القرآن.. عائق الإسلامولوجيين الإبستمولوجي وعلاقته بالإسلاموفوبيا
تاريخ النشر: 14th, March 2024 GMT
لم يمثل طوفان الأقصى، زلزالا سياسيا فقط لجهة إسقاط مقولة الجيش الذي لا يقهر لدولة الاحتلال، وإنما أيضا مثل سؤالا فكريا وثقافيا وفلسفيا لا يزال يتردد منذ عصر النهضة العربية الأولى، عن سر النهضة والتقدم..
صحيح أن طوفان الأقصى وما تبعه من حرب إسرائيلية موغلة في الإبادة والوحشية، هو في ظاهره معركة بين حركات تحرر وطني وشعب يتوق إلى الاستقلال والسيادة، وبين قوة احتلال ترفض الانصياع للقانون الدولي، لكن ما تبعه من اصطفاف دولي غير مسبوق ضد الشعب الفلسطيني هو ما أثار علامات استفهام كبرى، حول مفاهيم الحرية والقانون والسيادة والمساواة والحقوق وغيرها من القيم التي عملت الإنسانية على مدى تاريخها بإسهامات تراكمية في صياغتها.
الفيلسوف والمفكر التونسي الدكتور أبو يعرب المرزوقي يعمل في هذه المقالات التي تنشرها "عربي21" في أيام شهر رمضان المبارك، على تقديم قراءة فلسفية وفكرية وقيمية للقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف باعتبارهما المرجعية الأساسية التي يبني عليها العرب والمسلمون إسهاماتهم الحضارية..
الفصل الثاني
استنادا إلى مطلوبي الذي حددته في الفصل الأول سأقتصر على العائق الإبستمولوجي أي أنني لن أتكلم على الموقف الإيديولوجي الذي يدفع أصحاب هذا النوع من النقد إلى اعتبار القرآن مصنفا تلفيقيا شكله الظرف الاجتماعي والتاريخي لينتحل ما انتحله من النصوص السابقة عليه فغلب عليه التناص مثل أي نص مرتهن بظرفياته.
سأقتصر على العائق الإبستمولوجي لأنه هو المحدد الذي يثبت تخلف الرؤية التي تعتمدها هذه القراءة المزعومة حداثية فيلغي كل ما تخفي به طابعها الإيديولوجي الذي يخفي الإسلاموفوبيا الباطنة بالإسلامولوجيا الظاهرة إما تقية أو توظيفا لما يزعمونه من علم بما هو من دلالات تحريف كل معرفة نزيهة وصادقة.
ما يقدمه التجريبي للمعرفة إن عبرنا عنه بلغة رياضية هو قيم المتغيرات التي تمثل خانات خاوية يضعها النموذج النظري في مصفوفة نسق محدد للموضوعات التي تصاغ به لنقلها من التعين التجريبي العيني إلى التعين القانوني العلميفالذين يعانون من هذا العائق الذي يحدد طبيعة مواقفهم ينتهون إلى رد كل نص إلى تلفيق انتحالي من حيث حنسه الأدبي ومجرد انعكاس لزمانه من حيث مضمونه. فعندهم أن كل نص دينيا يقبل الرد إلى "تداو وهمي= بلاسيبو" نفساني خالص لما تعاني منه الإنسانية من عيش المساكين. وبذلك فعندهم أن عمل الفكر يرد إلى مجرد انعكاس لما يسمنه "الواقع". وطبعا فهم يضمرون أن قابلية الواقع للعلم الانعكاس غنيتان عن التعليل والإثبات لبداهتهما. ومن ثم فلا يكون الدين عند أصحاب هذه الرؤية إلا علاجا تعويضيا عن اغتراب وجود الإنسان الشقي ومجرد عائق لإرادة الثورة من اجل تغييرها (افيون الشعب).
وفي مثل هذه الفرضية يكون الفكر الإنساني مجرد تلق منفعل بمضمونه أو الجوهري من مضمونه الذي يزعموه "الواقع" فيعكسه كما يتمثل له مكتفيا العارية التي هي انتحال ملفقات من التصورات السابقة عليه او المساوقة لتكونه. فيبدو القرآن الذي لا يتوقف في كل سوره من الكلام على اديان عصره أو التي انقرضت مناسبا تمام المناسبة لإثبات هذه الرؤية ومن ثم فهو ييسر اللجوء إلى هذه الابستمولوجيا الساذجة لكلام عليه كلاما يعده مجرد تلفيق تناصي من السرقات الأدبية.
فحتى نرد نصا إلى سياقه الذي هو من خارجه سواء كان نصيا أو اجتماعي ثقافي لا بد حتما من أن تكون لنا رؤية تخضع لحكمين مسبقين خاليين من كل أساس:"
فأما الحكم المسبق الأول فليس هو إلا الابستمولوجيا التي تواصل الاعتقاد في وجود معرفة بـ"الواقع" مطابقة له تام المطابقة.
وأما الحكم المسبق الثاني فليس هو إلا الانطولوجيا التي تواصل الاعتقاد في وحدة العالم الذي ينفذ إليه ينفذ إليه الإنسان بعلمه.
فحتى يرد الفكر إلى مجرد مرآة عاكسة لـ"واقع" الموضوع الذي يتكلم عليه لا بد من تكون نظرية المعرفة ابستمولوجيا مطابقة المعرفة للوجود. ولكن حتى لو سلمنا بذلك فإنه هذه الابستمولوجيا لا تكفي لتعليل هذه الرؤية التي تريد الوجودي إلى المعرفي. لا بد مع ذلك من التسليم القبلي بوحدة العالم أي العالم الذي ندعي حيازة معرفة محيطة به.
لكن الإبستمولوجيا الحديثة لا تثبت صحة هذه المطابقة المزعومة ناهيك عن إثبات اليقين بأن العالم واحد. فالعقل الإنساني صار أكثر عقلانية. فالحكمة والنضوج الأبستمولوجيين انتهتا إلى الاقتناع باستحالة هذه المطابقة. إذ إن فلسفة المدرسة النقدية الغربية (وقبلها فلسفة المدرسة النقدية العربية) أثبتت أن الفكر لا يقتصر على إنتاج طرق علاج موضوعه بل هو ينتج موضوع العمل النظري دون زعم المطابقة بينه وبين علمه به ناهيك عن الاعتقاد بوحدة العالم.فسذاجة التوحيد بين المعرفي والوجودي ليست إلا نتيجة الدغمائية القائلة بوحدة العالم (عدم التمييز بين الظاهرات التي نعلمها والأشياء في ذاتها التي نفترضها وراءها).
وهي تكتفي بضمانة إجماع الذوات على وحدة العلم معيارا للموضوعي متخلية بذلك عن ادعاء المطابقة ووحدة العالم. ومن ثم فهي تنتج موضوعا مشتركا بين الذوات المدركة من نفس طبيعة الطرق المشتركة التي تستعملها لمعرفة ما تنفذ إليه من الوجود دون الزعم برده إلى ما تعلمنه منه ومن ثم فمن باب أولى إلا ترد إلى الكائن ما ينبغي أن يكون بل أكثر من ذلك فهي لا تتكلم على أي من الموضوعات "الواقعية".
فهي لا تعالج الموضوعات العينية مباشرة ولم تعد تعتقد أبدا أن العيني هو "الحقيقي" أو على الأقل الحقيقي الوحيد. فموضوعها الحقيقي يكون دئما نظرية تعد الموضوعات العينية تمثيلا لها متعددة درجات القابلية لتمثيل حالات خاصة مما تنطبق عليه هذه النظرية التي "تحفظ الظاهرات".
فحتى التجريبيون الخلص والمتشددين الذين يتبنون القرضية القائلة إن موضوعات العلم تنتج عن أفكار استقرائية ممثلة للتجريبي فإنهم يسلمون بأن هذه المستقرآت لا تعمل أدبا عملا مباشرا بل هي تمر ضرورة بفضل رؤية نظرية على الأقل لإعداد تصنيف يؤسس معنى الموضوع ذاته. فالتجريبي لا يحدد أبدا عمل الفكر سواء كان فلسفيا أو دينيا علمي أو قيمي حتى خلال مراحله النظرية الأدنى والأكثر انتساب إلى التجريبي (2).
سذاجة التوحيد بين المعرفي والوجودي ليست إلا نتيجة الدغمائية القائلة بوحدة العالم (عدم التمييز بين الظاهرات التي نعلمها والأشياء في ذاتها التي نفترضها وراءها).فما يقدمه التجريبي للمعرفة إن عبرنا عنه بلغة رياضية هو قيم المتغيرات التي تمثل خانات خاوية يضعها النموذج النظري في مصفوفة نسق محدد للموضوعات التي تصاغ به لنقلها من التعين التجريبي العيني إلى التعين القانوني العلمي، بحيث يكون شكل العلم رياضيا ومضمونه من طبيعة الموجودات التي تكون طبيعية او إنسانية إن اقتصرنا على نوعي المعرفة العلمية الحالية. وبذلك تتحدد الموضوعات بفضل هذا النسق المحدد لها فتبقى بذلك دائما حصيلة النظرية التي بنت النسق وقواعد الترتيب والتراتب الذي ترصف فيه الموضوعات التي يتكون منها المضمون التجريبي باعتباره القيم الممكنة لمتغيرات النسق.
وليس ذلك كذلك إلا لأنه نتيجة للثورة النقدية في الحالتين العربية والغربية. والحداثة الحقيقية التي بدأت مع المدرستين النقديتين يمثلها بوضوح النقد الكنطي التي بينت أن الفكر ليس مرآة عاكسة للواقع بل هي باستعارة كنط عاكسة لأفعال الفكر وهو معنى "الثورة الكوبرنيكية" حيث يصبح الفكر قاضيا يسائل الواقع.
هامش:
2 فحتى أي راع للغنم جاهل بإطلاق للرياضيات يستطيع أن يحصي نعاجه مثلا بمفهوم رياضي شديد التجريد من دون أن يدري باستعمال "الحصوات": فهو يستعمل مفهوم التعاكس بين المصدر والغاية في الدالة-Bijection في التناظر بين مجموعة من الحصوات وقطيعه من الأغنام. وإذا كان من المصلين فهو يستعمل حصوات سبحته. وهذا المفهوم الرياضي في الدالة المتعاكسة ليست موضوعا واقعيا بل هي علاقة من إبداع الفكر. فالراعي لا يعلم عدد نعاجه لكنه يعلم أن له دائما نفس العدد بالتناظر بين حبات من سبحته ناظرها مع نعاجه دون حاجة لحساب النعاج ولا الحبات لأنه يجهل الحساب.
ـ أضع بين قوسين مسألة مؤلف القرآن لأن الحسم فيها ينتسب إلى الإيمان وليس إلى المعرفة الفلسفية.
ـ علوم الملة خمسة وهي: إثنان نظريان وهما الكلام والفلسفة وإثنان عمليان وهما الفقه والتصوف وأصلها جميعا هو التفسير.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير القرآن الحديثة القرآن رأي تفسيرات الحديث أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ومن ثم
إقرأ أيضاً:
كتاب جديد لـ «تريندز» يسلط الضوء على أدوار مراكز الفكر وتحدياتها
أبوظبي (الاتحاد)
أخبار ذات صلة رئيس الدولة يحضر حفل زفاف في العين رئيس الدولة يستقبل محمد بن راشد بن محمد بن راشدأكد كتاب جديد أصدره مركز تريندز للبحوث والاستشارات أهمية الدور الحيوي الذي تلعبه مراكز البحث والفكر في تشكيل المستقبل والسياسات العامة وتعزيز القوة الناعمة للدول. وأوضح مؤلف الكتاب الدكتور محمد عبدالله العلي، الرئيس التنفيذي لمركز تريندز، أن هذا الإصدار الذي يحمل عنوان «مراكز الفكر في عالم متغير: التحولات والأدوار والتحديات» يمثل خلاصة سنوات من العمل البحثي والدراسات حول تطور مراكز الفكر وتأثيرها في عالم متغير يسوده عدم اليقين.
وأشار الدكتور العلي إلى أن الكتاب يتناول، عبر خمسة فصول رئيسية موزعة على 230 صفحة، مراحل تطور مراكز الفكر منذ نشأتها الأولى وحتى يومنا هذا، ويركز على التحديات التي تواجهها، مثل التمويل، والتنافسية، وتأثير التكنولوجيا المتزايد.
وأضاف أن الكتاب يتطرق إلى استراتيجيات الاستشراف المستقبلي، وكيفية مساهمة مراكز الفكر في صناعة السياسات العامة، وتشكيل الرأي العام، وربط النظرية بالواقع من خلال تحويل الأبحاث الأكاديمية إلى حلول عملية.
وأوضح الدكتور محمد العلي أن الكتاب يلقي الضوء على أهمية مراكز الفكر كحلقة وصل بين الباحثين وصناع المستقبل والقرار، ويساهم في تثقيف الرأي العام حول القضايا المختلفة.
ولفت إلى أن هذه المؤسسات الفكرية تلعب دوراً متنامياً في تعزيز التعاون الدولي وتحقيق الحوكمة في ظل ديناميات التغير العالمي.
وأعرب الدكتور محمد العلي عن أمله في أن يساهم هذا الإصدار في تعزيز الحوار الفكري حول دور مراكز الفكر في عصرنا الحالي، وتشجيع المزيد من الباحثين والمؤسسات على الانخراط في هذا المجال الحيوي.
وأكد أن الكتاب يُعد مرجعاً رئيسياً للمهتمين بالشأن العام من أكاديميين ومسؤولين وطلاب جامعات، حيث يقدم رؤية معمقة حول كيفية تجاوز مراكز الفكر للتحديات الراهنة واستثمار الفرص لتعزيز استدامتها ودورها المجتمعي.