تنشط الدراما المصرية في شهر رمضان تحديدا، ويكون موسما وفرصة لعرض الأعمال الدرامية والتاريخية، ومنذ فترة بعيدة لم تتناول القنوات المصرية أعمالا دينية، سواء متعلقة بالتاريخ العام، أو التاريخ الإسلامي، وهو ما كان ملاحظا منذ فترة، أن شهر رمضان الذي كانت فيه المسلسلات الدينية ثابتا من ثوابته، حتى أصبحت معدومة، ولا وجود لها تماما منذ سنوات تزيد عن العشر.
ولأن الإنتاج الفني في مصر أصبحت تحتكره شركة واحدة، تديرها المخابرات المصرية، كي يقع كل عمل فني تحت رقابتها، واختيارها، وهي شركة المتحدة، فأصبح رمضان لا يخلو من عمل فني، يخدم السلطة، ولو من باب الإسقاط، ومن ذلك ما قامت شركة المتحدة بإنتاجه وبثه في رمضان، لمسلسل يحمل عنوان: (الحشاشين)، وهو يتكلم عن فرقة الحشاشين المعروفة تاريخيا، وهي فرقة منبثقة عن الشيعة، وبخاصة الشيعة النزارية، ولها تاريخ معروف، حيث تنتمي للفكر الباطني.
حتى الآن في الحلقات التي تم عرضها، لم تبرز بوضوح أهم الإسقاطات التي تريدها السلطة على معارضيها، فأفكار الجماعة الباطنية: الحشاشين، كانت معروفة بعدائها لأهل السنة في زمانهم، وجرى بينهم وعلماء السنة نقاشات طويلة، كان على رأسهم: الإمام أبي حامد الغزالي رحمه الله، فكتب كتابه: فضائح الباطنية، عنهم وعمن يعتنقون أفكارهم، أو يقتربون منها.
لكن اللافت للنظر في هذه الدراما، أنها أتت بلغة غير لغة هذا الزمن، فجاءت بالعامية المصرية، وهو أمر ملاحظ ومستغرب، بل مستهجن، فهو لا يخلو من دلالة التحريف لما سيكون في العمل من حيث التاريخ، فإذا غير الكاتب ـ أو القائمون على العمل ـ أهم محور جوهري في الحدث، وهو لغته، إلى لغة تتعلق بالقطرية والمحلية الخاصة، فهو لا يخلو من غرض، يخرج به عن حقيقته.
ومهما كانت المبررات بأنه أقرب لفهم الجمهور، أو أي حجة أخرى، فهو كلام لا يصح علميا ولا تاريخيا، وهذه المخالفة أصبحت سمة في عدد من الأعمال السينيمائية في مصر، وبخاصة في أفلام يوسف شاهين، فرغم تناوله لأحداث تاريخية كانت لغتها الفصحى، إلا أنه حرف فيها تاريخيا، ولغويا.
فمن ذلك: فيلمه عن (الناصر صلاح الدين)، وصلاح الدين وزمنه، كان زمن اللغة العربية الفصحى، بدون أدنى شك، فإذ به يجعل الحوار بلغة عامية، وأحيانا بعض عبارات فصحى، وأحيانا كلمات مشكلة بين الفصحى والعامية، فيما يطلق عليه بعض المعاصرين: الفصعمية، أي: الجمع بين العامية والفصحى.
كان الانزعاج من دخول خط العامية على الدراما التاريخية والدينية، ليس فقط من باب تزييف التاريخ، ولا من طمس معالمه، ولا من تجريفه، بل لأن اللغة العربية هي المستهدف الرئيس وراء ذلكوأيضا عندما أنتج فيلما بعنوان: (المصير)، عن حياة الفيلسوف الأندلسي ابن رشد، وابن رشد كان قاضي القضاة، وأحد أهم شيوخ المذهب المالكي في زمانه، وأحد أشهر فلاسفة الإسلام، وصاحب أهم كتاب في الفقه المقارن، وفلسفة الفقه، والاختلاف الفقهي بين المذاهب الفقهية، أي: أن لغة الرجل الفصحى من أعلى درجات التمكن منها، فعندما يذهب يوسف شاهين لاعتماد العامية المصرية، رغم أن معظم الممثلين المشاركين في العمل، يمكنهم أداء الدور بالفصحى، فقد كان بطل الفيلم: الفنان نور الشريف، وهو فنان مسرحي كبير، عرفت عنه أدوار مهمة بالفصحى، سواء دينية، أو تراثية.
وقد جرت الدعوة للعامية بديلا عن الفصحى في مصر، في القرن العشرين، وزادت نغمة الدعوة إليها، في الوقت الذي كانت تنطلق دعوات مماثلة، تدعو لعودة اللغة القبطية، والتي اندثرت من مصر ولم يبق منها إلا التقويم القبطي المرتبط بالزراعة في مصر، وخرجت دعوات أخرى مماثلة عن العودة للفرعونية، في مخطط لا يخفى أهدافه، من حصار لغة القرآن الكريم وإضعافها.
ورأينا ذلك في رموز الأرثوذكسية في مصر، كالبابا شنودة، والبابا تواضروس، ففي خطاباتهم العامة والخاصة، يجري الحديث بالعامية، وكان ذلك يجري عن عمد من شنودة، رغم قدرته على الحديث بالفصحى، فكثيرا ما أعلن عن نفسه، بأنه يقرض الشعر، ويحفظ ألفي بيت من الشعر، ومع ذلك نراه مصرا على الحديث بالعامية، في دلالة كانت تلاحظ من الكثيرين من الراصدين لحركة انتشار العامية.
وهو أمر ملاحظ كذلك عندما تجري المقارنة بين رموز المسيحية ومثقفيها في مصر، ورموزها ومثقفيها في الشام مثلا، ستجد أن الأرثوذوكس المصريين في القرن العشرين ـ إلا قليلا منهم ـ لم يقدموا خدمات للغة العربية وتراثها كما قدم الشوام، إلا في حالات محدودة.
وما نراه من العامية التي تقحم في مجال الدراما الدينية والتاريخية، ليس إلا سيرا على هذه الخطى، التي نراها تؤتي أثرها وأكلها السيء في ثقافتنا في مصر، فنرى ضعفا بارزا وواضحا في الإلمام باللغة، وذلك على مستويات عدة، بدأ من التركيز على المدارس الدولية، والتي تكون فيها اللغة العربية لغة هامشية، لا قيمة لها، ونرى طلاب هذه المدارس في ثقافتهم، وقراءتهم ـ لمن يقرأ ـ جلها محصورة في اللغة الإنجليزية، أو اللغات الأجنبية بوجه عام.
ولذا كان الانزعاج من دخول خط العامية على الدراما التاريخية والدينية، ليس فقط من باب تزييف التاريخ، ولا من طمس معالمه، ولا من تجريفه، بل لأن اللغة العربية هي المستهدف الرئيس وراء ذلك، وبالنظر لكل هذه المراحل من التهميش لهذه اللغة وإضعافها، لا ينظر بحال من الأحوال لهذا التعمد لفرض العامية بديلا عن الفصحى في أعمال كان واقعها الفصحى، سوى خطوة تكمل الخطوات السابقة في استهداف لغة العرب.
فإن فصل الناس عن لغتهم التي نزل بها القرآن، هو فصل بالتدريج عن فهمه، وعن استيعابه، وخروج أجيال غريبة عن القرآن والسنة ولغتهما، فضلا عن التراث العربي، في بلد فيه مجمع لغوي من أقدم مجامع اللغة العربية، وأنشطها على مستوى بلاد العرب، والناطقين بها.
[email protected]
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الدراما المصرية رمضان مصر رأي دراما رمضان مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة اللغة العربیة فی مصر ولا من
إقرأ أيضاً:
الرئيس السيسى: مصر أصبحت كما كانت على مر العصور واحة للأمن والاستقرار
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
شارك الرئيس عبد الفتاح السيسي في احتفالات عيد الشرطة، حيث قام الرئيس بوضع إكليل من الزهور على النصب التذكاري لشهداء الشرطة بأكاديمية الشرطة بالقاهرة الجديدة، ثم رأس الرئيس اجتماع المجلس الأعلى للشرطة، وحضر الرئيس الاحتفال السنوي الذي تنظمه وزارة الداخلية بهذه المناسبة، وقام الرئيس بمنح الأوسمة لعدد من أسر شهداء الشرطة والأنواط لعدد من الضباط المكرمين.
وألقى الرئيس كلمة خلال الاحتفال، فيما يلي نصها:
يطيب لي، بمناسبة الذكرى الثالثة والسبعين لعيد الشرطة المصرية، أن أتوجه بأسمى كلمات التهنئة للشرطة، نساء ورجالا الذين يقفون دوما، في طليعة صفوف الجبهة الداخلية، مدافعين عن أمن واستقرار وطننا الحبيب، ويشكلون درعا حصينا، أمام كل التهديدات والمخاطر الأمنية، التي تستهدف أرض مصر الطاهرة وشعبها الأصيل.
وفي هذه المناسبة الجليلة، نقدم تحية رفيعة، لشهداء الشرطة المصرية، الذين بذلوا أرواحهم فداء للوطن، وبرهنوا بدمائهم الزكية، على شجاعتهم وإقدامهم في مواجهة الأعداء والإرهابيين، أعداء الوطن والدين.. وهذا النموذج المشرف من الأبطال، يبث في نفوسنا على الدوام، شعور الفخر والاعتزاز.. وعلى أساسه، تقف الدولة المصرية، بكل مؤسساتها بجانب أسر أبطالنا.. وإنني أعتبر أبناء هؤلاء الأبطال وأسرهم، جزءا من عائلتي الكبيرة.. متمسكا بالعهد الذي قطعناه معا، بتقديم كل الدعم والرعاية لهم، في مختلف مناحى الحياة، لتعويض جزء مما كان يقدمه الأبطال الشهداء نحوهم.
وهنا اسمحوا لي أن أقول لكم أنه مهما قمنا به لن نعوض الشهيد أبدا… نحاول الوقوف بجانب أسرهم في هذا التوقيت الصعب… نحاول أن نبني منهج حياة.. لن ننس شهدائنا وأسرهم أبدا….
إن احتفالنا هذا العام، يأتى في وقت يمر فيه العالم، ومنطقتنا بشكل خاص، بصراعات وتحديات غير مسبوقة، تعصف بدول وتدمر مقدرات شعوبها.. ولكن بفضل الله سبحانه وتعالى؛ ثم بالجهود الدءوبة التى تبذلها القوات المسلحة والشرطة، ستظل بلادنا بمأمن من تلك الاضطرابات.. بل إن مصر أصبحت، كما كانت على مر العصـور، واحـة للامن والســلام فى المنطقة.. فقد اختارها الملايين من أصحاب الجنسيات الأخرى، ملاذا آمنا لهم، اقتداء بقول الله تعالى "ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين".. حيث تستضيف مصر، ما يزيد على تسعة ملايين ضيف، وتقدم لهم الدولة المصرية الخدمات التى يحصل عليها المصريون.. كونهم ضيوفا كراما لدينا، فى إطار من الامتثال للتعاليم الدينية السمحة، والاحترام للمنظومة القانونية المصرية.
وفي السياق ذاته، وبحكم مسئوليتها التاريخية، ووضعها الإقليمي والتزاماتها الدولية، تسعى مصر بكل طاقاتها وجهودها المخلصة، إلى نبذ العنف والسعى نحو السلام. ويعتبر اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، شاهدا حيا على هذه الجهود الدءوبة، والمساعي المستمرة التي تبذلها مصر.. إلى جانب شركائها في هذا الشأن..وسوف ندفع بمنتهى القوة، في تنفيذ هذا الاتفاق بالكامل، سعيا لحقن دماء الأشقاء الفلسطينيين، وإعادة الخدمات إلى القطاع ليصبح قابلا للحياة، ومنع أي محاولات للتهجير، بسبب هذه الظروف الصعبة.. لأنه الأمر الذي ترفضه مصر بشكل قاطع، حفاظا على وجود القضية الفلسطينية ذاتها.
إن التطرف بوجهه البغيض وتلونه المكشوف، لن يجد في مصر بيئة حاضنة له، أو متهاونة معه.. وحدتنا هى درعنا الحصين ضده، وأى محاولات لزرع الخلاف بيننا.. ستبوء بالفشل، بإذن الله تعالى. فالشعب المصرى يعتز بوسطيته، ويرفض التطرف بكل أشكاله، ويفتخر بهويته الوطنية الراسخة.. ومهما فعل الأعداء من محاولات لزرع الأفكار الهدامة، ونشر الشائعات المغرضة، فمحكوم عليها بالعدم.. والتجارب أثبتت أن يقظة القوات المسلحة والشرطة، ووعى المواطنين ووحدتهم.. كانت ومازالت حائط الصد، الذي تكسرت أمامه هذه المحاولات الخبيثة.
ومن خلال احتفالنا اليوم، أوجه رسالة طمأنة للشعب المصري الأبي، بأن الدولة المصرية، تسير في الطريق الصحيح، رغم كل التحديات.. وهو طريق يتطلب منا جميعا، العمل والتفاني للنهوض بأمتنا، وجعلها في المكانة التى تستحقها.. ونسعى بجدية لإجراء المزيد من الخطوات المتتابعة، لتعزيز دور القطاع الخاص، وتحسين مسـتوى معيشـة المواطـن المصــرى.. ونؤكد على استمرار عزيمتنا القوية وإرادتنا الراسخة، للتغلب على كافة التحديات، لنصنع مستقبلا مشرقا لمصرنا الحبيبة، وتوفير الحياة الكريمة لأبنائها؛ من خلال الحرص على مقدرات الوطن وتنميتها وحسن استغلالها، والحكمة فى اتخاذ القرارات.. التي تتعلق بالمصلحة العليا لمصرنا العزيزة.
وختاما، أتوجه إلى أعضاء هيئة الشرطة مجددا، بالتهنئة بمناسبة عيد الشرطة.. وأؤكد لكم أن مصر، ستظل فخورة بعملكم في حفظ الأمن والأمان، وكفالة سيادة القانون، لكل من يعيش على أرض مصر، في أمان واطمئنان.
وجاءت رسائل السيسي عقب الاحتفال:.
.الدولة تحتاج نحو ٢٠ مليار دولار سنويا لتوفير المواد البترولية
.الدولة تعمل على حل أزمة الدولار حتى تتمكن من توفير احتياجاتها
.توفير الدولار سيساهم فى حل كثير من المشكلات ومنها تقليل فاتورة الاستيراد
.الدولة استطاعت القضاء على الإرهاب بحلول 2022 والمواجهة لم تكن سهلة على الاطلاق.
.البنية التحتية كانت ضرورية لمواجهة التحديات التى شهدتها الدولة خلال الفترة الماضية.
.البناء الحقيقي للدولة يتخطى المطالب الفردية للمواطنين
بنية الدولة قادرة على الانطلاق إلى آفاق الدول النامية في كل القطاعات.
.الإنفاق فى الدولة المصرية كان ضروريا لبناء الدولة.
.نسعى لبناء دولة قوية وديمقراطية.
.نسير على الطريق الصحيح.