يتناول الخبير رامي سلامة في معمل ترميم في المكتبة الخالدية مخطوطا قديما من خزانة للعمل عليه، بعد أن انتهى من ترميم 1200 ورقة أخرى، في إطار عملية رقمنة مخطوطات نادرة توثّق جزءا من تاريخ مدينة القدس.

تمثّل هذه الأوراق 18 مخطوطة يتراوح عمرها ما بين 250 و300 عام رمّمها سلامة خلال فترة العامين ونصف العام الماضية في المعمل المؤلف من غرفة صغيرة تعاني الرطوبة.

وتعود تلك المخطوطات إلى 3 مكتبات فلسطينية خاصة في القدس الشرقية المحتلة: البديرية، وإسعاف النشاشيبي، والخالدية التي لها الحصة الأكبر منها (11 مخطوطة).

ويقول سلامة وهو يمسك بفرشاة لتنظيف المخطوطة "تتنوّع عناوين المخطوطات بين الفقه والفلك والسيرة النبوية والقرآن"، مضيفا أن "معظمها باللغة العربية، وهناك مخطوطات بالفارسية أيضا".

ترميم وتجليد المخطوطات

بدا سلامة الذي درس ترميم المخطوطات في إيطاليا مرتاحا لعدم وجود حاجة لغسل المخطوط وتنقيته من الأكسدة التي تعرض لها عبر السنوات.

يستخدم الخبير ورقا يابانيا خاصا بوزن 4 غرامات لإخفاء أي تمزّق في الأوراق، حيث يلصقه على الفراغات بواسطة مادة لاصقة أساسها الماء يمكن تفكيكها في حال وقع أي خطأ.

مكتبة الخالدية ترمم وتجلد المخطوطات القديمة (الفرنسية)

أما التجليد فهو آخر مرحلة، لكنه لا يشمل جميع المخطوطات نظرا للتكلفة العالية في ظل شحّ الموازنات.

تقع المكتبة الخالدية، التي أسّسها راغب الخالدي عام 1900 تنفيذا لوصية والدته خديجة، في طريق السلسلة داخل البلدة القديمة على بعد أمتار من إحدى البوابات الرئيسية للحرم القدسي. ويتكوّن مبنى أول مكتبة عمومية خاصة في القدس من 3 أبنية مملوكية تعود إلى القرن 13.

ومن مقتنيات المكتبة العريقة مخطوطة "منادح الممادح وروضة المآثر والمفاخر في خصائص الملك الناصر رحمه الله" التي يعود تاريخها إلى نحو عام 1200 للميلاد، أي بعد سنوات من وفاة (الملك الناصر) صلاح الدين الأيوبي عام 1193 للميلاد إذ قدمت لأبنائه، حسب حديث سابق لعاصم الخالدي عضو لجنة متولي أوقاف العائلة الخالدية للجزيرة نت.

أكبر مجموعة مخطوطات إسلامية

وتعدّ مخطوطات المكتبة الخالدية من أكبر مجموعات المخطوطات الإسلامية المملوكة لعائلة واحدة في العالم، ووفق الفهرس فإن أقدمها -وهي مخطوطة دينية- تعود للقرن العاشر الميلادي.

كانت المكتبة تضمّ لدى انطلاقتها، حسب رسالة تأسيسها التي كتبها ووقعها راغب الخالدي، 1300 مؤلَف بينها ما يزيد على 700 مخطوطة، وعددا كبيرا من الكتب المطبوعة.

ويبلغ عدد المخطوطات الموجودة اليوم، حسب أمين المكتبة خضر سلامة، نحو 1200 تشمل نحو ألفي عنوان أقدمها يعود لألف عام تقريبا. ومعظم تلك المخطوطات باللغة العربية، وهناك أيضا "50 مخطوطة باللغة العثمانية و20 بالفارسية".

مكتبة الخالدية أسسها راغب الخالدي عام 1900 وتحتوي على كتب فارسية وألمانية وفرنسية (الفرنسية)

أما المجموعة المطبوعة، فتضمّ قرابة 5500 مجلد أغلبها من القرن 19، بالإضافة إلى مجموعة ضخمة من أرشيف عائلة الخالدي تعود لأوائل القرن 18.

وتضمّ المخطوطات، التي تمّ ترميمها، فرمانات عثمانية ودفاتر حسابات خاصة بأوقاف العائلة في المدينة ورسائل متبادلة بين أفرادها وغيرها.

كما تحتوي المكتبة على كتب باللغتين الفرنسية والألمانية، من بينها 60 عددا من مؤلفات الأديب الفرنسي فيكتور هوغو، وأعداد من صحيفة (L’Aurore) -أي "الفجر"- الفرنسية الأسبوعية (1897-1914).

ويرجع سبب وجود هذه الأجزاء في مكتبة فلسطينية إلى روحي الخالدي، الباحث والسياسي الذي "درس في جامعة السوربون وكان قنصلا للدولة العثمانية في بوردو الفرنسية".

وتحتفظ المكتبة أيضا برسائل (مخطوطات) بالفرنسية كتبها الخالدي بخط يده.

ويتميّز أرشيف المكتبة عن غيره من المكتبات الخاصة في القدس، بحسب سلامة، بوجود "صحف مثل طنين العثمانية وطرابلس الشام التي كانت تصدر نهاية القرن 19".

مصحف قديم في مكتبة الخالدية (الفرنسية) رقمنة وأرشفة

من جهتها، تقول مسؤولة الأرشيف الرقمي في المكتبة الخالدية شيماء البديري في مكتبها حيث تتكدّس مئات الكتب قرب جهاز حاسوب وكاميرا تصوير، "نصوّر الوثائق بدقة عالية جدا ومن دون تعريض الأوراق للضوء، فوضع المخطوطات حسّاس جدا ونريد الحفاظ عليها أطول فترة ممكنة".

وتقوم بتصوير أوراق وحفظها في الحاسوب، موضحة أنها تحتفظ بنسختين من كل صورة، ولكل صفحة رقم تسلسلي لتسهيل العودة إليها.

انتهت البديري من تصوير 2.5 مليون صفحة لمخطوطات وصحف وكتب نادرة وغيرها من الوثائق في المكتبات الأربع الخاصة في القدس.

ويمكن لأي باحث التواصل مع المكتبة الخالدية للحصول على المخطوطات والوثائق عن طريق مراسلتها بالبريد الإلكتروني. وتقول البديري إن إقبال الباحثين على المخطوطات كبير جدا.

ونفّذ كلّ من سلامة والبديري عملهما في الترميم والرقمنة ضمن مشاريع للحفاظ على التراث الثقافي في القدس بدعم محلي وخارجي، وذلك في "أول خطوة لحفظ المخطوطات والنوادر الموجودة في القدس"، وفق سلامة.

ويأمل سلامة في توفّر مزيد من التمويل لاستكمال أعمال الترميم والرقمنة بشكل أوسع وتحديث مختبر ترميم المخطوطات المتواضع وتوفير صناديق خالية من الأسيد لحفظ المخطوطات.

مخطوطة عربية قديمة في مكتبة الخالدية المقدسية (الفرنسية) إطلالة مقدسية

ويطلّ المبنى الرئيسي للمكتبة -حيث يوجد محراب وأضرحة 3 من الأمراء الخوارزميين الذين شاركوا في تحرير القدس إبان احتلالها من الصليبيين خلال القرنين 12 و13- على حائط البراق الذي يحد الحرم القدسي من الجهة الغربية.

ويتابع أمين المكتبة خضر سلامة "قيمة المخطوطة أنها تسمح لنا بفهم الوضع الثقافي والاجتماعي لأهل القدس في ذلك الزمان". ويلفت إلى أن "هذا ينفي الطرح الصهيوني بأن هذه البلاد كانت فارغة ووجود مخطوطات تعود لمئات السنين دلالة على الوجود الفلسطيني في هذه المدينة منذ قرون".

ومنذ احتلال إسرائيل القدس عام 1967، تواجه عائلات ومؤسسات فلسطينية في القدس الشرقية عمليات طرد غير قانونية وفق قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي.

ويشير سلامة إلى أن جزءا من المكتبة ذهب لصالح مدرسة دينية يهودية "بعد معركة قضائية طويلة". لكنه يلفت إلى أن "وجود المكتبة حمى بقية المبنى من المستوطنين"، وكذلك توجد "شهادات لمثقفين إسرائيليين" أمام القضاء لصالح المكتبة وأصالة وجودها كمكتبة فلسطينية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی القدس فی مکتبة

إقرأ أيضاً:

مبادرة أصدقاء المكتبة بالكويت تُقدم فعالياتها لأطفال القاهرة

أعلنت الكاتبة الكويتية أمل الرندي، مؤسس وامين عام مبادرة "اصدقاء المكتبة" عن نقل أنشطة المبادرة من الكويت للقاهرة.

واشارت إلى أن مصر هي المحطة الرابعة للمبادرة خارج الكويت، حيث سبق وتم تنظيم أنشطة المبادرة في كل من تونس والبحرين والأردن.

وقالت "الرندي" إن وصول أنشطة المبادرة إلى العاصمة المصرية القاهرة، هو تأكيد على مدى حاجة مجتمعاتنا إلى إلى مثل تلك المبادرة التي تسعى لتشجيع الصغار على القراءة وارتياد المكتبات، واكتشاف مواهبهم الإبداعية في سن مُبكّرة، من أجل صقلها وتنميتها.

وفي هذا السياق، استضافت جمعية "ألوان وأوتار" بالقاهرة، ورشة خاصة قدمت خلالها أمل الرندي قصة "سفرا التسامح"، التي تؤكد من خلالها على أهمية زرع قيم التسامح في وجدان الصغار، حيث تقديم "الرندي" لقصتها، عرض فني فنان العرائس اليمني صدّام العدلة، الذي استعرض شخصيات تاريخية ذات صلة بالتسامح، والذين شكلوا أبطال قصة أمل الرندي، مثل نيلسون مانديلا، غاندي، الأم تريزا، والذي جسّد "العدلة" شخصياتهم من خلال العرائس التي أجاد في تصميمها وتحريكها.

وعبّرت الكاتبة الكويتية أمل الرندي، مؤسسة وأمين عام مبادرة أصدقاء المكتبة، عن سعادتها بالشراكة مع جمعية "ألوان وأوتار" لتقديم فعاليات مبادرتها في القاهرة.

ولفتت إلى أن تقديم فعاليات فنية مصاحبة لورشة القراءة، على غرار ما قدمه الفنان اليمني صدّام العدلة، يزيد من تفاعل المشاركين بالورشة من الأطفال، ويساعد على تحفيزهم على القراءة والسعي للمعرفة والتحلي بالقيم والأخلاق الحميدة، وفي مقدمتها التسامح وقبول الآخر، وهي القيم التي حملتها نصوص قصة "سفراء التسامح".

ووجهت "الرندي" الشكر لأسرة جمعية "أنغام واوتار" المصرية على ما بذلوه من جهد من أجل إنجاح فعاليات "مبادرة أصدقاء المكتبة" في جولتها بالقاهرة.

وأكدت على سعى المبادرة لنشر قيم التسامح والتعريف بأهميته في حياة الناس، والحاجة لمقاومة السلبيات داخل المجتمعات العربية، والتصدى لظاهرة التنمر، وذلك من خلال تشجيع الصغار على القراءة، وربطهم بالمكتبة والكتاب.

ونوّهت إلى إن مشاركة الفنان اليمني صدّام العدله، هي الثامنة مع مبدع عربي، بعد انضمام فنانين من تونس، الأردن، سوريا، مصر، العراق، البحرين، المغرب لأنشطة المبادرة.

ومن جانبها اعربت عزة كامل مؤسس جمعية "ألوان وأوتار" عن سعادتها بالتعاون مع مبادرة اصدقاء المكتبة التي انطلقت من الكويت إلى العالم العربي، لافتة إلى أهداف المبادرة وأهداف جميعتها هي أهداف مشتركة تسعى للتشجيع على القراءة و الحرص على الإلمام بشتى أنواع المعرفة، تقديم أنشطة ثقافية وفنية للأطفال بشكل جديد وتفاعلي.

فيما قالت اماني شنودة مسؤولة التصميم والتخطيط التربوي بجمعية "أنغام وأوتار"، فأشارت إلى أن الورشة حازت على إعجاب الأطفال الذين تفاعلوا مع قصة "سفراء التسامح"، وعرض العرائس المصاحب لها، وأشادت بما حملته القصة من قيم إنسانية نحتاج لتعزيزها في نفوس الاطفال، موجهة الشكر للكاتبة أمل الرندي على حرصها لأن تصل أنشطة المبادرة لكل بلد عربي.

وفي ذات السياق، أكدت هالة محمود مسؤولة المساحة المجتمعية في جمعية "ألوان وأوتار" عن سعادة العاملين بالجمعية لهذا التعاون مع الرندي ومبادرتها، ولما قدمته من نشاط ثقافي مهم، يواكب أهدافنا التعليمية والتربوية والثقافية.

وأما الفنان اليمني صدّام العدلة، فأكد على سعادته بالمشاركة في أنشطة مبادرة أصدقاء المكتبة التي تنتقل بلد عربي إلى آخر، من خلال ورشة تفاعلية في صناعة العرائس للأطفال، بجانب تقديم نشاط تفاعلي يعبر عن قيم التسامح الذي كان موضوع الورشة.

مقالات مشابهة

  • هزيمةٌ عربيةٌ، وفالجٌ لا تُعالج
  • نحو 40 ألف مصلٍ يُؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
  • آلاف الفلسطينيين يُؤدون صلاة الجمعة في الأقصى
  • 40 ألف فلسطيني يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
  • 40 ألفا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
  • صورة: امساكية رمضان 2025 القدس وموعد السحور والإفطار
  • مبادرة أصدقاء المكتبة بالكويت تُقدم فعالياتها لأطفال القاهرة
  • استعدادًا لرمضان.. دينية النواب تتفقد أعمال ترميم مسجد "علي السماك" بالإسكندرية
  • عشرات المستوطنين يجددون اقتحام المسجد الأقصى
  • "تحقيق التراث العربي" في المقهى الثقافي بأيام الشارقة التراثية