط. دار الكتب العلمية): [وأجمَعَتِ الأُمةُ ونَقَلَتِ الكافةُ فيمَن لم يَصُم رمضانَ عامدًا وهو مؤمنٌ بفرضِهِ وإنَّما تركهُ أَشَرًا وبَطَرًا، تَعَمَّدَ ذلك، ثُمَّ تاب عنه: أَنَّ عليه قَضَاءَهُ] اهـ.
وقال شمس الأئمة السَّرَخْسِي الحنفي في "المبسوط" (3/ 69، ط. دار المعرفة) في كلامه على مَن أفسد صومَهُ بعد الشروعِ فيه: [لأَنَّه بالشروعِ تعيَّن هذا اليومُ لأَداءِ الصومِ المشروعِ فيه... والإفساد في ذلكَ الزمان يوجب القضاء، فهذا مِثلُه... وهذه المسأَلَةُ تُبنَى على أصلٍ وهو: أنَّ بعدَ الشروعِ لا يُباحُ له الإفطار بغيرِ عُذرٍ عندنا] اهـ.
وقال العَلَّامة ابن مازه الحنفي في "المحيط البرهاني" (2/ 390، ط. دار الكتب العلمية): [أمَّا في الفرضِ والواجبِ لا يَحِلُّ الإفطارُ إلَّا بعُذرٍ] اهـ.
وقال العَلَّامة أبو عبد الله الخَرَشي المالكي في "شرحه على مختصر خليل" (2/ 262، ط. دار الفكر): [مَن أفطَرَ في رمضان أو نافلةٍ عمدًا بأكلٍ أو نحوه فإِنَّهُ يَلزَمُهُ القضاءُ، والكفارةُ إن كانَ في رمضان] اهـ.
وقال الإمام الشافعي في "الأم" (1/ 324، ط. دار المعرفة): [مَن دَخَل في صومٍ واجبٍ عليهِ مِن شهرِ رمضانَ أو قضاءٍ أو صوم نذرٍ أو كفارةٍ من وجهٍ من الوجوهِ، أو صلَّى مكتوبةً في وقتها أو قضاها، أو صلاةً نَذَرهَا، أو صلاةَ طوافٍ، لم يكن له أن يخرُجَ من صومٍ ولا صلاةٍ ما كان مُطيقًا للصومِ، والصلاةِ على طهارةٍ في الصلاة، وإن خَرَجَ من واحدٍ منهما بلا عذرٍ مما وصفت أو ما أشبَهَهُ عامدًا، كان مُفسدًا آثمًا عندنا] اهـ.
وقال العَلَّامة ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (3/ 160- 161، ط. مكتبة القاهرة): [ومَن دَخَل في واجبٍ، كقضاءِ رمضانَ، أو نذرٍ معينٍ أو مطلقٍ، أو صيام كفارةٍ؛ لم يَجُز له الخروجُ منهُ؛ لأَنَّ المُتَعَيِّن وجب عليه الدخولُ فيه، وغيرَ المُتَعَيِّن تَعَيَّنَ بدخولهِ فيه، فصار بمنزِلَةِ الفرضِ المُتَعَيِّن، وليس في هذا خلافٌ بحمد الله] اهـ.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: اهـ وقال فی رمضان
إقرأ أيضاً:
تعرف على موعد احتفال الكنيسة بعيد القيامة المجيد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تستعد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية للاحتفال بعيد القيامة المجيد 2025، والذي يوافق يوم الأحد 20 إبريل 2025، وذلك بعد انتهاء فترة الصوم الكبير التي تستمر لمدة 55 يومًا، حيث يُعتبر هذا العيد من أهم الأعياد المسيحية.
ويترأس البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، قداس عيد القيامة المجيد 2025، والذي يُقام ليلة سبت النور، الموافق 19 إبريل 2025، في الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، ويشارك في صلوات القداس عدد كبير من الأساقفة والكهنة والشمامسة، بالإضافة إلى حضور واسع من المسؤولين وعامة الشعب القبطي.
جدير بالذكر، أن الكنيسة تمر خلال فترة الصوم الكبير بسبعة أسابيع، يُطلق على كل أسبوع منها اسم يحمل دلالة روحية، ويُعد صوم العيد من أصوام الدرجة الأولى، حيث يمتنع الصائمون عن تناول اللحوم والأسماك، ويكتفون بالأطعمة النباتية فقط.
تتوزع أسابيع الصوم الكبير إلى سبعة آحاد، ولكل منها دلالة روحية خاصة:
- أحد الكنوز: يوجه الأقباط لتركيز أنظارهم على الكنوز السماوية بدلًا من المادية.
- أحد التجربة: يُعلم كيف يمكن الانتصار على الشيطان كما فعل المسيح.
- أحد الابن الشاطر: يوضح رحمة الله وقبوله للخاطئ.
- أحد السامرية: يبرز دور كلمة الله في تطهير القلوب.
- أحد المخلع: يشير إلى قوة المسيح في شفاء الخطايا.
- أحد التناصر: يرمز إلى الاستنارة الروحية والمعمودية.
- أحد الشعانين: يُمثل دخول المسيح إلى أورشليم كملك، ويبدأ به أسبوع الآلام.