نشرت مجلة "فورين أفيرز" (Foreign Affairs) مقالا عما سماه كاتبه "نفاق الغرب" تجاه الدول الواقعة في جنوب الكرة الأرضية، وما قد ينطوي عليه من فوائد في بعض الأحيان للبلدان.

ويجادل ماتياس سبكتور -أستاذ العلاقات الدولية والباحث غير المقيم في مركز كارنيغي للسلام الدولي- في المقال المذكور بأن النفاق الذي تمارسه الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة في تعاملاتها مع دول العالم الثالث قد تكون له منافع أحيانا، ذلك أنه يتيح للحكومات مخرجا عمليا في المواقف التي تتعارض فيها المبادئ والقيم.

ويستهل مقاله بتأكيد أن زعماء دول الجنوب لطالما اتهموا الغرب بالنفاق، ويشعرون بالجرأة لتحدي الهيمنة الغربية إذ يرون أن العالم يمضي باطراد ليصبح متعدد الأقطاب.

ويزعم الكاتب أن كلا من الصين وروسيا لم تفوّتا هذه الفرصة، حيث تبذلان جهودا كبيرة لإذكاء مشاعر الاستياء من النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.

ومع إقراره بأن اتهام الغرب بالنفاق غالبا ما يكون صحيحا وعادلا، فإنه يجادل بأن النفاق يمارس عندما يدير الزعماء السياسيون السياسة الخارجية لدولهم بطرق تتنافى مع ما يدعونه من الدفاع عن الفضائل والأخلاق "لتمرير سياسات بديلة تتماشى مع معتقداتهم المعلنة".


خلل في الشخصية؟

ويضرب سبكتور مثالا على ذلك بغزو الولايات المتحدة للعراق قبل عقدين من الزمان، والذي روّجت له على أنه عمل حميد باعتباره وسيلة لتعزيز الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والنظام الدولي القائم على القواعد.

ويضيف أنه كان بإمكان أميركا التعامل حينها مع الرئيس العراقي صدام حسين وفقا لمبادئ النظام الدولي الليبرالي -على سبيل المثال- من خلال الحصول على تفويض من مجلس الأمن الدولي.

ولو اتبعت واشنطن خيارات أخرى لما تسببت في الكثير من المجازر بالعراق وزعزعت استقراره، ولتجنبت تهمة النفاق التي وصمت السياسة الخارجية الأميركية منذ ذلك الحين.

ولكن لو نظرنا إلى الجانب الآخر -كما يزعم الكاتب – فسنجد أن مثل هذه التهم بالنفاق دليل على تفرد القوة الأميركية. ويتابع المقال أن اتهام النقاد للولايات المتحدة بأنها تمارس النفاق أكثر من أي دولة غربية أخرى، ليس نتاج خلل في شخصيتها بل بسبب طبيعة قوتها.

ويعدد سبكتور "مناقب" النفاق الأميركي، إذ يقول إن الولايات المتحدة كرَّست نفوذها بتوفيرها منافع عامة للعالم عبر المؤسسات الدولية، "فهي تساعد في إرساء السلام والأمن من خلال الأمم المتحدة، والتجارة الحرة عن طريق منظمة التجارة العالمية، والمساعدات المالية من خلال صندوق النقد الدولي".

سياسة الإكراه

ويمضي كاتب المقال في تبرير لجوء الغرب -لا سيما الولايات المتحدة- للنفاق في تعاملها مع دول الجنوب زاعما أنها تصب في مصلحة الجميع، "فعندما يُنظر إلى السياسة الخارجية الغربية على نطاق واسع بأنها تتسم بالرياء، عندئذ تصبح المحافظة على النظام (الدولي) أكثر كلفة".

إن السياسة التي يُنظر إليها على أنها مخادعة تقوض شرعية القوانين والمؤسسات التي تقوم عليها، فإذا كان النظام يفتقر إلى الشرعية فإن الولايات المتحدة تكون مضطرة إلى (انتهاج سياسة) الإكراه بديلا عن الرضا والقبول، حيث لم يعد بإمكانها أن تتوقع إذعان الآخرين لسياساتها، حسب تعبير مقال فورين أفيرز.

ويعترف سبكتور أن سياسة واشنطن الخارجية أضحت أكثر عنفا وغير متساهلة مع منتقديها، مما أدى إلى تآكل ملامحها الليبرالية التي طالما كانت سمة بارزة في ممارسة قوتها.


"إيجابيات"

ويردف بأن النفاق الغربي لعب دورا حاسما في القضاء على تجارة الرقيق، والحد من استخدام أسلحة الدمار الشامل، وترسيخ معايير احترام السيادة وتجنب التدخل.

إن البديل للنظام القائم على القواعد والمؤسسات، عالم لا تهتم فيه القوى العظمى حتى بتبرير أفعالها على أساس القيم الأخلاقية، وعالم كهذا سيكون أكثر ضررا بالدول الضعيفة، على حد زعم المقال.

وانتقد الباحث الأميركي دول الجنوب لأنها قلما اتهمت الصين بالنفاق، ويعود أحد أسباب ذلك -في نظره- إلى أن بكين نأت بنفسها عن صياغة رؤية متماسكة للنظام الدولي.

ولكن بمجرد تعاظم نفوذ بكين -كما يقول سبكتور في ختام مقاله- في السياسة الدولية، فإنها ستتعرض هي الأخرى لاتهامات بالنفاق، وعندما يأتي ذلك اليوم فإن الشعوب في جميع أنحاء العالم قد تجد أن السلوك المنافق تحت شعار القيم الليبرالية لم يكن بذلك السوء على الإطلاق!

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الولایات المتحدة

إقرأ أيضاً:

روته التقى ترامب في الولايات المتحدة

التقى الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، مارك روته، الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب في بالم بيتش في ولاية فلوريدا الجمعة، وفق ما أعلنت الناطقة باسم الناتو السبت.
وقالت فرح دخل الله في بيان مقتضب: «ناقشا كل القضايا الأمنية العالمية التي تواجه حلف شمال الأطلسي».

 

أخبار ذات صلة ترامب يرشح نائبة جمهورية لتولي وزارة العمل ترامب يرشح سكوت تيرنر لمنصب وزير الإسكان المصدر: آ ف ب

مقالات مشابهة

  • قريبا.. انطلاق فعاليات مهرجان الفيوم السينمائي الدولي
  • روته التقى ترامب في الولايات المتحدة
  • كوريا الشمالية: الولايات المتحدة تخلق جواً من المواجهة النووية
  • تركيا حققت ما عجزت عنه الولايات المتحدة والصين وإسرائيل!
  • بوتين: الولايات المتحدة دمرت نظام الأمن الدولي وتدفع نحو صراع شامل
  • في ظل تزايد العنف في هاييتي.. روسيا والصين تعارضان تحويل جنود كينيا وغيرها إلى قوة أممية لحفظ السلام
  • إيلون ماسك المغربي يعلن تسويق سيارات الهيدروجين التي عرضها أمام الملك في الولايات المتحدة
  • البنتاغون: على الولايات المتحدة الدخول في حوار مع روسيا والصين لمنع التهديد النووي
  • المبعوث الأمريكي للسودان: الولايات المتحدة تؤيد إنهاء الحرب والجرائم التي ترتكب في حق الشعب السوداني
  • البنتاجون: على الولايات المتحدة الدخول في حوار مع روسيا والصين لمنع التهديد النووي